بعد انتهاء مراسم الجنازة كلها، فتح جيهان باب مقعد السائق بصمت.
كنت على وشك المرور بسيارته متوجهة إلى سيارة العمّ هيونيك التي كانت مركونة على مقربة.
“اصعدي.”
أوقف صوت جيهان المنخفض خطواتي.
كان يشير بذقنه إلى المقعد الأمامي الفارغ موجهاً إشارته إليّ، وهو ممسك بباب السيارة.
“سأذهب وحدي.”
“اصعدي، فقط لدي ما أريد قوله لك.”
ابتسمت ابتسامة خفيفة لعمي الذي كان ينظر إليّ بقلق، وكأني أقول له إنني بخير.
حتى بعد أن جلست في المقعد الأمامي، ظل جيهان يحدق إلى الأمام بصمت.
“هل ستذهبين إلى منزل الزوجية؟”
“لا سأذهب إلى منزل العائلة في سيونغبوك-دونغ.”
[ ملاحظة للي ما فهم منزل الزوجية (신혼집) هو المكان الذي يفترض أن يعيش فيه الزوجان معًا بعد الزواج، منزل العائلة (본가) هو المكان الذي يعود إليه الشخص ليكون مع عائلته الأصلية (والديه) أو حيث نشأ ، في هذا النص تتكلم البطلة عن الذهاب إلى منزل عائلتها الأصلي بدلاً من منزل الزوجية الذي يفترض أن يكون مكانًا للعيش مع زوجها بعد الزواج. ]
“…لماذا إلى منزل العائلة؟”
عندها فقط التفت جيهان ليقابل نظري.
“لا بد أن الأمر يتعلق بذلك التمسك السخيف بالشكل.”
هزّ رأسه وكأنه ضاق ذرعاً بنظرتي الحاسمة التي لم تتراجع قيد أنملة.
كان مضحكاً أنه يظن أن ما أفعله سببه المظهر العام فقط.
ماذا لو أعلنت له فسخ الخطوبة رسمياً قريباً؟
بالتأكيد سترتسم ملامح وجه مشوهة على وجهه.
سيشعر كأن فأساً ضرب قدمه من حيث لم يتوقع.
ولأجل رؤية ذلك الوجه المضحك، ربما يجدر بي أن أتحلى ببعض الصبر.
“إن كان سبب انزعاجك هو أنا، فاذهبي إلى منزل الزوجية سأكون خارج.”
“حسناً، إذاً.”
في الحقيقة، لم أكن مستعدة لمواجهة آثار عائلته التي لا بد أنها لا تزال باقية في منزل العائلة، لذا أومأت على مضض.
وفي طريقنا إلى منزل الزوجية، لم ينبس جيهان ببنت شفة.
وبعد مسافة طويلة من القيادة، توقفت سيارة جيهان تدريجياً عند دخولها مجمع الشقق المألوف.
كنت على وشك النزول دون أن أقول شكراً، إذ لم أرغب حتى في ذلك.
“انتظري، لنتحدث قليلاً.”
“تحدث، إن كان لديك ما تقوله.”
عدت لأواجهه بعدما كنت على وشك النزول، ونظرت في عينيه.
من طريقته في فك ربطة عنقه شعرت بكمية الضيق الذي يعتمل في داخله.
“هل كان لا بد أن تحرجيني بهذا الشكل اليوم؟”
“…إحراج؟”
كان وجهه المتجمد يوحي بأنه يتحدث عن اجتماع الجمعية العمومية للمساهمين.
“ما دمت أنا موجوداً، لماذا تتكبدين عناء القيام بالأعمال الشاقة؟ إدارة الشركة ليست بتلك السهولة.”
“…”
“إن لم تنوي العمل في الشركة بنفسك، فعليك أن تندمجي مع شركة هوجين فأنت ستصبحين فرداً من عائلة هوجين على أية حال.”
بدا كمن ينبح.
حتى نباحه كان بليغاً بطريقة مثيرة للسخرية.
لم أرَ في كلامه ما يستحق الرد، فاكتفيت بالنظر إليه بصمت.
“لن تستطيعي وحدك التعامل مع كبار السن في الجمعية العمومية.”
“سأتولى الأمر بنفسي.”
