بعد طرقٍ مستمرٍّ وعنيد على الباب، فُتح باب المدخل أخيرًا.
دخلت “سورين” منزل “جيهان” بعد جهدٍ كبير، وجلست في غرفة المعيشة الخاصة به.
وبما أنها كانت تمضي معظم وقتها في منزلها، فهذه كانت المرة الأولى التي تدخل فيها بيت “جيهان”.
ذهبت تجول بنظرها في أرجاء المكان الذي تراه لأول مرة، لكن سرعان ما التفتت حين سمعت صوته.
“لا يبدو أن وقتًا طويلاً قد مرّ منذ قلت لك ألا تتصرفي كما يحلو لك.”
ارتجفت “سورين” لا إراديًا عندما التقت بنظراته الباردة المواجهة لها.
كان يلومها على مجيئها إلى منزله من دون إذنٍ منه.
(أيّعقل أنني لا أستطيع دخول بيت من سأتزوجه كما أشاء؟ تبا.)
شعرت بغصة في قلبها من كلامه الجاف، وكادت تنفجر حزنًا، لكنها كبحت مشاعرها تحت وطأة بروده.
لم يكن الوقت مناسبًا الآن لإبراز المشاعر.
أصبحت نظراته الباردة، التي تغيرت منذ وقتٍ ما، تثير القلق في نفسها.
(لا، هذا فقط لأنه يمرّ بمرحلة حساسة الآن.)
رغم أنها كانت منزعجة من تغير اهتمام “جيهان” تجاه “يوجين”،
إلا أنها أقنعت نفسها بأن ما يشعر به ليس سوى فضول جديد تجاه “يوجين”، التي باتت تظهر بصورة مختلفة عن السابق.
(وفوق ذلك، أوني تملك داعمًا قويًا يُدعى “W”.)
منذ العشاء الذي جمعها بالسيدة “أوه”، باتت “سورين” تعرف تمامًا ما عليها فعله.
فبدل التركيز على إقامة حفل زفاف يستعرضونه أمام الآخرين، كان عليها أولًا أن تُعيد قلبه إليها.
“ما سبب مجيئك إلى هنا؟”
نظر إليها “جيهان” بطرف عينه، ثم أغلق الحاسوب المحمول الذي كان مفتوحًا أمامه.
رغم أنه كان عطلة نهاية الأسبوع، بدا أنه كان يعمل من المنزل، إذ كانت أوراق كثيرة مبعثرة فوق الطاولة أمامه.
وذلك لم يكن من عاداته المعتادة.
(يبدو مشغولًا جدًا.)
ابتسمت “سورين” له ابتسامة خفيفة.
“تبا، هل يجب أن تكون هناك مناسبة لنلتقي؟ أتيت لأنني اشتقت إليك.”
“…….”
“وأيضًا، لدي ما أودّ قوله لك هل تناولت الغداء؟”
خلعت معطفها الذي كانت ترتديه وعلّقته على الكرسي، ثم وقفت من مكانها.
أما هو، فلم يفعل سوى التحديق بها بصمت.
“هل أعد لك الغداء؟ أنا أيضًا لم أتناول شيئًا بعد، وأشعر بالجوع.”
“لا، لا رغبة لي في الطعام إن كان لديك ما تريدين قوله، فقولي واغادري.”
هز رأسه بحزم، وبشكلٍ محرج بالنسبة لها، حتى إنها شعرت بالإهانة.
لكن قبل أن تتمكن من الرد، بدأ هاتفه يرن.
“أه، أنا هل تحقّقت من الأمر؟”
أجاب على الهاتف فورًا دون تردد، وكأن المكالمة كانت منتظرة.
وصوت “المدير كيم” كان مسموعًا من الطرف الآخر.
وبينما استمع لكلام “كيم”، بدا وجه “جيهان” يزداد عبوسًا.
“سمعت أنه ذهب إلى بوسان الآن هل ينوي فعلًا المشاركة في المناقصة العلنية؟ لا، الأفضل أن تذهب بنفسك، مدير كيم.”
