طوال الوقت الذي كنتُ أخرج فيه من المكتب وأسير، ظلّت كلمات الرئيس تدور في رأسي.
بالطبع، من الصعب على الرئيس أن يترك سورين وشأنها وهي حامل بحفيد له.
فأصلًا، هي عائلة تُعدّ فيها الذرية أمرًا ثمينًا ونادرًا.
مع ذلك، لم أستطع منع نفسي من الشعور بالمرارة حين سمعت ذلك منه مباشرة.
بل وهناك بعض الشكوك التي تراودني بشأن ذلك الحمل أيضًا.
«كنتُ أنوي الذهاب لرؤيتها على أي حال.»
إن كان الطفل بالفعل من جيهَان، فسرعان ما ستصبح سورين فردًا من عائلة “هوجين”.
تمامًا كما حدث مع السيدة أوه من قبل.
لكن، إن لم يكن كذلك…
قررت أن أنتهز هذه الفرصة لأُزيل الشكوك التي راودتني حول حمل سورين.
انفتح باب المصعد ببطء.
بما أنه المصعد المخصص للإدارة التنفيذية، كنتُ أعتقد أنه سيكون خاليًا، لكن جيهَان خرج منه.
بدت عليه الدهشة حين لمحني، واتسعت عيناه.
كان واضحًا من تعبير وجهه أنه مستغرب من وجودي في مبنى مجموعة “هوجين”، وليس في أي مكان آخر.
“ما الذي أتى بكِ إلى هنا… آه، جئتِ لمقابلة الرئيس؟”
ثم بدا وكأنه تذكّر أن هذه هو الطابق الذي تقع فيه غرفة الرئيس، فسرعان ما بدا عليه الاقتناع.
لفت نظري الملف الذي كان يحمله بيده.
على ما يبدو، كان في طريقه لتقديم تقرير للرئيس.
فقد تم تأكيد عملية الاندماج مع “إنتك” قبل أيام، ومن الطبيعي أن يرغب في الإسراع بإجراءات الاستحواذ.
كان الجو مختلفًا تمامًا عما كان عليه حين كان يتنافس مع جايها في المزاد.
بعدما تأكدت صفقة دمج “إنتك”، بدا عليه الارتياح بشكل واضح.
حتى ابتسامته الهادئة التي ارتسمت على شفتيه كانت لافتة للنظر.
وهو الذي لم يكن يُظهر مشاعره أبدًا، لذا كانت تلك الابتسامة غريبة عليّ.
«يبدو أنه يظن أن المعركة انتهت لصالحه؟»
جيهَان ربما شكّك في انسحاب جايها من منتصف الطريق، لكنه على الأرجح لم يفهم السبب الحقيقي.
فمنذ أن تخلّى جايها عن صفقة استحواذ “إنتك”، انهالت مئات المقالات من وسائل الإعلام.
– [رئيس مجموعة “دبليو”، سيو جايها، يتعوض لأول هزيمة في أول صفقة استحواذ منذ توليه المنصب.] –
مع العناوين المثيرة، انتشرت مقالات مليئة بالتكهنات حول سبب انسحابه من الصفقة.
ورغم أن الأمر تم التعامل معه كسر داخلي، فإن الإعلام استمر في ترويج الشائعات.
وأبرزها أن السبب هو نقص في التمويل اللازم للاستحواذ.
ومن المؤكد أن جيهَان قد سمع تلك الشائعات.
ويبدو أنه يعتقد أن انسحاب جايها كان بسبب ذلك بالفعل.
بينما كنتُ أستغرق في التفكير بخطة جايها الحقيقية، أعادني صوت جيهَان إلى الواقع.
“لو لم أكن ذاهبًا لتقديم التقرير، لكنتُ دعوتك لتناول فنجان من الشاي.”
“لا أظن أن هناك ما يدعو لأن نجلس سويًا لتناول الشاي ونتحدث ، سأذهب الآن.”
شعرتُ بالذهول.
هل نسي حقًا أنني كنتُ خطيبته السابقة؟
لقد تغيّر تصرفه كثيرًا منذ الجنازة.
