“كاذبة.”
شعرتُ بأن قلبي سقط في صدري وكأنني كُشف أمري، وكأن مكنونات نفسي التي حاولتُ إخفاءها قد انكشفت فجأة.
“نظراتك مليئة بالفضول، فكيف تنكرين ذلك؟”
اقترب جايها مني في لحظة، ونظر إليّ بثبات.
كان من المستحيل أن أتحرك وأنا أنظر في عينيه المظلمتين المتلألئتين من مسافة قريبة كهذه.
منذ لحظة ما، شعرت أنني انجرفت إلى طريقته الغريبة في الحديث.
كان من المفترض أن يكون هو من يجيب عن الأسئلة، لكن مع كل جملة، بدا وكأنني أنا من تُكشَف نواياها.
“أم أنك تدّعين الجهل رغم أنك تعلمين كل شيء؟”
“لا، ليس الأمر كذلك ولقد قلت بالفعل إنني لستُ فضولية! دعني فقط أُغادر.”
رغم أنني أوضحت رغبتي في النهوض، لم يتحرك جايها قيد أنملة.
حين خفضت نظري، رأيت يده التي تمنعني من الحركة.
“إذًا، لماذا تهربين من عينيّ؟”
بدأت أفكر بسرعة فيما يجب أن أفعله.
وفجأة، سمعت صوته المنخفض من فوق رأسي، فارتجفت دون قصد.
لا شك أنه لاحظ أنني أتجنب نظره.
رغم أن عيوننا لم تلتقِ، كنتُ أشعر بنظرته الحارّة، ولم أستطع إلا أن أتنهد.
“أنتِ من أيقظني لنتحدث، أليس كذلك، يوجين؟”
“ذاك…! أنا فقط أردتُ أن أقول إنني آسفة.”
لا يمكنني إنكار أنني جئت إلى غرفته وسببت كل هذا، لكن شعرتُ بالظلم.
رفعت رأسي تلقائيًا وأنا أغالب الانفعال، والتقت نظراتنا.
“ها قد نظرتِ إليّ أخيرًا.”
”…….”
“لا داعي لأن تعتذري كان يجدر بي أن أكون أكثر حرصًا من البداية.”
انتقل نظره إلى خصلة شعر ملتصقة بخدي.
مد يده وبدأ يعبث بشعري الرطب قليلاً.
“لا يهم أي شيء آخر، فقط أنكِ بخير… هذا ما يهمني حقًا.”
انزلقت يده من شعري إلى خدي.
رغم أنني ارتجفت من لمسته، إلا أنه لم يسحب يده، بل أحاط خدي بكفه.
كانت لمسته ناعمة وخالية من التردد، ما جعل قلبي يهوي من جديد.
عاد ينظر إليّ بنظرات مغايرة تمامًا.
كانت عيناه تفيضان بمشاعر غير مألوفة، وكأن لديه رغبة ما.
أردتُ أن أشيح بوجهي، لكن يده على خدي منعتني.
“أعتقد أن هناك ما أصبح مهمًا بالنسبة لي بقدر استعادة هوجين.”
”……ماذا تعني؟”
بصوت عميق كصدى كهف، اقترب مني ببطء.
ومع كل حركة، كانت فتحة قميصه تنكشف وتخفي جسده الرياضي.
بدأت أبتعد قليلاً حتى وصلت إلى طرف السرير.
إذا اقترب أكثر، فستلامس شفاهنا بعضنا.
نظرت خلفي سريعًا، فلم يكن هناك مجال للمزيد من التراجع.
كان يبدو أنه يعرف ذلك، وكان ينظر إليّ بعينين لامعتين.
شعرت أنني سأختنق من التوتر، وفضلت أن أسقط أرضًا على أن أبقى في هذا الموقف.
وقبل أن أتحرك، قال فجأة:
“توقفي لن أتابع أكثر.”
ثم طوق خصري بذراعيه على عجل.
وحين رأى أنني تجمدت تمامًا، خفف قبضته.
