إنه الفجر، سأصل بسرعة لا تذهبي لأي مكان، ابقي هناك بالضبط.
ترك جايها كلمات الانتظار خلفه وأغلق المكالمة.
“حقًا يريد مني أن أنتظر؟”
رغم أنه فصل الصيف، إلا أن برودة الليل كانت واضحة، ربما لأن الساعة كانت تقترب من منتصف الليل.
ولهذا السبب، لم تلاحظ ذلك أثناء المكالمة، لكنها شعرت به حين ألقت نظرة حولها، فكان المكان هادئًا للغاية.
رغم أنها على جانب الطريق، لم تكن هناك سوى السيارات المارة.
نظرت إلى السماء المظلمة التي خيّم عليها السواد، واتكأت بجسدها على الكرسي.
“هل الوقت متأخر أكثر من اللازم؟”
حين نظرت إلى الشارع الخالي، بدأت تشعر بقلق جايها الذي لمسته بوضوح الآن.
بما أنها سمعت صوت انطلاقه، فمن المؤكد أن الطريق من منزله إلى هنا سيأخذ عشرين دقيقة على الأقل.
كانت تشعر بانقباض في صدرها بعد مجادلتها مع سورين.
وقد صدمها أن الناس صدّقوا كلمات سورين، التي لم تكن سوى مغالطات.
ولهذا، شعرت أنها بحاجة إلى رفيق لشرب الكحول، لكنها لم تتوقع أن يعرض هو المجيء.
عندما تذكرت جايها، الذي لم يُظهر أي تردد، ارتسمت ابتسامة على وجهها.
“هل يقلق عليّ إلى هذه الدرجة؟ حين أفكر بالأمر، أعتقد أنه يعاملني كطفلة.”
لكن هل يستدعي الأمر كل هذا القلق لمجرد أن شخصًا بالغًا ذهب إلى المتجر القريب من المنزل؟
مع ذلك، لم يكن شعور اهتمام وقلق شخص ما أمرًا سيئًا.
لا، في الحقيقة… شعرت بأنه شعور جيد على غير المتوقع، وأخرجت علبة بيرة من الكيس.
وما إن أحست ببرودة العلبة على أطراف أصابعها وقرّبتها من فمها، حتى…
سمعت خطوات تقترب، وشعرت بيد تُوضع على كتفها.
“هاه؟ أتيتَ بهذه السرعة؟”
ظنّت أنه ما زال هناك وقت حتى يصل جايها، لذلك فتحت العلبة.
وبالطبع، اعتقدت أن القادم هو جايها، فاستدارت بوجه مُبتهج.
“هل كنتِ هنا؟ لقد بحثنا عنكِ كثيرًا.”
لكن الشخص الذي جاء لم يكن جايها.
كان الشخص الواقف خلفها هو السيد كيم، المساعد الخاص والمقرّب من جيهان.
ةعيناه، اللتان تُرى عبر عدسات نظارته، كانت تنظران إليها بنظرة غامضة وعميقة.
نظراته الباردة التي يصعب قراءة نواياها جعلت شعر جسدها ينتصب.
“سيدتي.”
حين ناداني السيد كيم بصوته، وأنا لم أكن قد نطقت بأي كلمة، سقطت علبة البيرة من يدي.
سقطت العلبة على الأرض الإسفلتية وارتطمت بطرف حذائه، فتوقفت.
بوجهٍ خالٍ من التعابير، انحنى والتقط العلبة، ثم وضعها على الطاولة واقترب مني.
“الرئيس يطلبكِ دعينا نذهب إلى المنزل.”
كان صوته أقرب إلى التهديد منه إلى طلب، دون أن يسأل عن رأيي أو إرادتي.
***
في النهاية، عادت إلى الشقة برفقة السيد كيم الذي تقدمها في الطريق.
كان باب المنزل مفتوحًا جزئيًا، مما يدل على أن جيهان كان في انتظارها.
وحين دخلت غرفة الجلوس، كان جيهان يجلس بعمق على الأريكة يحدق بها.
“أين كنتِ حتى الآن؟ اجلسي أولاً.”
