بميلان طفيف، اقترب وجه “جايها” مني تدريجيًا.
بينما كنت أحدق في شفتيه التي تقترب وكأنها ستلامسني في أي لحظة، خفق قلبي بقوة كأن سينفجر.
وحرارة جسدي ارتفعت مع أنفاسه التي تسللت من بين شفتيه.
هل هذا حقًا حلم؟ كانت أنفاسه نابضة بالحياة لدرجة أنني شعرت أنني أفقد وعيي.
وقبل أن تلامس شفتيه الهابطة شفتي، توقف بصعوبة.
توقف “جايها” للحظة، ثم نظر إلي بعينين كأنهما تطلبان الإذن.
لكن بما أنني لم أجب، سألني بنفسه:
“هل يمكنني الاستمرار؟”
في عينيه، التي تسألني إن كان يجوز له الاستمرار رغم كل هذا الغرابة، كانت الرغبة تلمع بوضوح.
ما معنى أن يطلب الإذن وهو ينظر إليّ بعينين متوهجتين بهذا الشكل؟
هل سيكفّ لو أخبرته أنني لا أريد؟
وفي تلك اللحظة، اجتاحتني رغبة خطيرة في رؤية وجه “جايها” المتلهف والمضطرب.
“وماذا تريد أن تفعل؟”
نظرت إليه بعينين نصف مغمضتين، ورددت سؤاله بمزاح خفيف.
لم يكن يتوقع مني رد فعل كهذا، فارتسمت ابتسامة على شفتيه.
“جنون… هل قررتِ كل شيء الليلة؟”
تمتم “جايها” وهو يحدق بي بنفس النظرة التي طالما رغبت في رؤيتها منه.
ربما بسبب تأثير الكحول، لكن منظره وهو يتمتم بجنون كان يروق لي.
كنت أحاول إثارة قلقه، لكنني أنا التي لم أعد أستطيع أن أنزع نظري عنه.
ربما شعر بنظرتي الثابتة عليه، فمد يده نحو الكأس الموضوع على الطاولة.
ثم رفع الكأس، وسكب ما تبقى من الويسكي دفعة واحدة، وحركة تفاحة آدم في رقبته لم تتوقف.
وبينما كان يبتلع الويسكي، اجتاحتني رغبة شديدة غير مبررة.
رغبت، دون وعي، في أن أشرب من ذات الكأس الذي شرب منه.
ماذا أفعل…
منذ اللحظة التي فرغ فيها “جايها” الكأس، لم أعد أرى سوى شفتيه الرطبتين.
“لا تنظري إليّ هكذا… لن أستطيع التماسك.”
كانت شفتيه الرطبتان تتحركان بإغراء بالغ.
لدرجة أنني رغبت في تذوقهما.
رغم أنني كنت أعلم أنه لا يجب أن أتمادى أكثر من هذا، اجتاحتني رغبة لا يمكن كبحها.
وإن كان هذا مجرد وهم بسبب الكحول…
فهل لا بأس أن أكون صادقة قليلًا؟ وبينما أفكر بذلك، سمعت صوت “جايها”.
“هذا ليس وقت المزاح بالنسبة لي…”
وفي لحظة من الاندفاع، مددت يدي بلطف لأحيط عنقه، وسحبته نحوي.
فالتقت شفاهنا، دون مقاومة منه.
“……!”
قبلت شفتيه الدافئتين بعمق، ثم انسحبت ببطء.
رغم أنني كنت في حلم، فإن ملمس شفتيه كان واقعيًا لدرجة مدهشة.
وعندما فتحت عيناي، رأيت “جايها” متجمّدًا، ينظر إليّ وقد اتسعت عيناه.
يبدو أنه لم يتوقع أن أكون أنا من تبدأ.
فأرخيت يدي التي كانت تطوق عنقه ببطء.
“لحظة… هاه… الآن…”
ضحك بسخرية، ثم غطى وجهه بيده.
ثم عاد لينظر إليّ من جديد.
“كم شربتِ لتصلي إلى هذا الحد؟”
“لم أشرب كثيرًا… أنا بخير.”
ضحك “جايها” بمرارة وهو ينظر إليّ، وقد بدا أنني ثملة تمامًا في نظره.
“لا تستطيعين حتى فتح عينيك بشكل صحيح، وتقولين إنكِ بخير…”
شعرت بجسدي يُرفع عن الأرض، وفجأة وُضعت على سرير ناعم.