ضحك بخفة كمن لا يصدق ما حصل.
“يا للجنون… ماذا لو تأذيتِ بسبب تلك الحركة؟”
عاد جايها إلى طبيعته، وكأن ما حصل قبل لحظات لم يكن.
لكن قلبي ما زال ينبض بعنف، وشعرت بالحرج بعد أن هدأ الموقف.
“لا أستطيع النظر إليك الآن، سيو جايها لنتحدث غدًا.”
قفزت من مكاني وأنا أرى شعره المتناثر وهو يمرر يده فيه.
شعرت أن البقاء تحت سقف واحد معه أصبح خطرًا.
والأهم من كل شيء، أخاف أن أتحول إلى شخص غريب في حضرته.
“لا، سأذهب إلى فندق أعتقد أن ذلك سيكون الأفضل.”
“في هذا الوقت من الليل؟ إلى فندق؟”
قطّب حاجبيه عند سماعه كلمة “فندق”.
“سأبقى في فندق مؤقتًا حتى أجد مسكنًا…”
“لا، ابقي هنا.”
قالها وهو يجلس على حافة السرير، ينظر إليّ من زاوية مائلة.
“أنا من أحضركِ لتبقي هنا، فماذا أفعل إن رحلتِ؟”
كنت أظنه يمزح، لكن نظرته الجادة أكدت أنه يعني ما يقول.
“هنا؟ لكن هذا منزلك، سيو جايها.”
بدأ قلبي يخفق بإيقاع مختلف تحت نظره الثابت.
لا يمكن أنه لا يدرك ما تعنيه كلماته.
“لا تقل إنك تريد أن نعيش معًا…؟”
لم يجب، بل ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة.
“في الواقع، لا أمانع التعايش قبل الزواج.”
“أنا لا أوافق.”
لم أستطع إغلاق فمي بعدما قال تلك الكلمة الصريحة “التعايش”.
قبل لحظات فقط، كان يتجنب محادثتي، أما الآن فقد انقلب كل شيء.
ابتسم جايها بنظرة غامضة وكأن تعابير وجهي كانت تسليه.
لقد عاد إلى سابق عهده.
“لا تذهبي بعيدًا بخيالك. آه، ربما ربطتِ الأمر تلقائيًا بما حصل قبل قليل؟”
“ذاك…”
احمر وجهي من خجلي بسبب صراحته المفرطة.
“فقط ابقي هنا سأذهب أنا إلى الفندق.”
“ماذا؟! لا يمكن أن يكون ذلك! سأشعر بالذنب!”
لو طُرد صاحب المنزل وبقي الضيف، فكيف يمكنني أن أشعر بالراحة؟
ثم إن هذا البيت جديد، ولم يمضِ وقت طويل على انتقاله إليه.
“منزلي أكثر أمانًا من الفندق الذي يعج بالناس وإن كان لا بد لأحدنا أن يغادر، فالأفضل أن أكون أنا.”
وقبل أن أنهي ما أود قوله، هز رأسه بالنفي.
“مع ذلك… لا أظن أن هذا صائب.”
حتى مع كل تطميناته، لم أستطع تقبل الفكرة بسهولة بسبب شعور الذنب.
ويبدو أنه فهم ذلك، فقال بنبرة طبيعية:
“سيو جيهان لن يستطيع اقتحام هذا المكان كما يشاء وأهم من ذلك، أشعر بالاطمئنان حين تكونين في منزلي.”
كانت عيناه تلاحقني بإصرار وهو يقول ذلك.
وكأنه لن يتحرك حتى أوافق.
تنهدت دون قصد وأنا أشعر بثقل نظرته.
وحين رآني عاجزة عن اتخاذ قرار، وقف من على السرير.
“إذن، لديك خياران لا ثالث لهما.”
”…….”
“إما أن تعيشي معي، إن كنتِ تشعرين بالذنب، أو تبقي هنا وحدك.”
تقدم نحوي وهو يطرح أمامي خيارين يستحيل أن أختار بينهما.