كلمة انتِك التي تكررت عبر الهاتف جعلت عقل “سورين” يدور بسرعة.
ألم يكن مشروع انتِك هو ما كان داخل الـUSB الذي أعطته إياه؟
من ملامحه الجادة، بدا أن هناك أمرًا خطيرًا يجري بالفعل.
“الأفضل أن تذهب بنفسك بدل الاعتماد على وسيط تحقق من الوضع بدقة وقدم لي تقريرًا واضحًا.”
أنهى المكالمة، ثم التفت إلى “سورين” التي كانت لا تزال واقفة في مكانها تنظر إليه.
“قلتِ إن لديك ما تريدين قوله؟”
“همم… أعلم أن الوقت قد لا يكون مناسبًا للحديث عن هذا، لكن… أقصد، عن حفل زفافنا.”
توقف يده التي كانت تفتش في الأوراق في الهواء فور سماعه كلمة زفاف.
اقتربت “سورين” وجلست إلى جانبه.
“أودّ أن نؤجل حفل الزفاف.”
“بدل الاستعجال، تريدين التأجيل؟ لماذا؟”
تذبذبت عيناه للحظة، وكأنه لم يتوقع منها هذا الطلب.
نظر إليها وكأنه يحاول فهم ما تقصده.
فقد كانت “سورين” هي من تدفع بعناد لإقامة الزفاف في أقرب وقت، ما جعله يشعر بالريبة من تغيير موقفها.
“نعم، يبدو أن الوضع الحالي ليس مناسبًا موقعك بات مهتزًا كثيرًا بعد المقالات الفاضحة.”
“…….”
“فجأة أصبحت حاملًا، وتم طردك من محطة البث… شعرت بخوفٍ شديد من كل ذلك، ولهذا ربما أصبحت مهووسة بحفل الزفاف أكثر من اللازم.”
عندها فقط، خفت ملامح “جيهان” قليلًا.
وكأنه مستعد للاستماع لما تقوله، أنزل الأوراق واتكأ على الكرسي.
“حتى الآن، ما زلت أشعر بالكثير من القلق… لكن الجميع يقول إن الحامل تمر بمشاعر كهذه على أي حال، أنا و(هوجين) سنتجاوز هذا معًا.”
تكلمت بنبرة باهتة، ثم راحت تمسح بطنها برفق.
وعندما سمِع باسم هوجين الذي لم يألفه من قبل، لمعت عينا “جيهان” لحظة.
“آه، (هوجين) هو اسم الطفل المؤقت، ما نسميه عادةً أثناء الحمل.”
أوضحت بابتسامة قصيرة، ثم تابعت:
“يمكننا إقامة الزفاف العام القادم، بعد أن تستقر الأمور لكن، لدي طلب واحد منك.”
“طلب؟ ما هو؟”
كان لا يزال ينظر إلى بطنها، الذي بالكاد ظهر عليه أثر الحمل، لكنه رفع رأسه عند سماع كلمة طلب.
وقد بدا واضحًا أن نظرته قد تغيّرت.
فهو رجل يولِي أهمية كبيرة لدمه وأصله، ورغم كل شيء، فقد خفّت حدة التوتر عند سماعه تأجيل الزفاف.
وهذا ما جعل “سورين” تشعر بالطمأنينة أخيرًا.
(السيدة كانت محقة تمامًا.)
من كانت كالأفعى بدهائها، لم تكن كلماتها خاطئة.
ابتسمت “سورين” ابتسامة دافئة تخفي وراءها نوايا خبيثة.
“هل يمكنني العيش هنا؟”
“تريدين العيش هنا؟ في سكني هذا؟”
أومأت “سورين” برأسها ببطء.
كانت متأكدة أنه بعد أن قدمت له التنازل بشأن الزفاف، لن يكون من السهل عليه رفض هذا الطلب.
“بما أنني حامل، أصبحت هناك أمور كثيرة تشكّل خطرًا، كما أن العيش وحدي بات مخيفًا أريد البقاء بجانبك.”
ظل صامتًا للحظة، وعيناه الغارقتان لا تتحركان إلا بحركات خفيفة تدل على التفكير العميق.
