عندما ظهرت على الشاشة رسالة “كيف حالك الآن؟”، استعددت سريعًا وتوجهت إلى محطة البث.
بمجرد وصولي، بدا أن المحطة تعج بالحركة، ربما لأن الوقت كان قد تجاوز وقت الغداء بقليل في أحد أيام الأسبوع.
ما إن نزلت في الطابق المألوف، حتى ظهر أمامي مكتب مدير قسم التخطيط في KBC.
“عام واحد… لا، بل مضت أربعة أعوام.”
بعد الزواج من “جيهان”، كنت قد أخذت إجازة لمدة عام من عملي كمذيعة، ثم استقلت في النهاية.
كنت أرغب في مواصلة عملي بعد الزواج، ولكن بسبب حادث مفاجئ تعرض له أحد أفراد العائلة، اضطررت إلى التوقف.
“في ذلك الوقت، لم أكن في حالة تسمح لي بالعمل.”
الأمر مختلف الآن…
طرقت الباب طرقًا خفيفًا، ثم فتحته.
دخلت إلى المكتب المألوف الذي كنت أدخله كثيرًا خلال أيام عملي كمذيعة.
كان “كوك هيون”، المدير العام لقسم إعداد الأخبار، جالسًا على مكتبه يتفحص بعض الوثائق.
ما إن رآني أدخل المكتب حتى ابتسم ابتسامة خفيفة.
“مر وقت طويل.”
خلع نظارته التي كان يرتديها ووضعها على الطاولة، مرحّبًا بي بوجه مليء بالسرور.
رغم أنه بدا مهتمًّا بزيارة مذيعة متوقفة عن العمل، إلا أن نظراته الحادة أظهرت جانبًا جديًّا من شخصيته.
“مر وقت طويل، جئت لألقي التحية يا سيدي المدير.”
انحنيت ألقي التحية على ذلك الذي كان ينظر إليّ بعينين نصف مفتوحتين.
كنت بحاجة إلى هذا الرجل من أجل الانتقام، أو لأكون دقيقة، كنت بحاجة إلى السلطة التي يمتلكها ليستعيد لي منصب المذيعة الرئيسية.
“لقد تكبّدتِ العناء في القدوم إلى هنا كما تعلمين، لا وقت لدي للخروج من المكتب.”
“بالتأكيد. لا بأس، لقد سررت بزيارة محطة البث بعد فترة طويلة.”
قلت كلمات لطيفة وجلست على الأريكة الموضوعة في وسط المكتب.
نهض من مكانه وتوجه نحو آلة تحضير القهوة.
وبعد لحظات، وضع أمامي كوبًا من القهوة الساخنة تتصاعد منه الأبخرة.
“زوجتي لا تكفّ عن السؤال: لماذا لا تظهر المذيعة ‘يون’ في نشرة التاسعة؟”
“لم ألتقِ بالسيدة منذ وقت طويل.”
زوجة المدير كانت ابنة رئيس إحدى الشركات التابعة لمجموعة لدبيلو وكانت قريبة لي من بعيد.
ولذلك كنا نلتقي أحيانًا في المناسبات ونتناول الطعام معًا.
ولكن بعد إجازتي لم يكن هناك ما يدعو للقاء، وانقطعت بيننا الاتصالات منذ زمن بعيد.
“أليست المذيعة أكثر سعادة حين تكون على الهواء؟”
“بلى.”
أجبت بابتسامة خفيفة على سؤاله المباغت، ورفعت الكوب الموضوع أمامي.
كان هو أيضًا يعلم أنني لم آتِ فقط للحديث عن أحوالي.
وضعت الكوب مرة أخرى وابتسمت ابتسامة خفيفة.
“لهذا السبب أردت مقابلتكم.”
“…ماذا؟”
“سيدي المدير أريد العودة إلى العمل.”
العودة إلى العمل، كان هذا هو كل ما جئت لأجله.
ربما كان قد ألقى الطعم باستخفاف، لكنني التهمته فورًا، فبدا عليه الارتباك واتسعت عيناه وهو ينظر إليّ.
“هل يمكنكم إعادتي إلى العمل؟”
بدلاً من الإجابة على سؤالي، رفع الكوب إلى شفتيه وأخذ رشفة، ثم أخذ يراقبني.
