“ماذا؟ عمّ تتحدث بالضبط؟”
رغم أنني سألت عن قصد “جايها”، إلا أن التوتر الغريب الذي شعرت به جعل صوتي يرتجف خفيفًا.
كان قلبي يخفق بشدة، خشية أن يكون يقصد ما حدث في تلك الليلة.
كان يحدق بي بصمت، كأنه استشعر توتري.
ومع استمرار صمته، شعرت بأن حلقي بدأ يجف تدريجيًا.
“اتفقنا على أن تفكري وتجيبي، هل سنعيش معًا أم ستبقين بمفردك.”
“آه…”
“هل كان يقصد هذا؟”
تنهدت بارتياح دون أن يشعر.
“لذا، اختاري أحد الخيارين. إن كنتِ تشعرين بالذنب، فعيشي معي، أو ابقي هنا بمفردك.”
تذكّرت حينها أن “جايها” طلب مني الاختيار بين الخيارين.
كنت قد نسيت ذلك تمامًا.
لقد انشغلت طوال اليوم بالمقال والفضيحة حتى أنني نسيت سؤاله.
يبدو أن “جايها” لاحظ ارتباكي وفهم أنني نسيت، فضاقت عيناه.
“أرأيتِ؟ من تعبير وجهك عرفت أنك نسيتي.”
“أنا آسفة كان اليوم فوضويًا جدًا ولم أجد وقتًا للتفكير في الأمر.”
بدا عليه الانزعاج من كوني نسيت، وانخفضت زاوية فمه التي كانت مرفوعة قبل قليل.
ولوهلة، شعرت بالأسف لرؤية هذا التعبير على وجهه، لكنني لم أتمالك نفسي وانفجرت ضاحكة.
“آه، لماذا تضحكين؟ هذا ليس وقتًا مناسبًا للضحك، يا يون يوجين.”
“لا، فقط… تعبير وجهك كان مضحكًا همم، آسفة هل رأيت المقال؟”
“قرأت كل شيء ومررته للمحامي باك.”
اندهشت عندما قال إنه أرسله للعم “هيونيك”.
بما أنني ذهبت مباشرة لمقابلة “جابها ” بعد خروجي من مكتب المدير، لم يكن لدي وقت لأخبره.
أدركت مرة أخرى كم أنه يهتم بي ويهتم بأدق التفاصيل.
“أخبرتَ المحامي باك؟ كنت مشغولة بعد تلقي الاتصال بعد الظهر، فنسيت.”
“كنت أتوقع ذلك وهذا من مهامي أن أتابع هذه الأمور.”
“شكرًا لك حقًا.”
ابتسمت له ابتسامة مشرقة رداً على ابتسامته غير المبالية، وكأن ما فعله لا يُذكر.
كانت كلمات الشكر التي أوجهها له دائمًا صادقة.
فلولاه، لما كنت أستطيع الضحك الآن.
لولا وجوده، لكنت أعيش حياة تعيسة تستهلكني رغبة الانتقام.
“لا داعي للشكر على شيء بسيط كهذا.”
لبرهة، مرّ تعبير غريب على وجه “جابها”.
ثم صحح صوته المنخفض وحرّك نظره بعيدًا عني.
“على أي حال، شعرت بالحزن الشديد عندما رأيت المقال.”
قال ذلك بنبرة غير راضية وهو يخرج هاتفه.
حين نطق بذلك، تذكرت مقال الفضيحة الذي شغل وسائل الإعلام طوال اليوم.
“انظري، هناك كومة من المقالات، ولا واحد منها صادق.”
كما قال، لم يكن هناك مقال واحد صادق بين تلك المقالات التي انهالت.
كنت أتفهم تمامًا ما يشعر به.
“التقى الاثنان في أماكن خاصة نائية أو ترددا على منزل أحدهما.”
بدأ يقرأ المقال بصوت عالٍ.
ثم لف ذراعه الأخرى حول خصري، كأنه يمنعني من التراجع.
عندما تسللت يده إلى خصري، شهقت دون وعي.
“الاثنان واصلا علاقة غير لائقة في الخفاء بعيدًا عن أعين الناس لفترة طويلة انظري لهذا.”