“هم؟ هل يمكنني البقاء؟”
“…….”
“أوووبّاا~”
تمسكت بذراعه بدلال وسألته.
لو كان في وضعه الطبيعي، لكان قد استسلم لها بسرعة أمام تصرفاتها المتدلعة، لكن بعد تفكير، فكّ ذراعه عنها.
“افعلي ما يريحك.”
وأخيرًا حصلت على الإذن منه، فابتسمت “سورين” ابتسامة مشرقة.
عندها تذكرت السؤال الذي طرحه عليها زميلها في الاتصال الذي أجرته قبل القدوم.
– هل أنتِ متأكدة من أنكِ ستتزوجين فعلًا؟
كان سؤالًا يحمل شكًّا واضحًا حول زواجها من “جيهان”،
وكانت نبرة ذلك الزميل توحي بأن فكرة دخولها لعائلة “هوجين” كانت غير واردة إطلاقًا.
اشتعل قلب “سورين” غضبًا حينها.
لكن ما إن حصلت على إذن العيش معه، حتى عادت مشاعرها التي سقطت في الهاوية إلى الأعلى من جديد.
وبنظرات ملؤها الزهو، نظرت إلى الفراغ وكأنها تردّ على تساؤل زميلها.
(أي سؤال هذا؟ من سيتزوج أوبا إن لم أكن أنا؟)
ارتفعت زاوية شفتيها بابتسامة خبيثة، وكأنها تسخر منه.
***
مرّ الوقت، وأتى أخيرًا يوم الزفاف.
كانت تتلقى المكياج وحدها منذ الصباح الباكر في صالون التجميل.
(إلى أين ذهب “جايها” منذ الصباح؟)
غادر جايها منذ الصباح الباكر إلى مكان ما .
“سيدتي، أغلقي عينيك من فضلك.”
أغمضت “سورين” عينيها كما طلبت منها خبيرة التجميل.
بينما كانت مغمضة العينين في مكان هادئ، تداخلت في ذهنها ذكريات زيارتها لرئيس مجلس الإدارة “سو”.
عندما دخلت مكتبه الفخم الذي يفوح منه الوقار، كانت أول ما لفت انتباهها رفوف الكتب التي تملأ الجدران كان ذلك المكان انعكاسًا دقيقًا لشخصيته الصارمة.
كان رئيس مجلس الإدارة جالسًا خلف مكتبه، يقلب بعض الأوراق وكأنه يراجعها بعناية.
“أجئتِ؟ اجلسي على الأريكة هناك سألحق بك قريبًا.”
“نعم خذ وقتك، أرجو ألا أكون قد أزعجتك بزيارتي وأربكت جدولك.”
في الحقيقة، كانت قد جاءت مستعدة لتقبل أي لوم على قرارها الانفرادي بالزواج من “جايها”. حينما قررت فسخ خطوبتها من “جيهان” دون سابق إنذار، لم يُبدِ رئيس المجلس أي اعتراض فقط أومأ وكأنه يتفهم، ويوافق على رغبتها.
لكن أن تعلن عن زواجها من “جايها” بشكل مفاجئ ومنفرد أيضًا، فهذا قد يثير غضبه، وتوقعت منه ذلك.
وما إن أنهى مراجعة الأوراق، حتى أغلقها وتقدم نحوها.
“إذن، صغيرتي، ما الأمر الذي جعلك تزورينني اليوم؟”
“……”
“لا أظن أنكِ أتيتِ فقط لرؤية وجهي، أليس كذلك؟ هل جئتِ تطلبين شيئًا؟”
رغم نبرته اللطيفة، كانت عيناه حادتين، يحاول استشفاف ما وراء مجيئها لم تكن قد زارته بهذه الصورة الشخصية من قبل، لذا كان من الطبيعي أن يستغرب.
“أردت أن أشكرك، فحسب.”
ابتسم بابتسامة هادئة لسماع جوابها الصريح.
“أنا أعلم جيدًا أنك تنظر إليّ بعين الرضا منذ أن كنت صغيرة وأخذت أولى خطواتي، كنتُ أثق بك وأتبعك كما لو كنتَ جدي.”
