“اعتراف؟”
نظرة استغراب من جايها التقت بي إثر إعلان اعترافي المفاجئ.
هل يمكنني قول ذلك؟
عندما عزمت على الحديث بصراحة عن عودتي إلى الماضي، اجتاحتني موجة من الخوف.
حتى أنا، أرتجف أحيانًا كلما تذكرت أنني متّ وعدت إلى الحياة.
عندما يعرف كل شيء، ألن يشعر جايها بالخوف من وجودي؟
حين هممت بالكلام، شعرت بالتردد، فقبضت على يدي بإحكام دون سبب.
بينما كان يراقبني بصمت، اقترب جايها مني أكثر.
“ما الذي يخيفك إلى هذا الحد؟”
“…”
“كنت أشعر بذلك منذ فترة، وكأن هناك جدارًا شفافًا بيننا في اللحظات الحاسمة، تبدين وكأنك تسمحين لي بالاقتراب، ثم تتراجعين خطوة إلى الوراء.”
ربما شعر هو أيضًا بالضيق من كوني لا أُظهر له مشاعري الحقيقية.
لا بد أنه لا يفهم سبب سعيي الشديد للانتقام لمجرد علاقة جيهان السرية.
كنت أحدّق فيه، أتحرك بشفتي فقط دون أن أنطق، وفجأة…
“سيكون من الأفضل لو تحدثتِ بصدق قد أتمكن من مساعدتك.”
مدّ جايها يده لي، واحتضنني بلطف بينما كنت أرتجف.
وغريبٌ كيف أن قلبي، الذي ظلّ مضطربًا طوال الطريق إلى المنزل، بدأ يهدأ تدريجيًا.
“أنا خائفة… من أن ترحل عني إن تحدثت بصدق، يا جايها.”
رفعت رأسي من بين ذراعيه ونظرت إليه.
ولما رأى الخوف يملأ عينيّ، هزّ رأسه نافيًا وكأنه يقول إن ذلك لن يحدث أبدًا.
“ولِمَ أرحل عنك؟ أنا زوجك.”
نظراته الثابتة التي لم تتزعزع قيد شعرة وصلت إليّ.
وكأن عينيه تقولان لي إنه لا بأس بأن أحكي، فشعرت بغصة في قلبي.
كيف يعرف ما الذي سأقوله…
لكن، نظراته المليئة بالثقة منحتني بعض العزاء.
وبينما كنت أشعر بيده تربت على ظهري، فتحت فمي بحذر.
“أنا…”
لكن حين أردت أن أتابع، خانتني الكلمات.
تسلل التوتر إلى قلبي، فابتلعت أنفاسي بعمق ثم زفرتها.
“في الحقيقة… لقد متُّ مرة.”
أخرجت السر الذي ظلّ مخفيًا عن الجميع.
ذلك الحديث الذي لم أبح به لأي شخص من قبل.
“مُتّ؟ ما الذي تعنينه…؟”
اتسعت عينا جايها في دهشة، وحدّق بي وكأنه لا يستطيع استيعاب ما سمعه.
“لقد متُّ في الماضي، مرة واحدة.”
كررت ذلك، فرأيت جايها يمرر يده على وجهه.
يداه المرتجفتان وهو يفرك وجهه الجاف، دلت على صدمته من اعترافي.
صحيح… حتى أنا أجد الأمر صعب التصديق.
من ذا الذي سيصدّق شيئًا كهذا؟ أنني متّ وعدت إلى الماضي.
“أعني… لا أقصد موت عائلتك، بل أنتِ، يوجين، تقولين إنكِ متِّ؟”
بدا جايها وكأنه يحاول ترتيب أفكاره، ثم سألني مجددًا للتأكيد.
هززت رأسي ببطء، فرأيت وجهه يكسوه الذهول.
رمش بعينيه عدة مرات، ثم سأل بصوت مرتجف:
“…متى؟”
“بعد خمس سنوات من الآن متُّ وأنا في الرابعة والثلاثين من عمري وطبعًا، ما أنا عليه الآن هو بعد موتي وعودتي إلى الماضي.”
