وما إن خرجتُ من قصر بيونغتشانغ-دونغ بقلبٍ قد أصبح أخفّ قليلًا، حتى بدأت تتساقط قطرات المطر الغزير.
يبدو أن مطرًا غزيرًا ومفاجئًا قد بدأ في الهطول
ولأنها مطر مفاجئًا لم تكن مذكورة في النشرة الجوية، اضطررتُ إلى الركض عَبْرَ الحديقة.
كانت المسافة إلى موقف السيارات لا بأس بها، لذا كنت سأبتلّ بالكامل على الأرجح.
«فلأذهب فحسب.»
إن عدتُ إلى القصر لاستعير مظلة، سأضطر إلى مواجهة كبار العائلة مرة أخرى.
ولم أكن أظن أنني سأسمع منهم ما يسرّ، لذلك كنت على وشك أن أركض وسط المطر، حين وردني اتصال من العم هيونيك.
يبدو أنه اتصل بي بعدما التقى بـسورين.
“نعم، عمّي هل التقيت بـتشاي سورين؟”
– أنا؟ لا، لم ألتقِ بها اتصلت لأخبرك بشأن اعتراف السيد جونغ أوه… ألَم تسمعي بعد؟
“عذرًا؟ هل حدث شيء؟”
ألم أسمع؟… ما معنى ذلك؟
كان في صوته الذي وصلني عبر الهاتف كثيرٌ من الاستغراب.
«هل فاتني شيء من مخطط اليوم؟»
بدأ قلبي ينبض بنسق مضطرب.
شعور بالقلق بدأ يزحف داخلي دون سبب واضح، متأثرًا بكلمات العم التي توحي بوجود شيء لا أعلمه.
– من ذهب اليوم إلى الفيلا في تشونغبيونغ هو المدير سو جايـها ظننتك على علم بذلك.
تجمّد جسدي بأكمله عند هذه الجملة غير المتوقعة.
حين وصلت إلى بيونغتشانغ ، وتحدثت مع جايها ، لم أسمع أي شيء عن ذلك.
“الشخص الذي ذهب إلى تشونغبيونغ هو جايها…؟”
لماذا ذهب جايها إلى هناك…؟
هبط قلبي كما لو سقط من علٍ.
انهمر المطر كما لو أن السماء قد فُتحت عن آخرها.
وسط هدير المطر الغزير، كان بإمكاني سماع دقات قلبي المجنونة تتخطى صوته.
***
كانت سورين، وهي تقود السيارة، لا تكف عن التفكير في جايها الذي قابلته في الفيلا.
كانت تظن أنّ يوجين ستكون هناك، لكنها فوجئت بأن من كان ينتظرها هو جايها.
كانت سورين تنوي أن تركع أمام يوجين إن تطلّب الأمر، فقط لتتوسل إليها أن تغض الطرف هذه المرة.
لكن ظهور جايها بدلًا منها أربكها.
فكرت أنها يجب أن تطلب الصفح حتى من جايها ، مهما كلّفها الأمر.
إلا أن ما تلقّته منه كان ردًّا باردًا.
“صفح؟ يا لكِ من وقحة، تشاي سورين.”
“…….”
“أحضرتِ زوجتي إلى هنا فقط لتتوسلي العفو؟”
كأنّ مجرد التفكير في أن أحدًا قد استدعى زوجته إلى مكان بعيد كهذا لمجرد طلب العفو جعله يمتلئ بالاشمئزاز.
ارتعشت سورين من النظرة القاسية التي كادت تغرز في صدرها كالسهم.
«هل كان المدير سيو دومًا بهذه القسوة؟»
الرهبة التي تصدر منه كانت تثقل على جسدها كله.
لا بدّ أن جايها قد سمع من يوجين أنها كانت وراء طلب القتل المأجور من السيد جونغ.
فما حدث كان أقرب إلى قتلٍ متعمَّد، لذا من الطبيعي أن يظهر بهذا العداء الشديد.
عضّت شفتيها وهي تفكر بكيفية إقناعه.
«مهما حصل، يجب أن أتجنّب أن تصل المسألة إلى الشرطة.»
قالت بصوتٍ متوسّل وقد انهارت أمام رهبة جايها:
“أنا آسفة أقسم لم أكن أقصد أن يحدث هذا السيد جونغ… هو من خرّب المكابح من تلقاء نفسه!”