“حقًا، مضت تلك السنوات سريعًا كبرتِ كثيرًا.”
هز رئيس المجلس رأسه كأنه يسترجع ذكريات الماضي كان يزور منزلهم القديم في “سونغبك دونغ”، حيث عاش جدها وكان دائمًا يردد أن منزله المليء بالأبناء الذكور يفتقر للأنوثة، ولهذا كان يُغدق عليها بالحنان.
“أشعر بالأسف لأنني ألغيت وعد العائلتين من طرفٍ واحد.”
“لا عليكِ، لقد مضى الأمر، فلا تشغلي بالك به.”
هزّ رئيس المجلس رأسه وكأنه يطمئنها بأن لا تُثقل قلبها، لكن كلمات الطمأنة هذه زادت من ثقل مشاعرها نحوه، فقررت أن تُفصح عن ما كانت تكتمه في قلبها.
“وقد أرتكب أشياء أخرى تستحق الأسف في المستقبل أيضًا.”
“……في المستقبل؟ هل هناك ما هو أكثر من ذلك؟”
قالها رئيس المجلس وقد بدت عليه الدهشة، كأنه لا يصدق وجود ما هو أكثر مما جرى.
كانت أكثر الأمور التي تؤرقها في خطتها المتعلقة بـ”إنتيك” هي تأثيرها على رئيس المجلس كيف لا؟ وهي تستعد لهدم مجموعة “هوجين” التي بناها بجهده وعمره، بيدها ويد “جايها”.
حين تذكرت ما خططت له، شعرت بانقباضٍ في صدرها.
“لا يمكنني أن أقول كل شيء الآن، لكن هناك أمرًا قد يدهشك حين يحدث ذلك، أرجوك أن تثق بـ’جايها’ إنه حقًا يقدّر مجموعة هوجين التي بنيتها، ولن يتسبب في ضررٍ لها.”
“يا إلهي، أنتما الإثنان… لا أفهم ما الذي تخططان له إذن، هل جئتِ لتقولي هذا فحسب؟”
رغم نبرته التي تبدو كأنها توبيخ، إلا أن عينيه كانتا مليئتين بالعطف والحنان.
“نعم وأيضًا أردت أن أقدّم لك دعوة الزفاف.”
دفعت نحوه الظرف الأبيض وهي تتجه نحو الطاولة التي يجلس عندها.
“وهل احتجتِ للمجيء بنفسك لتسليم هذه؟”
كادت أن تودعه وتستدير للمغادرة، حين ناداها بصوت خافت:
“يا ابنتي، يوجين.”
عندما التفتت إليه، ابتسم رئيس المجلس بلطف وتابع:
“لنمضِ سويًا في ممر الزفاف، حين تدخلين القاعة.”
.
.
.
حين استحضرت تلك اللحظة من ذاكرتها، شعرت باختناق في صدرها.
لم تكن تتوقع أن يعرض عليها رئيس المجلس أن يسير معها في ممر الزفاف.
شعورها بالامتنان سرعان ما تلاشى أمام وطأة الذنب وهي تتذكر أنها تخطط لهدم كل شيء بناه.
ثم، قاطعتها أصوات موظفات صالون التجميل المبهورة:
“العروس، أنتِ جميلة جدًا!”
“بالضبط، لم أرَ أحدًا يليق به مكياج العروس هكذا من قبل.”
حتى هي نفسها حين نظرت في المرآة، شعرت أن مظهرها لا بأس به.
كانت على وشك أن تشكر الموظفات بابتسامة خجولة، حين دوى في الغرفة صوتٌ مألوف:
“أليس كذلك؟ كانت جميلة من قبل، والآن أصبحت أجمل.”
استدارت فورًا نحو مصدر الصوت.
كان “جايها” يقف عند المدخل، مستندًا إلى الحائط، ينظر إليها.
“أفكر أنها ستصبح زوجتي… فبدت لي أكثر جمالًا حتى أنني لا أستطيع تمالك نفسي.”
أكمل جملته بابتسامة هادئة مرتخية.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 68"