حين سمعت أن “جايها” في غرفة الطوارئ، شعرت وكأن قلبي قد توقف عن النبض.
كنت أظن بالتأكيد أنه في طريقه إلى مكان الموعد.
«كيف… كيف يمكن أن يكون حادثًا فجأة؟»
نزلت من سيارة الأجرة وركضت مسرعة نحو المستشفى.
رأيت مركز الطوارئ تضيء أنواره الحمراء من مكان غير بعيد.
وكلما اقتربت من غرفة الطوارئ التي يوجد بها جايها، كان قلبي يكاد ينفجر من شدة الخفقان.
عندها تذكّرت الاتصال الذي وردني من المحقق في طريقي إلى المستشفى.
– معك المحقق المسؤول هل أنتِ زوجة السيد “سو جايها”؟
“نعم ، أنا زوجته.”
– هل سمعتِ أن زوجكِ تعرض لحادث؟ إنه حادث سير ناتج عن عطل في المكابح. وقد وقع الحادث بالقرب من منزلكم…
في تلك اللحظة، تداخل في رأسي خبر الحادث الذي كان قد ذكره لي سائق التاكسي.
حين كنا نتحدث في السيارة، ظننت أنه مجرد حادث لا علاقة لي به، لم أتخيل أبدًا أنه حادث جايها.
«بسببي… إنه بسببـي…»
منذ أن عدت بالزمن، لم تكن لدي رفاهية التفكير في السيارة.
لو أنني فقط لو اني لم أمنع جايها من أن يركب التاكسي، لما حدث هذا الحادث.
اجتاحتني موجة من الندم المتأخر.
“كان عليّ أن أركب بدلاً منه… لماذا تصرفت بغباء وقلت إنني سأعيرك السيارة؟!”
نعم، لو أنني فعلت ذلك، حتى لو وقع الحادث، لكنتُ أنا من أصيب.
حين فكرت أن جايها تورط بدلاً مني، شعرت وكأن شفرة حادة تطعن قلبي من شدة الألم.
تمسّكت بعقلي الذي كان على وشك الانهيار، ودخلت إلى مركز الطوارئ.
“كما ترين، بسبب حادث التصادم المتسلسل اليوم، الطوارئ في حالة فوضى.”
كانت ممرضة الاستقبال تقول شيئًا ما، لكن صوتها لم يصلني.
أفراد الطاقم الطبي يتحركون في فوضى داخل غرفة الطوارئ، والمرضى يواصلون التوافد دون توقف، ما جعل قلبي يسقط من مكانه.
“رجاءً، فقط انتظري قليلاً… أيتها الوصية؟”
لكن قبل أن تكمل الممرضة حديثها، كنت قد خطوت بالفعل إلى داخل غرفة الطوارئ.
لم أكن أملك رفاهية الانتظار بهدوء.
لا أعرف كم مرة توسلت إلى والديّ في السماء وأنا في طريقي إلى هنا.
أن يحفظوه، أن يخرج سالمًا.
لم يمض وقت طويل منذ أن فقدت والدي، وإن حدث مكروه لجايها أيضًا، فلن أستطيع الاستمرار في الحياة.
فكرة أن جايها هو من يعاني بدلًا مني، جعلت شعورًا لا نهاية له من الذنب يغمرني.
عضضت شفتي بقوة.
مررت بجانب امرأة تتقيأ وتحاول السيطرة على نوبة، ثم رأيت طفلًا صغيرًا يبكي من الألم.
وفي كل مرة أنظر من خلال الستائر المفتوحة إلى داخل الأسرة، كنت أشعر وكأنني أسقط في الهاوية.
وحين اقتربت من السرير الأخير، بدأ قلبي ينبض بعنف وكأنه سينفجر.
رأيت شابًا مغطى بالدماء يتألم، يمكن رؤيته حتى من بعيد.
لكنه لم يكن جايها.
“هاه…”
رغم أنني تأكدت أنه ليس هو، سقط قلبي إلى الأرض.