“…….”
“نعم؟ أرجوك، أرجوك سيدي، امنحني فرصة واحدة فقط سأفعل أي شيء تطلبه.”
“هاه، سيدي؟”
تألّقت عينا جايها بحدة أكبر حين سمعها تناديه بـسيدي.
كانت تعتقد أن تذكيره بأنهما من عائلة واحدة قد يخفف من غضبه، لكن يبدو أنها أثارت النقيض تمامًا.
الخيبة ظهرت واضحة على وجه سورين.
“أي شيء، تقولين؟”
“نعم، نعم! أي شيء ما تطلبه، سأنفّذه فقط أرجوك…”
كانت عازمة على تنفيذ أي شيء يأمرها به، أيًا يكن.
ومع ذلك، بدا أن جايها كان يختبر نواياها بنظرة طويلة.
“حقًا؟ إذن، اقفزي في بحيرة تشونغبيونغ.”
مدّ ذراعه وأشار نحو البحيرة الشاسعة الممتدة أمامه.
أن تقفز في البحيرة؟! هل هو جاد؟!
«يطلب مني أن… أموت؟!»
أخذت ترتجف كما لو كانت ورقة شجر في مهب الريح.
ونظرات جايها التي كانت أكثر برودة من الجليد أكّدت لها أنه لم يكن يمزح.
“لو كنتِ تملكين تلك الجرأة، قد أعيد النظر.”
لكن نظرة السخرية التي لمعت في عينيه دلّت على أنه يعرف أنها لا تملك ذلك النوع من الجرأة.
“بمعنى آخر، فات الأوان لتطلبي الصفح.”
فهمت سورين من كلماته أنه لا نية لديه للمسامحة.
وما دامه كذلك، فلا شك أنّ هذه أيضًا هي رغبة يوجين.
«مـ… ماذا أفعل؟»
انهارت سورين جالسة على الأرض.
ومع تصاعد القلق في صدرها، بدأت تلقائيًا تعض على ظفرها.
نظر إليها جايها بنظرة ازدراء، ثم استدار مبتعدًا.
“آه، سمعت أنكِ اشتريتِ تذكرة طائرة إلى بريطانيا.”
توقّف في منتصف خطاه وكأنّه تذكّر أمرًا، ثم التفت نحوها ليتحدث مجددًا.
“كـ… كيف عرفت؟”
فوجئت سورين بشدّة لدرجة أنها فقدت القدرة على الكلام.
كانت قد اشترت التذكرة مسبقًا، تحسّبًا لأي لحظة قد تُعتقل فيها.
“كنت أعلم من قبل أنك قصيرة التفكير، لكن أن تظني أن تلك التذكرة ستكون مجدية؟”
“……؟”
ابتلعت ريقها وهي ترى جايها يقترب منها.
وكان كلما التقت عيناها بعينيه السوداوين، شعرت كما لو أن سكاكين تمزّق جلدها.
“بعد أن حاولتِ قتل المرأة التي أحبها ، ظننتِ أنكِ ستفرّين بسلام؟”
***
في طريق العودة إلى منزلها، لم تخرج صورة نظرات جايها من رأس سورين، فكانت يداها لا تكفّ عن الارتجاف.
كان قلبها يخفق بسرعة جنونية، حتى ظنت أنه سينفجر.
أثناء العودة إلى سيؤول، اتصلت بجيهان مرارًا، لكنه لم يُجب.
جيهان لم يسبق أن تجاهل اتصالاتها لهذا الحد من قبل.
وحتى مدير المكتب كيم، لم يُجب على اتصالاتها.
بدأ القلق يتسلل إلى عمودها الفقري كتيار بارد.
«هذا… هذا ليس طبيعيًا!»
بيدين مرتجفتين، ضغطت على لوحة الباب الإلكترونية.
لكن أصابعها كانت ترتعش بشدة، فاضطرت لإعادة إدخال الرقم عدة مرات.
وحين دخلت أخيرًا إلى المنزل، فوجئت بالفوضى العارمة داخله.
هبط قلبها بقوة.
“مـ… ما هذا…! أوبا!”
شعرت بقشعريرة مشؤومة تسري في جسدها.
بحثت عن جيهان في أنحاء البيت حتى دخلت إلى المكتب، الذي كان بابه نصف مفتوح.