تذكرت الحراس الذين وقفوا أمام الباب حين دخلت.
ربما اعتقد أنها ستحاول الهروب، فقاموا بإغلاق المخرج يبدو أنه جاء وهو عاقد العزم.
بمجرد أن وقعت عيناها على جيهان، شعرت بالغضب يتصاعد من أعماقها، ووضعت يدها على جبينها.
لقد خنقتها هذه الوضعية غير المنطقية.
صحيح أن جيهان دائمًا ما كان يتصرف بأنانية، لكن اليوم كانت له هالة مختلفة.
كان وجهه مهددًا كما لو أنه وحش جائع أمام فريسته.
لا بد أن مقاله مع سورين اليوم هو ما أثار غضبه.
كانت تتوقع بعض الغضب منه، لكن لم تتوقع أن يأتي بهذا الشكل المفاجئ والعدائي.
“لقد كنت ساذجة جدًا فيما يخص سلامتي.”
راودها الندم المتأخر.
كان عليها أن تصغي لجايها عندما قال لها أن تحذر من جيهان…
هل كان جايها يتوقع أن جيهان سيفعل هذا؟
“لا أريد التحدث معك هذا الوضع مزعج للغاية.”
“…مزعج؟”
“ألم أخبرك ألا تأتي بهذه الطريقة؟ لماذا تستمر في فعل هذا؟ هل هؤلاء الحراس نوع من التهديد؟”
نظرات جيهان الثابتة نحوها جعلت أنفاسها تتقطع.
بدت عليه ملامح الانزعاج حين نطقت بكلمة “مزعج”، فانعقد حاجباه بعمق.
“تهديد، إذًا…”
“……”
“هاه، هاها.ج إذًا، أمرٌ تافه كهذا يبدو لكِ تهديدًا؟”
جلس باستقامة، وقبض يده ثم بسطها.
ابتسامته الباردة جعلت جسدها يقشعر رغم أن الصيف في أوجه.
“أتعلمين ما نوع المشاعر التي أحملها حين أتيت إلى هنا اليوم؟”
“……”
“شعرت بالخيانة والغضب حتى كدت أفقد صوابي، لم أكن أعلم ما الذي ينبغي أن أفعله بكِ كنتُ، منذ فسخ الخطوبة، أرغب دومًا في استعادة علاقتنا!”
كان يرغب في استعادتها؟ استعادة ماذا بالضبط؟
أنا لم أفكر يومًا في العودة إلى تلك العلاقة السابقة.
يبدو أن جيهان لا يزال يتمسك بالأمل في إمكانية زواجنا.
تابع كلامه، ثم نهض من مقعده بخطى عنيفة وتقدم نحوي.
“لكنّكِ فضحتِ عيوبي ولم تكتفي بذلك، بل نشرتِ اليوم خبر فضيحة بيني وبين تشاي سورين لتقضي على ما تبقى كان الأمر بشعًا للغاية.”
ما إن التقت عيناي بعينيه اللامعتين بوحشية حتى أصابتني قشعريرة خفيفة.
لقد كان واثقًا تمامًا بأنني أنا من دبر كل هذه الأمور.
“ما الخطأ الكبير الذي اقترفته بحقك؟”
“…….”
“كل ما في الأمر أنني تعلقت بتشاي سورين لفترة وجيزة قبل الزواج في الزيجات المرتبة، أليس هذا أمرًا شائعًا؟”
اقترب جيهان حتى اصبح وجهه أمامي مباشرة، وسألني عن خطئه.
“نحن لم نرتبط مثل الآخرين عن حب وعلاقاتي خارج الزواج كانت مجرد غبار يمكن نفضه فهل يستحق هذا كل هذا التشهير العلني؟”
“كفى.”
“أجيبي! هل أخطأت إلى هذه الدرجة حتى يجب أن يعلم بذلك الناس كافة؟!”
عندها، ارتسمت في ذهني كل الجرائم التي ارتكبها في حياتي السابقة، رغم وجهه المظلوم الآن.
لقد خانني حين كنت زوجته، وسلبني كل شيء، ثم قتلني في النهاية.
