أردف قائلاً: “ألا يمكننك أن تبقي هنا الليلة؟” ثم عانقني بشدة حتى لا أتمكن من التحرك.
شعرت بالإحراج لأنني كنت ملتصقة به فوق السرير الذي من المفترض أن ينام عليه المريض.
“ جايها، رجاءً دعني.”
قلت ذلك مشيرة إلى ذراعيه اللتين كان يعانقني بهما بشدة.
“إذا تركتك، ستذهبين، أليس كذلك؟”
“لن أذهب سأبقى بجانبك.”
حين رأيت كيف كان يعانقني بقوة خشية أن أهرب، شعرت بالقلق من أن تتفاقم إصابة ذراعه.
وفوق ذلك، وبصراحة، لأنني لم أرَ جايها منذ وقت طويل، لم أرغب في العودة إلى المنزل أنا أيضًا.
حتى أنا… أريد أن أبقى معه.
البيت بدون جايها كان صامتًا جدًا.
حتى أنني فكرت أن النظر إلى جايها وهو نائم أفضل من إهدار الليل بعينين ساهرتين.
“ظننت أنك نمت هل أنهيت استعداداتك للنوم؟”
“أنا انتهيت منذ وقت طويل.”
ظل جايها جالسًا مستندًا إلى السرير حتى خرجت من الحمام.
فتح زجاجة ماء باردة تكسوها قطرات الندى، كان قد أخرجها للتو من الثلاجة.
بعد يوم خانق من الانشغال، شعرت أنني بالكاد بدأت أتنفس.
بدأت أرتشف الماء بلا توقف لتروي عطشًا عميقًا اجتاحني.
“هاه… كم هو منعش أشعر أنني عدت إلى الحياة أخيرًا.”
“وأنا أيضًا.”
مدّ جايها يده إليّ وكأنه يطلب الماء.
فكرت أنه ربما يشعر بعطش شديد، فأحضرت له زجاجة مياه جديدة.
لكن جايها لم يأخذ الزجاجة، واكتفى بالنظر إليها نظرة خاطفة.
نظرت إليه متسائلة، وفجأة أدركت الأمر.
صحيح… لا يستطيع فتحها بسبب إصابته في يده.
جلست بجانبه على السرير، وهممت بفتح الزجاجة له.
لكن جايها أوقف يدي التي كانت تفتح الغطاء، ثم أبعد زجاجة الماء ووضعها على الطاولة الصغيرة البعيدة.
“ألستَ طلبت مني فتح الغطاء؟”
نظرت إليه بدهشة وسألته، لكن جايها هزّ رأسه وكأنه يقول إن هذا لم يكن ما يريده.
“العطش الذي أشعر به… لا يمكن أن يُروى بالماء.”
“……هاه؟”
أملت رأسي مستغربة كلامه الغامض، وفجأة دفعني جايها إلى السرير.
شعرت بظهري يلامس السرير، واتسعت عيناي في دهشة.
“ما أريده ليس الماء… بل هذا.”
مسح جايها شفتيّ التي ما زالت تحتفظ بندى الماء بيده الرطبة.
من لمسته انتقلت حرارة جسده الدافئة إلى شفتي مباشرة.
كيف لي أن أرفض هذا؟
حين نظر إليّ جايها بتلك النظرة العميقة، شعرت أن قلبي يدغدغ.
أن يقول ذلك بتلك النظرة… هذا ليس عدلًا.
كنت لا أزال أشعر بالذنب تجاه جايها بعد الحادث.
لم أستطع نزع فكرة أن ما حدث له كان بسبب المكيدة التي دبرتها سورين لاستهدافي.
وإن لم أشغل نفسي، كانت الأفكار السوداء تزحف إلى رأسي.
لهذا السبب كنت أتحرك دون توقف لإثبات جرائم سورين.
لو كنت أعلم، لبقيت إلى جانبه منذ البداية.
كلماته لم تذِب توتري فحسب، بل أذابت قلبي أيضًا.
ربما لهذا السبب، شددته إليّ وأنا أنظر إليه من الأعلى .
ربما لم يكن يتوقع أن أكون أنا من يبادر، إذ اتسعت عيناه في مفاجأة للحظة.
لكن ذلك لم يدم طويلًا، إذ مال نحوي مائلًا برأسه.
ثم التقت شفاهنا بلطف، بنفس رقة نظراته العذبة.
حرارة جسده انتشرت في جسدي بأكمله عبر شفتيّ، أقوى حتى من لمسته القصيرة.
حين استمر ذلك القبَل اللطيف، وجدت نفسي ألهث دون وعي.
يبدو أنني نسيت حتى أن أتنفس، وانغمست في اللحظة كليًا.
“هاه…”
حين انفصلت شفاهنا، انتشرت أنفاسي المتقطعة في الهواء.
لكن جايها لم يسمح حتى لتلك اللحظة القصيرة أن تمر، فلفّ يده حول مؤخرة رأسي.
ثم عاد يقبّلني مجددًا، وكأنه لا يريد أن يفوّت حتى أنفاسي الصغيرة.
