ذهبتُ إلى مستشفى “ديجين” للحصول على وصفة طبية لأدوية الأرق.
ربما لأن وقت الغداء قد انتهى، كان المستشفى يعجُّ بالحشود.
كانت “جيهيون” تعمل أستاذة في قسم الطب العائلي هناك.
وعلى الرغم من أنني تواصلت معها على عجل، إلا أن قولها لي أن آتي في وقت يناسبني كان لطيفًا للغاية.
«في مثل هذه الأوقات، لا شيء يضاهي وجود صديق».
لو لم تكن “جيهيون”، لما كان من السهل أن أزور المستشفى بهذه البساطة.
عندما دخلت غرفة الفحص، بدت عليها علامات الترحيب بي بينما كانت تنظر إلى الشاشة أمامها.
“مرحبًا بكِ تفاجأت عندما وصلتني رسالتك، رغم أنه ليس يوم موعدك هل حالتكِ جيدة؟”
“كل شيء على ما يرام، ما عدا أنني لا أستطيع النوم ليلًا.”
ابتسمت لها ابتسامة خفيفة بينما تسألني بقلق.
ولأنني خضعت للعلاج في المستشفى لفترة طويلة، أومأت برأسها دون أن تقول شيئًا.
“لكن، لماذا لا تستطيع العروس الجديدة النوم؟ هل كانت رحلة شهر العسل ممتعة؟”
“نعم ذهبنا إلى مكان استجمام، وكان رائعًا لكن يبدو أن الزواج لا يجعل النوم أسهل، أليس كذلك؟”
وجود شخص يمكن الاعتماد عليه جعلني أشعر ببعض الراحة.
لكن يبدو أن النوم بهدوء ما زال أمرًا صعبًا.
ضحكت “جيهيون” على ردي وكأنها لا تستطيع منعي من قول ذلك، ثم بدأت تكتب في السجل الطبي.
“لو سمعكِ زوجكِ، لشعر بالأسى كيف هي الأعراض؟ هل أصبحت أسوأ من قبل؟”
هززت رأسي نافية وأنا أنظر نحوها.
“إنها مثل السابق إذا لم أتناول الدواء، لا أستطيع النوم، وهذا مرهق.”
“حقًا، لا أستطيع أن أفهم ربما سيكون من الأفضل أن تجربي العلاج في مركز النوم.”
أعراض الأرق لدي امتدت من الحياة السابقة.
حتى مركز النوم الذي أوصتني به “جيهيون” لم يكن له تأثير فعّال.
وفوق ذلك، وبسبب اقتراب الاندماج مع مجموعة “هوجين”، كان عليّ أن أتوقف عن العلاج، مراعاةً للنظرة العامة.
وكان لـ”جيهان” أيضًا رأيه الصارم في هذا الشأن.
“هل يليق بالوريثة، وهي على وشك الاندماج، أن تُعرف بأنها ترتاد مركزًا للنوم؟ لما لا تذهبي إلى صديقتكِ بدلًا من ذلك؟”
بعد وفاة جدي، أصابني أرق شديد، لكن “جيهان” تصرّف وكأن المشكلة بي أنا.
كان يتظاهر بأنه يقول ذلك من باب القلق عليّ، لكنه كان لا يريد أن يُعرف أن زوجته في حالة تتطلب علاجًا نفسيًا.
حين عادت هذه الذكريات، شعرت بانحدار لا نهائي في مزاجي.
“هل هناك ما يشغل بالك؟”
“ما يشغل بالي؟”
سمعت صوت “جيهيون” الهادئ.
وفجأة، كانت تنظر إليّ بعينين مليئتين بالقلق.
“لم تكن أعراض الأرق لديك بهذه الحدة من قبل كم شعرت بالدهشة عندما جئتِ إليّ لأول مرة.”
في الواقع، ازداد الأرق سوءًا بعد العودة بالزمن.
ورغم أن حالتي تحسّنت كثيرًا مقارنة ببداية العودة، إلا أن هذا كان تحسُّنًا نسبيًّا فحسب.
“جيهيون” كانت دومًا تنصحني بتلقي العلاج الرسمي.
“لقد شعرت بانقباض قلبي عندما سمعت عن حادث عائلتكِ كنت قلقة من أن تنهاري تمامًا.”
“فهمت… لا تقلقي أنا أفضل بكثير الآن.”
بعد أن انتشرت أخبار الحادث، اقترحت “جيهيون” بلطف أن أخضع لاستشارات نفسية.
وشعرت بصدق قلقها من أن تراودني أفكار سيئة.
“والآن لديّ زوج، وهذا يمنحني شعورًا بالاطمئنان.”
عندما تحدثت عن “جايها”، شعرت بدفء في صدري.
لم أكن أعلم أن الإحساس بالأمان العاطفي الذي يمنحه إطار العائلة يمكن أن يكون كبيرًا إلى هذا الحد.
