“وأنا كذلك.”
كان هذا جوابي على جيهان الذي سألني عن سبب وجودي مع شقيقه.
لمعت نظرة عينيه للحظة قصيرة قبل أن تهدأ وكأن شيئاً لم يكن.
“أنت حقاً شامخة حتى النهاية.”
تألّم قلبي وأنا أنظر إلى جيهان الذي رفع ذقنه باعتداد أكبر.
لم أصدق أنني مضطرة إلى مشاهدة مشهد خيانة خطيبي، ليس فقط في حياتي السابقة، بل أيضاً الآن.
“بما أننا جلسنا بجوار بعضنا البعض، لا فرق أن نجلس معاً.”
كان جايها من بدأ الحديث وسط الصمت الثقيل.
بدت نظراته وكأن الموقف يثير اهتمامه.
“دعونا نجلس معاً.”
خطيبي وشقيقه، بالإضافة إلى زميلتي مقربه كان الجلوس بشكل منفصل تصرفاً أكثر غرابة.
لكنه كان السيناريو الذي لم أرغب به أبداً لم أتوقع أن أواجههم وجهاً لوجه هكذا.
جلس الأربعة على الطاولة الدائرية التي كانت مجهزة مسبقاً بشكل طبيعي.
على الرغم من شهرة المكان في تقديم طعام شهي، لم أستطع مد يدي إلى الطعام.
لم يكن هناك أي حديث يدور حول الطاولة سوى صوت اصطدام أدوات المائدة بين حين وآخر.
على عكس الأجواء المنعشة من الموسيقى والأحاديث الهادئة المحيطة، ساد حولنا الصمت فقط.
ملامح وجهي المتصلبة ظلت على حالها وكأنني جالسة على وسادة من الشوك.
ما خطف أنظاري أكثر من أي شيء آخر كان الفستان الذي كانت ترتديه.
“اشتريتِ ذلك الفستان.”
“……؟”
رفعتُ صوتي فجأة، فتفاجأت سورين ورفعت رأسها.
عندما التقت أعيننا، ابتسمت لها بلطف.
“كنت أظن أنك اخترته كهدية لي، لكنه كان لكِ، أليس كذلك؟”
لفت انتباهي الفستان ذو النقوش الصاخبة الذي كانت ترتديه.
كان ذلك الفستان واحداً من القطع التي اختارتها سورين عندما ذهبنا إلى متجر فاخر في مركز التسوق.
بدأ وجه سورين يحمر شيئاً فشيئاً.
“كنت أعلم أنه لا يناسب ذوقي كان عليكِ أن تخبريني، سورين.”
وضعت أدوات المائدة التي كانت ترتجف بين يديها على الطاولة.
كانت قد مدت بطاقة خطيبي بكل فخر، فلم يكن بإمكانها إنكار الأمر الآن.
“لقد اخترتِ فستاناً لا أعتقد أنني كنت سأشتريه حتى لو كنت سأدفع مالاً مقابله كان عرضاً ترويجياً…….”
أشرت بعيني إلى إحدى النساء المارة بجوار طاولتنا، التي كانت ترتدي الفستان ذاته.
ارتجفت شفتا سورين عندما رأت المرأة.
“في الواقع، أرى عدة نساء يرتدين هذا الفستان كل يوم لكن، طالما أنه يناسب ذوقكِ، فلا بأس.”
كانت كلماتي مشبعة بنبرة واضحة تعني أن هذا المستوى يناسبها تماماً.
ويبدو أنها فهمت قصدي تماماً، إذ راحت يدها المرتجفة تشد مفارش الطاولة.
“يبدو أن جيهان ممتن كثيراً لسورين؟ كانت تحمل بطاقته.”
حرفتُ الهدف فجأة إلى جيهان.
تغيرت ملامح وجهه الساكنة إلى برودة شديدة.
رأيت سورين، التي احمر وجهها، تخفض يديها المرتجفتين إلى أسفل الطاولة.
عندما التقت أعيننا، ابتسمت لها برقة.
“سوء فهم.”
كان جيهان ينظر إلي بوجه متصلب.
خرج صوته المنخفض البارد من بين شفتيه المغلقتين بشدة.
