بعد انتهائه من الاستحمام، جلس “جايها” على الأريكة الموضوعة في وسط غرفة المعيشة الواسعة.
كان قد أمال رأسه إلى الخلف مستندًا على مسند الأريكة وأغمض عينيه.
ظل ما حدث قبل قليل أمام حوض الجلي يدور في رأس “جايها” بلا انقطاع.
لم تزل لمسة “يوجين” فوق قميصه المبلل الملتصق ببشرته حيّة في ذاكرته حتى الآن.
كانت تنظر إليه من أسفل، مرتدية بلوزتها المبللة، وكأنها تختبر صبره عن عمد.
«حقًا… لا تعرف الخوف.»
لو لم يلحظ نظرات “يوجين” عندما أدرك أنه لم يبقَ له مجال للتراجع بسبب التصاقه بالحوض، لكان قد التهم شفتيها الحمراوين المبتلتين دون تردد.
«مع أنها كانت تتفاداني بهذه البراعة…»
“جايها” كان يدرك أن “يوجين” كانت تتفاداه مؤخرًا.
رغم محاولتها التصرف كأن شيئًا لم يتغير، إلا أنه كان يشعر بوضوح باختلاف الأجواء عما كانت عليه من قبل.
«منذ متى بدأ الأمر…؟»
إن كان حدسه صائبًا، فقد بدأ ذلك منذ اللحظة التي سلّمها فيها تسجيل المقابلة التي صوّرها بعد عودته إلى البلاد.
وهذا يعني أنه بسبب ما ورد في ذلك التسجيل.
ولأنه يظن أنه يعرف ما قد تشعر به، ارتسمت على شفتي “جايها” ابتسامة خفيفة.
لكن ما لبث أن فتح عينيه عندما سمع وقع خطوات تقترب نحوه.
“هل كنت نائمًا؟”
“لا، كنت أفكر قليلاً.”
نهض “جايها”، وهو يفرك عينيه، واقترب من المكان الذي كانت “يوجين” واقفة فيه.
عندما رأته، وقد غيّر ملابسه إلى تيشيرت مريح، اتسعت عيناها دهشة.
“هل كنت قد أحضرت معك ملابس؟”
“أنا أحضرت، نعم.”
كاد “جايها” يضحك، لكنه بالكاد تمالك نفسه.
فقد رأى “يوجين” تخرج مرتدية رداء الحمام.
ولهذا، طلب من مدير الفيلا أن يجهّز له ملابس احتياطية، ليس فقط له، بل ولـ “يوجين” أيضًا.
وعندما رآها تدير وجهها بعيدًا، راوده شعور أنه يريد التفرّس في ملامحها تلك قليلًا بعد.
“أين غرفة النوم؟”
“…”
“الآن بعد أن فكّرت بالأمر، لم ألقِ نظرة على الغرف حين جئنا إلى المخيم مباشرة.”
لمّا لم تتلقَ “يوجين” إجابة على سؤالها عن غرفة النوم، بدأت تلمحه من طرف عينيها.
ربما بسبب أنها ترتدي رداء الحمام، أو بسبب ما حدث عند الحوض، لكنها لم تكن تجرؤ على النظر في عينيه.
«لكن يبدو أنها لا تزال تضعني في حسبانها.»
كان “جايها” يراقب “يوجين” بينما عقد ذراعيه أمام صدره.
هي، بلمسة واحدة، كانت تجعله يفقد صوابه، والآن، كانت تُضحكه بسرور.
مشاعره كانت أشبه بركوب قطار الملاهي، يتأرجح صعودًا وهبوطًا.
مرّت “يوجين” بصمت أمامه متجهة نحو الدرج.
“هل يمكنني استخدام أي غرفة؟ هناك عدة غرف، على ما يبدو.”
“أهمم… لا فغرفة النوم الوحيدة هنا واحدة فقط.”
توقفت “يوجين”، التي كانت تسبقه، فجأة بدهشة.
ثم التفتت إليه بسرعة قبل أن تكمل صعود الدرج.