“أوبا، ما الذي جرى…؟”
نظرت إلى جيهان الجالس في المكتب.
وأمامه زجاجات خمر فارغة متناثرة.
وبدا أن المكتب بحالة أكثر فوضى من غرفة المعيشة.
كانت رفوف الكتب قد سقطت، والكتب التي كانت تملأ الجدران مبعثرة بلا ترتيب.
نهض جيهان عن كرسيه عندما رآها تدخل.
وما إن التقت عيناها بعينيه الممتلئتين بالغضب، حتى ارتجفت.
كان مختلفًا تمامًا عن جيهان المعتاد.
حتى حين كُشف أمر القتل المأجور، لم يكن بهذا العداء.
«ألا يكون…؟»
من النظرة التي تغيّرت في عينيه، أدركت سورين كل شيء.
لقد علم بحقيقة حملها الزائف، الذي كانت تخفيه بشدة.
“أو… أوبا أعتقد أن…”
ألقى بالكأس الفارغ الذي في يده نحو الجدار.
وتحطم الزجاج على الحائط، لتنغرس إحدى شظاياه الحادة في خدها.
شعرت بألمٍ لاذع، لكنها لم تكن تملك وقتًا للالتفات إليه.
لحقت بجيهان وهو يهم بالخروج من المكتب.
“أوبا!! أنا آسفة، انتظر! دعنا نتحدث!”
وقفت في وجهه في وسط غرفة المعيشة.
“أنا آسفة لم أكن أنوي خداعك من البداية… ههههق.”
جلست على الأرض تبكي وتصرخ.
كان صراخها نابعًا من ذعر حقيقي، فقد شعرت أنه إن تخلّى عنها جيهان ، فلن يبقى لها مهرب من السجن.
ماذا أفعل؟ أمي… ماذا عساي أن أفعل؟
قال جيهان بسخرية ملتوية وهو يرمي نحوها ظرفًا من الأوراق:
“هل تظنين أن قولك آسفة يُنهي كل شيء؟”
تساقطت من الظرف صورة لجنين ودفتر متابعة الحمل.
“مقزز… أن تختلقي وجود طفل غير موجود لتخدعينني!”
“سأشرح لك كل شيء… أرجوك، امنحني فرصة واحدة فقط!”
“فرصة؟ لقد منحتك بالفعل فرصة لتكوني صادقة معي.”
ارتجف قلب سورين وسقط كالصخرة حين قابلت نظرات جيهان الغاضبة.
كانت لا تزال تتذكر بوضوح ما قاله لها في موقف السيارات.
لكنها شعرت أنها وصلت إلى طريق مسدود، فركعت في مكانها.
وانهمرت دموعها فجأة على السجادة.
“لم أستطع قولها… أحبك كثيرًا، كنت خائفة… كنت أراك شخصًا لا يمكن الوصول إليه.”
“…….”
“عندما قالت لي يوجين إنك حتى لو فسخت خطوبتك منها، ستجد فتاة أخرى شبيهة بها بسرعة… خفت كثيرًا أرجوك، سامحني مرة واحدة فقط.”
“…….”
“سأقضي حياتي كلها وأنا أكفّر عن ذنبي… أنا خائفة جدًّا.”
رغم أعذار سورين المتواصلة، لم يرف لجيهان جفن.
شعرت سورين باليأس، وخافت من أن يُنكرها جيهان أيضًا.
مدّت يدها إليه بوجه يملؤه التوسل، لكنه دفع يدها بعيدًا بلا تردد.
“ولماذا يجب أن أساعدك؟”
“…….”
“يبدو أنك فهمتِ الأمور خطأ… لم أحاول إنقاذك لأنني أحبك.”
انحنى جيهان وواجه سورين على مستوى العين.
عندما نظرت إلى عينيه الباردتين والقاسيتين، شعرت كأن قلبها يُعتصر بلا رحمة.
“فعلتُ ذلك لأنك كنتِ أمًّا لطفلي الذي سيولد.”
ثم مزّق ورقة تسجيل الزواج المكتوبة بعناية أمام عينيها.
“لا! لا تفعل هذا، أوبا!”
صرخت سورين واحتضنت الأوراق الممزقة بين ذراعيها، وكأنها تحتضن بقايا علاقة انتهت بانفجار.
