“تشايسرين ستصبح مذيعة؟”
وكأن خيانته لي لم تكن كافية، فهل ينوي الآن أن يُعلن عن عشيقته في كل مكان؟
في محطة البث توجد إجراءات ولوائح رسمية، لكن جيهان بدا وكأنه ينوي المضي قدمًا في هذا التعيين غير المعقول فقط لأنها امرأته، لا أكثر.
“هل هذا أمر معقول؟”
تصرفات جيهان تجاوزت كل الحدود لدرجة أنني فقدت القدرة على الكلام.
دخلت إلى مطعم كوري فاخر وهادئ، يضم بيوت هانوك منفصلة.
“هل أنتِ السيدة يون يوجين؟”
“نعم.”
“تفضلي بالقدوم إنه بانتظارك.”
بعد أن مررنا بالمبنى الرئيسي، ساد الصمت ولم يبق سوى صوت الخطى.
سرتُ على طول الأرضية الخشبية الممتدة برفقة الموظف الذي كان يسير أمامي.
الغرفة الأخيرة في نهاية الممر انسحب الموظف مبتعدًا بعد أن أوصلني.
طرقت الباب المنزلق المغلق طرقًا خفيفًا، ثم فتحته بحذر.
كان هناك حديقة مغطاة بالخيزران خلف النافذة.
ورجل جالس هناك أمامها، يبلل حنجرته بالشاي، رفع رأسه ناحيتي.
“أهلًا بكِ اخترت هذا المكان لأنه هادئ ويمكننا اللقاء على انفراد، هل هو مناسب؟”
كان جايها يضع فنجان الشاي ببطء.
وقد بدا مهتمًا لأنني أنا من بادر بالدعوة.
“نعم أعجبني أنه سريّ ولا يسمح لأي شيء بالتسرب.”
“يسعدني أنه راق لكِ تفضلي بالجلوس.”
عندما سمع ردي، مرّ على وجهه ابتسامة عابرة، ثم أدار لي قائمة الطعام التي كان يطالعها.
جلست مقابله تحت الإضاءة، وشعرت بموجة من المشاعر الجديدة تهاجمني.
“هل ستعود إلى أمريكا؟”
أغلقتُ قائمة الطعام لم آتِ إلى هنا لأتناول الطعام فحسب.
نظرت إلى جايها الذي لا يزال يحدق بي، وطرحت السؤال عليه.
سألت بلا تردد، لكن داخلي كان يرتجف من القلق، إذ لا أعلم متى قد يتغير رأيه ويرحل.
إن سافر جايها مجددًا إلى أمريكا، فسوف تكون مشكلة كبيرة.
كنت أنوي إيجاد سبب مهما كان، حتى أتمكن من إبقائه هنا.
“من نظرتكِ، تبدين وكأنكِ ستلحقين بي إلى أمريكا إن قلت إنني سأعود.”
“… ربما أفعل ذلك.”
“لستُ مثل زوجكِ، سيو جيهان، فلا حاجة لأن تتصرفي بهذه الطريقة معي.“
هزّ رأسه بنفي ساخر، وبدا أكثر استرخاء وهو يمزح.
نظرت إليه بصمت، وبينما كنت أحدق فيه، تغيّرت فجأة نظراته.
“إذًا، دعينا نُنهي المزاح غير المجدي هنا.”
اختفت الابتسامة من على وجهه الذي كان يضحك قبل قليل.
شفاهه التي بدأت تتحدث ببطء، وعيناه الواسعتان، كانتا مصوبتين نحوي.
“أنا فضولي جدًا لأعرف سبب استدعائك لي إلى هنا.”
كأنه يطالبني بكشف أوراقي الآن.
شعرت بتوتر شديد دفعني إلى شرب الكوب الموضوع أمامي دفعة واحدة.
“السيد سيو جيهان ليس زوجي. أنا… غادرت منتصف مراسم الزفاف.”
عندما قلت ذلك فجأة، ظل جايها صامتًا لوهلة، ثم تحدث بصوت منخفض.
“أليس الزواج فقط بإقامة المراسم؟”
حتى وهو يتحدث، كان لا يزال يحدق بي دون أن يطرف له جفن.
“لقد دامت خطوبتكما طويلًا، فلا بد أن هناك مشاعر خاصة بينكما.”
عندما سمعت كلمة “مشاعر” من فمه، ارتسمت على شفتي ابتسامة ساخرة.
هل كان هناك حقًا مشاعر خاصة بيني وبين سيو جيهان؟ الرجل الذي كاد أن يقتلني.