“واحدة فقط؟”
عيناها، اللتان تخللهما الحيرة، بدأت بالاهتزاز.
كانت ملامحها تقول بوضوح: «كيف يكون في هذا القصر الكبير غرفة نوم واحدة فقط؟!»
“هذا غير منطقي.”
قالت “يوجين” وهي واقفة وسط الدرج بوجه مصدوم.
“توقف عن المزاح هذا المكان واسع جدًا!”
“أنا جاد يبدو أنك خُدعتِ طوال الوقت.”
رسم “جايها” ابتسامة مشاكسة على وجهه وهو يتذكر غرفة النوم الوحيدة.
لكن “يوجين” بدت وكأنها لم تصدّقه، فبدأت بفتح الأبواب واحدة تلو الأخرى وهي تقف قرب الدرج.
“تلك غرفة الدراسة، وتُستخدم أيضًا كمكان للقراءة.”
“في مكان مثل هذا، توجد غرفة دراسة؟”
كانت ما تزال تشكك، فرمقت الغرفة بنظرة سريعة ثم أغلقت الباب مجددًا.
“هل ستفعلين هذا مع كل الغرف؟”
“نعم يجب أن أراها بنفسي الوضع مريب.”
“ثمة أمور كثيرة أكثر ريبة من هذا.”
ضحك “جايها” بسخرية على ردها الحاسم.
مرت “يوجين” به، وهي واقفة في منتصف الردهة، وتوجهت نحو الباب المجاور.
من بين الغرف الأربع في الطابق الثاني، واحدة كانت غرفة الدراسة، وأخرى كانت الحمام الذي استحمت فيه قبل قليل.
“ليس تلك.”
“يوجين” كانت تبحث عن غرفة النوم، لكنها كانت تفتح الأبواب الخطأ واحدًا تلو الآخر.
لم يستطع “جايها” التحمل أكثر، فأشار لها نحو غرفة أخرى.
“هذه هي غرفة النوم.”
نظرت “يوجين” إلى الباب الذي أشار إليه، ثم نظرت إلى الباب الذي كان أمامها مباشرة.
ضاقت عيناها قليلاً، وظهرت فيهما لمحة فضول.
“سأبدأ بتفقد هذه الغرفة أولاً لا يُعقل ألا توجد غرفة نوم احتياطية في هذا القصر الكبير هذا مستحيل.”
ربما ظنت أنه يمزح، فتوجهت نحو الباب المغلق وهمّت بفتحه.
حينها، تقدم “جايها” الذي كان واقفًا على بُعد، وأمسك بيدها التي كانت تمسك بمقبض الباب، كي لا تفتحه.
تصرفه المفاجئ جعل “يوجين” تبتسم بلا صوت.
“من الأفضل ألا تفتحيه.”
“لماذا؟ أريد أن أفتحه.”
شدّت “يوجين” يدها أكثر على المقبض، لكن “جايها” هزّ رأسه رفضًا، بحزم.
الغرفة التي كانت تحاول دخولها، لم يكن يسمح بالدخول إليها، لا له ولا للخدم الذين يعملون في المكان.
“قل الحقيقة، أنت تمزح، أليس كذلك؟”
نظرتها المرتابة كانت تنفذ إلى “جايها”.
«مزاح، ها…»
لو علمت بأمر هذه الغرفة، لما رمقته بتلك النظرة التي تنم عن الشك.
ابتسم “جايها” وهو ينظر إليها وسحب يده عن المقبض.
“إذا استطعتِ فتحها، فافتحيها على أي حال، الباب مقفل.”
أدارت “يوجين” المقبض بعد سماعها ذلك.
لكن ما سُمِع فقط هو صوت الطقطقة عند دوران المقبض، ولم يُفتح الباب.
“مغلق فعلًا ألا توجد مفاتيح؟ أريد أن أراه.”
“لا، لا يمكن هذه الغرفة لها صاحب.”
كانت هذه الغرفة المغلقة مكانًا ثمينًا يعود إلى شخص عزيز طال الشوق إليه.