بدا جايها عاجزًا عن الكلام، وكأنّه يسمع حكاية من فيلم.
حدّق بي بنظرات مضطربة، ثم انهار جالسًا على الأريكة خلفه.
“في الماضي، تزوجت من سو جيهان بدا زواجنا وكأنه يسير بسلاسة، لكن مشكلتي أنني كنت أثق به كثيرًا.”
“…”
“في حياتي السابقة، لم أكن أعلم عن علاقته مع تشاي سيورين وكان يقنعني بكلام معسول أن أعتمد عليه وسط تعقيدات الاندماج والأمور المتعلقة بالشركة.”
شفتا جايها ارتجفتا إثر كلماتي التي واصلتها:
“قال لي إننا زوجان على كل حال، ولا بأس بنقل الحصص إليه وصدقته، لأنني كنت أعتقد بصدق أنه عائلتي الوحيدة.”
“هاه…”
أطلق جايها تنهيدة ثقيلة وهو ينظر إليّ وأنا أحكي بكل برود.
تأملت وجهه الذي علاه الحزن، وتابعت:
“لكن، هو من قتلني.”
“ماذا؟”
اتسعت عينا جايها بدهشة لا تُقارن بما سبق.
“أعني… لا أملك دليلاً قاطعًا بعد لكن يبدو أن تشاي سيورين وسو جيهان قتَلاني معًا.”
“…”
“يوم الطلاق أمام المحكمة، دهسني بسيارته رجل يُدعى جونغ ديهو وبعدها عدت إلى الماضي.”
جمد جايها في مكانه.
يبدو أنه لم يتخيل أبدًا أن سبب موتي قد يكون جريمة قتل.
نظرت إليه، وابتسمت بسخرية.
أي شخص يسمع هذه القصة سيردّ بهذا الشكل.
حتى أنا لا أصدقها أحيانًا.
فكيف يمكن للناس أن يتقبلوها؟
“هذا هو سبب انتقامي.”
حدق جايها في الفراغ، كأنه آلة أصابها العطل.
كان يبدو أن عقله امتلأ بالأسئلة لدرجة الانفجار.
أرأيت؟
حتى أنا لا أستطيع تحمّل هذه القصة، فكيف به؟
نظرت إلى جايها المتجمد في مكانه، ثم أدرت ظهري.
يبدو أن كلينا، أنا وهو، بحاجة إلى بعض الوقت.
***
تساءلت إن كان سكب ماءٍ باردٍ على رأسي سيعيد إليّ صوابي، فدخلت الحمام.
ربما لأن توتري قد انحل، جلست مباشرةً داخل حوض الاستحمام دون حتى أن أخلع ثيابي.
ظلّت عينا جايها المرتجفتان، التي كانت تتخبط في الحيرة، تتكرر في ذهني.
لم أنسَ ملامح جايها التي بدت مصدومة أكثر مما كنت أتوقع.
«ليتني لم أخبره بأمر عودتي في الزمن.»
تسللت ندامة عميقة إلى أعماق قلبي.
كنت أظن أن جايها سيكون بخير مع الأمر… لكن يبدو أنه ليس شيئًا يمكنه تحمّله.
“ماذا أفعل؟”
لقد انسكب الماء بالفعل.
أنا فقط متّ وعدت إلى الحياة، لكن شعورًا بأن جايها قد رفضني مزّق صدري.
رغم أن المياه الدافئة كانت تنسكب داخل الحوض، شعرت بالقشعريرة، فضممت ركبتي إلى صدري.
ماذا عليّ أن أفعل الآن؟
هل سأبتعد عن جايها هكذا ببساطة؟ هذا التفكير جعل قلبي يقفز بجنون.
أغمضت عيني ببطء، فتجلّت أمامي الذكريات التي جمعتني به.
رغم أننا لم نقضِ معًا سوى بضعة أشهر، إلا أن ذكريات لا حصر لها اندفعت نحوي.
«هل يمكنني أن أعيش من دون هذا الرجل؟»
هززت رأسي ببطء.
«لا، لا أستطيع…»
لم أعد أستطيع تخيل حياتي من دونه.
