سورين ابتسمت ابتسامة خفيفة وهي تنظر إلى السيدة أوه ومين غوك الجالسين قبالتها.
كانت تواصل الحديث عبر الإجابة على الأسئلة الشكلية التي كان يطرحها مين غوك من حين لآخر.
كانت قد توقعت أجواء متعجرفة ومتوترة تليق بعائلة من طراز التكتلات المالية، لكنها فوجئت بأن الأجواء كانت أكثر راحة مما ظنت.
لم تكن الأجواء ودية تمامًا، لكنها كانت أخف حدة من ذلك التوتر والحذر اللذين شعرت بهما أول مرة.
شعرت سورين بقليل من الارتياح، لكن هذا الشعور لم يدم طويلًا؛ فما إن نظرت إلى جيهان حتى تنهدت مجددًا.
ما الذي فعلته لأستحق كل هذا؟
كان وجهه جامدًا كالثلج، لا يبتسم ولا يتكلم.
كان يبدو وكأنه ما زال غاضبًا من تصرفها الانفرادي.
“لكن لا يمكننا الاستمرار في تأجيل الزواج إلى الأبد، أليس كذلك؟”
عادت ذاكرتها إلى قبل عدة أيام، حين زارها جيهان في منزلها.
لطالما كانت لديه تلك الهالة الباردة، لكن لم يسبق له أن واجهها بذلك الوجه القاسي كما فعل في ذلك اليوم.
عندما مر شريط ذلك اليوم في ذهنها، شعرت سورين بقشعريرة تسري في جسدها رغم حر الصيف.
“حسب ما قاله المدير كيم، لقد قمتِ بحجز قاعة الزفاف؟”
“صحيح! ذهبت في جولة ووقعت في حب المكان فورًا وبما أن مكانة أخي الاجتماعية مهمة، شعرت أن فندق L هو الأنسب لنا.”
حينها فقط، كانت سورين تتحدث إلى جيهان بوجه يملؤه الحماس.
ورغم تهديدات المدير كيم السابقة، لم تكترث بالأمر.
“في البداية، قال الفندق إنهم لا يستقبلون حجوزات هذا العام، لكن فجأة تواصلوا معي أعتقد أن هناك صلة ما بين الفندق وبيننا كزوجين، أليس هذا غريبًا؟”
تذكرت حينها المكالمة الهاتفية التي تلقتها من إدارة الفندق.
المدير العام الذي كان فظًا إلى أبعد حد، انقلب فجأة وأصبح في منتهى الأدب.
قال لها، معتذرًا لعدم التعرف على الشخصيات الرفيعة، إنهم سيوفرون لها قاعة الحفل ومكان العشاء في الموعد الذي تريده.
بل إن المكان الذي عرضوه عليها هو ذاته الذي غالبًا ما يُحجز لأجل لقاءات الخطبة.
لقد تغير موقف المدير الذي كان متمسكًا بسياسة الفندق لدرجة أنه كاد يموت دون أن يتنازل، وذلك في ليلة واحدة فقط.
رغم أن الأمر بدا غريبًا في البداية، قررت سورين أن تنظر إليه بإيجابية.
فما إن تلقت تأكيد الحجز من الفندق، حتى مرت بخاطرها السيدة أوه.
“على أي حال، كان يجب أن أراها في وقت ما، فالأمر جيد كما هو.”
بل إن يوجين كانت قد تباهت أمامها بأنها دُعيت لتناول الطعام من قِبل السيدة أوه التي عادت من أمريكا.
فما دامت السيدة أوه تجلس على مائدة مع خطيبة سابقة، فلا يوجد ما يمنعها هي من الجلوس معها كزوجة مستقبلية.
خصوصًا أن الرسائل التي أرتها يوجين أظهرت أن السيدة أوه كانت تتعامل معها بلطف.
هذا ما جعل سورين تشعر بالتوتر والرغبة في تسريع اللقاء.
لذا، تواصلت بنفسها مع السيدة أوه ورتبت لهذا الموعد على مائدة العشاء.
وبما أن الفندق سيكون مكان الحفل، فقد رأت أنه المكان الأنسب للقاء الأول مع والدي زوجها المستقبلي، وكان ذلك كافيًا ليجعل قلبها يخفق.
لكن جيهان لم يبدِ أي ردة فعل مما كانت تتوقعه.
فما إن علم أن سورين هي من تواصلت مع السيدة أوه، حتى تَشَوَّه وجهه من الغضب.
“هاه من الذي أعطاكِ رقم هاتف أمي؟”
“ذا… ذلك…”
لم تستطع سورين أن تعترف بأنها حفظته عندما أرتها يوجين هاتفها ذات مرة، فترددت في الإجابة.
“هل كان ذلك سؤالًا يصعب عليك الإجابة عنه إلى هذه الدرجة؟ حسنًا، دعيني أطرح سؤالًا آخر لماذا غيّر الفندق موقفه الصارم فجأة؟”
“لأن… لأن الحجز تغيّر.”