ثم، وكأنه يود أن يروي شوقًا تراكم، فتح شفتيّ بقبلة عميقة.
هبط من شفتي إلى أسفل، وكأنه لا يريد أن يفوّت أي جزء مني.
حين شعرت بتلك اللمسة الغريبة تدغدغ عنقي، دفعت صدر جايها بلا وعي.
“لا يمكننا هنا…”
كنت قلقة من أن يدخل أحد إلى غرفة المستشفى في أي لحظة.
احتوى جايها وجهي المرتبك بكفّيه بلطف.
“وأنا أيضًا.”
“……”
“لا أريد أن أمتلكك على سرير يستخدمه الآخرون أيضًا.”
بابتسامته المشرقة التي رافقت كلماته، ازداد خفقان قلبي.
“على الأقل دعيني أقبّلك لقد صبرت طويلًا.”
غرفة المستشفى التي كانت باردة، امتلأت فجأة بحرارة صنعناها نحن الاثنين.
وفي تلك اللحظة التي ركزنا فيها بالكامل على بعضنا، لم يجرؤ أي تفكير على مقاطعتنا.
.
.
.
حين ضغط جايها الزر الموجود على السرير، خيّم الظلام الدامس على الغرفة.
رغم أن القُبلة العنيفة كانت قد انتهت منذ وقت، إلا أن دفئها لا يزال عالقًا وكأنها حدثت لتوها.
“هذا جيد من الجميل أن نكون معًا هكذا.”
ربما لأننا كنا ملتصقين على سرير واحد، كنت أشعر بحرارته خلف ظهري الذي استدرت به.
“منذ أن غبتَ… لم أعد أستطيع النوم جيدًا.”
لم أكن أشعر بذلك حين كان جايها هنا، لكن الآن أدركت كم يبدو السرير واسعًا.
في البيت، كنت أعاني من الأرق.
أما الآن، فربما لأنني أشعر بحرارة جسد جايها، بدأت أشعر بالنعاس يغمرني رويدًا رويدًا.
“أرأيتِ؟ قلتُ لك إن من الأفضل أن أخرج من المستشفى.”
ضحك جايها ضحكة خفيفة وكأنه راضٍ جدًا بكلامي.
هل كان كلامي يسعده إلى هذه الدرجة؟ أي مريض يقول إنه سيخرج من المستشفى فقط لأن زوجته لا تستطيع النوم؟
رغم أنني فكرت أنه لا يُطاق، لم أستطع منع ابتسامة خفيفة من الظهور على وجهي.
“هل نمتِ؟ يبدو أنكِ نمتِ.”
حين لم أجب، ظنّ أنني قد غفوت.
بعد لحظة، تحرك جايها قليلًا ثم لفّ ذراعه حولي بلطف من الخلف.
“أين كنتِ تذهبين في كل هذا الانشغال هذه الأيام…”
“……”
“أتمنى فقط ألا تكوني تفعلين شيئًا خطيرًا…”
صوته المملوء بالقلق لامس أذني برقة.
لا بد أن جايها، بما أنه جايها، قد علم أنني ذهبت إلى ميدان الرماية لمقابلة جيهان.
كان لديه الكثير من الفرص ليسألني إن كان يريد أن يعرف ما الذي أفكر فيه.
لكن جايها لم يسألني عن أي شيء.
شعرت بصدق مشاعره، وكأنه يريد أن يترك لي القرار، مما جعل قلبي يضطرب.
بصراحة، أردت أن أُخبر جايها بكل ما كنت أُحضّره طوال هذا الوقت.
فهو بالتأكيد كان سيلفت انتباهي إلى أمور لم أكن لأفكر فيها وحدي.
لكنني لا أزال مقيّدة بالمشاعر التي اجتاحتني في يوم الحادث.
كما أنني لم أكن أراعي شيئًا في طريق انتقامي، جايها أيضًا لم يكن ليأبه بأمانه الشخصي إن تعلق الأمر بي.
لذا، لم أكن أريد أن أضعه في خطر مجددًا.
كنت أريد أن أُحلّ هذه المسألة وحدي هذه المرة.
حين التصقت به حتى لم يعد بيننا فراغ يسع ورقة، شعرت بنبضات قلبه المنتظمة تنساب من ظهره إليّ.
“تصبحين على خير.”
غفوت على صوت همسه الحنون الذي ذاب في أذني.
***
“لا بد أني سأصل قريبًا الآن.”
حين اقترب موعد اللقاء مع السيد جونغ، شعرت بثقل التوتر يطبق على أنفاسي.
مهما كنت قد عدت إلى الحياة، لم يكن من السهل أن أواجه الرجل الذي قتلني.
كان لديه ابنة مريضة واحدة.
ابنة تعاني من مرض نادر ولتحمُّل التكاليف الفلكية لعملية جراحية لابنته، بدأ يعمل لدى جيهان كـ”مساعد في المهمات”.
والآن، حتى لو أراد الانسحاب، فقد تورط في الأمر بعمق لا يمكن الفكاك منه.
