كانت سورين جالسة في غرفة استشارات حفلات الزفاف بفندق L، ووجهها جامد كالثلج.
تردّد المدير قليلاً عندما رأى تعبير وجهها غير العادي.
“الحجوزات لدينا ممتلئة حتى العام المقبل أقرب موعد متاح لإقامة الزفاف هو صيف العام القادم.”
“الأمر هو… زبونتنا ترغب في إقامة حفل الزفاف الشهر القادم وقد أخبرتني أنها لا تبالي بالتكلفة طالما يتم تعجيل الموعد.”
اقترب مخطط حفلات الزفاف من المدير الذي بدا مذهولًا، وهمس له بشيء.
ويبدو أنه أعطاه تلميحًا عن هوية العروس أو العريس في هذا الزفاف.
ما إن سمع المدير كلام المخطط حتى اتسعت عيناه بدهشة.
ثم غادر غرفة الاستشارة على الفور ليبلّغ الإدارة العليا، وسورين تبتسم بسخرية وهي تراقبه.
“همف كما توقعت… لا يوجد شيء في هذا العالم لا يمكن حله بالمال والسلطة.”
حتى مخططة حفلات الزفاف الجالسة بجانبها انتهى بها الأمر أن تنفذ طلباتها غير المعقولة بسبب المال.
بوجه بدا أكثر ارتياحًا، استندت سورين إلى المقعد وبدأت تتصفح كتيب الكتالوج المقدم لها.
كانت متأكدة أن الرأي العام تجاهها سيسوء مع مرور الوقت.
ولذا كانت ترغب في إقامة الزفاف بأسرع ما يمكن لتصل إلى موقع لا يجرؤ أحد على انتقادها فيه.
“وفوق ذلك، أجواء أخي قد تغيّرت.”
كانت تنوي وضع حد نهائي قبل أن يحدث ما قد يُفشل زواجها من جيهان.
عاد المدير الذي كان قد غادر، وهذه المرة كان برفقته رجل يبدو أنه مسؤول أعلى.
اقترب الرجل من سورين وانحنى لها بتحية محترمة.
“هل أنتِ الآنسة تشاي سورين؟ أنا المدير العام المسؤول عن حفلات الزفاف في الفندق.”
“نعم، مرحبًا. هل هذا ممكن إذًا؟”
رفعت سورين نظرها إليه بسرعة ثم أعادت تركيزها إلى الكتيب في يدها.
تذكرت أن المدير قد أخذ بطاقة جيهان الشخصية عندما غادر، ولهذا اعتقدت أن الأمر قد تم.
“عذرًا سيدتي، لكن شهرنا القادم محجوز بالكامل، وهذا جزء من سياسة الفندق إذا أردتم إقامة الزفاف لدينا، فأقرب موعد متاح هو صيف العام المقبل.”
لكن الرد الذي جاءها لم يكن مُرحبًا به.
بمجرد أن أنهى المدير العام كلامه، وضعت سورين الكتالوج على الطاولة بعنف.
سادت غرفة كبار الزبائن لحظة من الصمت.
شهر واحد يبدو طويلًا جدًا، فكيف يقول لها أن تنتظر حتى العام القادم؟
شعرت سورين بالسخرية من نبرة المدير الحازمة ووقفت تقترب منه، تحدّق فيه بعينين حادتين.
“تطلب مني أن أُؤجل زفافي حتى العام المقبل؟ هاه، السيد آن سونغهين.”
قرأت اسمه من البطاقة التعريفية المعلقة على صدره وأضافت كلامًا مليئًا بالامتعاض:
“هل تعتقد أنني انتظرت طوال اليوم هنا لأسمع منك كلمة ‘غير ممكن’؟! وفي هذا الزمن، لا يوجد شيء مستحيل.”
“…”
“أم أنك تعاملني هكذا لأنني جئت دون خطيبي؟”
كانت سورين قد شعرت بالاشمئزاز من نظرات الناس أثناء تجولها لشراء فستان الزفاف.
أمامها، كانوا يبتسمون بلطف لا يُضاهى، لكن ما إن تدخل غرفة القياس حتى يبدؤون الهمس والثرثرة.