مع كل حركة خفيفة من يده أثناء قراءته، كان جسدي يرتجف تلقائيًا.
ويبدو أنه لاحظ ارتجافي، فالتقت نظراتنا في الهواء.
أنا بالكاد أستطيع التنفس بحرية.
أما هو، فابتسامة ماكرة كانت ترتسم على شفتيه وكأن الأمر مسلٍ.
“يقول إننا كنا على علاقة غير لائقة منذ وقت طويل ما رأيكِ بهذا الجزء؟”
“……”
“هل قمنا بشيء سيء لا يجوز الحديث عنه؟”
منذ أن شعرت بلمسته على خصري، لم أعد أستطيع التركيز على الحديث.
قلبي كان ينبض بعنف منذ وقت، وذهني أصبح خاليًا كصفحة بيضاء.
كل ما فكرت به هو أن أخرج من بين ذراعيه بأي طريقة.
لكن نظراته المليئة باللعب تشير إلى أنه لا ينوي إخلاء السبيل.
“ما رأيي؟ في الحقيقة، ليس لدي… آه، سيد سو جايها، هلّا أبعدت يدك هذه أولًا؟”
لم أعد أتحمل، فأمسكت يده التي كانت تحيط بي بإحكام.
كان الأمر أشبه بأني مقيدة بقيوده، ولم أعد أستطيع الحراك.
“ما الذي يحدث؟ هذا القرب الزائد…”
منذ الأمس، بدا أن “جايها” أصبح أكثر راحة في لمساته.
أما أنا، فما زلت أتوتر لمجرد أنظر في عينيه.
“هل أنا الوحيدة التي أشعر بهذا التوتر؟ لا أستطيع النظر إليه.”
بينما كنت أشعر بكل شيء، بدا “جايها” طبيعيًا تمامًا، مما جعلني أشعر بغرابة.
وكانت أنفاسي ترتجف كلما تحدث، لدرجة أن أنفي شعر بلمسة أنفاسه.
“سأجن…”
وفوق كل شيء، كان قلبي مضطربًا خوفًا من تكرار ما حدث بالأمس.
رغم أنني طلبت منه أن يبعد يده، إلا أنه لم يتحرك.
نظرت إلى الأسفل، ثم وضعت يدي فوق يده لأبعدها.
“لا أظن أنني أستطيع التحمل بعد الآن.”
“نعم؟!”
فوجئت حين تسللت كلماته إلى أذني وأنا أحاول إبعاد يده.
عندما التقت نظراتنا، شعرت بأن قلبي يسقط من مكانه.
“أريد أن أسمع منك الآن، يون يوجين، أنكِ ستعيشين معي.”
“……”
“بما أن المقالات كلها أكاذيب، يجب أن نجعل واحدة منها على الأقل حقيقية، كي لا نشعر بالظلم.”
حينها فقط، وضع هاتفه جانبًا.
“لذا، أجيبيني.”
ثم سألني مجددًا بنظرة حازمة تدل على أنه لن يترك الأمر دون جواب.
“هل ستعيشين معي، أم نتابع علاقتنا سرًا كما تقول المقالات؟”
“أنا… لا، لحظة فقط. لماذا الخياران محصوران بهذين فقط؟”
لم أكن قد قررت بعد، وسؤاله المباشر جعلني أزداد ارتباكًا.
“لكن… ألم نكن نتحدث قبل قليل عن خيار العيش معًا أو العيش بمفردي؟”
“لكن الآن نبرة الخيارات اختلفت كليًا.”
ما الذي أدخله خيار العلاقة السرية فجأة؟
رفعت نظري إليه كأنني أطلب تفسيرًا، لكنه فقط كان ينظر إليّ بصمت.
لم يقل شيئًا، ونظرته الثابتة جعلتني لا أعرف كيف أتصرف، فبقيت أفتح فمي وأغلقه دون كلام.
“دائمًا يفعل هذا.”
نظراته تلك، التي لا أعرف إن كانت حقيقية أم مزاح، تشدّ الأعصاب.
“أريد فقط الهرب.”