“طلبتُ منها أن تختار لكِ هدية بدلاً عني لقد بذلت جهداً كبيراً وهي تتسوق من أجلي أردتُ أن أعبر لها عن امتناني، لكن شعرت أن ذلك الفستان وحده لا يكفي.”
كانت عيناه أكثر حدة من المعتاد وهو يحدق بي.
“كما قلتِ، لم يكن بمبلغ كبير لذا أردتُ دعوتها اليوم لتناول مشروب تقديراً لها.”
ثبت عينيه في عيني بثبات دون أن يرف، ثم سأل:
“هل هذا كافٍ كجواب لكِ؟”
ارتسمت ابتسامة على شفتيه وهو يردد إجابة جاهزة.
“كنت أعلم أنك ستقول ذلك.”
أومأت له رأسي بينما كان ينظر إلي بابتسامة ثابتة.
ابتسمت كأن شيئاً لم يكن، رغم أنني شعرت أنني سأختنق.
لم آكل شيئاً، لكن مجرد رؤيتهما جعلني أشعر بالغثيان.
“جوابك نظيف للغاية شكراً لكِ سورين وشكراً لك أيضاً.”
“…….”
“بما أنني تلقيت هدية من خطيبي وزميلته المقربة، يبدو أنه يجب أن أنتظر هدية أخرى.”
فجأة التقت عيناي بعيني جايها الجالس أمامي.
كأنه كان يعرف ما أشعر به، ملأ كأسي بالخمر مجدداً عندما أنهيت كأسي.
أدرت وجهي بعيداً عن ابتسامته المتأنية.
“وأريد العودة إلى عملي في الإعلام.”
ألقيت هذه القنبلة باتجاه جيهان الذي كان يرفع سكينه.
تجمد السكين في الهواء بسبب الموضوع الجديد الذي فتحته فجأة.
“أليس هذا الأمر قد انتهى؟”
“أون جين أوني قالت إنها ستساعدني المدير لا يستطيع أن يعارضها.”
كانت أون جين زوجة المدير وقريبتي البعيدة.
“سأعود إلى منصب مقدمة الأخبار في نشرة التاسعة، ولو اضطررتُ لصنع فرصة بنفسي.”
طرق جيهان السكين بقوة على الطاولة تعبيراً عن غضبه.
“يون يوجين.”
حينها.
سورين، التي كانت تراقب الموقف بصمت وكأنها فأر مذعور، لم تستطع التحمل أكثر، فنهضت فجأة.
تحولت أنظار الجميع نحوها.
رأيت يدها النحيلة ترتجف وهي تضعها على الطاولة.
“……سأذهب إلى الحمام.”
استدارت بسرعة، وأسقطت كأس النبيذ بجانبها.
طنين.
تحطم الكأس وسكب النبيذ على بلوزتي البيضاء، ملوناً إياها بالأحمر.
“آه، ماذا أفعل؟ أوني، أنا آسفة جداً، ماذا أفعل.”
اعتذرت وهي مرتبكة بشكل مبالغ فيه.
كان النبيذ قد تسرب حتى إلى ملابسي الداخلية.
مرت على وجه جايها نظرة معقدة أثناء مراقبته للموقف بلا تعبير.
“يبدو أنني أنا من يجب أن يذهب إلى الحمام.”
نظرت إليها ببرود ثم استدرت.
***
لم يكن يُسمع إلا صوت تدفق المياه.
حاولت إزالة البقع، لكن آثار النبيذ الأحمر كانت باقية.
“هل عليّ الخروج هكذا؟”
عندما كنت أمسح يدي بالمناديل بعد أن نزعت يدي عن المغسلة، فُتح باب الحمام بهدوء واقتربت خطوات مألوفة تصدر صوت كعب عالٍ.
“أوني، هل أنتِ بخير؟”
رأيت سورين تنظر إلي عبر المرآة.
ضحكت بسخرية من وجهها المليء بالقلق المصطنع.
“هل أبدو بخير؟”
“ماذا أفعل لقد تلفت ملابسكِ وأنتِ كنتِ تتحدثين عن الكرامة، لكن يبدو أنك فقدتها تماماً، أليس كذلك؟”
أجابت بابتسامة ناعمة رغم كلماتها المسمومة.