راودني شعور بالاستعجال، بأنني لا أستطيع التفريط به بهذه السهولة.
«لا، مستحيل.»
الماء الذي انساب من ملابسي المبللة كان يتقطّر على الأرض، لكني لم أشعر به.
كل تركيزي كان متجهًا نحو جايها الذي لا بد أنه في غرفة الجلوس.
«لا يمكن أن نبتعد بسبب شيء كهذا.»
جايها هو الشخص الوحيد في هذا العالم الذي يقف إلى جانبي.
شعور بأنني لا أستطيع فقدانه، جعلني أندفع لفتح باب الحمام.
في تلك اللحظة، التقت عيناي بعيني جايها الذي كان واقفًا مباشرةً أمام الباب.
فُتح الباب فجأة فبدت ملامحه مذهولة.
وحين رأى فستاني المبلل الذي التصق بجسدي وأظهر تقاسيمه، تجمّد في مكانه.
“قلتِ إنك ستستحمين ، فلماذا خرجتِ هكذا؟ ثم، ملابسكِ…”
أدار جايها وجهه عني على عجل.
أمسكت ياقة قميصه بسرعة، مانعةً إياه من العودة إلى داخل الحمام.
“لا تذهب.”
“إلى أين أذهب؟! لكن على الأقل لُفّي منشفة حولكِ.”
نظره انزلق خلسة إلى بشرتي التي كانت تظهر من تحت الملابس المبللة، ثم أبعد عينيه بسرعة.
اقتربت منه، واحتضنت خصره.
يبدو أنه لم يتوقع أن أعانقه، فوقف متيبسًا في مكانه.
“صحيح أنني متُّ وعدتُ للحياة، لكنني لست كائنًا مخيفًا يستحق أن تُبتعد عنه أنا فقط يون يوجين التي تعيش حياتها للمرة الثانية.”
“……”
“إن ابتعدتَ أنتَ أيضًا عني، سيكون ذلك مؤلمًا للغاية.”
حين تذكرت ملامح جايها الصادمة قبل قليل، انهمرت دموعي دون إرادة.
نظرات الناس المليئة بالازدراء يمكنني احتمالها لكن لا أريد رؤية مثل تلك النظرات من جايها
لم أشعر حتى بأن الماء الذي سال من ملابسي المبللة بلّل قميصه.
ما شعرت به فقط، هو أن انتظار رده استغرق وقتًا طويلاً جداً.
“هاه…”
تنهد جايها بعمق.
لأنني كنت قد خبأت وجهي في صدره، لم أستطع رؤية تعابيره، فخفق قلبي بعنف.
خشيت أن يرحل بهذه الطريقة وتدفقت دموعي مجددًا من الخوف.
أمسك جايها بيدي التي كانت تطوّق خصره، وأنزلها بهدوء.
“لماذا أبتعد عنك؟ لست خائفًا أبدًا سواء كنتِ في حياتكِ الثانية، أو العاشرة، فأنتِ بالنسبة لي يون يوجين فقط.”
استدار نحوي ببطء وواجهني.
لم أكن أدرك مدى الحزن الذي غطّى وجهه إلا حين نظر إليّ مباشرة.
“كنت فقط بحاجة لترتيب أفكاري… لم أتمكن من استيعاب الأمر بعد، فشعرت أنني لا أستطيع احتضان ألمك كما ينبغي.”
“……”
“لذا حاولت فقط أن أهدأ للحظة… هاه أشعر أنني أهذي بكلامي.”
هزّ جايها رأسه، ثم لفّني بالمنشفة الكبيرة التي جلبها معه.
بعدها، أمسك وجنتيّ بكلتا يديه، وحدّق فيّ بعينين لا تهتزّان.
خفقان قلبي المضطرب بدأ يهدأ تدريجيًا.
ربما لأنني شعرت براحة عميقة تؤكد أنه لن يتركني.
وفي هذه المرة، انهمرت دموع من نوع آخر.
“أجعلُكِ تبكين دومًا، أليس كذلك؟”
بدأ يمسح دموعي المتساقطة بلا انقطاع بدلًا عني.