“كل هذا كان بدافع الحب لك… هل كان لا بد من كل هذا؟”
“حب؟ احرصي على اختيار كلماتك بدقة.”
ألقى جيهان نظرة باردة وساخرة نحو سورين التي كانت تبكي.
طَقّ.
أمسك بذقنها المنخفض ورفع وجهها للأعلى.
وكان وجهها، المسحوب بفعل يده، شاحبًا كصفحة بيضاء.
“كله كان من أجل تحقيق أوهامك، أليس كذلك؟”
نظر إليها بنظرة أبرد من الجليد وتابع كلامه.
“ظننتِ أنني لن أكتشف أنكِ وضعتِ جهاز تنصت في مكتبتي؟”
“……هاه!”
شهقت سورين، وقد انتابها الرعب.
جيهان كان يعرف بشأن التنصت!
متى علم بذلك؟!
جسدها كله ارتجف تحت نظراته الثقيلة والعميقة.
بدأت تتساءل إن كان الرجل الواقف أمامها هو نفسه جيهان الذي عرفته من قبل.
كيف يكون هذا الشخص القاسي والساخر هو نفسه الرجل الذي رغبت فيه بكل شدة؟
خيم على وجه سورين إحساس عميق بالخذلان.
ومع لحظة اليأس حين شعرت أن كل شيء قد انتهى، مدّ جيهان يده وناولها جهازًا لوحيًّا.
“تأكدي بنفسك.”
أنزلت سورين عينيها نحو الشاشة.
كان يُعرض عليها خبر صباح اليوم في نشرة الأخبار.
[ الخبر التالي : حادث السيارة الذي تعرض له السيد سو جايها ، الأبن الأكبر لمجموعة هوجين قد كُشف أنه كان محاولة اغتيال مدفوعة الأجر ]
محاولة… اغتيال؟!
اهتزت يدا سورين بقوة حين سمعت صوت المذيع يتحدث من الجهاز اللوحي.
[ومن الصادم أن الجهة التي حرضت على القتل تبين أنها المذيعة المشهورة المعروفة بالحرف “C”.]
أشار جيهان إلى الشاشة بطرف ذقنه وهو يسخر.
“شاهدي نتيجة ما صنعتِه الأمر لن ينتهي فقط بتدمير حياتك.”
“أوبا…”
“بسببك، أصبحت عائلتنا كلها محط سخرية!”
صرخ بصوت عالٍ في وجهها، حتى بدا أن الدنيا تدور بعينيها من الصدمة.
فهمت عندها أن كل شيء قد انتهى.
سورين، التي كانت تنشج بصوت ضعيف، أمسكت بذراع جيهان وهو يهم بالنهوض.
“أنا أخطأت، أرجوك… فقط مرة واحدة، أرجوك!”
لكن جيهان دفع يدها بوحشية.
بل وذهب ينفض بنطاله وكأنها لطّخته بتراب نجس.
في تلك اللحظة، رنّ جرس الباب في المسكن.
لم يكن من المفترض أن يأتي أحد إلى بيت يسكنه شخصان فقط.
نظرات سورين، المرتجفة من القلق، توجهت إلى جيهان.
“افتحي الباب.”
“……ماذا؟”
“افتحي الباب”
“ماذا .…’
لا… مستحيل، أليس كذلك؟
نبض قلبها تسارع كمن على وشك الانفجار، ولم تكن قادرة على التنفس.
اللحظات التي انتظرت فيها رد جيهان بدت لها وكأنها دهور.
ثم ابتسم لها ببرود قاسٍ:
“لأنهم على الأرجح رجال الشرطة الذين جاؤوا لأخذك.”
حين سمعت كلمة “الشرطة”، شعرت أن أذنيها قد توقفتا عن السمع.
حينها فقط، فهمت ما كان يعنيه جايها حين قال لها في الفيلا في تشونغبيونغ:
“الحبل الوحيد المتبقي لك هو سو جيهان ، فتوسّلي إليه إن شئت.”
“…….”
“رغم أنني أشك في أن ذلك الحبل سيظل موجودًا بعد اليوم.”
كان جايها يعرف.
كان يعلم أنها ستُعتقل حال عودتها إلى المنزل، وأن جيهان سيتركها.
نظر إليها جيهان من أعلى بنظرة باردة للغاية.
وكأنه يضغط عليها بالصمت، رن جرس الباب مرة أخرى.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 91"