حين وقفت أُحدّق فيه دون أن أقول شيئًا، ضاقَت عينا “جايها” وكأنّه أدرك أن ذاكرتي قد عادت كلّها.
“تتذكّرين، أليس كذلك؟”
“لا… لا أظنّ.”
حاولت التظاهر بالجهل لأتجاوز الموقف كنت أشعر بالإحراج حتى أن وجهي كان يكاد يحترق من شدة الحرارة.
وكان ذلك عندما حاولت الابتعاد عنه.
“تقولين لا تتذكّرين؟ لا بأس، سأعيد تمثيل كل شيء كما حدث.”
مهلًا، ماذا…؟
“حتى تتذكّري كل شيء.”
وبابتسامة تنطوي على مغزى، جذبني “جايها” بقوة وأنا لا أزال متيبّسة في مكاني.
كان يجب أن أرفض وأقول إن لا داعي لذلك، لكن لساني لم ينطق بكلمة.
“لست متأكدًا إن كان تأثير الكحول، لكن وجهك المتورد بدا جميلًا جدًا كنتِ صادقة جدًا ذلك اليوم، يا “يوجين”.”
“…….”
“حين قلتِ إنكِ كنتِ تفتقدينني، لم أستطع أن أتمالك نفسي.”
كلامه جعل ذكريات ذلك اليوم تمر في رأسي كعرض بانورامي.
لا أصدق أنني فعلت شيئًا كهذا…
ولما تذكّرت كل تفاصيل ذلك اليوم بوضوح، شعرت بالدوار.
مثلما قال، كنت صادقة بل أكثر مما ينبغي.
“تذكّرت كل شيء… هذا يكفي.”
“لكن الأمر لم ينتهِ بعد.”
وقبل أن أتمكّن من التراجع، اقتربت يده الكبيرة واحتضنت وجهي بين كفيه.
وفي تلك اللحظة، تذكّرت قبلتنا.
لا يمكن… هل يعيد تمثيل ذلك أيضًا؟
كنت أريد أن أصدق أنه ليس كذلك.
لكن بينما كان يقترب مني ببطء، بدأ قلبي يخفق بعنف.
“ما زال هناك الأهم.”
لم يكن هناك مجال للاعتراض.
وبعد أن أنهى كلامه، التهم شفتيّ بعمق.
شعرت وكأنّني أفقد وعيي.
اختلطت نكهة الشمبانيا الحلوة داخل فمي، وتصاعدت الحرارة في جسدي.
الإحساس المذهل باقترابه مني جعلني غير قادرة على التفكير.
كذب… لم أتصرف أبدًا بهذا الشكل المثير من قبل.
فقط بقبلة واحدة مشبعة، اشتعل كل جزء من جسدي.
ارتعشت يدي الممسكة بأطراف كمّه.
يجب أن أوقفه…
كان هناك صراع داخلي بين عقلي الذي يقول لي “توقّفي”، وقلبي الذي يهمس “لكنّك تحبّين ذلك أيضًا”.
“هاه…”
حين أطلقت أنفاسي التي كنت أكتمها، ابتعدت شفتا “جايها” قليلًا، ثم عادت لتقترب مجددًا.
هل هذا حقًا بخير، ما بيننا؟
أخشى أن أنغمس في هذا الحب الحلو وأتخلّى عن انتقامي.
كلّما قضيت وقتًا أطول معه، كلما شعرت بأن قلبي يضعف أكثر.
بدأت أفكر… هل يمكنني التخلّي عن كل شيء والفرار إلى هذا الرجل؟
حتى أنا لم أعد أعرف ما هو الصواب.
عدتُ وفي قلبي عزيمةٌ واحدة: الانتقام أن أُنهي “سوجيهان” و”تشاي سورين” اللذين سرقا مني كل شيء.
كنتُ قد أقسمت ألا يكون هناك حب في حياتي الثانية.
لكن بدلًا من الانتقام، وجدت نفسي أريد أن أستسلم للرجفة الحلوة التي يمنحني إياها.
ولما أدركت أنني أفكر بهذا الشكل، لم أعد أتحمّل، فدفعتُه عني.
“كفى… أرجوك، توقف.”
تمكنت بالكاد من إخراج الكلمات، حتى إن صوتي ارتجف.
ولعلّه شعر بارتجاف يدي الممسكة بكمّه، فمد يده وأمسك بيدي بلطف.
كلما ازدادت مشاعري تجاهه، نمت معها مخاوفي واضطرابي.