“يقولون إنها ستتزوج، لكن العريس لم يُرَ له أثر!”
“هه، ربما ستدخل القاعة وحدها.”
تذكرت كيف توقفت عن ارتداء الفستان حين سمعت مثل هذا الحديث السخيف.
وبعد أن تكررت هذه المواقف أكثر من مرة، أصبحت شديدة الحساسية حتى من أبسط الأمور.
أمام ردّة فعلها الحادة، شحب وجه الموظفة الواقفة بجانب المدير العام.
لكن المدير نفسه لم يُظهر أي نية لتغيير موقفه، فبدأ الغضب يشتعل في قلب سورين.
وقبل أن تنطق بكلمة أخرى، وقف شخص ما أمامها فجأة ليمنعها.
رفعت عينيها بتضايق لترى أمامها المدير كيم.
هزّ برأسه كما لو كان يطلب منها التوقف عن التصرف أكثر من هذا.
“ما هذا؟ مدير كيم، ماذا تفعل هنا؟”
“يكفي إلى هذا الحد.”
“لا تقل لي…! هل كنت تتعقبني؟!”
شعرت سورين بقشعريرة تسري في جسدها.
وجوده هنا يعني أنه كان يراقبها بهدوء من البداية.
“مقزز! ما هذا بحق الجحيم؟”
لو كان ينوي مساعدتها، لكان تدخّل منذ البداية.
لكن يبدو أنه خرج فقط ليقول لها ألا تثير الفوضى، وهو ما جعل سورين تشعر بإهانة عميقة.
نظرت إليه وهو يقدّم بطاقته وينظّم الموقف، ثم خرجت من غرفة الاستشارة.
“سأوصلكِ إلى المنزل.”
لم تدرِ متى لحق بها، لكنه وقف أمامها وهي تمشي بخطى غاضبة.
“لا حاجة.”
“آنسة سورين، لا يصح أن تتصرفي هكذا وحدك ماذا لو علم الرئيس؟”
“آنسة سورين؟!”
تجهم وجهها فور سماع ذلك اللقب المزعج بشكل خاص اليوم.
لقد كان ينادي يوجين بلقب “السيدة الصغيرة”، لكنه لم ينادِها به هي.
“سأتدبر أمري وحدي!”
كانت تشعر أن حتى سكرتيرها لا يحترمها، فانفجرت فيه بصوت عالٍ وغادرت المكان.
* * *
كان الليل قد أرخى سدوله.
بينما كانت يوجين تستحم، جلس جيها في كرسي فردي بجانب السرير يتصفح جهازه اللوحي.
أصبح صوت ماء الدش وحده كافيًا ليذكّره بما حدث في المسبح.
في البداية، ظن أن يوجين كانت فقط تتجنبه.
لكنها لم تكتفِ بإظهار مشاعرها، بل تجرّأت على استفزازه أولاً.
ما زال جيها يتذكّر بوضوح ذلك الإحساس المفاجئ حين كاد قلبه يسقط من مكانه.
كاد يفقد السيطرة على نفسه ويندفع نحوها.
ومنذ ذلك اليوم، تغيّر جو يوجين بشكل غريب.
لم تعد تتجنبه كما كانت من قبل.
“همم، لماذا تغيّرت فجأة؟”
أعادته رنّة الهاتف إلى الواقع.
لقد جاء إلى هنا بحجة العمل من المنزل لأسبوع، لكن في الحقيقة كانت أشبه بإجازة.
باستثناء تلك المكالمات العرضية من السكرتير.
– “سيدي، أعتذر لاتصالي في هذا الوقت المتأخر.”
“ما الأمر؟”
- “كان هناك تحرك من جانب ممثلي سيو جيهان عندما سرّبنا شائعة تفيد بنيتنا المشاركة في بيع شركة إنتك العلني، استجابوا فورًا. تمامًا كما توقعنا.”
كان من المفترض مراقبة تحركات جيهان بعد إطلاق الشائعة، ولم يتوقع أن يبتلع الطُعم بهذه السرعة.
يبدو أنه في عجلة من أمره أكثر مما ظن.