ارتسمت على وجه “جايها” ابتسامة مريرة مع طوفان الذكريات التي غمرته فجأة.
“لها صاحب؟”
بدت “يوجين” وكأنها تتساءل من يكون ذلك الشخص، لكنها لم تطرح السؤال.
ربما أدركت أن ثمة ظروفًا لا يمكن الحديث عنها.
“أجل، أجل فلنذهب إلى الغرفة التالية.”
ثم قاد “جايها” “يوجين” إلى غرفة النوم.
وعندما ألقت “يوجين” نظرة إلى الداخل، اتسعت عيناها بدهشة.
“ما هذا؟”
أشارت “يوجين” إلى السرير الموضوع قرب النافذة.
وبشكل أدق، إلى الملابس الموضوعة بعناية فوق السرير المغطى ببياض ناصع.
“ألم تقل إنه لا توجد ملابس احتياطية؟”
قالت ذلك وتقدمت بخطى واثقة نحو السرير.
وحين اقتربت، التقطت فستان المنزل المطوي بعناية ونظرت إليه بوجه يعلوه الذهول، ثم استدارت إليه.
«وأخيرًا تنظرين في عيني.»
نظر إليها جايها، وهي تقف أمامه وتنظر إليه مباشرة، وقد شعر بالرضا التام.
“هل صدقتِ ذلك؟ بعد أن جئتِ إلى هنا، هل تظنين أنني سأدعك بلا ملابس ترتدينها؟”
وأشار إلى علاقة الملابس البعيدة عن السرير.
وعلى تلك العلاقة كانت هناك ملابس معلقة بمختلف الأنواع.
“أنتِ تعرفين أنني منظم ودقيق.”
عندها فقط، عبست يوجين بعدما أدركت أنها خُدعت.
فأخرجت صوتًا ممتعضًا وقد بدت نبرتها مظلومة، وقالت:
“كان عليك أن تخبرني! ظللت أتجول بروب الحمام طوال الوقت كم كان الأمر محرجًا.”
“أنا أحب شكلك الآن.”
ربما لأنها بلا مساحيق تجميل، فقد بدت حمرة وجنتيها أكثر وضوحًا.
وبشرتها المبللة الخارجة من الحمام كانت تشعّ بصفاء لم تره من قبل.
كان وجهها المتورد مغريًا إلى حد أراد فيه أن يمد يده ويلمس وجنتها.
“أنتِ الأجمل الآن من بين كل الصور التي رأيتكِ بها.”
ابتلعت يوجين ريقها بصمت عند سماع ذلك.
ولم تكن تعلم أن حتى توترها ذاك يبدو له جميلاً.
وكلما ازداد التفكير، اشتد الشعور بعطش لا يُحتمل، فتقدم منها رويدًا رويدًا.
“وكما ترين، ليس هناك سوى سرير واحد، فلا خيار أمامنا.”
وفي النهاية، لم يستطع جايها مقاومة اندفاعه، فمدّ يده بلطف ليلامس وجنتها بحنان.
وبينما كان يشعر بدفء حرارتها على أطراف أصابعه، ارتسمت ابتسامة على وجهه.
“هل ننام معًا الليلة؟”
***
بعد مغادرة يوجين مع جايها، شرعت السيدة أوه في احتساء الويسكي دون توقف.
لكن غضبها الذي كان يغلي لم يخمد بعد.
كانت يوجين قد سخرت منها بوجه مبتسم رغم علمها أن جايها ابن زوجته السابقة.
ونظرات عينيها حين التقيا كانت لامعة بوقاحة.
يوجين، كما كانت دائمًا، لم تكن ممن يشيح بنظره أولًا.
وطبعها المتعالي كان ظاهرًا في كل تصرف، وهذا ما كان يثير غيظ السيدة أوه بشدة.
“فتاة تافهة، ترفض عرضي؟”
رغم كونها الوريثة الوحيدة لمجموعة W، إلا أنها الآن أصبحت كمن لا سند له بعد أن فقدت أهلها.