وكأنّه لاحظ هذا القلق في عيني، فسألني:
“ما الذي يُخيفك؟”
“……؟”
“إنها مشاعر طبيعية إنه الحب، لا أكثر.”
لقد عبّر “جايها” عن المشاعر التي لم أكن أجرؤ على الاعتراف بها، ببساطة مدهشة.
حين سمعت ما قاله، شعرت بغصة تخنقني.
ربما، كانت مشاعري هي الحب منذ وقت طويل.
لكن بالنسبة لي، كان الحب ترفًا وكلما كبُر، زادت معه المعاناة.
حتى وإن كان هدفنا واحدًا، فإن “جايها” يظل الأخ غير الشقيق لـ”جيهان”.
لكن طريقته السهلة في الكلام وكأن الأمر بسيط، جعلتني أشعر بالفراغ والخذلان.
“قد يكون الأمر سهلاً للآخرين، لكن بالنسبة لنا… نحن لسنا كذلك.”
“وما المشكلة فينا؟ لا تدعي الانتقام يُسيطر عليكِ، وكوني صادقة مع مشاعرك.”
كيف يمكنني أن أكون صادقة؟
أنا…
“الأمر ليس بهذه البساطة…!”
“أنا أحبكِ، يوجين.”
قطع “جايها” كلامي الغاضب فجأة.
ونادى اسمي بصوت حنون لم يكن أبدًا بهذه الرقّة من قبل.
لا، لا يجب أن يكون هكذا قلبي الذي كنت بالكاد أسيطر عليه، انهار بكلمة منه.
“مشاعري قد تجاوزت مرحلة ’أحبكِ‘ منذ زمن بعيد.”
“…….”
“ولا أستطيع إخفاءها أكثر من ذلكرلقد شعرتِ بها، أليس كذلك؟”
لم أجد ما أقول، فقط عضضت على شفتي بلا وعي.
“منذ أن التقيت بك في الجنازة، تغيّرت حياتي. لأول مرة منذ 33 عامًا، عرفت معنى السعادة.”
وفي الحقيقة، أنا أيضًا.
منذ لقائي بـ”جايها” في الجنازة، انقلبت حياتي رأسًا على عقب.
في البداية ظننته مجرد داعمٍ موثوق، لكن كلما قضيت وقتًا معه، شعرت بسعادة حقيقية.
وجدت في وجوده عزاءً كبيرًا، وأصبحت أعتمد عليه حتى لا أستطيع تخيل حياتي من دونه.
عضضت على شفتي بقوة لأكتم مشاعري، وشعرت بطعم الدم.
وحين رأى ذلك، مدّ يده ولمس شفتي برفق.
“بصراحة… لقد نفد صبري لم أعد قادرًا على كبح مشاعري وأنتِ أيضًا، أليس كذلك؟”
“… وإن حصل خطب ما؟”
“لا تشغلي بالك بمستقبل لم يأتِ بعد لا شيء مكتوب أو محتوم.”
ضمّني برفق كما لو كان يهدّئني.
وبحرارة جسده التي وصلت إليّ، بدأ قلبي يهدأ قليلًا.
نعم، ربّما هي مجرد مخاوفي لا أكثر.
وربما مشاعري لن تعرقل انتقامي.
هي أول مرة أشعر فيها بهذه القوة تجاه أحدهم.
ولأن شعور الحب جديد عليّ تمامًا، كنت خائفة من التغير الذي قد يطرأ عليّ.
لكن كما قال، لا أريد أن أضيع وقتي بالقلق بشأن مستقبل لم يأتِ بعد.
“وأنا أيضًا لم أعد أستطيع التحمّل.”
كلامه عن نفاد صبره أزال ما تبقّى لدي من قلق.
أدركت أن إخفاء مشاعري لم يعد له أي جدوى.
كما شعرتُ بمشاعره، فلا شك أنه شعر بمشاعري أيضًا.
“وأنا كذلك… أظن أنه فات أوان الرجوع.”
كشفت له عن مشاعري التي خبأتها طويلًا.
ابتسم لي ابتسامة مشرقة كجواب، ثم فتح ذراعيه على مصراعيها، وكأنه يقول: “الآن دورك أن تقتربي.”
من كان يصدق؟ قبل أن أعترف، كان صدري يشعر بضيق شديد.
ولكن بعد أن واجهت مشاعري، شعرت بارتياح هائل.
اقتربت منه بخطوتين، واندفعت إلى حضنه.
