“ما هذه الرائحة؟”
في الصباح الباكر، وما إن أنهيت الاستحمام وخرجت، حتى امتلأ البيت برائحة شهية.
وبشكل طبيعي، قادتني قدماي نحو المطبخ.
يبدو أن “جايها” قد حضّر شيئًا مثل البرنش منذ الصباح، إذ وضع طبقين كبيرين على الطاولة.
قال إنه مشغول بسبب المناقصة الرئيسية لإنتيك، فمتى خرج من الحمام وأعدّ كل هذا؟
في الآونة الأخيرة، وبسبب عمله الإضافي اليومي، كان من الصعب رؤيته إلا في مثل هذا الوقت صباحًا.
رغم أننا نعيش في بيت واحد، يصعب علي رؤيته.
كان “جايها” يرتدي بدلة رسمية، ويبدو أنه سيتوجه للرحيل فور الانتهاء من الإفطار.
“وصلتِ؟ اجلسي.”
قال إنه يريد أن نتناول الإفطار معًا ما إن أفتح عيني، لكنني لم أكن أظن أنه سيحضّر الإفطار حقًا.
رغم انشغاله، فقد أعدّ لي وجبة، مما جعل قلبي يلين من الحب، لكنني شعرت بالقلق من أنه قد يكون يجهد نفسه كثيرًا.
“قلتَ إنك مشغول، فمتى صنعتَ كل هذا؟”
“أنتِ لم تتناولي الإفطار في الصباح لأنني لم أكن هنا، أليس كذلك؟”
أحسست بوخزة في قلبي.
كيف علم بذلك؟
منذ أن توقف “جايها” عن تناول الإفطار معي، أصبحت أنا أيضًا أتخطى الوجبات بشكل طبيعي.
وعندما رأى ملامحي المندهشة، ضاق عينيه وكأنه يقول “كما توقعت”.
“كنت أعلم ذلك.”
حتى توبيخه الذي يحمل المحبة كان قد مضى وقت طويل منذ سمعته، فشعرت بالسعادة واكتفيت بالابتسام بدل الرد.
“واو، تبدو شهية حقًا الرائحة لا تُصدق.”
تسللت إلى أنفي رائحة لذيذة تغري الشهية منذ الصباح.
وحين نظرت إلى شرائح التوست الفرنسي واللحم المقدد المرتبة بعناية على الطبق الأبيض، بدأت شهيتي التي لم تكن موجودة تتفتح فجأة.
“هل حضرتَ كل هذا بنفسك؟ متى أنهيت كل هذا؟”
“بعد أن استحممتُ لم يستغرق الأمر كثيرًا كنتُ أتناول هذه الأشياء كثيرًا حين كنت في أمريكا.”
أجاب بوجه هادئ وجلس على الكرسي المقابل لي.
وبينما كنا نواصل الإفطار ونتبادل الأحاديث البسيطة، شعرت باهتزاز هاتفي الموضوع على الطاولة.
وأشار “جايها” بذقنه نحو الهاتف.
“يبدو أنك تلقيتِ رسالة.”
وبنظرة منه تفيد أنه لا بأس في التحقق منها، وضعت أدوات الطعام جانبًا.
وحين نظرت، كانت رسالة من العم “هيونيك”. وكلما قرأتها، ازددت ذهولًا.
“هل حدث شيء ما؟”
وضع “جايها” شوكته جانبًا حين رأى ملامحي غير العادية.
كانت الرسالة تتضمن عنوانًا تفصيليًا للمستشفى الذي تتلقى فيه “سورين” العلاج.
[عيادة الإيمان للنساء، الطابق الثاني، حي 00، منطقة “سونغبا”، سيول. رقم الهاتف: 02-000-0000. يبدو أنها تتلقى العلاج هناك. الطبيبة المسؤولة “المديرة هونغ”، وهي معروفة بكثرة القضايا الطبية بسبب الحوادث المتكررة. شخص مشهور في هذا المجال لهذا السبب. – العم هيونيك]
وقد أُرفق بالرسالة ملف PDF يحتوي على سيرة المديرة “هونغ”، كي أطلع عليه.
ومع الشرح الإضافي من العم، بدأت الشكوك الغامضة التي كانت في داخلي تتضخم أكثر.
لو كنت قد بحثت جيدًا، لعرفت أن هذه الطبيبة سيئة السمعة.
لم أكن أصدق أن “سورين”، التي تعاني من غرور لا مثيل له، تتردّد على مستشفى كهذا.