حتى في حياتي الماضية، كنت أنا وجيهان مجرد زوجين على الورق.
خلال خمس سنوات من الزواج، لم نكن سوى زوجين استعراضيين نعيش تحت سقف واحد دون أن نكون يومًا حقيقيين.
كلما تحدثت معه عن رغبتي في إنجاب طفل لنصبح عائلة حقيقية، كان رده باردًا دائمًا.
“الوقت ليس مناسبًا الآن…” كان يقول.
كنا كالماء والزيت، لا يمكن أن نمتزج.
“سيرين حامل بطفلي.”
“أنتِ تعلمين أن عائلة هوجين نادرة فيها الولادات، لا يمكن تربية طفل بدون أب.”
كان زوجي يخبرني أنه أنجب الطفل الذي تمنّيته دومًا من سيرين، ويطلب الطلاق.
عندما تذكرت تلك المشاعر، ارتجفَت يدي الممسكة بالكوب فاضطررت إلى وضعه على الطاولة مجددًا.
“لا يمكنني مسامحته…”
بدا أن جايها لم يفهم تمامًا ما يجري، فقد رفع حاجبيه باستغراب.
“لقد خانني مع زميلتي الصغيرة لدرجة أنه فكر في الطلاق مني كان حبًا مؤلمًا حقًا.”
“…”
“كما تعلم، أصبحتُ الوريثة الوحيدة لمجموعة دبليو.”
تفاجأ قليلًا، ثم ما لبث أن تغيّر وجهه تدريجيًا مع كل كلمة أقولها.
“والآن، ذلك الرجل يطمع في مجموعة والدتي.”
حدق بي جايها بنظرات حادة مفاجئة.
فمسألة اندماج مجموعة دبليو كانت تجري بسرية تامة داخل المجموعة.
لابد أنه يتساءل بجنون عن السبب خلف ما أفعله الآن.
“ولماذا تخبرينني بكل هذا؟ لا أرى كيف يمكن أن يفيدني ذلك.”
“…”
“سيو جيهان، هو أخي… مؤقتًا فقط.”
“مؤقتًا فقط.”
كنت أعرف تمامًا ما تعنيه تلك الكلمة العميقة.
رغم أن جايها تظاهر بالهدوء، إلا أن عينيه باتتا أكثر حدة.
كان يحاول أن يستكشف نواياي الخفية.
تذكرت الاتصال الهاتفي في الليلة التي سبقت طلاقي من جيهان.
كان جايها قد طلب لقائي بعد انتهاء المحاكمة.
لم يكن بيننا تواصل شخصي، لذا كان الاتصال غريبًا.
لكنني كنت أعلم أن هذا الرجل لا يتواصل عبثًا.
“لا بد أن هناك سببًا جعله يريد لقائي في يوم الطلاق.”
كما أنني بحاجة لهذا الرجل، فهو أيضًا يحتاجني لمستقبله.
كانت مقامرة، لكنها تستحق المخاطرة.
“لنتزوج، السيد سيو جايها.”
ظهر الارتباك لأول مرة في عينيه بدت ملامحه متجمدة من وقع كلماتي المفاجئة.
ابتسمت له ابتسامة مريرة.
“لكن إن كنتُ أعرف السيد سيو جايها جيدًا، فأنا واثقة أنك لا ترغب بالزواج، أليس كذلك؟”
رأيتُ بوضوح كيف كان يرفض فكرة زواجي منه سابقًا دون تردد.
لم أكن أعلم إن كان يكرهني أنا، أم أن الزواج بحد ذاته يشكل قيدًا له.
“أنا بحاجة إليك.”
تحرك نائب الرئيس كيم يونغ مين، ما يعني أن اجتماع الجمعية العمومية الطارئ بات وشيكًا.
ولم يكن هناك شخص أنسب من هذا الرجل ليقود مجموعة دبليو وليكبح جماح جيهان في الوقت ذاته.
“بل حاجة ملحّة جدًا.”
مرّ تعبير غامض على وجهه بعد كلماتي الأخيرة.
“أحتاج مديرًا تنفيذيًا لقيادة مجموعة دبليو، وأريدك أنت أن تتولى هذا المنصب.”
رمش جايها ببطء، كما لو أنه غارق في التفكير.
وبعد أن بلل حنجرته مجددًا بهدوء، أعاد الكوب إلى الطاولة.
“لذا… أرجوك، ساعدني.”
نظرت إليه، وقد أخفى كل مشاعره عن وجهه، وتشابكت نظراتنا في الفراغ.
صمت ثقيل خيّم علينا لثوانٍ.
