“أ-أ.. كيف عرفت ذلك…؟”
ما إن خرجت من فم جيهان كلمة “القتل المأجور”، حتى شعرت سورين بأن عقلها بدأ يغيب.
وعندما التقت بنظرته الباردة الموجهة إليها، انهارت سورين على ركبتيها.
تذبذبت عيناها بعنف، فهي لم تتخيل قط أن يكتشف جيهان الأمر بهذه السرعة.
وكان قلبها الذي أخذ ينبض بسرعة متزايدة، يكاد ينفجر في أي لحظة.
ترى… إلى أي حد يعرف؟
هل يقصد فقط أنها حرضت السيد جونغ على القتل المأجور؟
أم أنه…
راودها القلق فجأة من احتمال أنه قد اكتشف كذبة حملها، فعضت شفتيها.
كان نبضها غير المنتظم يهدر في الموقف الهادئ كأنه على وشك أن يدوّي فيه.
ذهبت سورين تفكر بسرعة بحثاً عن حل، لكنها في النهاية لم تجد مخرجاً، فانهمرت دموعها فجأة لم يخطر ببالها أي حل حاد أو قاطع.
“هُهق… أوبا… أنا… أنا لم أكن أنوي أن أذهب إلى هذا الحد حقاً…”
تجهمت عينا جيهان فجأة من هجومها المباغت بالبكاء.
وبينما كانت جالسة على الأرض، زحفت سورين نحو جيهان وأمسكت بطرف بنطاله.
“كنت خائفة جداً… لذلك أردت فقط أن أُخيفه قليلاً لا أكثر… أوبا، أنا لم أكن أعلم أن جونغ دايهو ذلك الشخص شرير إلى هذا الحد…”
“…”
“ربما كان محتاجاً إلى المال، فقام بإتلاف المكابح من تلقاء نفسه، ثم أراد أن يُلصق الأمر بي… ههق… أنا وهوجين كنا خائفين جداً فلم نستطع قول شيء… كك…”
نظر إليها جيهان وهي تبكي وتزعم أنها فعلت ذلك بدافع الخوف، فشعر بالضيق وفك ربطة عنقه.
بعض الأشخاص الذين كانوا يركنون سياراتهم أو يترجلون منها في موقف المطعم، رمقوهم بنظرة سريعة.
“قال إنه إن أخبرك بهذه القصة، فلن يترك لي ولا لهوجين مجالاً للنجاة… ههق…”
“انهضي.”
“أ-أوبا… أنا…”
امرأة تجثو على ركبتيها أمام رجل وتبكي، كانت تلك صورة كفيلة بجذب أنظار الناس.
مرر جيهان يده بعنف في شعره، ثم أجبر سورين على الوقوف.
وقبل أن يتعرف عليهما الناس، دفعها إلى المقعد المجاور للسائق.
وصوت بكائها وهو يغادر المكان جعله يشعر وكأنه يفقد صوابه.
“كفى!”
صرخ جيهان فجأة بصوت عالٍ.
“ههق…”
“قلتُ لك كُفي عن البكاء ها… لقد فهمت ما تحاولين قوله.”
اختلطت المشاعر في قلب جيهان.
كان غاضباً من سورين التي تصرفت بدون عقل، لكنه في الوقت ذاته رأى نفسه فيها.
ذلك القلق الدائم من أن ما يملكه ليس ملكاً له تماماً.
ذلك التوتر الذي عاش فيه خوفاً من فقدان المال أو المجد في أي لحظة.
ها…
تنهد جيهان بعمق.
لماذا فعلت أمراً كان من الممكن أن يُكشف بسهولة وتُفضح بسببه؟
سواء كانت سورين هي من خططت، أو أن السيد جونغ فعلها طمعاً في المال، فإن ما حدث قد وقع بالفعل.
لم يكن الوقت مناسباً لتحديد من يتحمل المسؤولية، بل كان عليه قطع الذيل قبل أن يتأخر.
وإلا فقد يُجر هو أيضاً إلى هذا المستنقع.
لم يكن هناك من هو أفضل من السيد جونغ…
في الواقع، كان السيد جونغ شخصية متوغلة في أعمال جيهان وحتى في حياته الخاصة.
سكت جيهان فترة طويلة.