***
حتى طلوع الصباح، لم أتمكن من الإجابة على سؤال جايها قال لي إنه يمكنني التفكير أكثر قبل أن أجيبه على تلك المسألة.
“أراك بعد الانتهاء من العمل وإذا حصل شيء، فاتصلي بي.”
أصر جايها على مرافقتي إلى العمل حتى أمام محطة البث.
قلت له إن بإمكاني الذهاب وحدي، لكنه لم يتنازل إطلاقًا عن هذا الجزء.
بل ترك خلفه كلمات تقول إنه سينتظرني بعد انتهاء الدوام أيضًا يبدو أن ما فعله جيهان عندما جاء وهددني ترك فيه أثرًا نفسيًا تمامًا كما فعل بي.
بعد وصولي إلى العمل، مر الوقت سريعًا، واقترب موعد نشرة الأخبار.
خرجت من قسم البرمجة وأنا أفرك عنقي المتيبس على غير العادة.
وأثناء طريقي إلى الاستوديو مع أحد الزملاء، سألني بصوت يملؤه القلق:
“يا يون، لماذا تبدين مرهقة اليوم هكذا؟”
“لم أستطع النوم الليلة الماضية.”
لم أتمكن من النوم طوال الليل.
ما حدث مع جايها أربكني، وكلما أغمضت عيني، ظهرت صورة جيهان، فأفتحها من جديد.
حتى أثناء العمل، لم أتمكن من طرد وجه جايها الذي يتكرر في رأسي، فهززت رأسي بنفاد صبر.
“تعبيرات وجهك تتغير باستمرار هل لديك حمى أم ماذا؟”
“لا، أنا بخير.”
قال ذلك عندما لاحظ احمرار وجنتيَّ، لكني لوحت بيدي مبتسمة لأؤكد أنه لا شيء.
“يا يون، ما الذي ستفعلينه بشأن المذيعة تشاي؟ إذا نُشر خبر، فماذا ستفعلين؟”
“هممم… في الحقيقة أنا أفكر بالأمر الآن.”
حين سألني الزميل بخفوت عن سورين، ازداد تفكيري تعقيدًا.
فقد أشار جيهان أمس، عندما جاء إليّ، إلى هراء سيرين الذي لا يُصدّق.
(قال إنه سمع هذا من تشاي سيرين…)
وقد هددني قائلاً إنه إذا لم أنشر مقالة تصحيح، فسأندم.
ولأننا لم نتوصل إلى تسوية مناسبة بشأن المقالة، فلا شك أن جيهان سيرد قريبًا.
نظرت إلى الزميل الذي كان ينظر إليّ بقلق، ورسمت على وجهي ابتسامة خفيفة.
“سأراقب الوضع أولًا من الأفضل أن أضرب ضربة واحدة حين أكون مستعدة لكل شيء.”
“صحيح، هذا أفضل بالفعل.”
فإن لم يكن هناك مجال للفرار، فسوف ينهار الخصم تمامًا.
ركبنا المصعد معًا للذهاب إلى الطابق الذي يوجد فيه استوديو الأخبار.
لكن المصعد الذي كان مملوءًا بأحاديث متناثرة، سادته فجأة حالة من الصمت.
كأنهم كانوا يتحدثون عني للتو، فخيم جو من التوتر.
رغم أنني كنت واقفة أمام الباب وأعطيهم ظهري، إلا أنني شعرت بنظراتهم الحارقة تلتصق بي.
بعد انعقاد لجنة التأديب وتأجيل استيضاح الحقيقة، تم تعليق عودة سورين.
ربما لهذا السبب، كنت أشعر بنظرات الناس أينما ذهبت داخل محطة البث.
يبدو أن زميلي شعر بنظرات الناس أيضًا، فبدأ ينظر حوله بحذر.
ثم، انفتحت أبواب المصعد أخيرًا، وكان هذا هو الطابق الذي سننزل فيه.
“يبدو أن المذيعة تشاي سورين في موقف مظلوم.”