“هاه، يون يوجين! أولئك قضوا عقوداً في هذا المجال ماذا ستفعلين أمامهم وأنت لا تعرفين شيئاً؟”
عندما لم أظهر تجاوباً، استشاط جيهان غضباً وأمسك بكتفيّ.
وعندما عبست من شدة الألم، أفلت يده أخيراً.
“ثقي بي أنا من سيكون زوجك بل اعتبريني زوجك منذ الآن.”
بسبب ثقتي بذلك الزوج، ماذا جرى لنسختي السابقة يا تُرى؟
“أنتِ ذكية.”
لا أعلم إن كانت تلك محاولة لإرضائي، لكنه أخذ يهمس بكلمات معسولة يطلب فيها أن أثق به.
“إن أحسنت أنا، ستنتفعين أنت أيضاً نحن زوجان.”
“زوجان، تقول…”
“نعم، زوجان يبدو أن علينا تسجيل الزواج في أقرب وقت لا أرتاح لتركك وحدك.”
سبب قلقه ليس أنا، بل الثروة الهائلة التي أملكها بين يديّ.
وأيضاً علاقته مع تشاي سيو رين التي قد تنكشف في أية لحظة.
ابتسمت له بينما كان يمرر يده على شعره المتساقط، وقد بدا عليه التوتر.
لا شك أنه حصل على وعد بالاندماج من خلال صفقته مع نائب الرئيس كيم يونغ مين.
فبمجرد زواجنا، وإن وافقتُ أنا، سيلتهم شركة “دبليو” في لحظة.
…كما حدث في الماضي.
في الماضي، كنت أصدق كل ما يقوله جيهان دون تردد.
كنت أظن أن هذا ما يجب عليّ فعله كزوجة تنتمي إلى عائلة هوجين، واعتقدت أنه دوري الذي ينبغي أن أتحمله.
وبسبب خضوعي ذاك، بات جيهان يظن أن اللعبة رُبحت بالكامل.
لكن، لم يعد الأمر كذلك.
لقد قررت أن أتغير، وسأغير المستقبل.
لن أكون ألعوبة بين جيهان وتشاي سيو رين مجدداً.
“أنت محق ربما يجب أن تكون في الجمعية العمومية، جيهان.”
“فكرة صائبة لا تقلقي.”
ابتسم جيهان وهو يعانقني، بعد أن سمع مني أخيراً ما أراد سماعه.
ورغم أن يدي المرتجفة تمسكت بطرف الفستان، تحملت الوضع بصعوبة.
“لا تفكري في شيء، فقط ارتاحي أنا سأتولى الأمور المعقدة.”
حتى لحظة دخولي إلى الشقة من السيارة، ظل قلبي يخفق بقوة.
وفي المصعد، انفجرت في داخلي مراراً غصّة مريرة بسبب ابتسامته المصطنعة.
عندما أضيئت الأنوار في البيت، انكشف المكان الذي غمره الهواء البارد.
كان كل شيء فيه جديداً ونظيفاً، كما لو أنه منزل عروس حديث.
مرّت في خاطري خمس سنوات قضيتها معه في هذا المكان، كشريط سريع.
“زوجان؟”
تناولت صورة زفاف موضوعة على رف في غرفة المعيشة.
ووضعت يدي على الحائط وأنا أتنفس بصعوبة، غير قادرة على كتم الغضب الذي كاد ينفجر.
“زوجان، تقول؟”
رفعت الإطار عالياً مدفوعة بعاطفة مفاجئة.
لكن قبل أن ألقي به على الأرض، لمحت نفسي ممسكة بيده في الصورة.
كنت أبتسم بسعادة بالغة.
شعرت بخيبة أمل كبيرة فأعدت الإطار ببطء إلى مكانه.
“…لا تضحكني.”
أغمضت عينيّ اللتين أخذتا ترتجفان وكأنهما على وشك التشنج.
“سو جيهان، لا مجال لأن نتزوج مجدداً.”
فتحت عينيّ بعد أن أغمضتهما.
ثم أخذت كل الإطارات الموضوعة على الرف وألقيت بها في سلة المهملات.
وكان وجه جيهان المبتسم في الصور يتراءى لي فوق الإطارات الملقاة في السلة.
“أبداً.”
ارتسمت ابتسامة ملتوية على وجهي، وأنا أتخيل وجهه حين يعلم الحقيقة وينهار.
.
.
.
بعد ليلة بلا نوم، جلست من فراشي مع شروق الشمس.