لماذا يبدو كل شيء حقيقيًا هكذا؟
عندما بدأ الواقع يداهمني بشكل مفاجئ، وكأن الكحول بدأ يتبخر من رأسي، مد “جايها” يده ليغطي بها عيني.
“نامي.”
“أشعر أنني سأفِق من السَكِر…”
“لا، لقد شربتِ كثيرًا لننم أولًا.”
ربما ظن أن ما أفعله مجرد ثرثرة من شدة السَكِر، فبدأ يربّت عليّ بلطف، فغمضت عيني.
ربما بسبب دفء يده الذي انتقل إليّ، عاد النوم يزحف إليّ مجددًا.
“تصبحين على خير.”
سمعت صوته المنخفض مثل تهويدة، ثم اهتز السرير قليلًا، ولفّتني ذراعه الكبيرة.
وهكذا، بينما أشعر بدفء “جايها”، انغمست في النوم تدريجيًا.
***
تجهمت عيني بسبب أشعة الشمس الساطعة في الصباح.
أنا متأكدة أنني كنت ثمِلة وغفوت على الأريكة…
شعرت أن هناك شيئًا غريبًا، فدفنت رأسي أكثر في الوسادة ثم رفعته.
“آه… رأسي يؤلمني.”
انقبض جبيني من شدة الصداع النابض.
نهضت من مكاني ببطء وجسدي مثقل نتيجة آثار السُكر.
“هم؟ هل ما زلت ثمِلة؟”
فوجئت عندما رأيت “جايها” أول ما فتحت عيني، ففركت عينيّ.
لا يمكن أن يكون…
شعرت فجأة وكأنني ما زلت أحلم.
كان “جايها”، الذي أخبرني أنه لن يعود إلا مساء اليوم، جالسًا على طرف السرير.
وكأنه كان يراقبني طوال الوقت حتى استيقظت.
“كيف… جايها، كيف أتيت إلى هنا؟ هل وصلت الآن؟”
كان “جيها” مرتديًا بدلة رسمية وكأنه عاد لتوه.
“الآن؟”
لم يرد لبرهة، ثم ضحك ضحكة قصيرة على سؤالي.
شعرت أن في ضحكته معنى آخر، شيء غامض.
هل لم يصل الآن؟
تلبدت أفكاري تمامًا أمام تعابير وجه “جايها” الغامضة.
“ألم تصل لتوك؟ لأنك ترتدي ملابس الخروج…”
أشرت إلى ملابسه وقلت ذلك.
فليس من المعقول أن يرتدي بدلة رسمية في عطلة نهاية الأسبوع إن لم يكن قد عاد لتوه.
رغم أن عينيه كانتا متورمتين قليلًا، وبدت عليه علامات الإرهاق، ظننت أنه بسبب رحلة العمل الطويلة.
يبدو أنه قد أُنهك كثيرًا أثناء السفر.
“هل تسألين بصدق؟ هذا السؤال؟”
سألني “جايها” بصوت بدا عليه الجدية.
وعندما أومأت برأسي دون تردد، ظهرت على جبينه تجعيدة صغيرة.
“الآن، ها…”
مرر إصبعه على شفتيه كما لو كان يرسم خطًا، ثم فجأة انفجر ضاحكًا.
ما قصة هذه الضحكة؟
لم يكن الوقت مناسبًا للضحك، ولم أستطع فهم سبب ضحكه، فعبستُ بوجهي.
“أليس كذلك؟ لقد وصلتُ للتو وعندما وصلت، وجدتكِ نائمة هكذا، يا ‘يوجين’.”
نظر “جايها” إلى ملابسه ثم أومأ برأسه موافقًا.
رغم أنه وافق على ما قلته، لم أستطع تبديد هذا الشعور المزعج الذي يراودني.
“وغرفة المعيشة في فوضى، على كل حال.”
وعند سماعي كلمة “فوضى”، تذكرت فجأة لحظة شربي الويسكي في غرفة المعيشة.
لا أذكر كيف وصلت إلى غرفة النوم، لذا من المؤكد أنني لم أقم بتنظيف غرفة المعيشة.
“كنت فقط أنوي شرب كأس خفيف، لكن يبدو أنني سكرت أكثر مما توقعت.”
“……”
“لكن… هل كنت أنام في السرير طوال الوقت؟ غريب أظن أنني نمتُ على الأريكة البارحة.”