رغم أنني أفكر في الهرب، قلبي ينبض بشدة حتى خشيت أن يسمع صوته.
أدركت فجأة أنه لم يعد هناك مكان أفرّ إليه.
وفي تلك اللحظة التي شعرت فيها وكأنني هُزمت مجددًا، بدأ “جايها” يتكلم.
“فكرت، ووجدت أن الخيارات السابقة كانت سيئة.”
نظرته التي كانت تتابع وجهي بتسلية أصبحت أعمق.
وابتسامته الخفيفة اختفت شيئًا فشيئًا.
“بغض النظر عمّا تختارينه، أريد فقط أن تكوني في المكان الذي تقع عليه عيناي.”
“…لماذا؟”
لم أستطع أن أزيح عيني عن نظرته التي أصبحت عميقة كسواد الليل.
رغم أنني سألته “لماذا؟”، لم يرد فورًا.
“لأني، رغم أنني لا أبدو هكذا، إلا أنني متسرع في طبعي، وأخشى أن تقعي في مشاكل وأتساءل إن كنتِ تأكلين جيدًا أم لا، وأشياء صغيرة كهذه.”
“……”
“أتساءل إن كان كل ما يشغلك هو الانتقام وأتساءل أكثر، وأقلق، وأشعر أنني أفكر بك طوال اليوم.”
ذهني أصبح خاليًا تمامًا.
هل يعرف ما الذي يقوله الآن؟ هل يدرك معنى هذه الكلمات؟
بينما كنت أنظر إليه بعينين متردّدتين، كانت نظراته ثابتة وهادئة.
“أدركت أن قضاء وقت في التفكير لا يوصلك إلى قرار منطقي لهذا، أقول فلنكن معًا، يا يون يوجين.”
حين بقيت صامتة، اقترب مني أكثر وكأنه يريد أن ينتزع مني الإجابة.
في تلك اللحظة، بدأ القدر الموضوع على الموقد يغلي ويصدر صوتًا.
رأيت الحساء خلفه يغلي حتى كاد أن يفيض.
“لحظة، أعني… انظر هناك إنه يغلي.”
أشرت بقلق إلى القدر، لكنه لم يستجب.
“الحساء إنه يفور، قلت لك!”
“أعلم. لكنه ليس مهمًا الآن ما أريد سماعه شيء آخر.”
بوجه غير مبالٍ، نظر خلفه للحظة نحو القدر، ثم أعاد نظره إليّ.
حدقت فيه بدهشة وسألته:
“هل ستظل هكذا حتى أجيبك؟”
“بالضبط.”
أجاب “جايها ” بالإيجاب دون أي تردد.
“وإذا قررتِ العيش بمفردكِ، فلن تستطيعيِ الإفلات من الحراسة اللصيقة على مدار 24 ساعة المحامي “بارك” كان حازمًا جدًّا في هذا الشأن.”
على أي حال، فإن الإقامة في منزل “جايها” كانت أفضل حل في ظل الوضع الحالي.
فحتى لو كان “جيهان ”، فلن يستطيع أن يلاحقني دون تفكير حتى مكان وجود “جايها ”.
لو تلقيت حراسة على مدار 24 ساعة فسأختنق حتى الموت.
كان العم “هيونيك” منزعجًا طوال الوقت من تنقلي بدون حراسة.
كنت أؤجل الأمر بحجة ضرورة ذهابي إلى العمل في محطة البث.
لكن يبدو أن العم قد عقد العزم هذه المرة على تعييني حراسًا بسبب ما حدث.
في الأساس، كان الخيار الذي طرحه “جايها” يحتوي على إجابة واضحة.
لكن فقط لأنني لم أكن واثقة، لم أستطع أن أنطق بالموافقة بسهولة.
وهكذا، تقاطعت نظراتنا لعدة ثوانٍ.
وبينما كان “جايها” ينظر إليّ بنظرة ثابتة تملأها الجدية، زفرتُ تنهيدة طويلة في النهاية.
“حسنًا. سأعيش معك.”
“كان من الصعب جدًّا سماع هذه الكلمة منكِ.”