لم تكن هناك شكوك بأنها تعمدت سكب النبيذ.
“لكن.”
توقفت خطواتي عندما حاولت مغادرة الحمام.
سورين التي كانت تراقبني بعينيها المتألقتين وهي تضم ذراعيها سألت:
“هل ستعودين حقاً إلى العمل؟”
“نعم.”
“……ها.”
ضحكت بسخرية.
“يبدو أنني وُلدت لأكون مذيعة مجرد فترة راحة جعلتني أرغب في العمل مجدداً.”
“لا أعتقد أن هناك منصباً شاغراً تم تحديد المذيعة الجديدة بالفعل.”
كانت سورين المرشحة لمنصب مقدمة نشرة الأخبار الجديدة.
بفضل دعم وريث مجموعة هوجين، تصرفت بثقة.
“لننتظر ونرَ أليس المرشح لا يُسمى مرشحاً عبثاً؟”
قد تكون حبيبة سو جيهان المحبوبة، لكنه لم يكن قادراً على التخلي عني بسهولة.
عندما أقلب كل شيء، سيضطر إلى اتباع قراري.
“افعلي ما يحلو لكِ.”
ترددت للحظة، ثم ابتسمت بثقة.
“أخشى فقط أن تبذلي جهداً عبثاً.”
“لا يوجد جهد يضيع أنا فقط أحاول العودة إلى عملي شكراً على قلقكِ رغم كل شيء.”
ضحكت بثقة تامة ولم تتأثر بتحدياتها.
قضمت شفتيها السفليتين بقوة وهي تنظر إلي بوجه غاضب، ثم غادرت الحمام.
.
.
.
عدت مع سورين إلى الطاولة.
بدت الأجواء بين الرجلين وكأن حرباً خفية تدور بينهما.
“يجب أن أغادر.”
كنت على وشك أن أخبرهم أنني سأغادر.
عندما شعرا بقدومي، رفعا رأسيهما في الوقت ذاته.
كانت نظرات الحضور تحرقني وأنا أمشي باتجاه مقعدي.
“لقد عدتِ من الموت، هذه النظرات لا تعني شيئاً.”
رددت ذلك داخلياً لأخفف من توتري.
كنت أعرف أن سورين كانت تضحك علي في سرها، لذا مشيت بثبات أكبر.
كنت على وشك الوصول إلى مقعدي عندما غطاني معطف ثقيل من الخلف.
توقفت مذهولة من الظل الذي غطى أمامي.
وقف جايها أمامي، محجوباً بجسده العريض، ليصد الأنظار عني.
“ابقَي مكانكِ.”
أوقفني جايها بصوته العميق عندما حاولت الابتعاد.
رفعت رأسي ببطء، والتقت أعيننا.
“لا يمكن.”
انتشر عطره المألوف الذي يدل على وجوده القوي.
“اذهبي إلى غرفتي.”
اعتقدت أنني سمعت خطأ.
“……ماذا؟”
لكن نظرته الجادة لم تكن تحتمل الشك.
حتى سورين التي كانت تتجه إلى مقعدها توقفت.
نظراته العميقة جعلتني أعجز عن التحرك.
تجمد وجه جيهان الذي كان يجلس خلفه.
“غرفة؟ ……غرفة فندق؟”
“سأشتري لكِ ملابس جديدة.”
نظر إلي بنظرة تقول ألا أفكر بسوء.
ابتسم وهو يملأ شفتيه بابتسامة.
أدركت أخيراً سبب تصرفه هذا.
“لا يمكن لخطيبي أن يتركني ويغادر مع فتاة أخرى في هذا الوضع.”
“كيف له أن يترك سورين بهذه السهولة إذا اختارني؟”
“ذكي جداً، سو جايها.”
“لا تسيئي الفهم، أنا فقط أقيم في هذا الفندق.”
قال جايها، ثم وجه كلماته إلى جيهان الذي وقف بغضب شديد.
لقد تخطى الخط الأحمر، بكل وضوح.
جيهان كان يحدق به بعينين حادتين.
“لا بأس، أليس بإمكاني فعل هذا على الأقل لخطيبة أخي المستقبلية؟”
وجه إليه جايها سؤالاً لم يكن ينتظر عليه جواباً، بابتسامة عريضة.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 9"