أنا متأكدة أنني غفوت على الأريكة تحت تأثير الكحول…
لكن عندما استيقظت، وجدت نفسي مستلقية على السرير.
وذلك الشعور الذي راودني، كأنني رأيت “جايها” في الحلم… ما معناه؟
وحين بدأت أسترجع ذكريات الليلة الماضية، عادت نوبة الصداع المنسية فجأة لتضربني بشدة.
وبينما تتقاطع أجزاء مبعثرة من ذكريات تلك الليلة، ظهر مشهد واحد بوضوح في ذهني.
رغم أنه كان ضبابيًا جدًا فلم أستطع تذكّر تفاصيل الحديث…
إلا أنني أتذكر أنني كنت من بادرت بسحب “جايها”، الذي كان يتمتم بشيء ما، نحوي.
“الويسكي كان قويًا…”
ثم تذكرت القبلة العميقة التي تلت ذلك، فتوقفت عن الكلام في الحال.
هذا غير ممكن…
خرج تنهيدة من بين شفتيّ المنفرجتين من الذهول.
“……!”
عقلي فارغ تمامًا من أي فكرة من شدة الصدمة.
لحظة فقط، ما هذا بحق السماء؟
لقد أربكني ذلك التذكّر الواضح جدًا.
وبدأت أتذكر تدريجيًا بعض الكلمات المحرجة التي قلتها له في تلك الليلة.
“اشربي ماءً اشربي حتى تستيقظي قليلًا.”
وفي تلك اللحظة، أعادني صوت “جايها” إلى الواقع.
ناولني كوبًا من الماء، بينما كنت ما أزال مصدومة من سيل الذكريات المفاجئ.
“ش، شكرًا لك…”
عندها فقط لاحظت أن “جايها” كان يرتدي ملابس مختلفة عن تلك التي رأيته بها ليلة أمس.
زفرت بارتياح. يبدو أنني كنت أحلم فقط، بسبب الكحول.
كما توقعت…
انقضى الخوف، وحلّ محله شعور بالفراغ والخيبة.
كأنني تمنيت فعلًا أن أقبّله في الواقع…
هل… أشعر بالأسف حقًا؟
لماذا…؟
وبينما كنت أعبث بشفتي دون وعي، انتبهت إلى نظرات “جايها” عليّ، فاستعدت وعيي.
كان ينظر إليّ نظرة غريبة، بينما ما زلت ممسكة بالكوب.
ابتسمت له بخجل وأنا أشرب الماء.
تنفست بعمق الماء البارد ساعد على تهدئة مشاعري المضطربة.
ثم تذكرت فجأة أن “جايها” عاد أبكر من موعده الأصلي.
“لكن… ألم تقل إنك ستعود مساءً اليوم؟”
“لم يكن هناك شيء عاجل، فأجّلت الأمر على أي حال، استيقظي واغتسلي هناك مكان علينا الذهاب إليه سويًا.”
“في هذا الوقت؟ إلى أين سنذهب؟”
كانت الساعة على الطاولة الجانبية تشير إلى الثامنة صباحًا.
“هذا… ستعرفين عندما نصل.”
حدقت فيه بوجه مليء بالفضول، لكنه لم يجبني بشيء سوى: “ستعرفين عندما نصل.”
إلى أين يريد الذهاب في هذا الوقت المبكر من الصباح؟
وبينما كنت أفكر بالأمر، كان “جايها” على وشك الخروج من الغرفة، لكنه توقف فجأة وعاد نحوي.
وكأنه تذكّر شيئًا للتو.
“آه، وبالمناسبة… لا تُفرطي في الشرب يبدو أن لديكِ عادات غريبة عند السُكر، على غير الظاهر.”
“……؟”
أنا؟ لديّ عادات سكر؟
باستثناء فقدان الذاكرة عندما أُسرف في الشرب، لا أظن أن هناك ما يمكن تسميته عادة أو تصرفًا غريبًا…
لكن “جايها” كان يبتسم فجأة، ابتسامة غامضة، رفع بها جانبًا من شفتيه.
ابتسامة أربكتني، وكأنني فعلاً فوتّ شيئًا مهمًا.
فهبط قلبي للحظة من التوتر.
“لا تذهبي وتسكرين بدون وجودي.”
قال ذلك بنبرة ذات مغزى، ثم غادر غرفة النوم.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 66"