هذا هو السبب في أنك تتلقى جزاءك الآن.
حين تذكرت ما فعله، تغيرت نظراتي نحوه من غير وعي مني، نظرة مملوءة بالاشمئزاز.
وفي لحظة، تغيرت ملامح جيهان فجأة، وأمسك بذقني.
“أنا أكره هذه النظرة كثيرًا النظرة التي تمتلئ بالكراهية نحوي!”
“آآخ! ما الذي تفعله؟! دعني!”
“أليست هذه عقوبة قاسية للغاية لمجرد نزوة قبل الزواج، برأيك؟!”
قبضته المشدودة على ذقني أجبرتني على رفع رأسي في الاتجاه الذي يريده.
وبينما شعرت بألم حاد في طرف ذقني، بدأ هاتفي المحمول في الرنين.
لابد أنه جايها.
شعرت حينها أن مكالمته هي المخرج الوحيد من هذا الوضع الخانق.
يجب أن أجيب!
كان عليّ إخبار جايها أن جيهان قد جاء إليّ.
لكن، قبل أن تصل أصابعي إلى زر الرد، انتزع جيهان الهاتف من يدي.
وعندما رأى اسم “جايها” على الشاشة، زفر بغضب.
“……سو جايها! مجددًا، سو جايها!”
“أعطني الهاتف!”
أظهر وجهه بوضوح انزعاجه من كون جايها هو من يتدخل في الأمر مجددًا.
استمر الهاتف في الرنين لبرهة، ثم انقطع الاتصال.
وبعد لحظات، بدأ الهاتف يرن مرة أخرى.
ومع محاولتي مد يدي إليه مجددًا، تجمد وجه جيهان كليًا.
رفع الهاتف عاليًا حتى لا أتمكن من الوصول إليه.
“أعطني الهاتف جايها ينتظرني.”
“…….”
“ما خطبك؟! هل تظن أنك ستفلت من العقاب بعد ما فعلته بي؟ هل تريد أن تخرج غدًا أخبار عنك بأنك ضربت خطيبتك السابقة؟!”
عندما قلت إن جايها ينتظرني، أطلق جيهان ضحكة باردة.
“أتظنين أني لا أستطيع منع خبرٍ كهذا من الانتشار؟”
وبلا تردد، رمى الهاتف نحو الحائط.
اصطدم الهاتف بالجدار وسقط أرضًا محطمًا إلى درجة أنه لم يعد يُعرف شكله.
حين رأيت ذلك المشهد، بدأت شفتاي ترتجفان.
“سورين أخبرتني شيئًا ممتعًا.”
“أي شيء؟”
شدّني من معصمي نحوه، ثم نظر إليّ وهو يبتسم ابتسامة مرعبة تقشعر لها الأبدان.
“قالت إنكِ كنتِ تلتقين بأخي حتى قبل زواجنا أليس هذا مقنعًا إلى حد ما؟ لقد فكرت في هذا الاحتمال منذ وقت طويل.”
“هل تصدق هذا الكلام السخيف؟”
أشار جيهان إلى الأكاذيب التي ألّفتها سورين في كافتيريا محطة البث.
وهو يعرف الحقيقة الكاملة جيدًا.
لكنه أراد أن يُحمّلني مسؤولية علاقاته المحرمة، وهذا ما جعلني أضحك بسخرية.
“سواء كان الأمر صحيحًا أم لا، لا يهم فوجه المذيعة المحترمة في نشرة الأخبار حين يُكشف عن هذا الجانب الخفي من حياتها، سيكون مثيرًا للغاية، أليس كذلك؟”
“هاه…”
“كيف سيبدو الأمر أمام الشعب بأسره؟ بحسب إجابتك الآن، قد تصبح هذه هي الحقيقة لاحقًا.”
في النهاية، جاء جيهان إليّ ليهددني بهذه الكلمات.
تغيرت ملامح وجهي وأنا أحدق فيه.
“لنعُد للحديث مجددًا هذه فرصتك الأخيرة صححي خبر الفضيحة.”