وضعت يدي فوق يده التي كانت تمسح وجهي بلطف.
شعرت أن جايها يضعني في المرتبة الأولى، رغم صعوبة قبول سرّي، بدلًا من الانشغال بارتباكه الخاص.
شعرت أن دفء جايها يتغلغل إلى قلبي.
من الذي يمكن أن يصدقني دون قيد أو شرط هكذا؟ لا أحد سوى هذا الرجل.
كالأرض التي تزداد صلابة بعد المطر، زاد حبي له رسوخًا.
“أنا لا أبكي لأنني حزينة… بل لأنني ممتنة لك، يا جايها… ولهذا…”
لم أتمكن من إكمال الجملة بسبب اختناقي بالعبرة، لكن لا بأس.
نظرات جايها التي غمرتها الحنان، أوحت لي أن مشاعري قد وصلته.
“وأنا ممتن أيضًا ، ممتن لأنكِ وثقتِ بي هكذا.”
ذهب جايها يمرر يده بلطف بين شعري المبلل.
“لا بد أنه كان صعبًا عليك قول الحقيقة بهذه الصراحة.”
ما الذي يحدث لي؟ لماذا يبدو هذا الرجل مشرقًا إلى هذا الحد؟
لم أستطع أن أزيح عيني عن جايها ك الذي كان يبتسم لي بلطف.
رغم أن هذا ليس وقتًا مناسبًا، إلا أن مشاعرًا متناقضة بدأت تشتعل داخلي.
رغبة عابثة، أن أضم هذا الرجل الذي غرق في البلل مثلي.
“ثم، أنا لن أذهب إلى أي مكان سأبقى إلى جانبكِ طويلاً، طويلاً.”
وبينما هو لا يدرك ما يدور في داخلي، بدأ يجفف شعري المتقاطر بالماء بالمِنشفة.
“هيا، غيّري هذه الملابس المبللة الآن.”
كلما انسابَت أصابعه بين خصلات شعري، شعرت وكأن خلايا جسدي كلها تستجيب لتلك اللمسة.
“قد تُصابِين بالزكام…”
حين رفع رأسي وهو لا يزال يحتضن وجنتي، التقت عيناي بعيني جايها مباشرة.
مرّت ثانية، ثم أخرى، وتشابكت نظراتنا بلا نهاية.
ربما جايها أيضًا لاحظ المشاعر التي تسللت إلى عيني، فرمش بعينيه للحظة.
حين رأيت ذلك، أمسكت بيده وسحبته نحوي.
“أحبك.”
بعد صمت قصير جدًا…
“هاه…”
ارتجف طرف شفتي جايها بينما أطلق تنهيدة عميقة.
أغمض عينيه ببطء ثم فتحهما من جديد، وكانت عيناه، التي اعتادت أن تهتز بتردد، قد هدأت تمامًا.
“حين تفعلين هذا وأنتِ بهذا الشكل… يصعب عليّ أن أتماسك.”
رأيت في أعماق عينيه اشتعال شهوة لا تخفى.
رغبة لم تستطع حتى الجفون المنخفضة أن تخفيها.
لطالما راودني القلق أن اعترافي بمشاعري قد يفسد كل شيء.
ولم يكن من السهل عليّ الاعتراف بها أمام جايها، لكن ربما لأنني بُحت له بكل شيء اليوم…
لسببٍ ما، شعرت بالشجاعة.
شجاعة تدفعني للتفكير: أليس من حقي الآن أن أكون صادقة مع مشاعري؟
“لا حاجة لأن تتماسك.”
لأني أنا أيضًا، لم أعد أستطيع التحمل أكثر.
“عانقني.”
عينا جايها اهتزتا للحظة، وكأنه يحاول استيعاب مغزى كلماتي.
ثم اقترب مني واحتضن خصري، وهمس في أذني بصوت منخفض:
“أنا لا أنوي التوقف في منتصف الطريق.”
“هذا ما كنت أريده.”
وحين جذبت عنقه نحو شفتيّ وقبّلته، سقطت المنشفة التي كانت تلف جسدي على الأرض.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 93"