بينما كان يتلقى التقرير من السكرتير هان، وضع جايها الجهاز اللوحي على الطاولة.
كان واضحًا أن طوق النجاة الوحيد لسيو جيهان، الذي حُوصر بعد فسخ الخطوبة وتوالت حوله الشائعات، هو
الاستحواذ على شركة إنتك.
- “ما الذي يجب علينا فعله؟ ممثلو شركة إنتك يرغبون في لقاءك يا سيدي.”
سأله السكرتير عن رأيه، وغرق جايها في التفكير العميق.
لقاء مع إنتك، هاه… أعتقد أن الوقت مناسب للقاءٍ واحد على الأقل كما أنها فرصة جيدة للضغط على سيو جيهان.
تذكّر جايها أن الموعد النهائي لتقديم خطاب النوايا لشراء شركة إنتك لم يتبقَ عليه الكثير.
وعلى حد علمه، فإن المجموعة الوحيدة التي كانت تعتزم المشاركة رسميًا في هذا البيع العلني هي مجموعة “هوجين”.
وبما أن “هوجين” كانت تُعتبر المنافس الأقوى، فقد ترددت الشركات الأخرى في التقدم للمزايدة.
وإذا سارت الأمور على هذا النحو، فسيمتلك جيهان شركة إنتك بسهولة.
لكن، إن حصل عليها بهذه السهولة، فالأمر سيكون مملاً، أليس كذلك؟
مرّت في ذهنه كلمات من محادثة سابقة مع “يوجين”، التي قالت له إن شركة إنتك ستكون مفتاحًا للإطاحة بجيهان، بل وحتى مجموعة “هوجين” بأكملها.
“إذا استحوذت هوجين على إنتك، فقد تبدو ناجحة في إعادة هيكلة قطاع المعدات الثقيلة، لكن ذلك لن يستمر طويلًا. فإنتك مجرد شركة مفلسة.”
لم يستطع نسيان النظرة الحازمة في عينيها حين قالت ذلك.
“قد يصعب عليك التصديق، لكن صدقني هذه المرة فقط قريبًا ستفهم الأمر بنفسك يا جايها.”
كل ما طلبته منه حينها هو أن يثق بها.
مشروع إنتك كان قد نال موافقة كل من “مين غوك” و”موجين”، المعروفَين بدقتهما في دراسة الصفقات.
لا أحد يتوقع أن تكون شركة إنتك خاسرة.
من ذا الذي يمكنه الجزم بأن مشروعًا ضخمًا كهذا سينهار؟
وفي مثل هذه اللحظات، بدت “يوجين” أكبر سنًا من عمرها الحقيقي.
“سيفشل سيو جيهان حتمًا.”
“فشل”—كلمة بدت مناسبة تمامًا لوصف مصير جيهان.
بالرغم من أن جايها كان يثق في “يوجين”، لم يكن ليزعجه إن اتضح أن كلامها ليس صحيحًا.
وبالرغم من أن الأمور لم تتضح بعد بشكل قاطع، إلا أن تحقيقاته الإضافية جعلته يشك في وجود مشكلات في شركة إنتك.
وكان من المؤكد أن جيهان يجهل ذلك.
فكر جايها في المستقبل القريب، وارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه.
- “هل ترغب في مقابلتهم، سيدي؟”
عندها أوقف جايها إصبعه الذي كان ينقر به سطح الطاولة وقال:
“نعم. عندما أعود إلى سيول، رتّبوا جدول اللقاء.”
- “حسنًا، سنجهز الأمور لعقد الاجتماع.”
كان هدف جايها هو دفع جيهان إلى الزاوية، وسحب أنفاسه ببطء حتى ينهار دون أن يجد وقتًا للتفكير المنطقي.
- “آه، هناك شيء آخر أود إبلاغك به لم يكن مستعجلاً، لذلك كنت سأعرضه عليك في الصباح…”
جاء صوته مترددًا من الطرف الآخر من السماعة.
نظر جايها إلى الساعة على المنضدة بجانبه، وكانت تشير إلى العاشرة مساءً.