رغم أن حالتي قد أُعلنت كإجازة، إلا أنها كانت أقرب إلى استقالة مؤقتة.
وبما أنه كان يعرف تفاصيل زواجي، فقد بدا كأنه يحاول فهم دوافع رغبتي في العودة.
ثم وضع الكوب الذي كان لا يزال نصفه ممتلئ على الطاولة.
“عودة إلى العمل، إذًا… الآن وقد فكرتِ في الأمر، مرت سنة كاملة منذ أن أخذتِ الإجازة، أليس كذلك؟”
“…”
“أليس الوقت قد حان للعودة؟”
لكنه بدا وكأنه لم يفهم بعد نواياي، فراح يلمس ذقنه وتساءل بتردد.
“أتنوي العودة كمذيعة؟”
كان المدير في موقع يمكّنه من التأثير الكبير على اختيار المذيعين الرئيسيين.
ولهذا جئت إليه، لكنه تحدّث وكأن العودة ستكون كمذيعة عادية، لا كمقدمة نشرة.
وكأنه لم يضع احتمال عودتي كمقدمة نشرة في حسبانه أصلًا.
“آه، تذكرت، هناك برنامج جديد يتم إعادة تنظيمه، ونبحث عن مراسل له.”
“…”
“بصراحة، أعتقد أن صورة ‘يون’ المذيعة تناسب البرنامج تمامًا.”
رغم حديثه المفصل عن البرنامج، لم أكن مهتمة.
وحين لم أجب، واتسعت عيناي فقط وأنا أحدّق فيه، بدأ هو أيضًا يتفاجأ تدريجيًا.
“لا تقصدين، لا تقصدين أنك تتحدثين عن منصب المذيعة الرئيسية، أليس كذلك؟”
“بل هذا ما أقصده أريد العودة إلى نشرة التاسعة.”
حين أبديت رغبتي الصريحة في العودة إلى تقديم النشرة، أظهر المدير انزعاجًا واضحًا ولوّح بيده رافضًا.
“أما المذيعة العادية فممكن، لكن ذلك المنصب لا توجد له شواغر تعلمين ذلك، أليس كذلك؟”
كانت نظراته تشير إلى أنه في موقف حرج فعلاً.
“المشكلة ليست في أن المنصب شاغر لكن لا يُعطى، أنا أيضًا أود العمل معكِ مرة أخرى.”
ثم أضاف كلامًا بروتوكوليًّا بنبرة مملوءة بالأسف.
“… سمعت أن المذيع ‘جونغ’ سيتقاعد قريبًا.”
وصلني من زميلتي أن المذيع ‘جونغ’، مقدم نشرة التاسعة، سيتقاعد فجأة لأسباب صحية.
وغالبًا ما كانت ‘سورين’ هي من تسعى لشغل ذلك المنصب.
“ومن أين سمعتِ ذلك؟ ذلك المنصب قد حُسم أمره بالفعل.”
بدا المدير متفاجئًا من معرفتي بالأمر، لكنه هز رأسه بقوة كمن لا ينوي التراجع.
وكان واضحًا أن إصراره يعود إلى تعليمات من جهات أعلى.
“إذًا، القرار قد صدر، والمُرشّح تم تعيينه.”
لم أكن أتوقع الحصول على المنصب بسهولة، ويبدو أن ‘جيهان’ قد رتب كل شيء مسبقًا.
خاصة وأن أكبر مساهم في KBC هو مجموعة ‘هوجين’، وطلب من وريثها كطلب من المالك نفسه.
ولكي أتمكن من تحريك المدير، كنت بحاجة إلى داعم قوي كقوة ‘جيهان’.
كنت أفكر كيف يمكنني كسب المدير إلى صفي.
حينها…
طرق، طرق.
دون سابق إنذار، سُمع صوت طرق على الباب، وما لبث أن فتح الباب ودخل أحدهم.
“من تجرأ وفتح الباب من دون إذن…”
“مر وقت طويل.”
حين رأى المدير الشخص الذي دخل، توقف عن الكلام فجأة.
أما أنا، فحدقت بالباب بدهشة.
“سو جيهان، ما الذي أتى بك إلى هنا؟”
لم أكن أتخيل أن ‘جيهان’، مرتديًا بدلته الرسمية، سيأتي بنفسه إلى محطة KBC.