ويبدو أن مشاعر العداء التي كان يحملها تجاهي قد خفّت كثيرًا، إلى درجة أنه أصبح يقدّم اقتراحات سخيفة بهذه البساطة.
“على أي حال، نحن عائلة واحدة الآن، فلا داعي لتوتير الأجواء…”
عائلة واحدة؟ لم أجد أن هناك فائدة تُرجى من سماع المزيد، فتجاوزته.
فبدت على وجهه علامات الضيق، وكأنه لم يرضَ عن تصرفي ذاك.
كما هو دائمًا، لا يزال يتصرف ويفكر بناءً على ما يريحُه هو فقط.
وبينما كنتُ على وشك الضغط على زر إغلاق باب المصعد، خطر في بالي شيء فجأة، فناديت عليه:
“أوه، صحيح جيهَان.”
“…أه؟”
استدار إليّ بوجه متفاجئ، وكأنه لم يتوقع أن أناديه.
ولم يبدُ عليه أي حذر، مما يعني أنه لا يعلم بعد أن “إنتك” كانت ورقة خاسرة.
نظرتُ إليه مبتسمة، وعيناي مستديرتان بابتسامة لطيفة.
“مبروك ، على صفقة استحواذك على إنتك.”
“…….”
“أتطلع بشوق لرؤية كيف سيتغير حال مجموعة هوجين من الآن فصاعدًا.”
بالطبع، لم أقصد التغيير الإيجابي.
كنتُ أتوق لرؤية جيهَان وهو يدفع بمجموعة “هوجين” نحو الهاوية بيده.
وبعد أن أنهيت كلامي، رفعت يدي عن الزر.
ومن خلال الفتحة الضيقة التي كانت تُغلق ببطء بين بابي المصعد، رأيت ملامح جيهَان.
بدا على وجهه الذهول، وكأنه لم يتوقع أبدًا أن يسمع مني عبارة “مبروك”.
***
حين وصلت إلى موقف السيارات تحت الأرض، أطلقت تنهيدة وأنا أنظر إلى السيارات التي تملأ المساحات الضيقة تمامًا.
“هل هذا هو المكان؟ لماذا هناك كل هذا العدد من السيارات؟”
العنوان الذي كنت قد تلقيته من العم هيونيك سابقًا كان بلا شك يعود لهذا المبنى.
قالوا إنه مستشفى خاص في الحي، لكنه كان مبنى تجاري صغير الحجم.
وبينما كنت أتجه نحو المصعد مع اقتراب موعدي، تلقيت اتصالًا من جايها في تلك اللحظة.
– “أين أنتِ؟ السكرتير هان قال إنكِ خرجتِ من المنزل.”
متى رآني؟
هل كان السكرتير هان يراقبني؟
رغم انتهاء الجنازة، فقد منحني المدير العام إذنًا بالراحة في المنزل حتى نهاية هذا الأسبوع.
على عكسي، جايها بدأ بالدوام منذ اليوم لم يكن بإمكانه التغيب أكثر عن منصب الرئيس التنفيذي.
ويبدو أنه لم يستطع كبح فضوله حين عرف أنني خرجت من المنزل، مع أنه توقع أن أبقى فيه.
“ذهبتُ إلى مكان مهم كان هناك أمر أجلته بسبب حالة الارتباك بعد وفاة والديّ.”
– “مكان مهم؟ إن كان كذلك، كان ينبغي أن أذهب معكِ، لماذا تذهبين وحدكِ؟”
نبرة جايها الهادئة عبر الهاتف كانت تنطوي على بعض الاستياء.
يبدو أن تصرفي دون أن أُلمحه مسبقًا قد أزعجه.
لم أخبره لأنني لم أعتقد أن ما أفعله سيقلقه إلى هذه الدرجة.
تذكرت الهاتف الذي كان لا يكفّ عن الرنين طوال الأيام التي بقينا فيها معًا.
من الواضح أن جايها كان لديه الكثير من الأمور ليتولاها بعد انسحابه من صفقة “إنتك”.