فكّر أن “يوجين” ستعود قريبًا من الحمام، وتردد قليلاً، لكنه غيّر رأيه في النهاية.
لم يكن ليستطيع النوم وهو يشعر بالانزعاج.
“لا بأس، تكلم.”
- “الآنسة تشاي سورين، بعد نشر مقالكم الذي يرد على مزاعمها، يبدو أنها شعرت بالاستعجال حاولت حجز قاعة زفاف، وحدثت مشكلة هناك.”
أليست تلك المرأة تثير المشاكل أينما حلّت؟
استلقى جايها على الأريكة بعمق بينما استمع للتقرير العادي من السكرتير.
“أي نوع من المشاكل؟ وما الذي يهمنا في هذا؟”
سأله بصوت بارد، كمن لا يهتم.
- “المشكلة أن المكان هو فندق L.”
“فندق L؟ تقصد الفندق الذي يديره خالي؟”
- “نعم. بعد أن أخبروها أن مواعيد الزفاف ممتلئة، بدأت تتصرف بعناد ولولا تدخل المدير كيم في الوقت المناسب، لكان الوضع خرج عن السيطرة. بدا أنها قررت الأمر من تلقاء نفسها.”
أثناء استماعه للتقرير، انفجر جايها في ضحكة ساخرة.
أن تثير الفوضى في فندق تديره عائلته من ناحية الأم… كم هذا سخيف.
كان يعلم أن جيهان لا يتحمس كثيرًا لفكرة الزواج من سورين.
جيهان الذي كان متعلقًا بشدة بموقعه كخليفة، من الطبيعي ألا يرى سورين كشريكة مناسبة.
وربما كانت عجلة سورين لإتمام الزواج انعكاسًا لتلك البرودة من طرفه.
وبينما كان يستعد لإنهاء المكالمة، راود جايها مشهد مثير في ذهنه.
“أيها السكرتير هان تواصل مع فندق L واطلب منهم إتمام حجز الزفاف باسم الآنسة تشاي سورين، واطلب أن يقدموا لها أيضًا عشاءً خاصًا داخل الفندق، اعتذارًا لعدم التعرف على ضيفة رفيعة المستوى وقل إن ذلك بطلب شخصي مني.”
- “س- سيدي؟ حتى حفل العشاء؟”
سُمع صوت السكرتير وهو يلهث بدهشة، متأثرًا بمدى جرأة القرار.
وإذا كان السكرتير قد أُصيب بالدهشة، فكم ستكون ملامح المعنية بالأمر حين تعرف؟
“احجزوا الزفاف في التاريخ الذي تريده الآنسة سورين، لكن حفل العشاء اجعلوه في أقرب وقت ممكن.”
من المرجح أن سورين لن تستطيع رفض “اللفتة الكريمة” من الفندق الذي يظن أنها تود إكرام العائلتين قبل الزفاف.
“الأخ الأكبر عليه أن يتدخل من أجل شقيقه الوحيد، أليس كذلك؟”
كان من المزعج لجايها أن يرى جيهان يدور حول يوجين باستمرار.
رجل على وشك الزواج، ولا يزال يتطلع إلى نساء أخريات؟ هذا لا يجوز.
وكان يرى أن حفل العشاء المرتقب سيكون بمثابة اجتماع تعارف عائلي بين العروس والعريس.
وأنهى المكالمة عند هذا الحد.
“يبدو أن الوقت حان لنُسرع قليلاً.”
تشابك جايها ذراعيه وهو يفكر في زواجه من يوجين.
لا أصدق أن هذه هي الليلة الأخيرة.
لقد مرّ الوقت سريعًا في هذا المكان.
ولحسن الحظ، اختفى القلق من وجه يوجين الذي ظهر عندما وصلت إلى هنا، وبدا أنها استعادت هدوءها.
فكر جايها أن الوقت الذي قضياه هنا، رغم قصره، كان ذا معنى.
ابتسم ابتسامة خفيفة، ثم نظر إلى الساعة التي تجاوزت العاشرة.
وبينما كان يفكر أن يوجين ستعود من الحمام في أي لحظة—
في تلك اللحظة تمامًا، انفتح الباب المغلق بهدوء.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 56"