بعد أن تابع رئيس مجلس الإدارة سيو مراسم الجنازة حتى نهايتها، اقترب مني بهدوء وربّت على كتفي.
قال إن هذا أيضاً سيمر سريعاً.
وواساني قائلاً إنه إن تغلبت على هذا الحزن مع “جايها”، فمستقبلاً أكثر صلابة سيكون في الانتظار.
ثم غادر رئيس مجلس الإدارة إلى سيؤول قائلاً إن لديه أمراً عاجلاً.
وما إن غادرت سيارة رئيس مجلس الإدارة، حتى انفكت عقدة لسان السيدة أوه التي بقيت صامتة طوال مراسم الجنازة.
“تس، والديها يرحلان ولا تذرف دمعة واحدة.”
“الجميع يسمعونك، أليس من الأفضل أن تتوقفي؟”
“أليس كذلك؟ انظري إلى تلك ‘يوجين’، ما أقسى قلبها أهذا ما يسمى بواجب الابنة؟”
كانت السيدة أوه تنقر بلسانها وهي تنظر إليّ، واصفة إياي بالقسوة لأني لم أبك حتى النهاية.
حتى نظرات نائب الرئيس التي كانت تنذرها بالكف لم توقفها.
زفرت زفرة حاولت أن أكتمها.
كنت أعلم أن كلامها مقصود، لكن لم يكن لدي طاقة للرد، لذا بقيت أستمع بصمت.
(ليتها ترحل بسرعة…)
لم أكن أرغب برؤية أحد الآن، لا نائب الرئيس سيو مين غوك، ولا السيدة أوه، ولا أي أحد.
وكان من حسن الحظ أن “جيهان” لم يأتِ إلى المدفن.
لو كان حاضراً، لما استطعت الاحتمال.
وعندما استمرت السيدة أوه في التهكم، وقف “جايها” أمامي وكأنه يحميني.
“أنتِ التي تَدينين للأعراف والاحترام، ألم تدمري عائلة غيرك؟”
“ماذا؟ هاه، أهذا ما تقوله لزوجة أبيك؟”
عندما واجهها “جايها” بتلك الكلمات القاسية، تشوه وجه السيدة أوه بغضب شديد.
“إذا كنتِ تتحدثين عن واجب الابن، فأعتقد أن هناك أشياء يجب احترامها كإنسانة أيضاً.”
“……أنت، أنت!”
“تستطيعين أن تتصرفي معي كما تشائين، لكن لا تمسيها بسوء.”
رأيت وجه السيدة أوه وقد احمرّ وهي ترتجف غضباً.
أمسكت بـجايها إشارةً لأن يتوقف.
لم أكن أرغب في إثارة الضوضاء أكثر في المكان الذي يرقد فيه والديّ.
“أنا شخص لا يتمتع بصبر كبير.”
“سيو جايها!”
صرخت السيدة أوه عندما أضاف “جايها” تلك الجملة الأخيرة.
في عينيه نظرة غاضبة لم أرها من قبل، فأمسكت بيده.
يبدو أنه كان غاضباً أكثر مني.
وبينما كانت السيدة أوه على وشك الانقضاض، اعترضها نائب الرئيس.
“اتركني! جايها، هل سمعتَ ما قاله لي الآن…!”
“كفى! توقفي واصعدي إلى السيارة.”
“عزيزي!”
دفع نائب الرئيس السيدة أوه التي كانت تصرخ بإصرار إلى داخل السيارة.
ثم اقترب منا.
“لا تحزني كثيراً، لنلتقِ في سيؤول جايها، اعتنِ بالعروس الجديدة جيداً.”
“نعم، سأفعل.”
أجاب “جايها” نيابة عني.
نظر نائب الرئيس إليّ بنظرة سريعة بينما كنت أنحني بصمت، ثم صعد إلى السيارة.
فقط بعد أن غادر الجميع، انحلّ التوتر الذي كان يحيطني بإحكام.
عندما انهارت قواي وكدت أسقط، أمسك “جايها” بخصري.
“هل أنتِ بخير؟”
أومأت له رداً على سؤاله القلق.
عاد “جايها” إلى طبيعته وكأن الغضب الذي رأيته فيه قبل قليل لم يكن.
“سنغادر حالاً، صحيح؟”
“نعم، يجب أن نغادر الآن.”
لكن ما إن حاولت أن أخطو حتى لم أتمكن من تحريك جسدي.
ربما لأن التوتر الذي خنقني طوال الجنازة قد زال بعد مغادرة السيدة أوه.
“لا ينفع هكذا سأتكفل بحملك.”
“لا، لا بأس ،أستطيع المشي وحدي.”
راقبني “جايها” وأنا أترنح في المشي، ثم اقترب وكأنه اتخذ قراره ودار بظهره نحوي.
عندما رأيت ظهره الواسع الممدود نحوي، شعرت بغصة في صدري.
لماذا أشعر أنني على وشك البكاء الآن، رغم أنني صبرت طوال الوقت؟
وقبل أن تخرج دموعي، قررت المشي نحو السيارة المتوقفة.
