تلاطمت موجة كبيرة خارج حوض السباحة، ثم خرج “جايها” من تحت سطح الماء.
انحدرت المياه التي بلّلت شعره الأسود بالكامل على طول ذقنه.
“لماذا خرج فجأة…؟”
حين كان غارقًا تحت الماء، لم ألحظ ذلك، لكن مع انعكاس الضوء عليه، ظهر جسده شبه العاري بوضوح، ما جعلني أحدق لا إراديًا بجسده المنحوت، والذي لم أكن لأتوقعه، لأنه كان دائمًا مغطى بالقميص.
بدأت عيناي تتجولان من كتفيه العريضتين نزولًا عبر عضلاته المشدودة، وفجأة انتبهت حين سمعت صوته المنخفض.
“حقًا لن تنزلي؟”
سألني “جايها” وهو يفرغ الماء من شعره المبلل بنصف عينيه المغلقتين.
حين التقت عيناه السوداوان بعيني، شعرت وكأنني استعدت وعيي فجأة، فخفضت رأسي على عجل.
أدركت حينها أنني كنت أحدق فيه دون وعي، فابتلعت ريقي بصعوبة.
“سأجن.”
بدأ يقترب شيئًا فشيئًا من مكاني.
ومع كل خطوة منه، كانت المياه تنساب على بشرته لتترك آثارًا طويلة على أرضية الحوض.
“لماذا يقترب نحوي؟”
ضاعت عيناي تبحثان عن مكان أُثبت فيه نظري، وفي النهاية ارتميت في عمق السرير الشمسي .
لا أستطيع حتى إغلاق عيني، وبينما كنت أحدق بلا هدف في المظلة التي تحجب الشمس، إذا بـ “جايها” يقترب ويطوي المظلة فوقي.
بزوال الظل، انهمرت أشعة الشمس الحارقة، فغمضت عيني بتجهم.
“أريدك أن تنزلي معي الحوض كبير جدًا، وأنا وحدي فيه… الجو موحش.”
كان يلمع في وهج الشمس المنعكسة عليه، حتى أنني بالكاد استطعت النظر إليه.
إذا كان مجرد النظر إليه من الخارج هكذا يجعلني مرتبكة، فكيف لي أن أكون بجانبه في الماء؟
قلبي كان على وشك الانفجار.
“ألا تريدين؟”
حين لم أجب، عاد صوته يرن في أذني مجددًا.
“لا أنوي اللعب بالماء ثم إن الشمس تؤذيني يا “جايها”.”
لكنه لم يكترث لما قلته عن سطوع الشمس.
وأخيرًا، لم أعد أتحمل حرارة الشمس، فرفعت يدي لأحجب الضوء عن عيني.
عندها فقط، استطعت النظر إلى “جايها” الذي كان يحدق بي من الأعلى.
آه… ليتني لم أنظر إليه.
ندمت فورًا.
عيناه، المليئتان بالمرح، كانتا تتجهان إلي مباشرة.
وحين التقت نظراتنا، ارتسمت على شفتيه ابتسامة بدت وكأنه تذكر شيئًا طريفًا.
ابتسامته، التي كانت أكثر إشراقًا من أشعة الشمس خلفه، كانت مذهلة.
لكن تلك الابتسامة الساحرة جعلت قلبي ينبض بقلق.
إنها الابتسامة التي يظهرها حين يخطط لشيء ما.
“لماذا تبتسم؟”
“لا أدري… لماذا أبتسم برأيك؟”
أجابني بتلك النبرة الغامضة، وهو يقترب تدريجيًا من السرير الشمسي حيث كنت جالسة.
بدأ قلبي يخفق بسرعة مع ازدياد اقترابه.
لا يمكن… لا يكون يفكر فيما أظن!
“لا تريدين؟ أقول لك ألا أفعل؟ آه!”
حدث ذلك في لحظة.
فور أن عبرت عن رفضي، رفعني “جايها” فجأة في الهواء.
بينما كنت أضطرب فزعًا في الهواء، كان هو يضحك بهدوء كأن شيئًا لم يحدث.
شعرت أنني سأفقد توازني وأسقط، فتشبثت بعنقه.
“جايها! أنزلني!”