وأثناء صمته، كانت سورين تعبث بيديها بتوتر شديد.
ثم دوى صوت جيهان في السيارة، قاطعاً ذلك الصمت الثقيل.
“هل هناك سر آخر ينبغي لي أن أعرفه؟”
“س-سر؟”
ارتجفت سورين بمجرد أن التقت عيناها بنظرات جيهان الباردة.
“هيك…”
فزعت من تلك النظرة وبدأت في البكاء ثم أصيبت بحالة فُواق (شهقة).
كانت نظراته كأنها تخترق دواخلها، فلوّحت بيديها في الهواء كأنها تدفع عنه ذلك الشك.
“لا يوجد! أُقسم أنه لا يوجد…! هيك…”
“إذاً، فهذا يعني أن الأمر ينتهي هنا ، أنا أعطيتك الفرصة الأخيرة.”
“…”
“هذا أقصى ما يمكنني تحمله لأنك تحملين طفلي، شعرت بالشفقة عليك ودافعت عنك، لكن هذه هي المرة الأخيرة فهمتِ؟”
أومأت سورين برأسها بعنف.
كلماته التي وصف فيها هذه بأنها الفرصة الأخيرة ظلت تدوي في رأسها طويلاً.
“من الآن فصاعداً، ركزي فقط على تربية طفلي الذي سيولد ما أريده منك، ليس أن تقومي بدور الزوجة.”
“…”
“بل أن تقومي بدور أم طفلي.”
شعرت سورين وكأن أنفاسها توقفت فجأة.
“دور الأم.”
لم تستطع قول شيء، فقط أمسكت بحقيبتها بشدة.
في الحقيقة، كان هناك سر واحد آخر لم تخبره به.
من الأساس… لا يوجد طفل…
كل شيء كان كذبة لتُبقي جيهان إلى جانبها.
لكن… كيف يمكنها أن تعترف له بصدق أن الحمل كان كذبة؟
في ذلك الجو المشحون بالتوتر، كانت كلماتها لا تجد طريقها للخروج من فمها.
***
في نهاية الأسبوع، وبعد فترة طويلة، التقيت بالطبيب المسؤول عن رعاية “جايها”، وتلقيت منه خبراً كالصاعقة.
“متى يمكنه الخروج من المستشفى؟”
“إن كان لا بد من الخروج، فلا مفر، لكن من الأفضل له البقاء في المستشفى لبعض الوقت لا بد من متابعة علاج الآلام والعلاج التأهيلي معاً.”
كنت قد سألت عن الخروج من المستشفى من باب التلميح، لأن جايها كان يشعر بالضيق من البقاء في المستشفى… لكنهم يتحدثون عن علاج؟!
“ماذا؟ علاج تأهيلي؟”
“آه… ألم تكوني على علم؟ المريض بدأ يشعر بألم شديد في وقت متأخر، لذا يخضع حالياً لعلاج الآلام والعلاج التأهيلي في آنٍ معاً.”
بعد الانتهاء من اللقاء مع الطبيب، توجهت إلى غرفة جايها في المستشفى.
كلمات الطبيب كانت لا تزال تتردد في رأسي.
“علاج تأهيلي”…؟
جايها لم يُظهر لي يوماً أنه يتألم.
لذا لم أكن أعلم أن ألم معصمه قد ازداد سوءاً، وشعرت وكأنني تلقيت ضربة مفاجئة في مؤخرة رأسي.
من المؤكد أنه لم يخبرني عمداً، خشية أن ألوم نفسي.
“آه… أشعر بالحزن فعلاً.”
تنهدت بعمق وأنا واقفة أمام باب الغرفة.
كنت أعلم لماذا أخفى الأمر، لكن لا يمكنني إنكار شعوري بالحزن.
عندما دخلت الغرفة، وجدت جايها و منشوره مجموعة من الوثائق على سريره.
“ما كل هذا؟”
“كما ترين، أعمل.”
“أنا أعلم ذلك لكن جايها، أنت مريض الآن، أليس كذلك؟”
هل سألته لأني لا أعلم أنه يعمل؟!
عندما رأيته يعمل بيده اليسرى فقط بسبب الجبيرة على يده اليمنى، شعرت بالأسى.