طفل “جيهان” كان بمثابة طوق النجاة الوحيد لها كي تصبح جزءًا من “هوجين”.
وأن تخضع لمتابعة حمله في عيادة مثل هذه؟!
“كلما فكرت بالأمر، شعرت أنه مريب.”
“جايها، ما رأيك في أن “سورين” تتردد على هذه العيادة رغم وجود مستشفى “دايجين” الممتاز؟”
نظر “جايها” إلى شاشة الهاتف التي ناولتُه إياها.
وعيناه سارعتا في قراءة الرسالة.
“همم تقولين إن “تشاي سورين” تذهب إلى هذه العيادة؟ عيادة الإيمان؟”
“أليس هذا غريبًا؟”
بدت على “جايها” أيضًا علامات الشك، فعبس جبينه قليلًا.
ثم أعاد لي الهاتف.
“ليس فقط غريبًا، بل مريب هل تسكن “تشاي سورين” بالقرب من هناك؟”
“نعم، بيتها قريب من هناك.”
“حتى وإن كان القرب سبب اختيارها، فإن الأمر يثير الريبة… يبدو أن هناك ما يدعو للشك المنطقي.”
يبدو أن “جايها” قد أدرك الهدف من سؤالي.
لطالما شعرت بشيء غريب تجاه “سورين”، والآن تأكدت أن شكوكي لم تكن مبالغة.
فما السبب الذي يجعلها تتجنب مستشفى “دايجين” وتتوجه إلى عيادة محلية كهذه؟
“هل يمكن أن يكون لديها سبب يمنعها من الذهاب إلى مستشفى دايجين؟”
نظر إليّ “جايها” للحظة وكأنه يفكر، ثم فتح فمه ليتكلم.
“يمكننا أن نفترض العديد من الأسباب.”
“…”
“إن كانت هناك أسرار لا يمكن إخبار مجموعة “هوجين” أو “سوجيهان” بها، فقد يكون هذا هو السبب.”
وحين رأيت النظرة العميقة في عينيه، خفق قلبي بعنف.
ما هو السر الذي تخفيه “سورين”؟
هل حدث شيء للجنين؟ أم أن هناك شيئًا آخر…؟
فجأة خطرت في رأسي فكرة خطيرة.
“مثلاً، احتمال ألا يكون الطفل طفل “سوجيهان”.”
يبدو أن “جايها” فكّر بالأمر نفسه، إذ ذهب يتكلم ببطء بنبرة مختلفة.
“أو أن الحمل قد حدث بطريقة خاطئة.”
***
“إنه يزعجني.”
كان “جيهان” ينظر إلى الضماد الذي غُطي به الجرح وهو يتذكّر كيف فقد أعصابه أمام “سورين”.
كان يعلم أن “سورين”، التي تحمل بطفل، باتت قلقة بشأن الزواج.
لكن “جيهان” لم يكن يشعر باليقين بعد حيال الزواج منها.
إذ كان هناك شيء غامض يبعث في نفسه شعورًا بالانزعاج.
وبينما كان يفكر فيها وهو يمشي، وصل إلى مكتب “موجين”.
“هل الرئيس موجود في الداخل؟”
“نعم. ولكن هناك ضيفٌ عنده الآن.”
أجابت السكرتيرة على سؤال “جيهان” بتعبير متردد.
كان من غير المعقول أن يستقبل “موجين”، بشخصيته الدقيقة، ضيفًا آخر بعدما استدعاه هو.
فانعقد حاجباه بانزعاج.
“من الموجود؟ أعلم أن لديه موعدًا مسبقًا معي فور وصوله إلى المكتب.”
“سيدي… في الحقيقة…”
ترددت سكرتيرة “موجين” في الإجابة، فلم تستطع الرد مباشرة.
فتقلصت عينا “جيهان” وهو يحدق بتبرم في سلوكها المربك.
“لا يمكنني الانتظار أكثر أعلم أن هذا تصرف غير لائق، لكنّ الأمر طارئ ولا يحتمل التأخير.”
“…”
“أخبري الرئيس أنني وصلت…”
لم يتبقَ الكثير من الوقت حتى تبدأ الاجتماع.
وبينما كان “جيهان” على وشك استكمال حديثه بقلق، فُتحت أبواب المكتب المغلقة.
“أهلاً، لم أكن أعلم أنك تنتظر في الخارج.”
وكان الشخص الذي خرج من المكتب هو “جايها”.
تجمد “جيهان” في مكانه وهو يواجه ضيفًا لم يتوقعه أبدًا.