“السيد ‘سو’؟ ما الذي جاء بكم إلى هنا؟”
“كنت مارًا، فدخلت قليلًا لم أكن أعلم أن هذه السيدة ستكون هنا.”
ربما تذكّر المدير فظاظته السابقة، فنهض فورًا لاستقبال ‘جيهان’.
وحين جلس بناءً على دعوة المدير، التفت بنظره ناحيتي.
نظرة ‘جيهان’ التي كانت مضطربة حين رآني لأول مرة، هدأت فجأة كأن شيئًا لم يكن.
“ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟”
“بل ما الذي أتى بكَ أنت إلى محطة البث؟”
ثم وجّه إليّ سؤاله بصراحة تامة.
لم يكن من النوع الذي يأتي بنفسه إلى محطة بث، وحتى لو كان هناك أمر، لما كان ليستقبل المدير بنفسه.
لهذا كان حضوره إلى مكتب المدير غريبًا للغاية.
عندها، تذكرت الموقف الذي جمعني بـ’سورين’ في المتجر.
“لا يمكن… لا يمكن أن يكون السبب هو ‘تشاي سورين’؟”
رفضت الفكرة في داخلي، لكن لم يكن هناك من يمكنه تحريكه سواها.
ومع استمرار ‘جيهان’ بالحديث إلى المدير بوجه خالٍ من المشاعر، كنت أشتعل غضبًا من الداخل.
“هل فقدت صوابك؟ هل جُننت؟”
كانت نظراتي إليه تبرد شيئًا فشيئًا.
في المكتب، لم يكن يُسمع سوى حديثه مع المدير.
[مع نسمات الربيع المنعشة والهواء الصافي، يبدو أن الجو ربيعي تمامًا اليوم. غدًا، ستشهد درجات الحرارة ارتفاعًا مقارنة باليوم.]
ربما كان المدير يراقب البث، فقد بدأ صوت مذيعة يصدح من التلفاز فجأة.
فجأة توقف حديثهما عن موضوع الاستثمار العابر في محطة البث، واستمعا للصوت.
[ستتجاوز درجات الحرارة 16 درجة مئوية وقت الظهيرة، ليكون الجو دافئًا في معظم المناطق.]
مع الهدوء، أصبح الصوت أوضح. فتوجّهت نظرات ‘جيهان’ نحو التلفاز خلف المدير.
توجهت أنظاري معه، فرأيت ‘سورين’ تقدم نشرة الطقس.
“آه، معذرة، نسيت أن أغلقه، أعتذر، سيدي الرئيس.”
“لا بأس، ليس صوتًا مزعجًا.”
“هذا جيد. أنتم تعرفون ‘تشاي سورين’ بالطبع، أليس كذلك؟ فهي كانت على علاقة طيبة مع ‘يون’ المذيعة.”
بدا المدير كأنه لاحظ نظرات ‘جيهان’ نحو التلفاز، فابتسم بخفة وتابع حديثه.
“‘يونا’ وكذلك ‘تشاي سورين’ كلتاهما ممتازتان.”
“يبدو أن لديكم كفاءات رائعة في قسم البرمجة. لا شك أنك محظوظ بذلك.”
“هاها، بالفعل.”
رغم أنه تحدث كأن لا شيء يعنيه، إلا أن المشاعر العميقة ظهرت بوضوح.
كم مرة شعرت بالخيانة من قبله؟ ومع ذلك، ضاق صدري من الألم مجددًا.
مشاعر كثيرة اجتاحتني دفعة واحدة.
الرجل الذي كان زوجي، المرأة التي يحبها لم تكن أنا، بل زميلتي المقربة.
“إلى أي حد تريد إهانتي؟”
كان حب ‘جيهان’ العميق لـ’سورين’ واضحًا من أعماق نظراته.
ربما لم يدرك المدير ذلك، لكن أنا كنت أراه بوضوح.
كنت أقبض يدي وأفكها مرارًا لأستعيد تركيزي.
لم يكن ذلك اكتشافًا جديدًا، ومع ذلك، كان الألم لا يُحتمل.
“صحيح، السيدة… عفوًا، المذيعة ‘يون’ كانت تتحدث عن العودة إلى العمل.”
“العودة؟”
ضاقت ملامح ‘جيهان’ فجأة حين سمع المدير يتحدث عن عودتي، وكأنه يسمع بالأمر لأول مرة، واشتدت نظراته وهو يرفع الكوب.