قال ذلك مبتسمًا برضا، ثم سحب يده التي كانت تحيط بي.
حاولت تجاهل شعور غريب بالفراغ تملكني فجأة، وراقبت “جايها ” وهو ينقل الطعام.
“ما رأيكِ أن نفعل شي بشأن الفضيحة؟ لا يبدو أن “جيهان” هو من فعلها.”
سألني عن المقالات الكاشفة التي نُشرت اليوم.
“أعتقد أنها من “سورين” لأن ما حدث كان سطحيًّا جدًّا ليكون من فعل “جيهان”.”
“صحيح. سننشر مقالًا مضادًا إذًا اجلسي أولًا.”
“جايها ” وضع أخيرًا أدوات الطعام على الطاولة.
ثم أشار بذقنه نحو المائدة التي بُسط عليها الطعام المتصاعد منه البخار.
“أنا فضولي لمعرفة خطتكِ، لكن فلنتحدث عنها أثناء تناول الطعام.”
حينها فقط عاد “جايها ” الذي أعرفه.
***
أشرق الصباح.
بعد أن ودّعت “جايها” أثناء ذهابه إلى العمل، لم أتمكن حتى من أخذ قسط من الراحة حتى رنّ هاتفي.
كان المتصل مدير القناة، وأراد إخباري بموعد جلسة التأديب التي ستُعقد بعد يومين.
بعد إنهاء المكالمة، جلستُ أتأمل شاشة الحاسوب المحمول على الطاولة، غارقة في التفكير.
“أولًا، سأبدأ بالبحث عن خاتم الزواج المؤكد أنه تم طلبه قبل عدة أشهر على الأقل وبذلك يمكننا إثبات أن الاثنين كانا على علاقة قبل فسخ الخطوبة بفترة طويلة.”
كنت قد شاركتُ “جايها ” بخطتي أثناء عشاء الليلة الماضية.
استمع إلى كلامي الطويل دون أن يقاطعني، ثم سألني بصوت منخفض:
“وماذا عن الجزء الذي يقول إننا كنا على علاقة منذ وقت طويل؟ كيف ستكشفين الحقيقة بشأنه؟”
“الأمر بسيط. “جايها” كان في أمريكا طوال تلك الفترة، ولم أره إلا بعد سنوات في جنازة جدي أليس ذلك كافيًا؟”
بعد رفضه للزواج بي، سافر “جايها” مباشرة إلى أمريكا.
من حيث التوقيت والظروف، لم يكن بيننا أي تواصل.
وبما أن عمله هناك كان سريًّا، كنت أنوي الادّعاء بأنه عاش في الخارج طوال تلك الفترة.
في الواقع، توليه إدارة شركة KBC القابضة في كوريا لم يكن إلا بعد سنوات.
كنت سأكتفي بذلك التبرير، ولكن…
“لقد خطر ببالي مصدر يتناسب تمامًا مع خطتكِ سأقوم بتحضيره لكِ فقط استخدمي محتوى الفيديو كمرجع.”
وهكذا، ظللت أحدق في شاشة الفيديو الخاص بالمقابلة غير المنشورة التي سلمني إياها.
كانت مقابلة صُوّرت بعد عودته من الخارج، تتحدث عن حياته في أمريكا.
ولإثبات علاقتي به، لم يكن هناك ما هو أفضل من هذا الفيديو.
لكن كان هناك شيء واحد يزعجني في المقابلة.
عندما سأله الصحفي إن كان يواعد أحدًا، كان رده كما يلي:
[لا أواعد أحدًا حاليًا ولا أفكر حتى في تكوين أسرة في المستقبل.]
[حقًا؟ ظننت أنك بالتأكيد على علاقة بسبب وسامتك! يبدو أنك تحظى بشعبية كبيرة! إنه أمر مفاجئ حقًا!]
طوال المقابلة، كانت الصحفية تحدق فيه بعينين مبهورتين، ثم سألت وهي في حالة دهشة.
وكان “جايها ” في الفيديو يجيب بابتسامة هادئة:
[نعم لكن توجد امرأة أحبها ومنذ وقت طويل أيضًا.]ً
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 47"