“سأنزلك.”
“حقًا؟”
نظرت إليه بشك، بينما كان لا يزال يحملني وتقدم إلى حافة حوض السباحة.
“قال إنه سينزلني…!”
حين أدركت فجأة أن الحوض كان قريبًا جدًا، تشبثت بعنقه أكثر.
هبت نسمة هواء خفيفة، فبدأ سطح الماء يتماوج بلطف.
يا لهذا المشهد الجميل، كم كان مرعبًا الآن!
عندما كان “جايها” في الحوض، كان الماء يصل إلى كتفيه تقريبًا.
“يبدو أن العمق كبير… كيف يكون حوض في فيلا بهذا الحجم؟!”
نظرت من الحوض إلى “جايها” مباشرة.
“ستُنزلني فعلًا، صحيح؟”
“نعم، سأنزلك… لكن لا أعرف أين!”
رغم صوته العذب الذي رن في أذني، كانت كلماته ساخرة.
شعرت أنه سيرميني في الحوض، فبدأت أحاول الإفلات من بين ذراعيه.
“لا تمزح! أرجوك، آه!”
“حسنًا، سأنزلك، فقط توقفي عن الحركة.”
لكن بالرغم من أنني كنت أحاول الهروب، اختل توازن “جايها”.
“آآآه!”
“انتظري! لا تتحركي…!”
أدركت متأخرة أن الأمور انحرفت عن مسارها، وبدأت أقاوم، لكن الأوان كان قد فات.
فقدنا التوازن وسقطنا في الحوض.
مع صوت الارتطام، غمرني الماء تمامًا وسُحبت إلى العمق.
“لا أجيد السباحة!”
كل ما كنت أفعله في المسابح هو اللهو في الأماكن الضحلة.
ورغم أنها مجرد بركة سباحة، فإنني فقدت تركيزي تمامًا من شدة التوتر، وخلت ذهني من أي فكرة.
كان علي الصعود، لكن سطح الماء بدأ يبتعد أكثر فأكثر.
وبينما كنت أغرق بلا توقف نحو القاع، أمسك “جايها” بي وسحبني إلى الأعلى.
ضمّ خصري بإحكام، وصعد بي بسرعة إلى سطح الماء.
وحين شعرت بالهواء مجددًا، زفرت النفس الذي كنت أحتبسه.
“فوه! كح كح.”
“هاه… قلت لك لا تتحركي هل أنتِ بخير؟”
“هاه… هذا قاسٍ جدًا!”
لم أستطع فتح عيني بسبب المياه المنهمرة على وجهي والشعر المبتل المتشابك.
وحين أدركت أن قدمي لا تلمسان الأرض، تشبثت أكثر بذراعه.
“أنا… لا تصل قدماي إلى القاع.”
“آه، لا تلمسان الأرض؟ هل الحوض عميق هكذا؟”
رغم أنني لم أكن أرى شيئًا بوضوح ولم أستطع الوقوف، كان صوته لا يزال يتردد في أذني.
“كنت أمزح فقط، لم أكن أنوي أن نسقط معًا حقًا.”
“……هاه.”
“ارخِ جسدك أنا ممسك بك.”
شدّ على خصرِي بذراعه التي كانت تعانقني.
كنت أعلم أن “ جايها” يمسك بي، لكن جسدي ظل متيبسًا تمامًا ولم أستطع الاسترخاء.
لم يكن هذا أمرًا يمكنني التحكم فيه بإرادتي.
“ماذا لو غرقتُ هكذا…؟”
“الإنسان لا بد أن يطفو على الماء إذا استمررتِ بهذه الوضعية، سأُرهق أيضًا.”
لم أكن أستطيع رؤية ما إن كان يبتسم أم لا.
لكن بسبب اقتراب جسدينا، كان فخذه أحيانًا يلامس ساقي.
فكرتُ بأنه يتحمل وزني أيضًا، وشعرتُ بالأسف.
رويدًا رويدًا، بدأت أرخِي جسدي ربما لأنني كنت في حضنه، فقد شعرت بالطمأنينة.
“أحسنتِ أغمضي عينيكِ سأُرتب لكِ كل شيء.”