“ما الذي أتى بك إلى هنا؟ أن يأتي المدير التنفيذي لمجموعة W بنفسه إلى هذا المكان؟”
تأجج صدر “جيهان” غيظًا وهو ينظر إلى “جايها” الذي كان يبتسم بسخرية.
ما الذي جاء به إلى هنا، بحق السماء؟
خصوصًا أن “W” و”هوجين” كانتا تتنافسان على صفقة بيع علنية.
هل جاء ليراوغ الرئيس بكلامه المنمق المعتاد؟
“لماذا تتحدث بهذه القسوة؟”
“…”
“آه، يبدو أنك جئت لتقابل الرئيس بسبب ‘إنتيك’، بما أنك تعاملني بهذا البرود.”
رفع “جايها” طرف شفتيه ساخرًا وهو ينظر إلى “جيهان” وكأنه فهم كل شيء.
ولمّا التقت عيناهما، شعر “جيهان” بنظرة “جايها” المستخفّة، فقبض على يده بغضب.
“اليوم لم آتِ بصفتي مديرًا تنفيذيًا لمجموعة W، بل كأكبر أحفاد الرئيس.”
في تلك اللحظة، تحولت ملامح “جيهان” إلى الحدة، مستفَزًّا من كلمات “جايها” التي أثارت أعصابه عمدًا.
ثم، وقبل أن يتجاوزه “جايها”، وضع يده على كتفه، وهمس له بصوت منخفض لا يسمعه سواهما:
“بالنسبة لـ’إنتيك’… من الأفضل أن تتخلى عنها.”
“…تتخلى؟ ماذا تعني؟”
ارتعشت شفتا “جيهان” بامتعاض من كلام “جايها” الغامض ذي المغزى.
شعر بأن مركب النقص الذي يكنّه تجاه “جايها” قد عاد ليطفو على السطح.
أخٌ غير شقيق وُلِد وفي فمه ملعقة من ذهب.
بينما احتاج “جيهان” إلى إذن واعتراف من الآخرين في كل صغيرة وكبيرة، كانت كل الامتيازات تُمنح لـ”جايها” باعتباره الابن البكر الشرعي وكأنها أمور بديهية.
من منصب الوريث، وحتى الخطيبة، كل ما رغب فيه “جيهان” كان يُمنح له أولًا.
عادت إليه تلك الذكريات، وغاص بصره في ظلال باردة.
أما “جايها”، فنظر إليه بابتسامة باهتة تتسع ببطء.
“لأنك لن تستطيع تحمّل المسؤولية بقدراتك الحالية.”
عندما سمع تلك الكلمات الصريحة التي تعني اتهامه بالعجز، اختل وجه “جيهان” بالغضب.
***
“سو جايها…! كيف يجرؤ على الاستخفاف بي، وأنا الوريث؟!”
حتى بعد أن أنهى حديثه مع “موجين” وغادر المكتب، لم يهدأ غضب “جيهان”.
ظلّت نظرات “جايها” الساخرة تطوف في ذهنه وتؤجج ضيقه.
فأرخى ربطة عنقه بشدة وهو يزفر غيظًا.
بدت نظرات “موجين” إليه مختلفة قليلًا، وكأنه سمع شيئًا من “جايها”.
“هل تنوي حقًا تقديم عرض شراء مرتفع إلى هذا الحد؟”
“نعم يبدو أن مجموعة W تحاول الاستحواذ بأي وسيلة لقد استثمرنا عامًا كاملًا في هذا المشروع لا بد أن نستحوذ عليه.”
“همم…”
أنزل “موجين” نظره إلى الأوراق دون أن يعلّق على حديث “جيهان”، لكن ملامحه كانت ممتلئة بعدم الرضا.
“القدرة؟”
“جايها” كان واثقًا من أن “جيهان” غير قادر على تحمّل “إنتيك”.
“أنت، الذي أُزيحت عن منصب الوريث، تتحدث عن قدراتي؟”
ضحك “جيهان” بسخرية مريرة.
سيجعل “جايها” يدفع ثمن الإهانة التي شعر بها اليوم.
وسيرى وجهه مشوهًا بالهزيمة في هذه الصفقة.
“انتظر فقط من سيندم ليس أنا، بل أنت.”
تلألأت عينا “جيهان” بشراسة.
“كيم، قدم موعد الاجتماع أخبر الجميع أن يجتمعوا الآن.”
سيفعل أي شيء لينتصر لا بدّ له من الفوز.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 76"