“هذا أمر يجب أن أقوم به بنفسي لديك ما يجب عليك فعله، وأنا لديّ ما يجب عليّ فعله، أليس كذلك؟”
– ……
هل أغضبته؟
حين ساد الصمت في الطرف الآخر من الخط، شعرت ببعض الذنب.
مع ذلك، رغم أنه كان يعلم أنني خرجت، لم يطلب من السكرتير هان أن يتبعني.
في الظروف العادية، كان السكرتير سيلحق بي فورًا.
ولكنه لم يفعل، بل اكتفى بسؤالي الآن فقط.
وقد أسعدني ذلك… لأنني شعرت بثقته بي.
“اليوم سأقوم بأمر سيئ ولم أردك أن تعرف، لذا لم أخبرك.”
– “أمر سيئ…؟ إلى أين يمكن أن تكوني ذاهبة؟”
ضحكة جايها التي تحمل الاستسلام لموقف لا يستطيع مجادلته رنّت في أذني.
وخلال حديثنا، لمحت من بعيد لافتة عيادة النساء والولادة، فارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي.
“عيادة الإيمان للنساء”، كانت المستشفى التي تردد إليها سورين.
بناءً على كل المعطيات حتى الآن، لا شك أن هناك خفايا تحيط بحمل سورين.
وسؤال سورين مباشرةً لن يُجدي نفعًا، فهي لن تجيب.
إن أردتُ معرفة شيء، فعليّ أن أوجّه السؤال مباشرة إلى الطرف الآخر المعني.
“وهو مكان تعرفه أيضًا يا جايها ، سأتصل بك بعد أن أنتهي.”
أنهيت المكالمة.
فرأيت ممرضة كانت قد دخلت إلى غرفة المدير تتجه ناحيتي.
“تفضلي، اتبعيني.”
سرت خلف الممرضة التي كانت تسير أمامي.
كان العم هيونيك قد أخبرني أن المدير هونغ رجل طماع.
وهذا الأمر يمكن إدراكه من خلال عدد الحوادث الطبية الكثيرة التي حصلت في هذه العيادة.
بل وسمعت مؤخرًا أن المدير هونغ متورط في قضية قانونية معقدة بسبب ولادة جنين ميت.
ولو كان عليه أن يدفع تعويضات مالية أو يسكت المرضى…
فمن المؤكد أنه بحاجة ماسة إلى المال.
أمام المال، لا بد أن يُظهر وجهه الحقيقي.
والعرض الذي سأقدمه له اليوم، سيكون من النوع الذي يصعب عليه رفضه.
***
المدير هونغ، الذي كان يحدّق بي، وضع يده على ذقنه وكأنه في موقف محرج.
“هل تطلبين مني أن أُريكِ السجل الطبي الخاص بالمريضة؟ هذا موقف محرج حقًا.”
كلماته بدت محرجة، لكن ملامحه كانت هادئة وواثقة.
لا بد أنه يعلم أنني لا أستطيع الاطلاع على السجل الطبي عنوةً.
“شخص مثلكِ، ويطلب هذا النوع من الطلبات…”
“ليس وقت التظاهر بالهدوء بعد، أليس كذلك؟”
ابتسمت ابتسامة خفيفة، فبدت على وجهه علامات التوتر.
اقتربت وسحبت الكرسي وجلست مقابلة له.
“سيدي المدير حين يُفتح الباب، يُقال لمن في الداخل أن يغادر، أليس كذلك؟ لا بد أنك تعلم أن حتى في المفاوضات هناك توقيت مناسب يجب اغتنامه.”
“……”
“سمعت أنك تعاني من قضية طبية مزعجة مؤخرًا.”
عندما ذكرتُ القضية الطبية، تغيرت ملامح المدير هونغ بشكل واضح.
“ماذا ستفعل لو ظهرت مقالة عن تزوير في السجلات الطبية؟ أليس من الأفضل أن تنهي الأمر عند هذا الحد؟”
“تزوير، تقولين؟ كي… كيف عرفتِ ذلك…؟”
كما هو متوقَّع.
بمجرد أن رميت بتلك الكلمات، شحب وجه المدير “هونغ” حتى أصبح أزرق.