«لأن الزواج، بالنسبة لي، كان كابوسًا…»
على مدار خمس سنوات، لم أكن سعيدة قط.
وربما السبب في أن العلاج لم يجدِ نفعًا، كان حياة الزواج التعيسة.
عندما فكرت بالأمر على هذا النحو، شعرت بثقل كبير يهبط على قلبي.
بعد زواجي من “جايها”، تغيّرت نظرتي للزواج.
فلم يعد كما كنت في الماضي، حين كنت أعيش بمفردي في البيت أنتظر “جيهان” الذي لا أعلم متى سيعود.
الآن، عندما أعود إلى البيت، يستقبلني “جايها” في منزل مضيء دافئ بابتسامة ترحيب.
كان المنزل الذي فيه “جايها” دافئًا، وأحاديثنا لا تنتهي.
شعرت حقًا أنني بدأت أستقر نفسيًّا وأنا بجانبه.
“سأفكر في تلقي العلاج أما اليوم، فأرجو أن تصرفي لي الدواء فقط.”
“حسنًا ولا تكتفي فقط بزيارة والديك في المستشفى، بل تعالي لرؤيتي أحيانًا، أليس كذلك؟ كل مرة تأتين فيها، لا أراكِ إلا وأنتِ تمرّين على الدكتور كيم فقط.”
قالت ذلك بنبرة تبدو متظاهرة بالاستياء.
“حسنًا ، سأغادر الآن.”
لوّحت لها مودعة بينما كانت تُدخل البيانات في سجل التشخيص، وكنت على وشك مغادرة الغرفة.
وفجأة، خطر ببالي سؤال:
«ألا يمكن أن تكون سورين تتردد أيضًا على هذا المكان؟»
“صحيح، جيهيون، هل تعرفين من هو الطبيب المسؤول عن سورين؟”
بدا التوقف في يدي “جيهيون” التي كانت تكتب بانشغال واضحًا عند سماع سؤالي المفاجئ.
أمالت رأسها قليلًا ونظرت إليّ.
“سورين؟ تشاي سورين؟ لست متأكدة لم أسمع شيئًا من الدكتور كيم بهذا الخصوص.”
كان مستشفى “ديجين” مستشفىً متعاونًا مع مجموعة “هوجين”.
وكانت عائلة “هوجين” تخضع لإشراف طبي منتظم من أطباء مختصين في هذا المستشفى.
«هل من الممكن أن لا تكون تتلقى العلاج في هذا المستشفى؟»
في حياتي السابقة، رأيت “سورين” تخرج من عيادة النساء والولادة في هذا المكان برفقة “جيهان”.
وكانت حينها تبتسم ابتسامة مشرقة وهي تنظر إلى صورة الأشعة وكأنها تملك العالم.
لذلك افترضت أنها، في هذه الحياة أيضًا، ستتلقى العلاج هنا.
«هل يُعقل أن تكون “تشاي سورين”، التي تملؤها الغرور، قد اختارت مستشفى آخر؟»
عندما رأت “جيهيون” ملامح الشك على وجهي، تغيرت نظرتها بشكل طفيف.
رفعت نظارتها قليلًا وتابعت الحديث:
“إن كنتِ فضولية، يمكنني الاستفسار عن الأمر أستطيع معرفة من هو الأستاذ المسؤول عن حالتها.”
“نعم، أرجوكِ.”
حتى بعد خروجي من غرفة الفحص، لم أستطع التخلص من ذلك الشعور المزعج الذي ظل يرافقني.
***
ما إن وصلتُ إلى المنزل، حتى وجدت الأنوار مضاءة بشكل دافئ.
دخلتُ إلى البيت الذي تفوح منه رائحة الحياة، فأرتسمت على وجهي ابتسامة دون أن أشعر.
لم أدرِ متى وصل، لكن “جايها” كان واقفًا عند الباب الداخلي.
فتح الباب واستقبلني وأنا أخلع حذائي.
“وصلتِ؟”
في تلك اللحظة، شعرتُ بغصة في صدري.
ربما لأنني استرجعت ذكريات الماضي في وقت سابق من اليوم، بدا ترحيب “جايها” بي مؤثرًا على نحو خاص.
«أصبحتُ أشعر أن الوحدة هي ما بات غريبًا عني.»
كلما غمرني بالسكينة والدفء، كانت مشاعري نحوه تزداد بلا توقف.
حتى أنني لم أعد أستطيع تخيل حياتي من دونه.
لقد أصبح شخصًا عزيزًا عليّ، يتجاوز كونه مجرد شريك في الانتقام.
“جايها” نظر إليّ وهو يبتسم، وقد لاحظ أنني ما زلت واقفة بعد أن خلعت حذائي.
“لمَ تقفين هكذا؟ هل كان يوم العمل شاقًا بعد فترة من الانقطاع؟”
أن يكون هناك من يسألني عن يومي بهذه العذوبة… كم هو شعور دافئ.