أنا أعرف السيد سيو جايها جيدًا، وهذا العرض سيكون مغريًا للغاية بالنسبة له.
ولكنه لم يُبدِ أي رد فعل.
بينما كنت أحدق فيه، شعرت براحة يدي تتعرق من شدة التوتر.
“هاه… هاها.”
بعد صمت طويل، خرج ضحكة ساخرة من بين شفتيه المستقيمتين.
“هل تظنين أنني سأقبل عرضك هذا؟”
توقفت ضحكته، وحدّق في وجهي بفك مرفوع وحاد.
“أنا الابن البكر لعائلة هوجين، تعتقدين أن هذا المنصب يليق بي؟”
لكن على عكس كلماته الحادة، كانت عيناه تلمعان باهتمام.
أبدى اهتمامه أخيرًا.
“نعم، ستقبله.”
“وبأي دليل؟”
“أنت الآن تتولى منصب المدير التنفيذي لشركة KBC القابضة، أليس كذلك؟”
اتسعت حدقتا عينيه بسرعة، وكأنه لا يصدق.
فالجميع كان يعتقد أن إبعاده إلى أمريكا كان بمثابة نفي رسمي.
“… كيف علمتِ بذلك؟”
“KBC هي شركة تابعة لمجموعة هوجين، أليس كذلك؟ لا أعتقد أن الرئيس سيو مو جين قد نزع عن ابنه البكر لقب الوريث دون أن يمنحه شيئًا بالمقابل.”
“لكن في الحقيقة، كانت الخطة أن يتم فصله لاحقًا عن مجموعة هوجين لتُعاد هيكلتها تحت اسم شركة H القابضة للإعلام.”
“وقد عدت إلى الوطن بعد أن جعلت الشركة تُدرج في البورصة من خلال استثمار هجومي.”
كان ذلك سراً لا يعرفه أحد سوى المقربين من الرئيس سيو مو جين وبعض من في المقر الرئيسي.
تفاجأ جايها بشدة ولم يستطع إخفاء ملامحه المرتبكة.
“سأمنحك جناحين أكبر من هوجين تحتاج إلى رأسمال لإعادة هيكلة الشركات، أليس كذلك؟”
لم يكن من المفترض لمذيعة عادية أن تعرف مثل هذه الأمور.
أخيرًا، بدا أن جايها بدأ يفهم ما يجري، فضحك ضحكة مكتومة.
“وأهم من كل ذلك… ألست ترغب في تدمير هوجين؟”
كنت أعرف تمامًا مقدار الكراهية المعقدة التي يكنّها سيو جايها لعائلة هوجين.
لذلك كنت قد استبقت الأحداث وسحبت حصته من الأسهم مسبقًا.
لكي أتمكن من التهام مجموعة هوجين التي ستعاني قريبًا من أزمة مالية.
“ما تخطط له الآن… أستطيع أن أساعدك في تسريعه.”
“…”
“ما رأيك؟ هل تضع يدك في يدي؟”
رفعت زاوية شفتي ببطء نحو الرجل الذي بدا عليه الذهول.
.
.
.
عندما دخل الرجل جناح الفندق، أضاءت الحساسات التلقائية الغرفة.
بعد أن أنهى عشاءه مع يوجين، عاد جايها إلى الفندق، وبدأ بفك ربطة عنقه التي كانت تخنقه.
وضع سترته على الأريكة بجانب النافذة.
نظر إلى السيارات التي كانت تسير على طول طريق نهر الهان خلف النافذة الواسعة، ثم ضحك ضحكة خافتة.
حين تذكّر صوتها فجأة.
“لنتزوج، السيد سيو جايها.”
حين خرجت كلمة “زواج” من فمها، كاد أن يطلق أنينًا دون وعي.
حتى وإن كانت مجرد كلمة عابرة، لم يتخيل قط أن تخرج مثل تلك العبارة من شفتيها المستقيمتين والمنضبطتين.
“هاه…”
كم اجتهد في الحفاظ على رباطة جأشه.
وخصوصًا عندما تحدثت عن “هوجين”، فقد اضطرب قلبه الذي كان ساكنًا بكل عنف.
كانت “يوجين” الحفيدة المدللة التي تربّت في مجموعة “دبليو” كجوهرة ثمينة.
ظنّ أنها زهرة ناعمة نشأت في دلال، لكن يبدو أن ظنه كان خاطئًا.
أسند “جايها” جسده على الأريكة المستقيمة أمام النافذة الزجاجية العريضة.