فترنّح “جايها” وسقط على الرمال.
– كُونغ.
حين استلقيتُ فوقه، سمعت صوت دقّات قلبه بوضوح.
إيقاعٌ مريحٌ جميل.
بجانبه، شعرت أنّ قلبي في سلام.
ولأجل تلك الحقيقة، ابتسمت بخفة ورفعت جسدي قليلًا حتى أتمكن من رؤية وجهه مباشرة.
تلاقت نظراتنا وعيونه المرتجفة تنظر إليّ بعمق.
وفي هدوء اللحظة، مرّت موجتان خفيفتان نحونا.
“أنا… أحبك.”
تركتُ قبلة قصيرة على شفتيه.
وحين ابتعدتُ عنه في نهاية تلك القبلة التي تركت أثرًا خفيفًا، تنهد “جايها” بابتسامة باهتة.
“لا تقولي… أن هذه هي النهاية؟”
فهمت ما كان يقصده، لكنني تظاهرت بعدم السمع وتجاهلت سؤاله.
“هل نعود الآن؟ لقد تأخر الوقت كثيرًا.”
وقفت وأنا أنفض الرمل عن ثيابي، فرأيت عيني “جايها” تتلألأ وهما تحدقان بي، وكأنه خطر بباله شيء يبعث على السرور.
“بهذا الشكل من التنفيض، متى تظنين أنك ستعودين؟”
ثم جذبني من الخلف بينما كنت ما أزال أنفض الرمل.
“هل نغتسل معًا؟”
همس بصوته الناعم عند أذني.
✱ ✱ ✱
كان “جيهان” جالسًا على مكتب المكتبة، يحدق في شاشة الحاسوب المحمول.
رغم أن اليوم عطلة نهاية الأسبوع، جاء السكرتير “كيم” إلى منزل “جيهان” ليقدم له تقريرًا.
وبينما كان الأخير يستمع إلى التقرير الممل، أخذ يفرك عنقه المتصلب.
“بخصوص شركة إنتيك، من المتوقع أن يتم إعلان المناقصة النهائية قريبًا.”
رفع “جيهان” رأسه عندما سمع اسم “إنتيك”، رغم أنه كان يبدو غير مهتم بالتقرير.
“سأشاركك بالجدول التفصيلي حالما تعود إلى المكتب وأيضًا…”
تابع “كيم” تقريره، لكنه تردد فجأة وتلعثم في كلامه ولاعتباره غير معتاد على هذا التردد، أشار إليه “جيهان” مطمئنًا:
“لا بأس، قل ما لديك.”
“لقد عاد الاثنان لتوهما من شهر العسل وهما الآن في المنزل بالعاصمة سيول على ما يبدو، رئيس شركة سو جايها بدأ فور عودته في الإعداد للاجتماعات الداخلية والعروض التقديمية بخصوص استحواذ إنتيك.”
سووجايها مجددًا!
أغلق “جيهان” شاشة الحاسوب بقوة حتى صدر صوت مرتفع، وأخذ يمرر يده على وجهه بملامح منزعجة.
فشعر السكرتير “كيم” بالتوتر ووقف فورًا.
“أعتذر.”
لكن “جيهان” هز رأسه نافيًا أن يكون الخطأ عليه.
“لا بأس أهذا خطؤك يا سكرتير كيم؟ هل من أخبار عن نائب الرئيس “كيم يونغ مين”؟”
“لا، لم يصلنا شيء حتى الآن.”
عندما بدأ مشروع إنتيك، كانت الخطة مبدئيًا أن يتم كمجرد استثمار كبير.
لكن بمجرد أن أبدى “جايها” اهتمامًا بالشركة، خطر في بال “جيهان” أمر مفاجئ:
ماذا لو لم يكن مجرد استثمار، بل استحواذ كامل؟
رغم أن هذا النوع من العمليات ينطوي على مخاطر أكبر من الاستثمار، فإن الفوائد المحتملة من الدمج كانت أكثر وضوحًا.
لو تمت إضافة قطاع الآليات الثقيلة إلى “هوجين كونستركشن”، فسيتمكنون من توسيع السوق الذي كان محصورًا داخل البلاد ليشمل الأسواق الخارجية.
لكن العقبة الأكبر في هذه الخطة كانت النقص الحاد في التمويل.
كان من المفترض تغطية هذا النقص عبر الاندماج مع مجموعة W، لذا كان من الطبيعي أن يكون الاستحواذ أمرًا صعبًا.