اتبعتُ كلماته وأغمضتُ عيني.
ومع إغلاق عيني تمامًا، لم أعد أسمع سوى صوت الماء المتماوج بحركاته.
لم يمضِ وقت طويل حتى شعرت بيده تلامس وجنتي.
مجرد لمسة على الخد، لكنها جعلت خلايا جسدي بأكملها تنتفض كما لو أنها استيقظت من سبات.
على الرغم من أن الجو كان باردًا في الماء، فإن الأماكن التي لامستها يده صارت تحترق بحرارة.
من دون أن يعرف شيئًا، أخذ يزيح عني خصلات الشعر التي التصقت بوجهي وخلطها الماء.
“هل يمكنني فتح عيني الآن؟”
“ليس بعد لم أنتهِ من الترتيب بعد.”
أجاب بصوت مبحوح على سؤالي.
لم أعِ متى أصبحت يداه على خدي بدلاً من شعري، وكانت تداعبني بخفة.
أشعر وكأنني أستطيع فتح عيني الآن…
لكن عندما أردت فتحهما، ترددت.
منذ لحظة ما، أصبحتُ شديدة الوعي بـ”جايها”، وحتى أبسط لمساته باتت تؤثر بي بشكل مبالغ فيه.
شعرت بحرارة في المياه، وكل منطقة كان يلمسها كانت تشتعل دفئًا.
ثم فجأة، خطر ببالي أن أعرف ما نوع التعبير الذي يرتسم على وجهه الآن.
هل هو مستاء لأني قاومته وسقطت في الماء؟ أم أن رأسه أيضًا يعج بالأفكار المعقدة مثلي؟
حينما بدأت أفكاري تزداد تعقيدًا، ابتعدت يد “جايها” عن خدي.
“يمكني فتح عيني الآن، صحيح؟”
لم أستطع البقاء في الماء إلى الأبد، ففتحت عيني ببطء.
كانت رؤيتي ضبابية في البداية، ثم بدأت تتضح شيئًا فشيئًا حتى أصبح وجه “جايها” أمامي واضحًا تمامًا.
قلبي، الذي كان ينبض رويدًا رويدًا، بدأ يدق بقوة لدرجة أنني أصبحت أسمعه في أذني.
فكرة رؤيته بتلك الملامح جعلتني أشعر بتوتر شديد.
“…”
تلاقت أعيننا.
عيناه، التي كانت تحتوي صورتي، شدتني كما لو كنت أغوص في بحر عميق لا نهاية له.
تنفست بحدة لو كنت أعلم أن الأمور ستسير هكذا، لكان من الأفضل ألا أنظر إليه بل أن أُدير وجهي.
من خلال النظرات التي كان يرمقني بها، قرأت شهوة عارمة، فتراجعت قليلاً إلى الوراء.
“قلتُ لكِ، لا تتحركي هكذا.”
ثم انحنى ناحيتي وأخذ يحدق بي باستمرار.
لم أكن أعرف ماذا يريد، لذا رمشت فقط بعينيّ عدة مرات.
“عانقي عنقي.”
“لمَ… لماذا؟”
“لماذا؟ لأننا سنخرج من هنا.”
أخذ يدي المعلقة دون حراك ووضعها حول عنقه.
ثم أنزل يده التي كانت تعانق خصري وأسند بها فخذيّ الاثنتين.
وفي لحظة، ارتفع جسدي المغمور بالماء إلى خارج السطح.
وجدت نفسي فجأة في وضعية أنظر فيها إلى “جايها” من الأعلى.
لم يسبق لي أن نظرت إليه من الأعلى قط.
بسبب خروجه من الماء، كانت خصلات شعره مبللة ومجعدة.
من دون وعي، مددت يدي لأزيح عن عينيه خصلات الشعر المتدلية.
لأن بشرته امتصت الماء، كان وجهه يلمع بشفافية أكثر من أي وقت مضى.
وبينما كنت أُنزِل بصري ببطء على ملامحه، توقفت عند شفتيه.
شفاهه، التي بدت أكثر احمرارًا اليوم، تحركت قليلاً ثم فتحت.
“هل أنهيتِ جولتك في المشاهدة؟”
عندما سمعت صوته المنخفض، رفعت نظري إليه.