ثم نظر إليه المدير بدهشة.
“ألم تكن تعرف؟ كنت أظن أنكم ناقشتم الأمر مسبقًا… أكان الأمر سرًّا، ‘يون’؟”
قال المدير وهو يرمقني بنظرة محرجة وكأنه تراجع عن خطأ ما.
أما ‘جيهان’، فوضع الكوب بقوة على الطاولة.
“كيف يمكن لزوجة وريث مجموعة ‘هوجين’ أن تصبح مذيعة؟ هذا غير مقبول.”
“كنت أفكر بنفس الأمر، هاها. ما الذي يحدث؟”
ضحك المدير بشكل مرتبك وسألني مجددًا وكأنه يحاول فهم الموقف.
“ثم، ألم يُحدد اسم المذيع الجديد بالفعل؟”
عندها بدأ تعبير المدير يتغير، متوقفًا عن الضحك.
كما قال ‘جيهان’، المنصب كان قد حُسم مسبقًا بأوامر من الأعلى.
“قد تبدو وظيفة المذيع جذابة، لكنها محفوفة بالتعليقات السلبية والكثير من الإشاعات.”
رغم أنه كان يوجه كلامه للمدير، كانت عينا ‘جيهان’ لا تفارقني.
عيناه الثاقبتان كانت تزدادان ثقلًا عليّ شيئًا فشيئًا.
“لا أريد أن تعاني المرأة التي أحبها من هذه المتاعب.”
“…”
“أرغب في أن تعيش في سلام تحت ظلي لفترة طويلة.”
كتمت تنهيدة كانت على وشك الخروج.
كرهت شفتي ذلك الرجل الذي كان يكذب دون أن يرف له جفن.
أما المدير، فبدا مندهشًا من مشاعر ‘جيهان’ التي بدت صادقة.
لكنني كنت الوحيدة التي فهمت ما يقصده حقًا.
“كما تعلمون، هي شخص يحب العمل كثيرًا، وغالبًا ما تفرط في الجهد.”
“بالطبع. نحن نعرف مدى حب ‘يون يوجين’ للعمل.”
ربما أراد المدير أن يُلطّف الأجواء بعد الموقف الحرج، فأظهر تأييده سريعًا.
“لكن ما لا يجوز، لا يجوز.”
تغيّرت نظرات ‘جيهان’ فجأة وأصبحت حادّة، فتراجع المدير قليلًا في مقعده.
كانت نظرات قوية لدرجة أنها أرعبت حتى المدير المخضرم.
“إذا حاولت هذه السيدة أن تُجهد نفسها في المستقبل، أرجو أن تمنعوها، سيدي المدير.”
“هاهاها، بالتأكيد! أنا أقدّر المذيعة ‘يون’ كثيرًا، وسأفعل ما بوسعي.”
ما إن قال المدير ذلك، حتى ارتخت ملامح ‘جيهان’ مرة أخرى.
وبدا أنه راضٍ عن إجابة المدير، إذ بدأت ابتسامة خفيفة تظهر على وجهه.
***
خرجتُ من مكتب المدير بعد حديث تافه تناولنا فيه أمورًا صغيرة.
وما إن أُغلق الباب وخرج “جيهان” معي من المكتب، حتى تغيّرت نظراته تمامًا.
“اتبعيني.”
قالها “جيهان” ببرود دون أن يلتفت إليّ.
وخلال سيرنا في الممر حتى وصلنا إلى منتصفه حيث المصعد، ظل صامتًا تمامًا بشكل خانق.
وما إن تجاوزنا الباب الرئيسي وخرجنا، حتى شعرت فجأة بهبوب الهواء الخارجي.
كان الهواء المنعش كفيلًا بأن يمنحني شعورًا بالحياة من جديد.
حتى لحظة خروجي من مبنى البث، لم ينطق بكلمة واحدة، ثم التفت إليّ فجأة.
كانت نظراته التي ثبتها عليّ حادّة تمزقني.
ربما لأنه عرف من شخص آخر برغبتي في العودة إلى العمل، فانزعج من ذلك.
وحين لم أبدِ أي ردة فعل، عبس جبينه.
ثم سألني “جيهان” بصوت خافت وهو يحدق بي بعينين أعمق من السابق:
“أليس لديكِ ما تقولينه لي؟”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 7"