“أين هو بحق السماء…؟”
امتلأت عيناي بالدموع.
تذكرت وجه جايها في الصباح، حين كان يبتسم لي بعينيه المبتسمتين.
كان يشكرني لأنني أعرتُه السيارة.
لكنه لم يكن يعرف أن ذلك سيدفعه إلى الموت، وها أنا في الصباح كنتُ أتباهى أمامه.
“ماذا… ماذا أفعل الآن…”
فتشت كل الأسرّة في غرفة الطوارئ، لكن لم أتمكن من العثور على جايها.
تذكّرت السكرتير “هان” الذي كان يفترض أن يكون قد وصل إلى المستشفى، فأخرجت هاتفي.
لكن بسبب التوتر الشديد، كانت يداي ترتجفان، ولم أتمكن حتى من فك قفل الشاشة.
وبينما كنت أتخبط هكذا لبعض الوقت—
– طق.
شعرت بيد توضع على كتفي.
“يوجين-.”
صوت مألوف يتسلل إلى أذني.
كان جايها، الذي كنت أبحث عنه طوال هذا الوقت، واقفًا أمامي ينظر إليّ.
في اللحظة التي رأيته فيها، فقدت قواي وسقطت على الأرض.
في كل مرة كنت أرى شخصًا مغطى بالدماء في الطوارئ، كنت أخشى أن يكون هو.
لكن حين رأيته سالمًا، انفجرت دموعي دون توقف.
الحمد لله…
“هل أنتِ بخير؟”
انخفض جايها على ركبتيه لينظر إليّ بعينيه.
وفي صوته القلق الموجه نحوي، شعرت بغصة وارتفعت دموعي مرة أخرى.
من الذي يقلق على من الآن؟
حين عرفت أن من تعرض للحادث هو جايها، كان شعورًا لا يمكن وصفه بالكلمات.
كلمات سائق التاكسي وهو يقول إنه أصيب بجروح خطيرة كانت تتردد في رأسي مرارًا.
“أنا لست بخير! لقد قلقت عليك كثيرًا كنت أظن أنك ستموت، جايها .”
وهكذا، حين فجّرت مشاعري دفعة واحدة، وقعت عيناي على حالته البائسة.
في الصباح، حين ودعني متجهًا إلى عمله، كان يرتدي بدلة أنيقة ويبدو لامعًا.
لكن الآن، حين رأيت قميصه وبدلته ملطّخين بالدماء، شعرت بألم حاد في قلبي.
كأن تلك الملابس كانت تصور لي لحظة الحادث كما هي.
“لذلك أنا… كم كنت…”
لأنني شعرت أن كل ذلك بسببي…
حين وصلت الكلمات إلى حلقي، مد جايها يده ليحتضنني.
“أنا آسف لأنني جعلتك تقلقين.”
ضمّني إلى صدره، وبدأ يربّت على ظهري ببطء وكأنه يطلب مني أن أهدأ.
.
.
.
بينما كنت أنظر إلى ظهر “جايها” وهو يمشي أمامي، كان قلبي لا يزال يخفق بقوة ولم يهدأ بعد.
ربما لأنني كنت لا أزال محاطة بتوتر شديد ومفرط.
رغم أنني تأكدت بعيني من أنه بخير، إلا أن قلبي المرتجف لم يهدأ بعد.
«مع ذلك، من حسن الحظ أنه لم يُصب إصابة بالغة…»
قال “جايها” إنه لا توجد أسرّة شاغرة بسبب المصابين الآخرين من حادث التصادم المتسلسل.
وحين سألته أين كان طوال الوقت، أجاب أنه كان جالسًا على كرسي في الزاوية، ثم قادني إلى هناك.
“لماذا لم ترد على الهاتف؟ كان بإمكانك على الأقل أن تجري اتصالًا واحدًا.”
سألته وأنا أنظر إلى ظهره وهو يتجه نحو مكانه الأصلي.
فتوقف “جايها” عن المشي واستدار نحوي عند سؤالي.
