مرّ رحلة شهر العسل التي كانت كالحلم وعدنا إلى المنزل.
لم يكن يزعجني لقاء “جايها” في مكان قضاء شهر العسل، لكن بمجرد أن عدنا إلى البيت، اجتاحتني مشاعر الخجل متأخرة.
«أشعر وكأنني الوحيدة التي تضعه في اعتبارها…»
هل هذا لأني أشعر الآن فقط بأننا أصبحنا زوجين بالفعل؟
بعد أن أنهينا وجبة الإفطار، كنت أحدّق بشرود إلى “جايها” وهو يتهيأ بعجلة للخروج.
كنت أظن أنه سيخرج وحده، لكنه جذبني للخروج معه.
“…ولِم أنا؟”
“ماذا تعنين بلماذا؟ بما أن اليوم عطلة نهاية الأسبوع، فلنخرج ونستنشق بعض الهواء.”
.
.
.
دخلنا صالة الاستراحة في مركز التسوق، أتبع “جايها” الذي كان يتقدمّني.
كان من الصعب التجوّل في المتاجر والتسوّق لأن عدد من تعرفوا علينا كان أكثر مما توقعت.
“مع أنني تعمّدت ارتداء قبعة، هل ما زال مظهري لافتًا؟”
“هممم ليس الأمر أنكِ لافتة، بل تبدين مشبوهة قليلًا؟”
قال “جايها” مبتسمًا بينما كنت أضع القبعة جانبًا.
مشبوهة؟
التفتُّ إليه لأرد عليه، لكنه كان قد بدأ يتحدث مع موظف الصالة.
ولم ينظر إليّ إلا بعد أن غادر الموظف.
“ما معنى تلك النظرة؟ ألم أقل لكِ ألّا ترتدي تلك القبعة؟”
ربما لأنني بالغت في الحذر، أصبحت أكثر لفتًا للأنظار.
“إن لم يكن هناك ما نود مشاهدته أكثر، هل نشرب هذا ونعود؟”
“نعم، لنفعل ذلك.”
كان الهدف من المجيء إلى مركز التسوق هو تغيير الأجواء،
لكن القلق من أن تتحول حياتنا الخاصة إلى مادة صحفية مجددًا جعل نظرات الناس غير مريحة.
كنت أفكر في أن نكتفي بتناول المشروب ونغادر، وحين هممت بالوقوف، تعالت همهمات وضوضاء عند المدخل.
لأننا كنا وحدنا في الصالة، بدت الأصوات المرتفعة أكثر وضوحًا.
“تقول إنه لا يوجد PSR متاح؟ إذًا لا معنى لقدومي إلى هنا من الأساس، أليس كذلك؟”
“نعتذر، سيدتي. لقد تم حجز جميع المواعيد لليوم مسبقًا.”
أخذ الموظف يكرر اعتذاراته للزبونة التي كانت تستشيط غضبًا وتحتج بصوت حاد.
وبينما كانت الأصوات تعلو، وجدت وجهي ينقبض تلقائيًا.
هل ظهرت إحدى زبونات الـVIP المزعجات؟
يبدو أن “جايها” يشاركني نفس التفكير، إذ كان ينظر نحو المدخل عابسًا.
“دخلنا إلى الداخل بسبب الضجيج في الخارج، لكن يبدو أن الوضع ليس أفضل هنا.”
“بالضبط، أصواتهم مسموعة بوضوح تام.”
رغم أن المسافة بين المدخل والطاولة التي نجلس عندها ليست قصيرة، كانت الكلمات تُسمع بوضوح.
“سيدتي، سأحاول تنسيق الموعد مع زبائن آخرين لم نتلقَّ إشعارًا مسبقًا، لذا لم نكن مستعدين نعتذر مرة أخرى.”
“هاه، ومتى اعتدتُ على إبلاغ المركز مسبقًا قبل المجيء؟ إذًا الآن خطأي أنني لم أبلغكم مسبقًا، أليس كذلك؟”
“لا، لا، بالطبع لا لقد أخطأت في التعبير.”
