كما كان متوقعًا، حضر “جيهان” بنفسه إلى موقع فعالية العمل الخيري.
في الحقيقة، لم يكن يرغب في الحضور إلى مكان حقير كهذا.
لكن ما باليد حيلة، فقبل إطلاق علامة الشقق الجديدة التي خُطّط لها باسمه، انتشرت فضيحة انفصاله عن خطيبته.
ومن أجل صورة الشقق التي تدهورت بسبب فضيحته، لم يكن أمامه خيار آخر.
بدأ الناس في مكان الفعالية يرمقونه بنظرات خاطفة، وحين تلاقت أعينهم به، ارتسمت على وجوههم ابتسامات محرجة.
كانوا يبتسمون له في وجهه، لكن همساتهم خلف ظهره لم تخفَ عنه.
_ ” يقولون إنه انفصل عن خطيبته ، أليس كذلك ؟”
_ ” يبدو أنه العلاقة كانت غير شرعية ، لذا انفصلا ، على ما أعتقد “
“مقززون.”
ظل جيهان متماسكًا بابتسامة مزيفة حتى خرج من المبنى، حتى كادت عضلات وجهه أن تتشنج.
الصحفيون المزعجون لم يترددوا في طرح أسئلة عن انفصاله في فعالية العمل الخيري، ما جعله يشعر باشمئزاز عميق.
فالتفت إلى مدير أعماله، “كيم”، الذي كان يتبعه وسأله:
_ هل يمكننا المغادرة الآن ؟”
_ نعم ، لديك اجتماع الساعة الثالثة بعد الظهر بخصوص استثمار شركة إنتك “
_”… فلنذهب إذا .”
خرج من المبنى فرأى السيارة السوداء الفاخرة متوقفة أمامه.
وأثناء توجهه نحو السيارة، اقترب منه حشد من الصحفيين المنتظرين.
رغم تهجمهم عليه في داخل الفعالية، لم يكتفوا بذلك.
وبينما كان يتجه نحو المقعد بعد أن فُتح له باب السيارة، تقدم منه أحد الصحفيين وسأله:
- “هل لديك أي تصريح بشأن الانفصال ؟ لم يصدر بيان رسمي بعد “
كان قد أعرب بالفعل عن عدم رغبته في التحدث عن الفضيحة، لكن الصحفي أصرّ.
توقف جيهان عن السير واستدار نحو الصحفي الذي طرح السؤال:
—” سيصدر البيان الرسمي قريبًا ، كان هناك سوء فهم ، لكن تلك السيدة بدأت علاقتها بي بعد أن أنهت خطبتها مع السيد ‘W’ حسب الأصول “
— ” هل تقصد أن الأخبار التي نشرت كانت كاذبة ؟”
وفور نطقه بذلك، دوّت أصوات كاميرات التصوير من كل الجهات.
وفي لحظة، تحوّلت نظرات جيهان إلى حادة وسط سيل من الأسئلة.
—” هل تعتقدون أنني دعوتكم إلى هنا لتتحدثوا عن انفصالي ”
-” … …”
—” لو كنت أنوي الحديث عن ذلك ، لكنت عقدت مؤتمرًا صحفيًا ، أليس كذلك ؟”
عبّر جيهان بوضوح عن استيائه من الموضوع غير المرحب به.
وبينما كان يتحدث، بدأت أصوات الكاميرات تتراجع شيئًا فشيئًا.
– “هل تعلمون كم عدد الفتيات القاصرات يُصبحن أمهات خارج إطار الزواج ؟ ؟ وكم من الأطفال ينشؤون في بيئات صعبة؟”
– “……”
– “أنا هنا بصفتي ممثلًا عن شركة ‘هوجين’ لأعبر عن التزامي الصادق بإيجاد حلول لدعم الأسر المتعثرة ومساعدة الأمهات غير المتزوجات على الاستقلال.”
نظر الصحفيون إلى بعضهم في حيرة، وقد فقدوا كلماتهم.
عندها، ابتسم جيهان ابتسامة مصطنعة وتابع كلامه بعبارات مفعمة بالنفاق، لدرجة أن من سمعه قد يسخر منه.
– “رجاءً، بدلًا من كتابة أخبار عن انفصالي، اكتبوا تقارير تفيد من هم بحاجة حقيقية وسأوفر لكم فرصة أخرى لطرح أسئلتكم.”
ثم صعد جيهان إلى السيارة.
كل تلك النظرات التي تطارده من الصحفيين في الخارج، ومن الناس داخل الفعالية، جعلته يشعر وكأنه قنبلة على وشك الانفجار.
“تبا.”
بصراحة، كان من الممكن إرسال التبرعات عبر شخص آخر.
إضاعة وقته الثمين في مرحلة حساسة كتلك التي يجب أن يثبت فيها أقدامه كخليفة للشركة، أمر يثير غضبه.
لو لم تكن “يوجين” موجودة، لما اضطر إلى مواجهة هذه الإهانة.