رغم أنه قال إنه لم يُصب بشدة، إلا أن الخدوش الظاهرة على وجهه لفتت انتباهي.
لمّا رأيت تلك الجراح التي لم تكن موجودة على وجهه النظيف من قبل، عاد ذلك الثقل ليتكدّس على صدري.
“ليس معي هاتفي الآن.”
قالها وهو يرفع يديه الفارغتين وينظر إليّ بصمت.
“كنت عائدًا من إجراء الأشعة وبعض الفحوصات في البداية لم أشعر بشيء، لكن بعد قليل بدأ الألم يظهر.”
“هل من الآمن أن تتحرك هكذا؟ يجب أن تُدخل المستشفى فورًا.”
تفاجأت حين ذكر الألم فهل كان يتجول وهو يتألم؟
“الدخول إلى المستشفى؟ لا داعي أظن أنني جاهز للخروج خاصة وأن الوقت حرج حاليًا، وليس مناسبًا أن أبتعد عن العمل.”
حين رأيت “جايها” يقلق بشأن العمل حتى بعد تعرضه لحادث، غمرتني مشاعر عارمة فجأة.
لأول مرة، شعرت بأن “جايها” تصرف بغباء.
“هذا ليس وقت التفكير في ذلك…! سأذهب وأبدأ إجراءات إدخالك فورًا.”
“انتظري…! أوه…”
حين كنت أستدير مبتعدة، مد “جايها” يده فجأة وأمسك بمعصمي.
لكن ما لبث أن أنزل يده متألمًا بعد أن أطلق أنينًا من الألم.
أسرعت إلى مساعدته وقد ظهرت ملامح الألم الشديد على وجهه.
“ما بك؟ هل يؤلمك؟”
أومأ برأسه ردًا على سؤالي.
إن كان مجرد لمسة تسبب له كل هذا الألم، فكيف يفكر بالخروج من المستشفى؟
“أرأيت؟ أنت تتألم هكذا، فكيف لك أن تغادر دون أن تتلقى العلاج المناسب؟”
وفي النهاية، وُضع له جبيرة على ذراعه اليمنى.
“مجرد التواء، هل يحتاج الأمر إلى جبيرة؟”
قال الطبيب إن ذراعه التوت وهو يحاول حماية جسده عندما اصطدمت السيارة بالحائط.
وكان من حسن الحظ أنه لم يكن كسرًا.
كان لا بد من وضع الجبيرة لبعض الوقت، لكن “جايها” بدا غير راضٍ وتذمر بصوت منخفض.
“من الأفضل أن تستمع إلى كلام الطبيب لو لم يكن الأمر ضروريًا لما فعلوه.”
“لكن جبيرة في يدي اليمنى، هذا غير مريح أبدًا وبالنسبة للدخول للمستشفى، أليس هذا مبالغًا فيه؟ من يدخل بسبب التواء في المعصم؟”
قالها وهو جالس على سرير المستشفى، رافعًا ذراعه المغطاة بالجبيرة نحوي.
كنت قد أجبرته بصعوبة على الدخول إلى المستشفى، رغم إصراره على أنه يمكنه المغادرة.
وبدا عليه الانزعاج من قراري المنفرد، فعبس قليلاً.
“حتى الطبيب قال إن من الأفضل أن تبقى تحت المراقبة هذا ليس حادثًا بسيطًا أنت لا تعرف كم يمكن أن تكون تبعات الحوادث خطيرة.”
“مع ذلك، أشعر أن هذا كثير بعض الشيء…”
تنهد “جايها” وهو ينظر إلى المحاليل المعلقة بجانبه.
كان لا يترك شيئًا يخصني يمر دون اهتمام، لكنه كان يتساهل جدًا مع أموره الخاصة.
نظرت إليه، وتخيّلت أنه سيحاول اللحاق بي إلى المنزل إن غادرت، فتقدّمت نحوه.
“استلقِ.”
أجلسته على السرير وهو جالس بجواره.