نظرت إلى مائدة الطعام العامرة أمامها، وأخذت تعض شفتيها.
لقاؤها مع يوجين انتهى بلا جدوى.
لقد جاءت إلى كوريا مخاطرةً من أجل إصلاح العلاقة بين جيهان ويوجين.
لكن مجرد التفكير في مدى غضب رئيس مجلس الإدارة سوه حين يعلم بعودتها جعلها تشعر بالدوار.
«ألم يحن الوقت لذلك العجوز أن يغفر لي؟»
ذلك الطبع القاسي العنيد…
تذكرت نظرات السيد سوه التي كانت تنضح بالاحتقار كلما نظر إليها، فعبست في وجهها.
وكانت تسكب مزيدًا من الويسكي في كأسها الفارغ عندما سمعت وقع خطوات تقترب من المدخل،
ليتوقف شخص ما أمامها.
“تلك الفتاة ما زالت وقحة كعادتها.”
قالت السيدة أوه ذلك دون أن ترفع رأسها، وهي تفرغ الكأس في فمها.
أما جيهان، الذي جلس أمامها، فقد ملأ كأسه الفارغة.
“لقد قلت لكِ ألا تلتقي بها.”
“وكيف لا ألتقيها؟ ابني الوحيد تم فسخ خطبته!”
“مجرد قولك لها أن تعود لن يجعلها تفعل لو كانت شخصًا يمكن التفاهم معه، لما حدث كل هذا.”
ضحك جيهان ساخرًا وهو يتذكر كيف لم تُبدِ يوجين أي تردد أمام محاولاته لاسترضائها.
ثم سكب الويسكي في الكأس المجاور واحتساه على الفور.
“ليس وقت الضحك، المدير سوه سمعت أن فسخ الخطوبة ألحق ضررًا كبيرًا بعلامة الحُلم.”
“صحيح فقد كانت تحمل شعار دعم الأزواج الجدد وتكوين الأسرة.”
“وهل لديكم خطة بديلة؟”
لم تكن تتوقع أن ينشروا خبر فسخ الخطوبة بهذه السرعة، وكأنهم كانوا ينتظرون لحظة إطلاق العلامة.
تذكر جيهان تلك اللحظة جعل حلقه جافًا.
“صحيح أن السمعة انهارت، لكنها لم تصل إلى درجة المقاطعة في الوقت الراهن، الحل الوحيد هو إنجاح مشروعنا الجديد.”
أجابت بهدوء كأن الأمر لا يعنيها، لكن السيدة أوه أدركت أن ذلك لا يعكس حقيقة ما في داخلها.
وبينما كانت تنظر إلى جيهان بعين خبيرة، تنهدت بعمق.
“يوجين… تلك الفتاة ليست سهلة أبدًا.”
“……لقد تغيّرت كثيرًا.”
أقرّ جيهان بكلامها.
في مرحلة ما، أصبحت يوجين شخصًا مختلفًا تمامًا عما عرفه.
«ليست تغيّرت فحسب، بل أصبحت شخصًا آخر.»
تلك القسوة التي ظهرت عليها كانت جديدة عليه تمامًا.
كلما تذكرها، شعر بضيق في صدره، فسارع إلى ملء كأسه مجددًا.
“سمعت أن الاثنين توجّها إلى فيلا جايها.”
“أي اثنين؟”
“من تظن؟ سيو جايها ذلك الوغد يبدو أنه عرف أن يوجين هنا، وجاء إلى هاننام دون أن يخطئ الطريق.”
توقف جيهان عن رفع كأسه وقد بدت عليه علامات الدهشة.
على ما يبدو، لم يكن يعلم أن جايها جاء للبحث عن يوجين.
“تقولين إنهما ذهبا إلى الفيلا معًا؟”
“نعم الفيلا التي ورثها من أمه لا أعلم إن كانا يتلاعبان بمشاعرهما أم هناك أمر آخر في الخفاء.”
ومع استمرار حديثها، تلألأت عينا جيهان بحدة حادة .
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 53"