لم يستوعب كيف يمكن لـ”يوجين” أن تحاصره بتلك الطريقة بسبب مجرد انزلاق بسيط قبل الزواج.
وما زاد الطين بلة، خبر حمل “سورين” المفاجئ.
شعر جيهان بنوبة غضب مفاجئة جعلته يمسح رأسه بيده بعصبية.
– “كم تبقى حتى نصل الشركة؟”
– “نصل بعد ثلاثين دقيقة.”
أغمض جيهان عينيه، وساد صمت خانق داخل السيارة .
كان مدير أعماله والسائق يتبادلان النظرات نحوه عبر المرآة بقلق.
***
انتهى الاجتماع، ودقت ساعة الغداء.
كنت أرتب بعض الأمور حين قال لي “يونغ جون” إنه سيذهب أولًا ليحجز لنا مكانًا.
بعد أن حصلت على الطعام ونظرت حولي، لوّح لي “يونغ جون” من بعيد.
سررت لرؤيته، لكن سرعان ما خفّت فرحتي حين رأيت من يجلسون بجانبه… زملاء لا أرحب برؤيتهم.
“لماذا بجانب تلك المجموعة تحديدًا؟”
كنت مترددة في التوجه، لكن عندها التقت عيناي بعيني “سورين” التي كانت تتقدم نحو مائدة الغداء.
ويبدو أنها رأت “يونغ جون” أيضًا، فظهرت على وجهها علامات الانزعاج.
—” سورين ، تعالي “
نادتها إحدى المذيعات بصوت واضح، فالتفتت “سورين” إليها.
نظرت إليّ بنظرة جانبية، ثم اتجهت نحو الطاولة.
اضطررت إلى اللحاق بها، فجلسنا على طاولة طويلة نأكل معًا.
– “هل هذه الطاولة مخصصة لقسم البرمجة؟ كل من فيها من فريق المذيعين.”
– “حدث ذلك صدفة تفضل، اجلس معنا يا أستاذ.”
انضم إلينا أحد المخرجين وفريق التصوير، وسرعان ما امتلأت الطاولة.
وأثناء حديثي مع “يونغ جون” وأنا أتناول الطعام، سمعت حديثًا جانبيًا من الزملاء:
– “سورين، أين كنتِ اليوم؟”
– “ذهبت إلى المستشفى صباحًا.”
– “متى ستقيمين الزفاف؟ يجب أن يتم قبل أن يظهر الحمل، أليس كذلك؟”
تجمدت من وقع الحديث، رغم أني لم أرغب في سماعه.
صحيح، كانت حاملًا، تشاي سورين.
– “أفكر بتقديم الموعد قليلًا.”
– “هل ستستقيلين بعد الزواج؟”
– “مم… لست متأكدة بعد بما أن الحمل في مراحله الأولى، أفكر في الأمر.”
قالت ذلك، ثم رمقتني بنظرة جانبية.
رغم محاولتي التركيز على الطعام، شعرت بنظرتها الوقحة تخترقني.
هززت رأسي ساخرة من جرأتها، وكنت أتناول أحد الأطباق حين قالت:
– “سأناقش هذا الأمر مع زوجي لاحقًا.”
– “هاه.”
انفلت مني ضحكة لا إرادية، فالتفتت الأنظار نحوي.
زوجك ليس بذلك الحنان أصلًا.
فهمت “سورين” مغزى سخريتي، فعقدت حاجبيها بامتعاض.
– “آه، آسفة ضحكت دون قصد تابعوا طعامكم.”
لوّحت بيدي مبتسمًا، فعاد الجميع إلى طعامهم.
لكن “سورين” لم تستطع إخفاء انزعاجها.
– “يبدو أن زوج سورين يحترمها كثيرًا رجل عطوف، كم هو جميل.”
– “صحيح أنا أحب الأشخاص اللطيفين جدًا.”
سمعت كلمات الزميلات الغارقات في الإعجاب، فهدأت ملامح “سورين” قليلًا.
كنت أفكر في النهوض بعد أن أنهيت وجبتي، حين سمعنا صوتًا مألوفًا:
– “آه، سورين وصلت!”
– “نعم، كنت في المستشفى.”
كانت “كيم”، إحدى المذيعات، قد عادت لتوها، وألقت التحية بسرور.
– “كنت أبحث عنكِ صحيح، ألم تنسي شيئًا مهمًا؟”
– “أنا؟ ماذا نسيت؟”
– “فكّري جيدًا إنه شيء مهم جدًا.”
ثم أخرجت شيئًا من جيبها بابتسامة غامضة.
وبمجرد أن رأته “سورين”، تبدلت ملامحها على الفور.
– “لقد نسيتِ خاتمكِ في مغسلة الحمام أمس.”
– “خاتم؟ ما الذي تتحدثين عنه؟”
– “يا إلهي، ألم تعرفي أنكِ فقدتيه؟!”