“يون يوجين…”
أمسك بظرف مستند إلى طرف أصابعه، فأصدر خشخشة خفيفة.
تدحرجت الصور المتنوعة من الظرف المائل وانهمرت.
رجل وامرأة متعانقان داخل سيارة، وأخرى يمسكان بأيدي بعضهما بلطف… مشاهد متعددة ومتنوعة.
احتوى الظرف على تفاصيل الحياة الخاصة الفاضحة لأخيه غير الشقيق، دون أي تصفية أو حجب.
“كانت تعلم بأمر الخيانة مسبقًا…؟”
تفاجأ “جايها” كثيرًا حين علم أن “يوجين” كانت تعرف ذلك مسبقًا.
ما الذي كانت تعرفه تحديدًا؟ ومن تكون “يون يوجين” التي كان يعرفها حتى الآن؟
عقله كان مشوشًا تمامًا، ولم يستطع ترتيب أفكاره المتشابكة.
وضع يده على جبينه، ثم التقط هاتفه المحمول إثر صوت الجرس المفاجئ.
هل تفاوضت مع السيدة الصغيرة، يا سيدي؟
لم يجرِ أي تفاوض، فقد فشلت الصفقة التي كان من المفترض أن تُبنى على خيانة “سيو جيهان” فشلًا تامًا.
لم يتخيل أن تسير الأمور بهذا الشكل، فانطلقت ضحكة باهتة من بين شفتي “جايها”.
“كانت تعرف بالخيانة مسبقًا.”
… ماذا؟ هذا مستحيل. هل كنت تقصد أن السيدة كانت تعرف فعلًا؟
“أنت مندهش، أليس كذلك، سكرتير “هان”؟ وأنا أيضًا كذلك كدت أُجن.”
وخصوصًا حين تحدثت عن الانتقام، فقد أُسقط في يده حتى عجز عن الكلام.
لم يكن يتخيل أن تلك المرأة الهادئة تملك القدرة على إسكات رجل أعمال.
“تحقّق إن كان تسريب قد حصل بخصوص تولّيي منصب المدير التنفيذي لشركة KBC القابضة.”
****
أمضت الليل بعينين مفتوحتين، ثم غفت قليلًا، واستيقظت فجأة.
كان الصباح قد بزغ، وأشعة الشمس تتسلل إلى الداخل.
أزاحت الغطاء الذي كان يخشخش عند أطراف أصابعها، ونهضت من السرير.
“هل عليّ زيارة المستشفى؟”
منذ عودتها إلى الماضي، لم تذق نومًا عميقًا.
في بعض الأيام، تتخيل مشهد “جيهان” و”سيرين” متعانقين أمام عينيها، وفي أيام أخرى، تسترجع يوم لقائها مع “جايها”.
“قالت “جيهيون” إنه يجب أن أعالج الأرق أيضًا.”
تذكّرت ما قالته “جيهيون”، طبيبة الأسرة في مستشفى “ديجين”.
وحين شغّلت الهاتف الموضوع بجانب السرير، توقّف نظرها عند صورة ظهرت على الشاشة.
كانت صورة “سيرين” و”جيهان” اللذين استمرا في لقاءاتهما حتى بعد الجنازة.
“تجهل ما أعلمه، أليس كذلك؟”
لم يتبقَ الكثير.
بعد انعقاد الجمعية العمومية، ستتحول حياة الزوجين السعيدين إلى جحيم.
عندما فتحت النافذة، داعب النسيم البارد خدّيها.
حتى اللحظة الأخيرة من لقائهما الليلة الماضية، لم تحصل على ردٍ قاطع من “جايها”.
“متى تُعقد الجمعية العمومية؟”
“الاثنين القادم.”
كان “جايها” يستمع بصمت إلى حديثها، ولم يجب سوى بإعلان موعد الجمعية.
رجل يصعب معرفة ما يدور في داخله.
“هل تسرّعت؟”
هل كان حديثها عن “هوجين” سابقًا لأوانه؟ هزّت رأسها نافية وهي تندم على ما قالته.
“لا… أنا متأكدة.”
عندما تحدثت عن “هوجين”، رأت كيف ارتجفت عيناه اللتان كانتا هادئتين للحظة.
بينما كانت غارقة في التفكير، اهتزّ الهاتف الموضوع على إطار النافذة وضاء بنور خافت.
“… رسالة؟”
لقد وصلت الرسالة التي كانت تنتظرها باستمرار.
[لديّ وقت هل يناسبك الآن؟]
وأخيرًا، ابتلع السمكة الطُعم الذي أُعدّ له بعناية.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 6"