“سمعت أن رئيس سوجايها يعد لمشروع ما وأظنه مشروعًا مهمًا جدًا.”
تذكر “جيهان” زيارة نائب الرئيس “كيم يونغ مين” له مؤخرًا.
فقد عرض عليه طريقة لتأمين التمويل الذي كان في أمسّ الحاجة إليه.
“إن كانت المشكلة نقص السيولة، فماذا لو بعت بعض العقارات وعددًا من الشركات التابعة؟ والباقي يمكنك الحصول عليه كقرض بضمان.”
“ضمان؟”
“نعم، لدي مكان واحد على البال يمكن استخدامه كضمان.”
لمّح “يونغ مين” إلى أنه يملك وسيلة فعالة.
استخدام الأسهم كضمان… إذا فعل كما قال “يونغ مين”، فبإمكانه تأمين السيولة الطارئة.
ومع تحركات “جايها” المتسارعة، ازداد “جيهان” قلقًا.
ما زالت نظرات “موجين” المحبطة من فندق ذلك اليوم محفورة في ذاكرته.
هل هذا كل ما فكرت به كخليفة؟ مجرد زواج؟
شعر بالإهانة.
أن يُوصم بأنه مصدر إزعاج بسبب مشكلاته الشخصية.
أن يُقال بين الموظفين إنه مدير غير كفء لا يمكنه تأمين تمويل دون مجموعة W.
أنا وريث “هوجين”، وليس ذلك الوغد “سو جايها”…!
كان عليه إنجاح مشروع إنتيك بأي ثمن ليستعيد صورته ويعيد الاعتبار لنفسه.
وفي نهاية تفكيره، أوقف أصابعه التي كانت تنقر على الطاولة.
“سكرتير كيم، تتذكر ذلك الشخص الذي نعتمد عليه عندما تكون لدينا أمور مزعجة، أليس كذلك؟”
مزق “جيهان” الصمت الثقيل بندائه، فأومأ السكرتير فورًا وكأنه فهم المقصود.
“هل تقصد السيد “جونغ”؟”
“نعم رتّب لرؤيته قريبًا وإذا انتهى التقرير، يمكنك الانصراف.”
“حسنًا، أراك غدًا.”
انحنى “كيم” بعمق أمامه وغادر المكتبة.
وبعد أن بقي وحيدًا يتأمل، نهض “جيهان” من مكانه.
لكن حين كان على وشك مغادرة المكتبة، شعر بجو غريب جعله يتوقف ويعود إلى الداخل.
“ما هذا الإحساس…؟”
كان شعورًا بعدم الارتياح، لكنه سرعان ما هز رأسه.
فكل شيء في المكتبة يبدو كالمعتاد.
كما أنها من الأماكن التي لا يدخلها أحد دون إذنه.
لابد أنني أصبحت حساسًا للغاية.
وبينما خرج من المكتبة، التقت عيناه بعيني “سورين” التي كانت تجلس في غرفة المعيشة.
ابتسمت له بلطف واقتربت.
“هل تحتاج لشيء، أخي؟”
“أليس لديك مواعيد اليوم؟ إنه عطلة نهاية الأسبوع.”
شعر أنه يواجهها لأول مرة منذ زمن.
كان منشغلًا بمشروع إنتيك لدرجة أنه لم يجد وقتًا لرؤيتها.
لكن بدل أن يشعر بالسرور، انزعج من وجودها.
رؤيتها تقضي الصباح في العبث بهاتفها المحمول بدت مزعجة.
“آه، همم… لا، ليس لدي مواعيد.”
“أمي قالت إنها ستذهب إلى المتجر هذا العصر، ألا تذهبين معها؟”
بل وحتى وجودها في مساحته الشخصية، التي اعتاد على وحدتها، أصبح يزعجه كثيرًا.
وخصوصًا في أيام مثل اليوم، حين يزوره السكرتير لتقديم تقارير، يكون وجودها مزعجًا أكثر.
لكن “سورين” بدت سعيدة بالاهتمام الذي أبداه، وابتسمت بفرح.
“حقًا؟ إذًا سأهاتفها فورًا هل ستذهب معنا، أخي؟”
وبينما ازداد وجهها إشراقًا، أمسكت بذراعه والتصقت به.
“مم؟ لنذهب معًا.”
رغم نبرتها المتوددة، لم يُبدِ أي تجاوب.
وبعد صمت قصير، سحب ذراعه منها بهدوء.
“لا حاجة لي، اذهبي مع أمي فقط.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 71"