“مهما يكن، لا دخان من غير نار الاثنان غريبان على أي حال.”
“صحيح، لم يمضِ على توليها منصب المذيعة كثيرًا… من يدري، ربما تُستبدل مجددًا.”
سمعت أصواتًا تتهامس عني وأنا أخرج من المصعد.
ظنوا أنهم يخفضون أصواتهم، لكنها وصلت إلى أذني بوضوح.
“الناس حقًا يحبون التدخل في شؤون الآخرين.”
قال الزميل بغضب واضح.
“صحيح، الناس يحبون القصص المثيرة، وكلما كانت أكثر إثارة، ازداد فضولهم.”
“هل أنتِ بخير؟ رغم أنك تتحدثين بهدوء، لا أظن أن داخلك بخير.”
“بصراحة، أنا قلقة عندما تنكشف الحقيقة، أخشى ألا يصدقها الناس أو ربما، بصرف النظر عن الحقيقة، يكون الناس قد كوّنوا فكرة سلبية عني بالفعل.”
توقّف الزميل عن السير نحو الاستوديو، ونظر إليّ عندما قلت ذلك بصراحة.
كانت هذه أول مرة أفتح له قلبي.
“خاصة أن مهنة المذيع ترتبط مباشرة بالصورة العامة للشخص.”
الجلوس أمام الكاميرا كمذيعة يعني أن الشائعات تؤثر عليك أكثر من أي أحد وسيرين كانت تعرف هذا جيدًا، ولهذا أعدت كل هذا المخطط.
(بما أنني في موقف ضعيف، فقد استغل جيهان هذا لابتزازي أيضًا.)
بعد أن شاركت مخاوفي مع الزميل، زاد شعوري بالتشتّت.
لكي أتبرأ من هذه التهمة الجائرة، هناك أشياء كثيرة عليّ توضيحها.
سوء الفهم الذي يحمله الناس في محطة البث عن والديّ، وأيضًا سوء الفهم الذي نشأ مؤخرًا بشأن علاقتي بجايها.
بينما كنت أسير في الممر المؤدي إلى الاستوديو، غاصت أفكاري في الأعماق.
لقد كنت متسرعة جدًا في سعيي للانتقام، ولم أخطط بعناية كافية.
عليّ أن أعترف بأنني أخطأت في هذه المرة.
يبدو أن الزميل لاحظ التعابير المتشابكة على وجهي، فربت على كتفي عدة مرات.
“يبدو أنك مرهقة جدًا لتتحدثي بهذا الشكل لا بأس، يا يون، يمكنك حل الأمور واحدة تلو الأخرى.”
“……”
“إذا احتجتِ إلى أي مساعدة، قولي لي في أي وقت مفهوم؟”
ربما كانت هذه أول مرة أشاركه فيها همومي.
ولسبب ما، أصبحت علاقتنا أقرب مما كانت عليه في الحياة السابقة.
حين أواجه الواقع المتغير بهذه الطريقة، أشعر بالحنين، وكأن الحياة التي عدت إليها بدأت تكتسب معنى حقيقيًا.
“شكرًا لك، زميلي.”
“لا داعي لنبدأ بنشرة الأخبار أولًا.”
قال ذلك بينما وضع يده على مقبض باب الاستوديو.
وكان في طريقه لفتح الباب حينما…
رن هاتفي، وعندما تفقدته، وجدت رسالة من العم هيونيك.
[يا يون، الأمر طارئ تحققي فورًا من الرابط المرفق – عمك هيونيك]
فور قراءتي لكلمة “طارئ”، نقرت على الرابط المرفق، فُتح لي موقع إلكتروني.
كانت صفحة خبرية قد نُشرت للتو.
وعندما قرأت العنوان الرئيسي لذلك الخبر، توقفت قدماي في مكاني.
– [مجموعة هوجين، إعلان رسمي من قِبل الممثل سيو جيهان.]
لقد أعلن جيهان موقفه الرسمي.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 45"