ماذا لو تفاقمت إصابته بسبب هذا…؟
“لقد دخلت المستشفى بسبب التواء، ليس كسرًا فلا بأس في العمل في هذه الحالة.”
“ومع ذلك…!”
“كفي عن التذمر، وتعالي ساعديني من الصعب الطباعة بيد واحدة.”
أوقف محاولتي للتذمر قبل أن تبدأ.
ثم ابتسم لي بلطف بعينيه المستديرتين الجميلتين.
كنت على وشك الانفجار من الغضب، لكن رؤيته يبتسم جعلني أعجز عن قول شيء.
في النهاية، جلست على الأريكة المقابلة له، فلفّ جايها الكمبيوتر المحمول ناحيتي.
كان على الشاشة تقريرٌ مفتوح.
عندما قرأته عن كثب، أدركت أنه مذكرة تفاهم بينه وبين “تيسل”، التي كنا نتفاوض معها مؤخراً.
لم أكن أعلم أنهم وصلوا إلى هذه المرحلة.
أدهشني مدى سرعة تنفيذه للأمور، ثم تساءلت ما إذا كان من المناسب أن أقرأه.
“هل يُسمح لي بقراءة هذا؟”
“نحن في قارب واحد الآن، أليس كذلك؟ ثم إنك المساهم الرئيسي، فلا بد أن تحفظي أسرار الشركة.”
قالها مبتسمًا، لكني لم أستطع أن أبتسم بالمثل.
كان جبير يده ما زال يلفت انتباهي باستمرار.
أشعر بقلق متزايد بشأن إصابته.
حتى لو قلت له أن يترك العمل ويهتم بعلاجه، فلن يستمع.
بل كلما ألححت عليه، كلما أصر على الخروج من المستشفى.
لذا لم يكن أمامي سوى أن أدون ما يقوله.
فجأة، خطر لي سؤال:
“ما خطتك بعد الاندماج مع هذه الشركة؟”
“هذه مجرد وسيلة للحد من احتكار ‘هوجين’ للسوق الصيني، أما الورقة الرابحة الحقيقية فهي شيء آخر.”
“ورقة رابحة؟”
رفعت رأسي متسائلة، متوقعة أن يكون لديه خطة هائلة.
“لقد وجدت ذلك الشخص الذي طلبتِ مني البحث عنه.”
يا إلهي…
كنت قد أعطيته تلميحاً عن الشخص الذي قاد ‘إنتك’ إلى الإفلاس.
لكن لم أتوقع أن يجده بهذه السرعة.
“حقًا؟ لم أظن أن الأمور ستسير بهذه السرعة.”
“كنت مستعجلاً وتبين أنه يعمل حالياً كبير الباحثين في قسم البحث والتطوير في إنتك، لذا أسرعت…”
وبينما كان يتحدث، وردني اتصال من “سورين”.
توقّف جايها عن الحديث بسبب صوت الهاتف المفاجئ.
“من المتصل؟”
“تشاي سورين كنت أتوقع أن تتصل، لكنها تأخرت قليلاً.”
يبدو أنها لن تتوقف حتى أجيب، فرنين الهاتف لم يتوقف.
“مرحبًا؟”
– “أين أنتِ ؟!”
بمجرد أن أجبت، وصلني صوتها القلق والمستعجل.
“لماذا يهمك أين أنا؟”
– “علينا أن نلتقي حالاً لا، أختي، سأذهب إليك بنفسي، فقط أخبريني أين أنتِ .”
ابتسمت قليلاً بسبب التوتر الذي سمعته في صوتها.
لا بد أن سورين قد انكشف أمرها بشأن قضية القتل المأجور أمام جيهان.
– “هل أنتِ في غرفة مدير شركة سو جايها؟ هل يمكنني المجيء إلى هناك لرؤيتك؟”
لم أصدق أنها تفكر حتى في اللحاق بي إلى غرفة جايها.
وبينما كنت أفكر ما إذا كنت سأقابلها أم لا، ناولني جايها ورقة كتب عليها شيئاً.
[لا تقابليها.]
قرأت الملاحظة ودخلت في تفكير عميق.
حقيقة أن سورين مصمّمة على لقائي إلى هذا الحد تعني أنها في حالة نفسية مضطربة.