رغم تكرار اعتذار الموظف، لم يتوقف صوت المرأة المنزعج والحاد.
والأدهى، أن صوتها بدا مألوفًا لي بشكل ما.
“كم أنفقتُ خلال العام الماضي في هذا المركز؟! إن كان هذا هو أسلوبكم، فما الفائدة من وجود فئة العضوية الأعلى؟”
“أمي، هل نأتي في يوم آخر؟ خدمة الموظفين سيئة جدًا اليوم.”
خاصة صوت الشابة التي نادت المرأة بـ”أمي” كان مألوفًا بطريقة ذكّرتني بشخص ما.
ويبدو أن “جايها” هو الآخر أدرك صاحبة الصوت، إذ تجهم وجهه.
«مستحيل… هل هما الاثنان معًا؟»
“لا بأس! إن انتظرتما في الصالة الداخلية، سنقوم بخدمتكما هناك.”
لماذا لا يصدق حدسي السيء أبدًا؟
ظهرت “السيدة أوه” و”سورين” وهما تدخلان الصالة التي نجلس فيها.
“تظنين أنهما ستأتيان إلى هنا؟”
سألني “جايها” وقد انتقل ليجلس بجواري دون أن أشعر، مشيرًا إلى احتمال قدومهما نحو طاولتنا.
“مستحيل.”
مجرد فكرة الجلوس معهما كانت مرعبة، فأومأت نافية برأسي بقوة.
“الموظفون يعرفون أننا من العائلة نفسها، لن يجلسوا بعيدًا ويثيروا القيل والقال.”
“آه، منطق مقبول.”
بدا أن “السيدة أوه” و”سورين” قد لمحانا حين دخلا الصالة، فتغيرت ملامحهما وتجهّمت وجوههما.
كانت “السيدة أوه” تنوي الجلوس في مكان آخر، لكنها غيّرت اتجاهها وسارت نحو طاولتنا.
“عدتما من شهر العسل، أليس كذلك؟”
“نعم، وصلنا البارحة يبدو أن دخولكما كان صاخبًا جدًا.”
كما توقعت.
كنت أتمنى أن تجلسا على طاولة أخرى، لكن “السيدة أوه” جلست في الكرسي المقابل لنا مباشرة.
“أهمم هل يمانع أحد إن جلسنا معًا؟ الجميع يعلم أننا من عائلة واحدة على أية حال.”
قدّمت “السيدة أوه” عذرًا يبدو معقولًا، لكن تصرفها يوحي بأن لديها نية أخرى.
حتى “سورين” لم تبدو مرتاحة، لكنها جلست بجوارها على مضض.
“سيدتي، لقد أقلقنا غيابك عن حفل الزفاف، لكن لا تبدين متوعكة كما توقعنا.”
قال “جايها” بنظرة توحي بعدم ارتياحه، موجهًا كلامه إلى “السيدة أوه”.
كانت قد اعتذرت عن عدم الحضور بحجة تدهور حالتها الصحية.
لكنها الآن بدت بصحة جيدة، وهو ما يعزز الشك بأنها استخدمت المرض كذريعة لعدم الحضور.
“لم أكن على ما يرام، لذا أرسلت “جيهان”… وهذه الفتاة بدلًا عني.”
قالت ذلك وهي تلقي نظرة جانبية على “سورين”.
لكنها لم تُشر إليها بكونها زوجة ابنها.
ويبدو أن “سورين” أدركت النبرة الغريبة في حديثها، فتغيرت ملامح وجهها.
لم تكن تنظر لأحد، بل كانت تكتفي بتمرير يدها على تنورة فستانها، وكأنها تشعر بعدم الارتياح.
“جايها، أحيانًا لا أفهم إن كنت من طرف “هوجين” أم من عائلة W.”
“…”
“سمعت أنك اجتمعت مع شركة “إنتيك” لا تنسَ أنك الابن الأكبر لـ “هوجين”، أليس كذلك؟”
أظهرت “السيدة أوه” انزعاجها بوضوح من تصرفات “جايها”.