ضحك جيهان بسخرية من جوابها الطفولي الساذج.
“هذا مستحيل قاعة الزفاف تلك تحتاج إلى انتظار لعام كامل من قِبل أبناء كبار المسؤولين ورجال الأعمال والشخصيات المعروفة ما الذي يجعلك تعتقدين أن الفندق سيقدم لك تسهيلات؟ ألا يبدو لك الأمر غريبًا؟”
“……”
“هاه استخدامك للطفل كذريعة لن ينفع أكثر من هذا، مفهوم؟”
تفحصها جيهان بنظرة باردة مليئة بالاشمئزاز، ونطق بكلمات لا تختلف كثيرًا عن التهديد.
العار والإهانة اللذان شعرت بهما سورين في ذلك اليوم لا يمكن وصفهما بالكلمات.
…
هكذا خرجت من ذكرياتها.
ذرائع الطفل؟! حتى لو كان الطفل من يوجين، هل كان سيتصرف بهذه الطريقة؟
بالطبع لا.
على الأقل، هما الاثنان كانا سيتزوجان وسط مباركة الكثيرين.
عضت سورين على شفتيها بشدة.
رغم أنها لم ترغب في الاعتراف بذلك، إلا أن شعورًا مشوَّهًا بالغيرة واللااستحقاق تجاه يوجين كان يتغلغل ببطء في أعماقها.
وعندما خطرت يوجين في بالها، بدأت يداها ترتجفان فخبأتهما تحت الطاولة.
ثم تنفست بعمق.
ما فائدة التفكير السلبي في مثل هذا الموقف؟ دعينا نُفكّر بإيجابية.
ثم وجهت نظراتها من جديد بعيدًا عن جيهان، مبتسمة كعادتها.
السيدة أوه ومين غوك الجالسان قبالتها لم يبدوا كزوجين منفصلين، بل بدا بينهما انسجام طبيعي.
رغم أنهما يعيشان منفصلين، كانت الأجواء بينهما جيدة.
كانت سورين قد سمعت أن السيدة أوه تقيم في أمريكا وحدها لأسباب صحية.
ولمعرفة التفاصيل، حتى إنها بحثت عن مقالات الصحف، لكنها لم تجد ما يكشف الأسباب الحقيقية.
لكنها لا تبدو مريضة لدرجة أن تضطر للعيش في الخارج.
السيدة الجالسة أمامها لم يكن من السهل تصديق أنها مريضة لدرجة تدعو للإقامة في أمريكا.
لكن سرعان ما اختارت سورين التفكير بطريقة إيجابية.
مهما يكن، فوجودها في الخارج أفضل من العيش بجانبها والتعرض للضغط من الحماة.
كلما كانت المسافة أبعد، كان من الأسهل الحفاظ على علاقة جيدة بين الزوجة وحماتها.
وفوق كل هذا، لم يكن لدى سورين الوقت للتفكير في تلك الأمور الصغيرة.
فها هو سو مين غوك، نائب رئيس المجموعة الذي لم تره إلا في مقالات الصحف، يجلس أمامها، وفقط حينها بدأت تشعر بأنها أصبحت حقًا فردًا من عائلة هوجين.
“الزفاف بات وشيكًا.”
نظرت سورين إلى جيهان الجالس بجانبها، وابتسمت بسعادة.
لقد انتظرت هذه اللحظة كثيرًا منذ أن علمت بعودة السيدة أوه من أمريكا.
“آنسة سورين، هل صحيح أنكِ تركتِ العمل في مجال البث؟”
رفعت سورين رأسها عند سماع الصوت من الجهة المقابلة.
كانت السيدة أوه قد وضعت الملعقة التي لم تتناول بها سوى القليل، وكانت تنظر إليها مباشرة.
“نعم، يا والدتي شعرت أن من الأفضل أن أكرّس نفسي لدعم زوجي كما أن بطني بدأ يظهر قليلًا.”
أجابت سورين بصوت ناعم، مرفقةً كلامها بتوسيع عينيها بدلال.
ابتسمت السيدة أوه ابتسامة خفيفة، وقد بدا عليها بعض الحرج وهي تستمع إلى سورين التي كانت تنطق الأجوبة النموذجية كما لو كانت تحفظها عن ظهر قلب.
ثم نظرت بتمعّن في عيني سورين، وكأنها تحاول سبر أغوارها، قبل أن تقول:
“همم… لكن مديرنا سو لا يحتاج فقط إلى من يعتني به في البيت.”
“فقط إلى من يعتني به؟ ماذا تقصد بذلك؟”
السيدة أوه ابتسمت ابتسامة غامضة، لا يُدرى أهي سخرية أم مجرّد ابتسامة عابرة.
وسورين، وقد صعب عليها فهم مغزى كلماتها، لم تجد ما تقوله، فابتسمت مجاملة.
“متى موعد ولادتكِ المتوقع؟”
“في ربيع العام القادم.”