عيناه نصف المغلقتين التقتا بعيني.
ربما لأنه مبلل بالكامل، بدا “جايها” مثيرًا أكثر من المعتاد.
وعيناه السوداوان، اللتان كانت تنظران إلي، اشتد سوادهما فجأة.
وفي لحظة، خرج “جايها” من المسبح وهو لا يزال يحتضنني.
حتى بعدما جلست على حافة المسبح، لم يرفع عينيه عني.
“في مكان كهذا، ومع مظهر كهذا، كيف لكِ أن تكوني بهذا القدر من اللاوعي؟”
نظرت إلى حيث كان يحدق، فوجدت الملابس المبللة تلتصق بجسدي وتُبرز كل تفاصيله.
ولسوء الحظ، كانت ملابسي بيضاء، فبدت شفافة وكاشفة للبشرة تحته.
“لو لم تنظر إلى هذا الاتجاه، لما كانت هناك مشكلة، أليس كذلك؟”
يبدو أنه سمع تمتمتي المنخفضة، فابتسم بسخرية.
“وكيف لي ألا أنظر؟ أنا رجل أيضًا.”
عضضت شفتِي السفلى عند سماع كلماته الجريئة التي نطقها ببساطة تامة.
كلما قضيت وقتًا أطول مع “جايها”، انقلب الجو إلى أجواء غريبة أكثر.
ما أحتاجه لم يكن مشاعر بين رجل وامرأة، بل شريك يُكمل لي انتقامي كما يجب.
لكن كلما ازداد تشابكي مع “جايها”، بدأت أفكاري تبتعد عن الانتقام.
أصبحت أهتم بمظهري أمامه، وأتأثر بنظرته أو ابتسامته.
حتى حبيبته السابقة، كنت أتفاعل معها لنفس السبب.
كان من المفترض أن أكتفي بالتفكير: “كان هناك شخص عزيز على جايها.”
لكن كل أعصابي بقيت متوترة وموجهة نحو حبه الأول.
ليس لدي وقت لأعيش بهذا الشكل.
كانت لدي قناعة بأن علي التركيز على الانتقام فقط، لذا كانت فكرة الحب ترفًا لا أستحقه.
وفي الواقع، زواجي هذا لن يستمر طويلاً في أفضل الأحوال، سنة واحدة فقط.
بعد الانتهاء من الانتقام، سنتفرق كل في طريقه.
“جايها” سيستعيد مجموعة “هوجين”، أما أنا فسأبحث عن مدير محترف لإدارة مجموعة “دبليو”.
لكنني الوحيدة التي بدت مستعجلة.
عيناه، اللتان كانت ترتجف بداخلها مشاعر خاصة، كانت تتشابك بنظراتي.
كل الأحاسيس التي كنت قد دفنتها في أعماقي نحوه، بدأت تظهر فجأة.
الصدمة، الحيرة، وحتى الخيانة التي شعرت بها حين شاهدت ذلك الفيديو أول مرة.
لكن الآن، أكثر من كل تلك المشاعر المعقدة، كنت أجد “جايها” مثيرًا للغيظ.
لقد عرض لي، دون خجل، فيديو يقول فيه إنه يحب امرأة أخرى، وكان يعلم أنه سيتزوجني.
وفجأة، شعرت بالفضول كيف يبدو وجه هذا الرجل حين يكون في موقف محرج؟
مددت يدي، واحتضنت وجهه بكفيّ.
وعندما لمسته، بدأت عيناه تهتز بجنون.
“ماذا أفعل؟ كل هذا بسبب مزاحك، يا “سيو جايها”.”
“…”
“ثم إنك لست وحدك من كان في وضعٍ غير واعٍ.”
سحبت وجهه بين راحتي يدي نحو وجهي.
فجسده الذي كان في الماء التصق بي تمامًا.
لم يكن يتوقع أن أتصرف بهذا الشكل، فبقي فمه مفتوحًا نصف فتحة، غير قادر على إغلاقه.
مررت بإصبعي على شفتيه، التي لا تزال مبللة.
“من الآن فصاعدًا، حاول أن تكون أكثر حذرًا، يا جايها.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 55"