وعندما رأيت غرفة الملابس الممتلئة بالملابس المنزلية والأزياء البسيطة، أدركت حقاً أنني عدت.
“متى امتلأت هذه الملابس؟”
رغم أنه لم يأتِ إلى منزل الزوجية من قبل.
تنهدت بعمق وأنا أنظر إلى الملابس التي من المؤكد أن سكرتير قد وضعها هنا.
الملابس المعلقة التي اشتراها لي في خزانة الملابس جعلتني أشعر وكأنني نسخة مصنوعة وفق مقاييسه.
“عليّ أن أتخلص منها كلها.”
وأخيراً، خطوت باتجاه المتجر.
***
حينما واصلت المشي بلا هدف، وجدت نفسي أمام المتجر الذي اعتدت ارتياده في أيام عملي كمذيعة.
وبالرغم من أنني لم أزر المتجر منذ فترة طويلة، فقد تعرفت عليّ المديرة واقتربت مني بابتسامة دافئة.
“أوه، المذيعة يون! أليس هذا غياباً طويلاً للغاية؟”
بعد حفل الخطوبة، مرّ أكثر من عام منذ أن أخذت إجازة من وظيفة المذيعة ، ومع ذلك، كانت هي المديرة الوحيدة التي لا تزال تناديني بلقب المذيعة الذي كنت أستخدمه في تلك الفترة.
ابتسمت لها، وهي ترحب بي رغم قلة زيارتي.
“مر وقت طويل، أليس كذلك، مديرة؟”
“بالضبط! ما الذي جاء بك إلى متجرنا؟ هل هو سورلما، ربما؟”
كان ذلك من العلامات التجارية التي كنت أرتديها كثيراً خلال فترة عملي كمذيعة.
لوّحت بيدي إلى المديرة التي نظرت إليّ وكأنها تسأل إن كان ظنها صحيحاً.
“كلا، لم أقرر شيئاً بعد.”
“أوه، يبدو أنك تفكرين في الأمر! سيكون من الرائع أن تعودي إلى التلفاز، آنسة يون حينها ستزورين متجرنا كثيراً، أليس كذلك؟”
كنت أنوي بالفعل التلميح إلى مدير القسم برغبتي في العودة قريباً.
وبينما كنا نتحدث عند مدخل المتجر، تقدمنا إلى الداخل وهناك، لمحت امرأة تجلس على الأريكة في الزاوية.
“تلك السيدة هي مذيعة الطقس في قناة KBC ألا تعرفينها؟”
رأيت ظهرها المألوف، وأدركت فوراً من تكون، فتجهم وجهي من غير قصد.
تشاي سو رين.
وكأن في كوريا متجر واحد فقط.
لماذا نلتقي بهذه الطريقة باستمرار؟
“لقد كانت سعيدة جداً عندما سمعت أنها ستصبح مذيعة أخبار هذه المرة علامتنا التجارية تزداد شهرة بفضل المذيعات.”
تشاي سو رين مذيعة أخبار؟ لا يمكن.
في قناة محافظة كـKBC، من شبه المستحيل أن تصبح مذيعة الطقس مذيعة أخبار دون دعم قوي من الخلفية خصوصاً مع شخص مثلها لا يملك ما يميّزه.
سرت بخطى ثابتة نحو سورين، والكعب العالي يطرق الأرض.
“تبدو أنكِ كنتِ تتسوقين، أليس كذلك؟”
سألتها باستغراب، فوجودها في متجر فاخر كهذا أثار دهشتي.
نظرت إلى الملابس التي اختارتها بطرف عيني لا تقل عن عدة ملايين من الوون.
“أه، أختي… ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟”
“أوه، أنتما تعرفان بعضكما؟ لا عجب، فكلتُكما من KBC، صحيح؟”
فوجئت بصوتي المفاجئ ونظرت إليّ مذعورة.
عيناها المستديرتان كشفتا مدى ارتباكها.
اقتربت المديرة أيضاً، وتحدثت مع سورين وكأنها تعرفها من قبل.
“إنها زميلتي المقربة.”
“كنت أتوقع ذلك تفضلا بالحديث براحتكما.”
تمتمت بشيء لموظفة كانت بجانب سورين، ثم غادرت المديرة المكان.
رأيت الكتالوج مفتوحاً على الطاولة وجهاز الدفع الإلكتروني يحمل بطاقة أرجوانية.
