“ما الذي أتى بكِ إلى هنا فجأة؟”
“لقد كنتُ على موعد مع مخططة الزفاف في هذه المنطقة الساعة الثالثة. فقلت، بما أنني هنا، لما لا أراكِ أيضاً؟”
جلست المذيعة كيم في المقعد المقابل لسورين، وأنزلت حقيبتها.
سورين، التي لم تكن ترد على أي من اتصالاتها أو رسائلها، كانت هي من بادرت هذه المرة بالاتصال واقتراح اللقاء.
كانت هذه أول مرة تراها منذ استقالتها بعد صدور قرار بفسخ عقدها.
وكان من الطبيعي أن تتوقع أن تكون ملامحها شاحبة، لكنها كانت تبدو في الواقع بصحة جيدة أكثر مما ظنت.
“يبدو أنكِ كنتِ بخير؟ لقد قلقتُ عليكِ كثيراً لأنني لم أستطع الوصول إليكِ.”
“نعم، أنا بخير وبالمناسبة، التحضيرات لحفل الزفاف أوشكت على الانتهاء.”
“زفاف؟ قررتِ إقامة حفل زفاف؟”
فُزعت المذيعة كيم واتسعت عيناها عندما نطقت سورين بكلمة “زفاف”.
كانت تعتقد أن الضجة التي أثارتها سورين ستؤدي إلى إلغاء الزفاف، لكن ها هي تتحدث عنه وكأنه قائم بالفعل.
(إذن، هل كانت تلك الشائعة صحيحة؟)
تذكرت المذيعة كيم خبر زفاف سورين الذي انتشر قبل أيام في غرفة الدردشة الجماعية.
كانت تظنه مجرد إشاعة لا أكثر.
لكن سورين الجالسة أمامها كانت تبدو سعيدة كعروس حقيقية تقترب من موعد زفافها.
“نعم، أعتقد أنني سأتزوج في أوائل الشهر القادم. وقد حجزنا قاعة الحفل بالفعل.”
“أين سيكون الحفل؟ هل ستقيمينه بهذه السرعة؟”
حاولت المذيعة كيم أن تبتسم، وهي تلوّح بمشروب الأمريكانو الذي أمامها.
كانت تدرك أن الوقت مناسب لتهنئتها، لكن كلماتها لم تسعفها بسهولة.
“في فندق L! سنذهب هذا الأسبوع لمقابلة والدي العريس.”
“في فندق L؟ أليس الناس ينتظرون سنة كاملة حتى يتمكنوا من إقامة حفلاتهم هناك؟”
“صحيح في البداية، قالوا إن الأمر غير ممكن، لكنهم اتصلوا بنا لاحقاً أعتقد أن خطيبي قد تدخّل بطريقة ما.”
“…مبروك، من الجيد أن خطيبك هكذا.”
هنّأتها المذيعة كيم بوجه متجهم.
بدأت تشعر بالضيق من فكرة أن سورين استدعتها في وقت الغداء، وهي تعلم كم أن جدولها مكتظ، فقط لتتباهى بما لديها.
(هل هي سعيدة لهذه الدرجة لأنها سرقت خطيب شخص آخر؟)
عندما خطرت ببالها “يوجين”، بدأت المذيعة كيم تشعر بالاستياء الشديد تجاه سورين.
سورين كانت تفرق بين يوجين وموظفي البث الآخرين بأسلوب خفي.
وكانت طرقها خبيثة إلى درجة أن كيم لم تدرك الأمر إلا متأخراً.
“كيم آن ، كم الساعة الآن؟”
“اقتربت من الواحدة.”
“لا يوجد بطارية في هاتفي! ماذا أفعل؟ يجب أن أرسل رسالة للمخططة.”
أظهرت سورين هاتفها المحمول وهي على وشك البكاء.
وكان واضحاً أن الهاتف قد انطفأ تماماً بسبب نفاد البطارية.
بدأت المذيعة كيم تفكر أن عليها العودة إلى المكتب.
فالمقهى لم يكن داخل الشركة، لكنه كان قريباً من مبنى البث، لذا كانت تخشى أن يراها أحد مع سورين وتبدأ الأقاويل.
لم ترد أن تجد نفسها موضع شائعات بسبب هذه الجلسة.
وبدأت تشعر أن الوقت قد حان لإنهاء اللقاء، فأخرجت هاتفها ومدته إلى سورين.