“سأجيبك بشكل واضح لا، لا أنوي فعل ذلك.”
كان أمرًا لا يقبل التراجع لم يكن لدي ما أندم عليه من الأساس.
“يون يوجين!”
“مؤسف أنك أفسدت مشروعك المهم كخليفة، لكنه جزاء ما اقترفته يداك.”
أفلتُّ يدي من قبضته بعد أن لويتها.
ويبدو أنني أثرت نقطة حساسة، إذ بدأ يرمقني بنظرة مشحونة بالغضب والانزعاج.
سيصل قريبًا.
كنت متأكدة أن جايها سيأتي إلى هذا المنزل الذي كان من المفترض أن يكون منزل الزوجية.
وبشكل غريب، منذ أن شعرت بأنه قريب، لم أعد أخشى جيهان.
“جزاء ما اقترفته… هاه.”
أمسك جيهان بكتفي وهو يوقفني بقوة عندما هممت بالاستدارة.
كانت عيناه مشتعلة بالغضب، وكأن حديثي عن الوريث قد أطلق شارة الانفجار بداخله.
“لقد حذرتك بوضوح قلت إنني لن أترككِ وشأنك.”
في لحظة، تغيرت نظرات جيهان بالكامل.
تجمد قلبي في مكانه كانت نظراته المجنونة، الممتلئة بالدماء، أبرد وأشد رعبًا من أي وقت مضى.
“دعني!”
وكلما حاولت التراجع، كلما ضغط أكثر على كتفي بقوة.
تجمد وجهي من الألم وأنا عاجزة عن الحركة في قبضته.
“ستندمين على هذه اللحظة لبقية حياتك!”
بدأ بصري يتلاشى شيئًا فشيئًا.
جايها… أرجوك…!
أفلتُّ يده بكل قوتي وسقطت على الأرض.
وبينما كنت أحتضن معصمي المتألم وأرمقه بنظرة غاضبة، بدأت الضجة تعلو من جهة الباب الأمامي.
سمعت أصوات حراس الأمن يتحدثون، لكن جيهان لم يصرف نظره عني.
ثم فجأة، وبصوت قوي، سقط جيهان الذي كان يصدّ طريقي بعنف على الأرض.
“يا لك من وغد مجنون!”
“تبًا.”
بصق جيهان الدم المتجمع في فمه.
وعندما رأيت ذلك الظهر المألوف يقف أمامي كليًا، شعرت أخيرًا أنني أستطيع أن أتنفس.
“قلت لك بوضوح لا تلمس شعرة منها حتى.”
“… ولماذا عليّ أن أستمع إليك؟”
“لقد اتصلت بالشرطة.”
ضحك جيهان بسخرية موجّهًا كلامه إلى جايها:
“قلت لك إنك ستندم إن تجاهلتني سيقتحمون المكان قريبًا، وإن كنت تحب مظهرك البراق، فاختفِ من هنا فورًا.”
“هاه… اتصلت بالشرطة؟”
“وتذكّر هذا جيدًا إن كررتَ فعلتك هذه مرة أخرى، فسأطيح بمنصبك كوريث، ذلك المنصب الذي تحرص عليه كثيرًا.”
وعندما التفت جايها ناحيتي، شعرت بأن الدموع تكاد تنهمر، فأنزلت رأسي.
لم أرد أن أُظهر ضعفي أمام سيو جيهان، ذلك الرجل.
وحين شعرت بجاكت يُلقى برفق على كتفي، رفعت رأسي.
نظر جيهان إلينا بتهكّم وضحك ساخرًا، ثم استدار وغادر المكان.
خيم الهدوء علينا، وكأن العالم لم يعد يضم سوانا.
مد جايها يده نحوي، وساعدني على الوقوف من الأرض برفق، ثم ضمّني إلى صدره.
“هيا بنا.”
“… إلى أين؟”
“إلى مكان آمن حيث أستطيع رؤيتك متى أردت.”
خرجت من بين ذراعيه ونظرت إليه.
ثم قال، وهو يمرر يده بلطف على شعري المتشابك من العرق:
“لنذهب إلى بيتي.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 43"