بطاقة لا يمكن تحملها براتب سورين.
“بطاقة أرجوانية؟ هل تستطيعين استخدام هذه؟”
كانت البطاقة مخصصة فقط للعملاء من فئة الـVVIP، وهي الفئة العليا الـ5% في متجر دبيلو.
مدّت سورين يدها إلى البطاقة في جهاز الدفع وكأنها تحاول إخفاءها.
“ذا… ذلك…”
أخذت البطاقة من يد الموظفة، وقرأت الاسم المنقوش عليها.
“سو جيهان؟ لماذا بطاقة خطيبي هنا؟”
تماماً كما توقعت.
بمجرد أن نطقت بكلمات لا تُصدق، كانو الموظفون يتلفتون وكأنهم يحاولون استيعاب ما يحدث.
حتى البطاقة أعطاها لها، وقبل الزواج.
لا أستطيع حتى تخيل متى بدأ الاثنان في الالتقاء.
رأيت ارتباك سورين في عينيها المرتجفتين ووجهها المتوتر.
من المؤكد أنها شعرت بالخوف من انكشاف علاقتها بسو جيهان.
“آه.”
قمعت الغضب الذي بدأ يغلي داخلي، وابتسمت بدلاً من ذلك بتأنٍ.
“قلت له ألا يفعل هذا إنه عنيد فعلاً.”
“……”
“سألني إن كنت أحتاج شيئاً، ويبدو أنه طلب منكِ المساعدة هذه المرة، يريد إهدائي بعض الملابس؟”
ابتسمت للموظفة المندهشة، وبدأت أتفقد الملابس التي اختارتها سورين واحدة تلو الأخرى.
كلما انزلقت قطعة على الطاولة، ازداد توتر وجه سورين.
“أنا لا أحب النقشات الصاخبة كهذه يبدو أن سورين قد اختلط عليها الأمر.”
“هاه…”
خرج صوتها كأنين حاد من بين شفتيها.
“تفضلي.”
أعدت البطاقة إلى الموظفة بابتسامة.
“آه، هل نُكمل الشراء كما هو؟”
سألت الموظفة المرتبكة.
“كلا، أرجو استرجاع كل شيء.”
نظرت إلى أكوام الملابس المتناثرة على الطاولة يبدو أنها من العلامة المفضلة لسورين.
“كـ… كلها؟”
حدّقت الموظفة بسورين وكأنها تسألها ماذا تفعل، بينما عضّت سورين على شفتيها وأدارت رأسها بعنف.
لا بد أنها غاضبة، لا بد أنها تشعر بالإهانة.
“سورين، لا بأس، صحيح؟ سأختار أغراضي بنفسي.”
ربتّ على كتفها بنبرة تحمل القلق.
وكلما تحدثت، ازداد وجهها احمراراً من شدة الإحراج.
“كما تريدين… فهي لكِ يا أختي.”
قالتها وهي تحاول أن تبتسم، لكن صوتها المرتجف كان مليئاً بالخزي.
أخذت البطاقة مجدداً من الموظفة، وقالت:
“سأرحل الآن.”
راقبتها وهي تلمّ أمتعتها بسرعة من على الأريكة، ثم جلست بهدوء بجانبها.
“بالمناسبة، سمعت أنكِ ستصبحين مذيعة أخبار.”
“ك… كيف عرفتِ؟”
توقفت سورين عن حزم أشيائها، ونظرت إليّ بدهشة.
عيناها المتقلبتان كشفتا خوفها، وشفتاها كانتا ترتجفان وكأنها أُمسكت وهي ترتكب جرماً.
سو جيهان إذًا… هو داعمكِ.
مع ردّ فعلها هذا، تحوّل شكي إلى يقين.
مؤسف… لن تصبحي مذيعة أبداً، حتى لو متِّ ثم عدت للحياة.
لأنني سأعود إلى ذاك المقعد.
“لا شيء يخفى عليّ، سورين سنلتقي مجدداً قريباً.”
ارتسمت ابتسامة باردة على وجهي.
“وداعاً.”
شحب وجه سورين أمام عيني، ثم أدارت ظهرها وهربت من دون أن تنبس بكلمة.
حينها فقط، أدرت وجهي.
كانت طريقتها في الهروب مثيرة للضحك، ففتحت الكتالوج وابتسمت.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 5"