“السيارة أمامك تماماً…! مـ، ما هذا؟”
لأني لم أركب على ظهره، حملني “جايها” فجأة.
لم أكن أملك فرصة للهروب، فارتفع جسدي في الهواء بين ذراعيه.
“يبدو أنك لا تستطيعين المشي أليس الزوج موجوداً لتتّكئي عليه في مثل هذه الأوقات؟”
بدأ “جايها” بالمشي دون أن يظهر عليه أي نية لإنزالي.
خشيت السقوط، فطوقت عنقه بذراعيّ بشكل غريزي.
كم هي مطمئنة هذه الكلمة التي نطق بها: “الزوج”.
في هذا اليوم بالذات، بدا لي وجود “جايها” عظيماً جداً.
وضعت وجهي في صدره متأثرة بكلماته التي لامست قلبي.
ربما لقرب المسافة بيننا، كنت أسمع دقات قلبه النابضة بوضوح.
* * *
“كنت أظن أننا سنذهب مباشرة إلى المنزل……”
“ولهذا كنت أنوي الذهاب وحدي، لكن ‘جايها’ تبعني.”
كان من المفترض أن نذهب أنا و”جايها” كلٌّ على حدة، ثم نلتقي في المنزل الرئيسي في “سيونغ بوك دونغ”.
لكنه تبعني وكأنه أمر طبيعي تماماً.
كنت أفتقر إلى الشجاعة للذهاب إلى منزل العائلة الذي ما زالت آثار عائلتي باقية فيه، لذلك ماطلت في ترتيب أغراضهم.
لكن لم يعد بإمكاني التأجيل أكثر.
شعرت أنني لا أستطيع المضي قدماً إلا إذا واجهت الواقع الذي كنت أتهرب منه طوال الفترة الماضية.
بعد وفاة جدي، وبقاء والديّ في المستشفى، كانت الخادمة تدير المنزل.
وربما لهذا السبب كان المنزل نظيفاً دون ذرة غبار.
ما إن رأيت ديكور المنزل المألوف حتى اجتاحتني مشاعر الشوق.
متى كانت آخر مرة زرت فيها المنزل؟
بما أنها أول مرة أعود فيها بعد عودتي بالزمن، فقد مضى وقت طويل.
وبينما كنت أتجول في البيت الذي هو مألوف وغريب في آنٍ واحد، غارقة في الذكريات، سمعت صوتاً يناديني.
“يوجين.”
كان “جايها” يتفقد خزانة عرض كبيرة في غرفة المعيشة.
“يبدو أن كل شيء كان يستخدمه رئيس مجلس الإدارة لا يزال هنا.”
“أنا من طلب ألا يُرمى أي شيء من أغراض هذا المكان أردت أن أرتبها بيدي.”
طلبت الحفاظ على كل شيء كما كان قبل وفاة جدي.
على الأقل، أردت أن أكون أنا من يتولى أمر الترتيب لأغراض أفراد عائلتي.
اقتربت من “جايها” وهو يتفقد الخزانة.
كان يتأمل الصور والكاميرات المعروضة بدهشة.
“جميع الصور الموجودة في المنزل التقطها جدي بنفسه.”
كان جدي شغوفاً بالتصوير لدرجة أنه كان يقيم معارض فوتوغرافية من حين لآخر.
“الرئيس ‘يون’ التقطها بنفسه؟”
نظر إليّ بدهشة، فأومأت له برأسي.
في أرجاء المنزل كانت معروضات جدي منتشرة.
“نعم كان التصوير هوايته ليس تلك الصور فقط، بل حتى الصور التي التقطها لي في طفولتي جميعها التقطها جدي بنفسه.”
اقتربت من جايها ونظرت إلى الصور، ثم توقفت نظراتي على صورة عائلية.
فتحت الخزانة الزجاجية بحذر.
من صوري في مرحلة الطفولة إلى صور زفافي مع جيهان، كلها كانت مؤطرة بأطر أنيقة.
مررت ببصري على الصور، ثم تناولت الصورة العائلية الموضوعة في المنتصف.
“لقد احتفظ بهذه الصورة هكذا…”
كانت صورة التُقطت في اليوم السابق لحفل زفافي مع جيهان.
كان جدي جالسًا في الوسط، وعلى يساره والداي، وعلى يمينه كنت أنا وجيهان نبتسم.
وبما أن الزمن توقف عند جدي ووالديّ قبل الزفاف، فربما كان من الطبيعي أن تُعرض تلك الصورة هنا.
كم كان جدي ينتظر زفافي بشغف حتى وضع تلك الصورة في خزانة العرض.
حين فكرت في الأيام الماضية، شعرت بغصة في صدري.
ثم وقعت عيناي على جيهان وهو يبتسم بوجه مشرق في الصورة.
“لم أكن أعلم حينها… أن مستقبلي سيكون بهذا السواد.”
انتهى زواجي منه بفاجعة.
وفقدت عائلتي في لحظة.
تغيرت أشياء كثيرة فجأة.
حتى في الطريق إلى منزل العائلة، كم مرة تمنيت لو أن كل هذا مجرد حلم.
حتى دفني لوالدي اليوم في التراب البارد، تمنيت لو أنه لم يكن حقيقيًا.