“هل تريدين استخدام هاتفي؟”
“حقاً؟ إذن، هل يمكنني فقط إرسال رسالة واحدة؟”
“نعم، تفضلي.”
ابتسمت سورين وقالت شكراً، ثم أخذت الهاتف وبدأت تكتب شيئاً بسرعة.
(ما بها تكتب بتلك الشراسة؟)
كان من المفترض أنها ترسل رسالة للمخططة، لكن عيني سورين كانت تلمعان بشكل مخيف.
شربت المذيعة كيم آخر رشفة من قهوتها، ثم وضعت الكوب على الطاولة.
وبعد أن ظلت سورين تكتب لوقتٍ طويل، توقفت أخيراً.
“تم!”
“هل نقف الآن؟ أعتقد أن علي العودة إلى المكتب.”
قالت المذيعة كيم وهي تأخذ حقيبتها وتنهض من مقعدها.
ابتسمت سورين ابتسامة راضية وأعادت إليها الهاتف.
“شكراً لكِ أنتِ حقاً الأفضل، كيم آن.”
ثم اقتربت من المذيعة كيم وأمسكت بذراعها بلطف.
كانت النظرة الخبيثة التي ظهرت قبل قليل قد اختفت، وعادت ملامح سورين الهادئة.
***
منذ الصباح وحتى ما بعد الغداء، ظلّ كلام “جايها” يتردد في رأسي.
قال إنه سيتزوجني قبل “جيهان” و”سورين”.
رغم أنه أضاف كلمة “ربما”، فإن نظرته الخالية من التردد جعلتني أشعر وكأن ذلك سيحدث فعلاً.
“ما الذي تخطط له بالضبط؟”
“ستعرفين حين يحين الوقت العشاء الذي يجمعهما سيكون نهاية هذا الأسبوع.”
رغم أنني كنت أموت فضولاً، كان “جايها” يكتفي بالابتسام بهدوء.
كلما فكرت في الأمر ازداد ارتباكي، فهززت رأسي لأطرد الأفكار.
(يجب أن أتوقف عن التفكير.)
رغم أنني حصلت على إجازة لأسبوع فقط، إلا أنني اعتدت كثيراً على الحياة المريحة في الفيلا، لذا شعرت بالإرهاق بسرعة.
فتحت جدول التوزيع لأتفقد المهام المتبقية لهذا اليوم.
(بقيت فقط نشرة الأخبار المسائية، ثم أنصرف.)
قررت أن أنهي ما تبقى من مسودة الأخبار وأعود إلى مكتبي.
لكن في اللحظة التي عدت فيها، التقت عيناي بأعين زميلاتي المذيعات الجالسات بجانب جدول المناوبات.
كن ينظرن إلى شاشات هواتفهم وإليّ بالتناوب.
وحتى لحظة وصولي إلى مكتبي، ظللن يتهامسن ويلقين عليّ نظرات جانبية جعلتني أرتجف.
(هناك شيء غريب…)
من الأصل، لم تكن نظرات زميلاتي تجاهي ودية.
لكن نظراتهم الآن كانت مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل الغداء، ما جعلني أشعر أن هناك شيئاً غير طبيعي.
وعندما كنت على وشك الجلوس، فُتح باب قسم البرمجة، ودخل منه “يونغ جون” سونبي ومعه المدير العام.
المدير تبادل التحيات مع الموظفين، أما “يونغ جون” فقد توجه مباشرة نحوي.
“يون يوجين، هل رأيتِ المنشور الذي نُشر في المجتمع الآن؟”
“منشور؟”
بسبب كل ما جرى في الصباح، لم أكن قد فتحت تطبيق الشركة حتى.
ظننت أن “جونغ مين” هو من كتب المنشور، فأردت أن أخرج هاتفي، لكن “يونغ جون” سلّمني هاتفه.
“اقرئي هذا. لا يُصدق، فعلاً.”
قرأتُ الكلمات الظاهرة على شاشة الهاتف التي ناولني إياها.
كان المنشور المكتوب باسم “مجهول 1” يتحدث عن ذهابي مع جايها إلى الفيلا خلال فترة الإيقاف عن العمل.
[ سمعت إنها ذهبت في رحلة مع المدير سو خلال فترة الإيقاف ، عائلتها في حالة حرجة بين الحياة والموت ، فهل كان ذلك وقتًا مناسبًا ؟ لو كنت مكانها ، لكنُت بجـانب والديّ في المستشفى أليست هذه مجنونة بحب الرجال ؟ – مجهول 1[
كان المنشور قد نُشر خلال وقت الغداء، وظهر أنه قد تلقى بالفعل مئات التعليقات.