فإذا كان سيستسلم بسهولة بلمسة بسيطة كهذه، فكيف له أن يتحدث عن الخروج من المستشفى؟
“أنت الآن مريض، وتعلم أن المريض يحتاج إلى راحة تامة، أليس كذلك؟”
“ههه.”
ضحك “جايها” فجأة بعدما استلقى على السرير دون أن يقصد.
“لا يوجد ما يُضحك.”
يجب أن أراقبه حتى لا يحاول النهوض.
سحبت كرسيًا وجلست بجواره، وواجهته بنظري.
“أخبرني الآن، ماذا حدث بالضبط؟ لقد سمعت التفاصيل العامة من المحقق في الطريق، قال إن هناك خللًا في المكابح.”
“صحيح عطل في المكابح مهما حاولت، لم تكن تعمل حتى بعد أن أوقفت المحرك، لم يتباطأ السرعة.”
“حتى بعد إطفاء المحرك لم تتباطأ…؟”
في تلك اللحظة، تجمد قلبي بردًا من كلمات “جايها” الخافتة.
ويبدو أنه لاحظ التغيّر في ملامحي أيضًا، فهزّ رأسه ببطء.
ثم أضاف بصوت منخفض:
“على ما يبدو… هناك من عبث بالمكابح.”
***
“ربما كان الهدف هو ، انتِ يا “يُوجين” فأنا فقط صادف أن قدتُ السيارة بدلًا عنك.”
كنت واقفة داخل الحمّام، مستندة إلى المغسلة، لفترة طويلة.
كلمات “جايها”، حين قال إن هناك من عبث بالمكابح، أخذت تتردد في رأسي بلا توقف.
«من؟ ولماذا يقوم بفعل كهذا…؟»
لأنني لا أقود السيارة كثيرًا، كانت سيارتي مركونة في موقف السيارات لفترات طويلة.
فما الفائدة من التلاعب بمكابح سيارة بالكاد تُستخدم؟
حتى “جايها” لم يكن يقود بنفسه إلا نادرًا، وفي الحالات الطارئة فقط.
وغالبًا ما كان السكرتير “هان” هو من يقلّه.
لو لم يكن لديه موعد اليوم مع “سورين” في أطراف سيول، لما اضطر لقيادة السيارة أصلًا.
خرجت من الحمّام بعد طول تفكير.
“هناك شيء غريب…”
لم أستطع التخلص من الإحساس المزعج بأن هناك شيئًا غاب عني.
وحين استدرت لأعود إلى غرفة “جايها”، لمحت رجلًا من بعيد.
كان يرتدي قبعة سوداء لا تُناسب أجواء المستشفى، وقد أخفاها فوق عينيه بعمق.
وحين مررت بالقرب منه، لفت انتباهي شامة كبيرة بجانب عينه.
فجأة، مرّ وجه لا يمكنني نسيانه أبدًا في ذهني.
«ذلك الرجل…!»
حين استدرت مجددًا، كان قد اختفى بالفعل عن ناظري.
في البداية ظننت أنني ربما أخطأت، لكن الشامة بجانب عينه كانت واضحة جدًا لتكون مجرد وهم.
الرجل الذي تسبب في موتي.
كان هو ذاته من كان يقود السيارة التي صدمتني أمام المحكمة يوم طلاقي من “جيهان”.
وكان من المعروف أنه أحد الرجال الذين كان “جيهان” يعتمد عليهم لتنفيذ أعماله القذرة.
ما إن أدركت تلك الحقيقة، حتى بدأت أطرافي ترتجف وقلبي يخفق بعنف.
«لماذا ذلك الرجل في المستشفى…؟»
شعرت وكأنه كان يراقبنا عن قصد.
وما إن وصلت أفكاري إلى ذلك الحد، حتى أصبح رأسي مشوشًا وفوضويًا.
لا يعقل…
شعرت كما لو أن قطع الأحجية المتناثرة بدأت تترابط لتكوّن صورة واحدة واضحة.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 84"