ربما تخشى أن أفشي لجيهان كذبة الحمل.
كانت تحاول أن تسبقني لتخرسني قبل أن أفتح فمي.
ربما قد حان الوقت لكشف هذا السر.
سمعت أن سورين لم تغادر منزلها منذ أن التقيت بها في ميدان الرماية.
ربما كانت تراقب كل تحركاتي، خشية أن ألتقي بجيهان.
لكشف الحقيقة، لا ضرورة لأن ألتقي بها شخصياً.
كنت أنوي أن أكشف كل شيء في الوقت المناسب، ويبدو أن هذا هو التوقيت المناسب تمامًا.
“حسنًا، لنلتقِ سأرسل لك العنوان.”
جايها، الجالس أمامي، بدا وجهه متجهمًا حتى أنهيت المكالمة.
ثم سألني بنبرة باردة كوجهه:
“لماذا تريدين مقابلتها؟”
“لأنها طلبت ذلك أولاً، فأردت أن أستجيب.”
“وهذا بالضبط ما أعتبره تفكيراً في غاية الخطورة.”
اقترب جايها من الأريكة التي كنت جالسة عليها.
حتى بعدما اصطدمت ركبته بحافة الأريكة، لم يتوقف.
كان غاضباً بشدة، حتى أنه وضع يديه على طرف الأريكة ونظر إليّ من الأعلى.
ابتلعت ريقي لا إرادياً.
نظراته الحادة التي واجهتني عن قرب لم تكن كما اعتدت.
خشيت أن بتصرف جايها باندفاع ، فأسرعت إلى هز رأسي نفيًا .
“انتظر، جايها، أعتقد أنك فهمت الأمر بشكل خاطئ.”
“سوء فهم؟ عن أي سوء فهم تتحدثين؟ أي زوج في العالم يسمح لزوجته بالذهاب إلى مكان خطر؟”
نظراته الثابتة أصبحت أكثر عمقاً.
بدا أن سوء الفهم قد ترسخ تماماً لديه.
“لا، ليس الأمر كما تظن… رجاءً، اصغِ إلي أولاً.”
لأنني أعلم أن سورين في حالة خطيرة، لم أكن أنوي الذهاب بنفسي لمواجهتها.
ويبدو أن جايها فهم ذلك من تعابير وجهي المتألمة.
“حسناً، تفضلي بالكلام.”
أزال يديه عن الأريكة وأشار لي أن أشرح.
“صحيح أنني اتفقت مع سورين على اللقاء في الفيلا، لكنني لم أقل أن من سيذهب هو أنا.”
“إذًا، من سيذهب؟”
“المحامي هيونيك سأنسق معه ليأخذ حراسة خاصة ويتوجه إلى هناك.”
عندها فقط هدأ الغضب الذي كان يتقد في عيني جايها.
“وإذا كان المحامي بارك هو من سيذهب، فما فائدة الموافقة على لقاء سورين من الأساس؟”
“لأنني سأستغل هذه الفرصة لكشف جرائم سورين أمام العائلة، من القتل المأجور إلى كذبة الحمل.”
“هل لديكِ أدلة تثبت أن سورين ارتكبت هذه الأمور؟”
“بالطبع، كل شيء جاهز.”
اتسعت عينا جايها من الدهشة عند سماع ذلك.
فأريته رسالة وردتني من عمي هيونيك.
[السيد جونغ تواصل معنا -عمي هيونيك]
كانت رسالة وصلتني بعد الظهر.
عمي أنهى عملية تأمين الحماية للسيد جونغ قبل أن تبدأ جهة جايها بالتحرك.
“في الواقع، كنت أبحث عن الوقت المناسب.”
والآن، بعدما بادرت سورين إلى طلب اللقاء، لم تكن هناك فرصة أفضل من هذه.
“تخيل فقط أن سورين، بعد عودتها من تشيو نغبيونغ، ستجد نفسها وجهاً لوجه أمام سو جيهان بعد أن عرف كل شيء.”
كان المكان المتفق عليه للقاء هو فيلا تطل على بحيرة تشيو نغبيونغ الجميلة.
ولم يتبقَّ لسورين سوى أن تسقط في الهاوية أمام ذلك المنظر الباهر.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 89"