“الربيع؟”
عبست السيدة أوه عند سماع الجواب المبهم.
لكن قبل أن تطرح سؤالًا آخر، بادرت سورين بسؤال:
“والدتي، لذلك أود إقامة حفل الزفاف قبل أن يكبر بطني أكثر أعتقد أن ذلك سيكون الأفضل، أليس كذلك؟”
جيهان، الذي كان منهمكًا في تناول طعامه بصمت، أنزل أدوات الطعام بقوة.
كانت نظراته تفيض بالاستياء.
“توقفي لحظة، دعينا نؤجل هذا الحديث.”
تدخّل جيهان فجأة ليقاطع كلام سورين حين ذكرت موضوع الزواج.
“ولماذا؟ أنا بدأت التحضيرات فعلًا آه، صحيح حين أذهب لتجربة الفستان، هل ترغبين في المجيء معي يا والدتي؟”
لكنها لم تكن تنوي التراجع رغم اعتراضه.
فبما أنه لا ينوي المضي في إجراءات الزواج، شعرت أنها الوحيدة التي يجب أن تبادر وتسرّع الأمر.
“أنا؟”
“نعم! فذوقكِ بالتأكيد سيكون الأفضل يا والدتي.”
ابتسامة سورين الموجهة نحو السيدة أوه كانت كافية لتوهم من يراها أن العلاقة بينهما حميمة.
ورغم أن جيهان عبس من تصرفاتها الجريئة، فإن سورين لم تأبه.
اليوم، كانت بحاجة ماسة لكسب ود السيدة أوه والسيد مين غوك.
فالعامة بأكملها تعلم بعلاقتها مع جيهان، ولم يعد هناك خيار سوى تسريع موعد الزواج، حتى من ناحية الصورة العامة.
بمجرد أن فكرت بذلك، هدأ اضطرابها الذي كان يتزايد قبل قليل.
نعم، الآن يجب أن تركز فقط على زواجها من جيهان، وعلى العلاقة مع والديه الجالسين أمامها.
“والدتي، والدي، جربوا هذا الطبق أيضًا هذا الطبق هو الطبق الرئيسي هنا.”
ابتسمت سورين بلطف وهي تتحدث، لكن في تلك اللحظة تحديدًا، سُمِع صوت طرق خفيف على الباب، ثم دخل الخادم.
“ضيف آخر قد وصل.”
“ضيف؟ نحن لا ننتظر أحدًا آخر.”
تفاجأت سورين بهذا الخبر غير المتوقع، فنهضت من مكانها.
نظرت إليها السيدة أوه بنظرة تساؤل عمّا يحدث.
عندما سألها الفندق عن عدد الأشخاص لحجز الغرفة، أخبرتهم أنهم أربعة فقط.
لذا لم يكن من المنطقي أن يكون هناك ضيف إضافي لا تعرفه هي، صاحبة الحجز.
اقترب الخادم من سورين التي بدا على وجهها الارتباك وقال:
“قالت الآنسة يون يوجين أن أخبِركم بوصولها وقالت إنها من ضمن الحضور.”
في تلك اللحظة، استفاقت سورين من ذهولها عند سماع الاسم يون يوجين.
مستحيل! كيف عرفت تلك المرأة بمكاننا وجاءت؟
عندما خطرت يوجين في بالها، بدأت يد سورين، التي كانت تمسك بمفرش الطاولة، ترتجف.
“يون يوجين؟ لماذا! لماذا جاءت إلى هنا؟”
شعرت سورين بالغليان في داخلها من قدوم يوجين إلى هذا اللقاء المهم، الذي هو الأول مع والدي خطيبها.
كان هذا اليوم مخصصًا لها، لكن يوجين جاءت لتخرب زفافها، لا شك في ذلك.
وإلا، لما كانت لتأتي وحدها إلى هذا المكان الذي اجتمع فيه الجميع، دون أن تكون مدعوّة.
عضت سورين على شفتيها بشدة.
“تلك الحقيرة!”
في داخلها، لم تتوقف عن شتم يوجين بكلمات قاسية.
لكن حتى ذلك لم يكن كافيًا لتفريغ غضبها، فالتفتت نحو جيهان وكأنها تطلب المساعدة.
لكنها لم تكن الوحيدة التي صُدمت؛ يد جيهان التي كانت تمسك بالكأس كانت ترتجف أيضًا.
بينما كانت تحدّق به، دوّى صوت السيدة أوه من الجهة المقابلة، وقد كان حادًا وحازمًا:
“لماذا جاءت تلك الفتاة إلى هنا!”
قفزت السيدة أوه من مكانها وهي تلهث بغضب، غير قادرة على إخفاء استيائها.
ثم بدأت خطوات يُفترض أنها تخص يوجين تقترب تدريجيًا.
“ها أنتم هنا.”
توقفت خطواتها عند باب الغرفة، بصوت مشي مألوف.
“مر وقت طويل على آخر لقاء بيننا.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 61"