وحقيقة أنه حتى في هذه الحالة، يجب أن أواصل طريقي نحو الانتقام.
كنت مرهقة جدًا… إلى الحد الذي يجعلني أرغب في التخلي عن كل شيء.
“ليت كل هذا كان كذبة…”
رغم كل ما فعلته، انتهى بي الأمر وحيدة.
وحين كاد الحزن العميق أن يخنقني، اقترب جايها من خلفي بهدوء واحتضن كتفيّ.
كأنه قرأ أفكاري. فتحت عيناي على دفء لمسته.
“جميلة… لدرجة تخطف الأنفاس.”
وجهه الذي اقترب دون أن أشعر لامس خدي.
اختفى الحزن المتجذر في صدري في دفء حرارة جسده.
“مجرد النظر إلى الصور يُظهر كم كنتِ محاطة بالحب ابتسامتك في الصور تقول كل شيء.”
كان غريبًا كيف أن كلماته وحدها بددت كل تلك الأفكار السوداوية التي كانت تتراكم داخلي.
تمامًا كما حدث الآن.
“لكن… الشخص الواقف في مكان الزوج في هذه الصورة هو سوجيهان وليس أنا، وهذا يزعجني قليلًا.”
تساءلت في نفسي لماذا تأخر في قول ذلك.
ابتسمت لا إراديًا من عبارته التي تشبهه تمامًا.
“كان يجب ألا تفسخ خطوبتنا إذًا لو لم تفعل، لكنت أنت من يقف في هذا المكان.”
“صحيح… ما كان يجب أن أفسخ تلك الخطبة.”
في نبرة صوته الهادئة كان هناك أثر من الندم.
وعندما حاولت الابتعاد لأرى وجهه، دفن جايها وجهه في عنقي.
ما الذي يدور في ذهنه الآن؟
شعرت بدفء أنفاسه على عنقي، مما جعلني أرتجف قليلًا.
“هل نلتقط صورة معًا أيضًا؟”
“صورة؟”
“نعم، صورة عائلية.”
عندما تخيلت صورة تجمعني به، ارتسمت ابتسامة لا إرادية على شفتي.
“حسنًا، لنلتقط صورة عائلية.”
وعندما أجبته بتلك النبرة المليئة بالحماسة، ابتسم هو الآخر ببطء.
.
.
.
ملأ جايها عدة صناديق كبيرة، ورغم ذلك ما زال هناك الكثير من الأغراض المتبقية، فنظر إليها وهو يضحك ساخرًا.
“بهذا الشكل ستصابين بالإرهاق، وكنتِ تفكرين في القيام بهذا وحدك؟”
“أجل، كنت أفكر بذلك.”
كنت أنوي القدوم بمفردي دون جايها لترتيب كل شيء لكن الآن بدا لي أن ذلك كان قرارًا خاطئًا تمامًا.
نظرت إلى جايها المتضايق، وضحكت من إحراجي.
“حين أرتب الأمور دون تفكير، أجد أن أفكاري المتشابكة أيضًا تبدأ بالترتيب والانشغال أفضل من البقاء في الفراغ.”
“مع ذلك… لو لم أكن هنا، لما تمكنتِ من العودة إلى البيت الليلة.”
الصناديق التي جمعنا فيها الأشياء المهمة وحدها كانت تكفي لملء مستودع بأكمله.
وبينما كنا مشغولين بنقل الصناديق، نظرت إلى الساعة، وإذا بنا قد دخلنا في وقت متأخر من الليل.
“هاه أعتقد أننا أنجزنا قدرًا جيدًا دعينا نرتاح قليلاً.”
توقف جايها عما كان يفعله وجلس على الأريكة الموجودة في منتصف المكتب.
نظرت إليه وجلست بجانبه.
بمجرد أن أسندت ظهري، شعرت بإرهاق جسدي ينهال دفعة واحدة.
وعندما توقفت حركتي التي لم تهدأ طوال اليوم، بدأت الأفكار التي كنت أؤجلها تعود ببطء.
“أوه…”
ربما شعر جايها بذلك، فتقدم ناحيتي ومد يده وربت على جبيني بخفة.
“ممنوع التفكير في أشياء سيئة في الوقت الحالي.”
فركت جبيني حيث لمسته أصابعه.
نظرت إلى جايها الجالس أمامي وقد استدار كليًا ناحيتي.
الشخص الجالس أمامي الآن، لم أره في حياتي السابقة أبدًا.
هل كان دومًا بهذه العفوية والمرح؟
أم أنه، مثلي، قد تغيّر هو الآخر؟
وفجأة وجدت نفسي أشعر بالفضول تجاهه… كيف قرر خوض طريق الانتقام؟
“أنا فضولية بشأنك يا جايها.”
“فجأة؟”
“أتساءل فقط، لماذا قبلت عرض الشراكة الذي قدمته لك.”
أسند ذقنه إلى يده وحدّق بي بعينيه المسترخيتين.
“هل… تتساءلين عن السبب الذي يدفعني أنا أيضًا للسعي خلف هوجين، أليس كذلك؟”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 80"