فأي شيء، وإن كان صعبًا في البداية، يصبح مألوفًا عند الاستمرار.
كيف عليّ أن أتصرف؟ لا بد أن ينجح هذا اللقاء اليوم.
بينما كنت أطرق بأصابعي سطح الطاولة بخفة، فُتح الباب بصوت خافت.
دخل رجل يرتدي ملابس سوداء قاتمة، تمامًا كما حين التقيته في المستشفى.
“أنت السيد جونغ دايهو، صحيح؟ تفضل بالجلوس.”
حين أشرت إلى المقعد الفارغ أمامي، كان يمسح المكان بعينيه الحذرتين.
كانت نظراته حادة، وكأنه يبحث عن كاميرا خفية أو جهاز تنصت أخفيته.
“لا يوجد شيء من هذا القبيل.”
“ومن قال إنني أبحث عن شيء؟”
سأل بصوت مملوء بالحدّة.
“أقصد التنصّت أو الكاميرات لا يوجد شيء كهذا، فاجلس براحة.”
“كُهُم.”
أطلق سعالًا خفيفًا، وكأنه لم يتوقع أن أكون صادقة إلى هذا الحد.
ثم ضغط قبّعته على رأسه أكثر وجلس على الكرسي.
وكما توقعت…
عدائيته تجاهي لم تكن عبثًا، فلا بد أنه يشعر بعدم الارتياح الشديد في هذا الوضع.
لا سيما أن الشخص الذي كان من المفترض أن يموت، يجلس الآن أمامه حيًّا.
ولا شك أن جونغ قلق من أن تعلم سورين بهذا اللقاء وما قد تفعله حينها.
“همم.”
رمقته بنظرة جانبية حادة، وفور أن شعر بنظرتي، انتفض قليلًا.
لم يكن ليتوقع أن أطلب مقابلته أنا أولًا.
فأنا لست بالنسبة له سوى الخطيبة السابقة لسيو جيهان.
وهو، الذي لا يعلم أنني عدت إلى الماضي، لا بد أن يصدمه أنني أعرف بوجوده من الأساس.
ولذلك وافق على اللقاء هكذا.
“ما الأمر؟”
”……”
“لا أظن أن هناك سببًا يجعلني أجتمع على انفراد مع آنسة من عائلة ثرية.”
“هاهاها.”
ضحكت دون شعور حين سمعت كلماته التي بدت وكأنه يحاول بها معرفة نيتي.
مددت يدي وصببت له الشراب في الكأس الفارغ أمامه.
“صحيح، لم يكن من المفترض أن نلتقي، أنت وأنا إلى أن حدث الحادث.”
عند ذكري لكلمة حادث، ارتجفت تقاسيم وجهه.
وحينها فقط التقت نظراتنا، بعدما كان يتفادى عينيّ طوال الوقت.
“لا بد أن السيد جونغ دايهو يعرف السبب الذي جعلني أطلب مقابلته.”
رأيت يده المرتجفة تمسك بالكأس، ولم يكن هناك شك في أنه قد ارتبك.
توسعت ابتسامتي تلقائيًا من رؤيته على تلك الحال.
“لقد أتقنتَ تعطيل سيارتي حتى عندما أطفأتُ المحرك، لم تتوقف السيارة عن السير وأظهرت نتائج فحص المعهد الجنائي أن العطل كان متعمدًا.”
مددت إليه الظرف الذي أحضرته.
انسكبت من داخله نتائج تحليل المعهد الوطني الجنائي ولقطات من كاميرا السيارة التي أعطاني إياها سائق الأجرة.
“آه، تلك الصورة هناك هل ترغب في رؤيتها؟”
“ه، هذا!”
“نعم، لقد كنتَ ظاهرًا فيها، السيد جونغ دايهو والتقينا أيضًا في المستشفى، أليس كذلك؟”
أمسك جونغ بالصورة التي أشرت إليها، وكانت يداه ترتجفان.
شفته السفلى كانت ترتعش بوضوح، ما دل على أنه لم يكن يتوقع مثل هذا الموقف أبدًا.
ولم يكن ذلك غريبًا، فركوبي لتلك السيارة التي شهدت الحادث، ولقائي به في المستشفى، كل ذلك كان محض صدفة.
“المرة الأولى كانت صدفة ولكن حين تتكرر الصدف، تصبح حتمية.”
أسندت ذقني براحتيّ وحدّقت فيه بهدوء.
تحت نظرتي المكشوفة، كانت كتفاه ترتعشان.
“شخصٌ ما عطّل الفرامل عمدًا، فوقع الحادث ثم لحقتَ بي حتى المستشفى لماذا فعلت ذلك؟”
اتسعت عيناه فجأة، كما لو أن فرضيتي أصابت هدفها بدقة.
لقد وقع في الفخ.
ورفعت زاوية فمي بابتسامة خافتة وأنا أراقب نظراته المتخبطة بلا وجهة.
“كنتَ تتساءل، أليس كذلك؟ هل متّ فعلًا أم لا.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 87"