رفع الجميع رؤوسهم، فقد كانت نبرة “كيم” عالية بما يكفي.
أخرجت “كيم” الخاتم وأظهرته لـ”سورين”، وكان يلمع في يدها.
حينها فقط، أدركت “سورين” الموقف، وظهر الارتباك على وجهها.
—”ماذا ؟!”
حاولت “سورين” إخفاء يدها، لكن “كيم” أمسكت بها.
نظرت “كيم” إلى الخاتم في يد “سورين” بدهشة.
– “أوه… إذن لم تفقديه؟”
– “أه… أأ… الأمر…”
بدأت يد “سورين” ترتجف.
أما “كيم” فبدا وجهها مشوشًا تمامًا، فهي تظن أن الخاتم فريد لا مثيل له.
بدأت “كيم” تقارن الخاتمين وتقول:
– “إذًا، ما هذا؟ إنه مطابق تمامًا لخاتمك!”
– “……”
– “حتى النقش الموجود عليه، هو نفسه.”
عندها، تغيرت وجوه الحاضرين كلٌّ حسب شعوره.
وبفضل صوت “كيم” المرتفع، بدأ الهمس في الطاولات المجاورة أيضًا.
– “ذلك…”
بعد لحظة طويلة من الصمت، كانت “سورين” على وشك التحدث،
لكنني وقفت أولًا، مسببة صوت احتكاك الكرسي بالأرض.
كل الأنظار التفتت إليّ.
—” إنه لي “
اقتربتُ من الجهة الخلفية للكرسي الذي تجلس عليه سورين.
يا للأسف… لم تكن لتتوقع أن الخاتم الذي كانت تفتخر به بهذا الشكل سيتحول إلى حبل يلتف حول عنقها.
هزّت سورين كتفيها وهي تخفض رأسها، كما لو كانت ترتجف من الغيظ لكونها وقعت في الفخ.
— “ماذا؟ خاتمكِ أنتِ، أيتها المُذيعة؟”
تساءلت كيم آناونسو، التي لم تفهم بعد معنى كلامي، بنظرة مشوشة.
مددتُ يدي نحوها، وأنا أحدّق إليها وهي ترمش بعينيها مرارًا وتنظر إليّ.
— “ذلك خاتم زفافي.”
دوّى صوت اصطدام أدوات مائدة بأرض المطعم، وقد أسقطها أحدهم من يده.
— “لأكون دقيقة، إنه خاتم زفافي مع خطيبي السابق.”
أخذتُ الخاتم من كيم آناونسو وأدخلته في إصبعي البنصر، ومع أنه بدا كأنني قسته للتو، إلا أنه انزلق ليلائم إصبعي تمامًا.
فانطلقت أصوات الذهول من هنا وهناك.
خيم الصمت على مطعم مكتظ ومزدحم كالعادة في وقت الغداء.
كأنّ الجميع كان يُحدّق بنا.
— “سورين.”
انحنيتُ قليلًا نحو سورين التي كانت لا تزال تُخفض رأسها.
ولما التقت أعيننا، همست لي بصوت منخفض لا يكاد يُسمع إلا لي وحدي:
— “كفى.”
— “ماذا؟”
— “قلت لكِ توقفي… يون يوجين.”
حدّقت بي بنظرات حاقدة كما لو أنها تهددني بأنني إن تماديت أكثر فلن أغادر بسلام.
ابتسمتُ لها بسخرية.
— “ولِمَ أتوقف؟”
— “……”
— “أنا أرى أن الأمر بلغ ذروته من الإثارة.”
— “يون يوجين!”
تجاهلت نداءها لي، ثم أمسكتُ معصمها فجأة بقوة وهي تنظر إليّ بحدّة.
— “غريب… الخاتم الذي ترتدينه لا يبدو مقلدًا.”
— “ماذا تفعلين؟! أتركي يدي!”
— “لا يمكن أن يكون التقليد بهذه الدقة في نحْت الألماس.”
حاولت سورين سحب يدها، وهي تلوّي معصمها لتفلت من قبضتي.
وبينما كنتُ أنظر إليها بنظرة باردة، أطلقت يدها أخيرًا.
— “أيّ شخص جريء هذا، فكّر في تقليد خاتم زفاف لا يوجد له مثيل؟”
— “……”
— “الآن، من هو زوجكِ؟ أنا فعلاً أشعر بالفضول.”
قبضت سورين على كفّيها بشدة حتى أصبح لونهما شاحبًا.
وبدت وكأنها تعترف بكل شيء من خلال ملامح وجهها التي شحب لونها وتحوّل إلى السواد.
— “قوليها بصوتك من هو زوجكِ؟”
لم يُسمع في المكان سوى أصوات ابتلاع ريقٍ حذر.
وكان كلّ من تجمّع حول سورين يُحدّق بها وكأنهم ينتظرون الحقيقة بفارغ الصبر.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 40"