اليوم تحديدًا، لم أستطع أن أرفع عيني عن “جايها”.
فقط لمجرد أن أكون معه، تغيرت نظرتي لكل شيء.
هذا هو الحب.
ظللت أحدّق به حتى نسيت أن أجيبه.
وعندما لاحظ نظراته القلقة، ابتسمت كأن لا شيء يدعو للقلق.
“لا، لا شيء أبدًا جايها، سأغتسل وأعود.”
***
بعدما انتهيت من الاستحمام وخرجت، كان “جايها” جالسًا على أريكة غرفة المعيشة يقرأ كتابًا.
وعندما سمع باب الحمام يُفتح، رفع رأسه عن الكتاب.
شعرتُ بتحسن ملحوظ بعد أن رتبت أفكاري تحت الماء الدافئ.
وعندما جلستُ إلى جواره، مدّ يده نحو شعري الذي جففته بالكامل.
“لقد جففتِ شعركِ بالكامل اليوم؟”
“نعم لأن شخصًا ما لا يكفّ عن التأنيب.”
لم يكن يعلم أنني أصبحت أعتاد على تجفيف شعري بعد الاستحمام.
ضحك بخفة على قولي.
“الناس قد يسيئون الفهم إن سمعوا ذلك عليكِ أن تعلمي أنني قلت ذلك بدافع القلق عليكِ.”
“تشي، فهمت لكن من يمرض في الصيف؟”
“ألم أقل لكِ ألا تتهاوني؟ هل تريدين شايًا؟”
أمسك الإبريق الموضوع على الطاولة.
كان هناك فنجان يتصاعد منه بخار دافئ أمامه، وكأنه صُب للتو.
“هل هو شاي الأعشاب هذه المرة؟”
عندما صبّ الشاي في الكوب الفارغ، انتشر عبير الأعشاب المميز في الأجواء.
“نعم، إنه شاي اللافندر يساعد على تهدئة التوتر، ستنامين بسرعة بعد شربه.”
ناولني الكوب الذي تلألأ فيه لون أصفر باهت.
ارتشفت منه رشفة، فانتشر الطعم المنعش المائل للحِدّة الخاص بالأعشاب في فمي.
“شكرًا لك.”
“إن كنتِ متعبة، يمكنكِ الاستلقاء على أية حال، سأبقى أقرأ كتابي ويمكنكِ حتى أن تسندي رأسكِ على ركبتي.”
«ماذا؟»
لوّح بالكتاب الذي في يده ناظرًا نحوي بينما ارتبكتُ من عرضه الغريب.
أن أضع رأسي على ركبتيه؟ مجرد التفكير في الأمر كان محرجًا، فمددت يدي لألتقط الوسادة التي بجانبه.
لكن وكأنه فهم ما أنوي فعله، أمسك الوسادة ورفعها عاليًا.
“لن أعطيكِ إياها، فاستسلمي واستلقي هنا.”
أشار إلى ركبتيه وهو يبتسم.
كانت ابتسامته مرحة، لكن نظراته كانت حازمة، فاستسلمت في النهاية.
وضعت رأسي على ركبته، ونظرت إلى وجهه.
كان نصف وجهه مغطى بالكتاب، فلم أرَ سوى عينيه.
“هل أساعدك لتنامي؟”
“ها؟ جايها، أنت ؟ كيف؟”
نظرت إلى تعبير وجهه الغامض، وشعرت بتوتر خفيف.
“أغمضي عينيكِ.”
«لماذا أُغمض عيني؟»
رغم أنني كنت أحدّق فيه بعينين مفتوحتين، إلا أن نظرته الثابتة جعلتني لا أملك سوى أن أغمض عيني.
“في فجرٍ استيقظت فيه مبكرًا على صوت المطر الذي جلبه الإعصار، قلبتُ صفحات ديوان شعر سميك…”
في ذلك الجو الهادئ، انطلقت من “جايها” همسات بصوته المنخفض.
كان يقرأ بصوتٍ عالٍ أحد مقاطع الكتاب الذي بين يديه.
في البداية، ظننتُ أنه يقرأ بصوتٍ مرتفع لأنه أُعجب بالعبارة.
لكن صوته استمر في القراءة دون توقف.
كأنه يسرد لي كتابًا كما في الكتب الصوتية.
ضحكتُ دون أن أتمالك نفسي.
لم أتوقع أنه عندما قال إنه سيجعلني أنام، كان يقصد بهذه الطريقة.
“من يقرأ كتابًا بهذه الطريقة؟”
“أنا أقرأ هكذا دومًا، ولا تفتحي عينيكِ.”
فتحتُ جفنيّ لا تتلاقى مع عينيه.
ابتسم لي ابتسامة هادئة، ومدّ يده نحو عيني.
“أغمضي عينيكِ.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 74"