وبدا أن هناك ردًّا قد كُتب أسفل المنشور الأصلي.
قال لي يونغ جون، وهو يوجه كلامه إليّ بينما يقرأ الردّ:
“أحدهم كتب منشورًا يبرّرك، لكنه لا يخفف من الغضب من هو المجنون الذي يكتب مثل هذا الكلام المثير للفتن؟”
بدأ الردّ بالإشارة إلى أن كاتبه يعمل ضمن فريق الأخبار، وتضمّن تفاصيل عن زيارتي المنتظمة لوالديَّ في المستشفى.
“لابد أن الكاتب هو جونغ مين”، فكر وأنا أتذكّره وهو يبتسم ويقول إن كتابته جيدة.
ومع انتشار المنشور التوضيحي، بدأ الناس في توجيه اللوم إلى صاحب المنشور الأصلي بدلًا منّي.
«لم نعد نريد هذه الفضائح المتكررة.»
«كفى نشرًا للشائعات التي لا أساس لها من الصحة.» كانت هذه بعض ردود الفعل.
أعدت الهاتف إلى يونغ جون.
“من الذي يفعل أمرًا كهذا؟ ومن نفس قسم البرمجة؟ كيف يمكن لهذا أن يحدث؟”
“حقًا، من يكون يا ترى؟”
كان يونغ جون غاضبًا نيابةً عني من ذلك الشخص المجهول.
بما أن المنشور قد أشار إلى أن الكاتب من قسم البرمجة، فمن المرجح أنه من زملائنا.
وفي تلك اللحظة، اقترب منا المدير بعدما لاحظ الأجواء المشحونة.
كنت أنا أيضًا أشعر بالفضول حول هوية من نشر مثل هذا الكلام الغريب.
ولأنني شعرت بأن مثل هذه الأمور قد تتكرر إن تركتها تمر، قررت أن أطلب المساعدة.
“سيدي المدير.”
أجابني بنظرة مركّزة، كما لو أنه كان يتابع الموقف بصمت.
“هل يمكنك إرسال طلب رسمي إلى قسم تكنولوجيا المعلومات؟ أريد معرفة عنوان الآي بي الخاص بـ ‘مجهول 1’. بما أنها منصة داخلية، أعتقد أن ذلك ممكن.”
فجأة، انطلقت أصوات شهقات خفيفة من حولي، تعبيرًا عن الدهشة.
بدا أن أحدًا لم يتوقع أن أطلب هذا علنًا.
نظر المدير إليّ مطولًا قبل أن يومئ برأسه موافقًا، ثم التفت إلى أحد الموظفين بجانبه.
“… حسنًا، افعلِ ذلك اتصل بقسم تكنولوجيا المعلومات واطلب منهم الصعود إلى قسم البرمجة.”
من المؤكد أن الشخص الذي كتب المنشور لم يكن يتوقع أن ألاحقه بهذا الشكل.
ربما هو الآن يشعر بالقلق والتوتر.
جعلت أنظاري تتجول في المكان، ثم التقت عيناي بعين زميلة كانت تجلس غير بعيدة.
كانت المذيعة “كيم”، والتي كانت دائمًا مقربة من “تشاي سورين”، قد بدأ وجهها يشحب شيئًا فشيئًا.
“أنتِ من فعلتِها.”
مع انكشاف الحقيقة وتبرئتي، بدا أن جميع الموظفين في القسم يريدون الابتعاد عن الفضيحة.
لكنني كنت واثقة الآن أن “كيم” هي من كتبت المنشور.
اقتربت منها، وهي كانت جالسة على الأريكة، تشدّ بيديها المرتجفتين.
كانت تنظر إلى هاتفها، محاوِلةً تجاهل كل شيء.
وحين اقتربت منها، رفعت وجهها بهدوء بعد أن كانت تحدّق في الهاتف الذي لم يتوقف عن إصدار التنبيهات.
“مدير القسم، أظن أنه لم يعد من الضروري استدعاء قسم تكنولوجيا المعلومات.”
اخذت هاتفها من يدها، ونظرت إلى الشاشة.