لكن رغم كلامها الحاد، ضحك “جايها” ضحكة عالية.
“هاها نعم، كلامكِ صحيح يا سيدتي.”
“…”
“لكن طمعي الزائد يدفعني لمحاولة الظفر بكلا الفرصتين أتمنى أن يتنازل “جيهان” قليلًا لأجل أخيه.”
وحين أظهر “جايها” تمسكه الشديد بالحصول على “إنتيك”، نظرت إليه “السيدة أوه” بعينين حادتين.
لكن “جايها” واصل كلامه بثقة دون أن يتراجع.
“يبدو أن “سورين” تشعر بالإحراج من حديثنا العائلي هذا كله هل ابن أخي بخير؟”
“نعم؟”
“أقصد ابن أخي.”
عند سؤال “جايها” المفاجئ، أسقطت “سورين” الكوب الذي كانت تمسك به.
تبعثرت مكعبات الثلج فوق الطاولة.
“آه! أعتذر.”
“أوه، كوني حذرة.”
نهضت “سورين” على عجل وبدأت تجمع الثلج في الكوب مجددًا، لكن لم ينهض أحد لمساعدتها.
عند سماع كلمة “ابن أخي”، تجعّد جبين السيدة “أوه” بعمق، وكأن الشك بدأ يتسلل إليها.
لكن يبدو أنها رأت أن الموقف لا يسمح بالمواجهة، فلم تقل شيئًا.
“ألا يمكنكِ أن تكوني أكثر حذرًا؟ تكسير.”
قالت “السيدة أوه” وهي تزم شفتيها باستياء بعد أن رأت الطاولة وقد أصبحت فوضوية.
ويبدو أن سهام اللوم اتجهت الآن نحو “سورين”.
“أنا آسفة و… و”هوجين” بخير، ينمو جيدًا.”
“بُه! ‘هوجين’؟ هل هذا اسم الطفل أثناء الحمل؟”
كان اسم الحمل غريبًا عليّ لدرجة أنني انفجرت ضاحكة دون أن أشعر.
“سورين” عضّت شفتيها بصمت، دون أن ترد على ضحكتي التي كانت أقرب إلى السخرية.
وفجأة، نهض “جايها” من مكانه وهو يراقب الوضع بصمت.
“سنأخذ إذننا نحن في شهر العسل، ونرغب في البقاء بمفردنا.”
“يا لحظّكما، بما أنك في شهر العسل رغم أنك خطفت امرأة أخيك.”
علّقت السيدة “أوه” بسخرية وهي تنظر إلى “جايها”، لكنه لم يبدُ عليه التأثر بكلامها.
بل على العكس، كانت تعابير وجه “سورين” هي التي تصلبت فورًا.
“نذهب؟”
مدّ “جايها” يده إليّ بعدما نهض أولًا.
أما “سورين”، فبدت وكأنها تحترق من الداخل، إذ شربت مشروبها الآخر دفعة واحدة.
وجهها المتورد كان يعكس تمامًا اضطراب مشاعرها في تلك اللحظة.
“جايها”، وهو ممسك بيدي، التفت مجددًا نحو “السيدة أوه”.
“آه، وبالمناسبة يا سيدتي.”
رفعت “السيدة أوه” بصرها إليه بنظرة مائلة، لا تخلو من التهكم.
وكأن نظراتها تقول: إن كانت لديك حاجة، فأنهِها بسرعة وارحل.
“من الآن فصاعدًا، عندما تزورين مركز التسوق، يُفضّل أن تُبلغينا مسبقًا الجميع يفعل ذلك.”
“…ماذا؟”
بدا على السيدة “أوه” التصلب، وكأنها لم تتوقع أن يُوجّه لها “جايها” ملاحظة مباشرة بهذا الشكل.
“في هذه الأيام، الكل يتحدث عن تعسف الزبائن واستغلالهم يجب أن تفكري في صورة “هوجين” أيضًا أرجو منك ذلك.”
قال “جايها” كلمته الأخيرة وهو يرفع زاوية فمه بابتسامة صغيرة موجّهة لها.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 72"