“إن علمت مجموعة “هوچين” بهذا الأمر، فلن تمرّ الأمور بسلام لن يكون من المفاجئ إن اختفى هذا المستشفى في يومٍ وليلة.”
نظراتي الباردة كانت كفيلة بأن ترفع المدير “هونغ” الراية البيضاء.
علاقة الثقة الهشة التي يمكن أن تنهار في أي لحظة أمام المال… تلك كانت مكانة سورين بالنسبة له.
خرجتُ من غرفة الكشف ونظرت إلى الظرف الذي كنت أحمله بيدي.
وكما توقعت تمامًا.
لا يمكن أن يكون هناك حمل في هذا الوقت، بعد خمس سنوات من المحاولة.
يبدو أن سورين، وقد بدأت تشعر بالقلق، اختارت اختلاق الحمل كوسيلة أخيرة في يدها.
“مهما يكن، كيف يمكن لها أن تكذب بهذه الطريقة… أن تخترع طفلًا غير موجود؟”
في الحياة السابقة، لم تكن سورين شريرة إلى حد ارتكاب جريمة كهذه.
كانت لديها بعض مكر الثعالب، لكن بالمقارنة مع ما تفعله الآن، كان يمكن اعتباره دلعًا.
من كانت تظن نفسها لتدبّر كل هذا بهذه الجرأة ضد جيهان؟
“أم أن هذه كانت طبيعتها الحقيقية، التي لم أكن أعلم بها؟”
كلما عادت إليّ ذكريات سورين، ازداد ارتباكي.
بل راودني خاطر مخيف… ماذا لو كان حملها في الماضي أيضًا كذبة؟
“لا… لا يمكنني الجزم بذلك.”
حاولت منع نفسي من الذهاب بعيدًا في الشكوك، وكنت على وشك أن أتحرك…
– طَق… طَق…
رفعت رأسي على وقع خطوات تصدح في الممر الهادئ.
تقابلت نظراتي مع سورين، التي كانت ترمش بعينيها وهي تحدّق بي بذهول.
لم أكن أتوقع أن نلتقي وجهًا لوجه هكذا…
“أ… أوني؟”
وجهها الذي شحب تمامًا دلّ على أنها، أيضًا، مصدومة لرؤيتي هنا.
كانت تنظر بتوتر بين غرفة المدير وبيني، وعيناها لم تتوقفا عن الارتعاش.
“ما الذي تفعلينه هنا؟ هذا المكان بعيد عن منزلك، أوني…”
صوت سورين المرتجف كشف تمامًا ما تشعر به من ذهول.
وحين وقعت عيناها على الظرف الذي أحمله بيدي، تجمدت نظراتها عليه.
كانت تمسك بطرف فستانها بقوة، ما يدل على شدة توترها.
مضحك… لا بد أنها تشعر وكأن قلبها سينفجر من الخوف.
“سمعت أنك تراجعين هذا المستشفى، فقررت القدوم.”
“لماذا… لماذا؟ هل أنتِ حامل؟ هذا المستشفى عاديّ وصغير في الحي!”
“بُـف.”
ضحكت دون أن أشعر حين سألتني إن كنت حاملاً.
كانت نيتها مكشوفة تمامًا، فبدت محاولتها للتمويه مثيرة للسخرية.
كانت ترتجف داخليًا، لكنها تحاول التظاهر بالجهل وكأنها لا تعلم بشيء.
وجه سورين عبس لرؤيتي أضحك بهذا الشكل.
“أنا حامل؟ هذا أقصى ما وصلت إليه خيالاتك؟ أم أنك تسألين رغم أنك تعرفين الحقيقة؟”
“……”
“لو كنت مكانك، لما أضعت الوقت بالسؤال هنا هكذا.”
اقتربتُ منها، وكانت متيبسة تمامًا في مكانها.
وحين وقفت قبالتها ونظرت إليها بنظرة باردة من الأعلى، ارتعشت قليلاً.
“زرتُ المدير هونغ.”
تغير وجه سورين تمامًا في لحظة، كما لو أن كلماتي الأخيرة كانت الطلقة التي أنهتها.
وفي اللحظة التالية، انهارت وجثت على الأرض.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 82"