كما توقعت، ظهرت نافذة حذف المنشور على شاشة هاتفها، مما يعني أنها من كتبت المنشور.
“سـ، سيدي! لم أفعلها! أنا أيضًا ضحية!”
كانت ترتجف وهي تلوّح بيديها في الهواء، وكأنها تحاول نفي التهمة عنها.
كانت ملامحها تنضح بالارتباك والصدمة، وكأنها على وشك البكاء.
“قابلت تشاي سورين وقت الغداء قالت إن هاتفها نفد شحنه وطلبت استعارة هاتفي لم أتوقع أنها ستقوم بمثل هذا الأمر!”
“……”
“صدقوني! أليس كذلك؟ أنتم رأيتم أنني خرجت للقاء تشاي سورين، صحيح؟”
بدأت تنظر حولها، تطلب التأكيد من زملائها الجالسين على الأريكة.
وبعد تردد قصير، أومأ بعضهم برؤوسهم تأكيدًا لكلامها.
“نعم، لقد قالت المذيعة كيم إنها ستقابل تشاي سورين.”
انطلقت تنهيدات من زوايا القسم عند ذكر اسم “تشاي سورين”.
فبعد أن كانت حديث الجميع بسبب خبر زفافها، ها هي الآن تثير فضيحة جديدة.
“لقد وصلت إلى الحضيض، أليس كذلك يا تشاي سورين.”
ربما بعد طردها من اللجنة التأديبية وصدور مقال جايها، شعرت أنها محاصرة تمامًا.
لكن حتى لو كانت تشاي سورين من كتبت المنشور، فإن تصرفات “كيم” السابقة لا يمكن أن تُمحى.
فكانت دائمًا محور الشائعات التي أحاطت بي.
“مذيعة كيم حتى لو كانت تشاي سورين هي من فعلت هذا، أليست هناك أمور كثيرة فعلتِها أنتِ بنفسك؟”
“ماذا تقصدين…؟”
“أنا أعلم أنك كنتِ أكثر من نشر الشائعات عني.”
اقتربت منها أكثر، وقلت بصوت منخفض لا يسمعه سوانا:
“أتعرفين مقولة: من بدأ الأمر، عليه أن ينهيه؟ حذف المنشور لا يعني أن ما فعلتِه قد انتهى.”
“……”
“كنتِ مشغولة بنشر الشائعات طوال الوقت، والآن حان دورك لتنظفي الفوضى الشائعات التي بدأتِها، عليكِ أن تنهيها بنفسك.”
ارتجفت شفتا “كيم” وهي تلتقي بعينيّ، وأنا أحدق بها بثبات.
سادت أجواء متجمدة في قسم البرمجة بعد انكشاف الأمر.
لدرجة أنني بدأت أقلق من أن تتفاقم الأمور أكثر وتُثار شائعات جديدة عني.
ثم اقترب مني المدير.
“آه، يا إلهي حدوث أمر كهذا في قسمنا أمر مؤسف فعلًا لا بد أنكِ عانيتِ كثيرًا، المذيعة يون.”
نظر إليّ بعينين مليئتين بالأسف.
لابد أنه كان يعرف وضعي الصعب وسط زملائي حتى من قبل هذه الحادثة.
“نعم، لكنني سعيدة لأن الأمور توضحت على الأقل.”
“لا يمكن اعتبار ما حدث مجرد سوء فهم كان هناك الكثير من الحقد حسنًا، أريد من الجميع الانتباه قليلًا.”
عند سماعه كلمة “الحقد”، ارتعشت كتفا المذيعة كيم.
نظر إليها المدير بنظرة باردة، ثم استدار نحو الموظفين.
“أتمنى أن تبقى المشاعر الشخصية أمرًا داخليًا لأنه عندما تنطق بالكلمة، فإن أحدًا ما يسمعها، ويبدأ الأذى.”
“……”
“حين تتحول الشائعات الكاذبة إلى حقائق، فإن من يتأذى في النهاية هو الضحية، أليس كذلك؟ أنا أؤمن أن قسم البرمجة أسرة واحدة لا أريد أن يتأذى أحد من فريقي بسبب كلام لا أساس له لذا، دعونا نكون حذرين من الآن فصاعدًا.”
لم أكن أتوقع أن يتحدث المدير بهذه الصراحة، وكادت الدموع تفيض من عيني.
ثم، بعد أن أنهى كلامه، ربت على كتفي بلطف مرتين وغادر المكتب.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 60"