التقطت بطاقة العمل التي سقطت على الأرض.
كانت بطاقة لمجموعة “هو جين”، منقوشٌ عليها اسم “سو جيها”.
(سو جيها، تقول؟…)
هل هو ذلك “سو جيها”، الأخ غير الشقيق لـ “سو جيهان” والابن الأكبر لمجموعة “هو جين”؟
(متى أتى هذا الرجل؟)
طوال فترة زواجي، لم ألتقِ به أكثر من عدد أصابع اليد الواحدة.
رجل لا يبالي بشيء إن لم يكن من شأنه، يغطي جسدي بسترة ويغادر؟!
وفوق ذلك، “جيها” مُرسل إلى أمريكا، فكيف له أن يكون في كوريا؟
من المؤكد أنه لن يعود قبل العام الذي يلي العام القادم.
(إذن، هو من غطاني بالسترة آنذاك…؟)
لماذا؟ لم يكن في رأسي سوى علامات استفهام بسبب تصرفه غير المفهوم.
(هل رقّ قلبه على خطيبته السابقة؟)
عند هذه الفكرة، ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيّ.
منذ البداية، لم يكن “جيهان” زوجي هو وريث مجموعة “هو جين”.
فزواج وريث “هو جين” من حفيدة مجموعة “دبليو” قد تحدد منذ ولادتي.
وفي وقت الخطوبة، كان الوريث حينها هو الابن الأكبر، “جيها”.
(لم أكن أتصور أنني سأتزوج “سو جيهان”…)
ذات يوم، رفض “جيها” الزواج الذي حدّده الجدّان بشكل قاطع.
ولا زالت ذاكرتي عن ذلك اليوم حية كأنها حلم البارحة.
“لن أتزوج.”
“م… ماذا قلت؟ هل تدرك معنى ما تقوله؟”
“نعم. لا أنوي الزواج أبدًا، ليس من “يون يوجين” ولا من أي امرأة أخرى.”
“حتى وإن كان ثمن ذلك خسارة منصب وريث “هو جين”؟”
ما زلت أذكر جيدًا نظرات رئيس مجلس الإدارة “سو موجين” الغاضبة وهو يحدق به.
ورغم ذلك، كان “جيها” يتحدث بجسارة دون أن يتراجع.
“نعم. إذن لن أرث المنصب.”
ما رفضه لم يكن مجرد إرث، بل منصب رئيس مجموعة كبرى تضم عدة شركات تابعة.
وبهذا، تنحى “جيها” عن منصب الوريث وغادر إلى أمريكا فجأة.
وفي يومٍ ما، عاد إلى البلاد دون مقدمات، ولكن ليس ليتولى منصبًا في “هو جين”، بل ليصبح المساهم الأكبر في شركة “H ميديا القابضة”، الشركة الأم لقناة “KBC”.
لم يتوقع أحد أن يتولى “جيها” شركة إعلامية.
ومع ذلك، سرعان ما قام بإدراج “KBC” في سوق الأسهم، وأظهر قدراته.
بطموحٍ بدا كأنه سيلتهم “هو جين” بأكملها.
“سيدتي؟”
أعادتني صوت السيدة العجوز إلى الواقع.
تذكرت حينها إعلان “جيها” انفصاله عن “هو جين”.
وقد عاد إلى ذهني مدى الكراهية العميقة التي أظهرها تجاه العائلة.
فقد وجه مشاعر الحقد نحو “هو جين”، تجاه زوجة أبيه، وأخيه غير الشقيق، ووالده، الذين انتزعوا منه كل شيء.
(لماذا لم أفكر في هذا الرجل من قبل؟)
اشتدّت قبضتي على السترة بدأت بارقة أمل خافتة تُزهر في داخلي، وخفق قلبي بعنف.
إن كان “سو جيها” قد عاد بالفعل، فعليّ أن ألتقي به.
“سأخرج قليلاً.”
“ماذا؟ في مثل هذا الوقت؟”
كان الوقت يقترب من الثانية فجرًا.
لمحت على وجه مدبرة المنزل نظرة دهشة وهي تراقبني أنهض حاملة السترة.
…
ربما كان قد غادر بالفعل.
لكن رائحة خفيفة لا تزال عالقة، جعلتني أظن أن الوقت لم يمضِ كثيرًا.
عندما تجاوزت الردهة الفارغة وخرجت من المستشفى، لامسني برد الفجر.
“كما توقعت… لقد رحل.”
مررت يدي على وجهي وأنا أقف أمام بوابة المستشفى الخالية من الناس.
نعم، سأجرب الاتصال به عند شروق الشمس لا يزال لدي بعض الوقت.
وفي اللحظة التي حاولت فيها مواساة نفسي والتراجع، سمعت وقع خطوات تصعد من أسفل الدرج.
كان الأمر في لحظة التقت عيناي بعيني الرجل الذي ظهر ببطء.
“استيقظتِ على ما يبدو مر وقت طويل.”
“سو جيها”، الرجل الذي كنت أبحث عنه بشدة، وقف أمامي وكأنه كذبة.
بعد سنوات، بدا كما كان في أول لقاء، بوجهه المشرق المألوف.
وقفتُ عاجزة عن النطق أمام مشاعر غريبة اجتاحتني فجأة.
هبت نسمة باردة بيني وبينه، كأنها تلامسنا بخفة.
كلما اقترب، شعرت أن عبير الحمضيات القوي الذي عبق بأنفي يكاد يسكرني.
“متى عدت إلى البلاد؟”
“عدت بالأمس.”
“ولكن لماذا غادرت دون أن تخبر أحداً؟”
أجاب على سؤالي الأول بلا مبالاة، لكن عند سؤالي الأخير، خف بريق عينيه فجأة.
“لأنني أتيت دون أن يعلم احد .”
“…”
“حتى السترة… تركتها خلسة لكن يبدو أنني انكشفت بسبب جواز السفر.”
أشار بذقنه إلى جواز السفر الذي أحمله بيدي.
لا بد أنه سمع بكل ما قيل في وسائل الإعلام الملتهبة.
ناولته جواز السفر دون أن أرى أي انفعال منه.
“هل أنتِ بخير؟”
بينما كان يتفحص الجواز، طرح عليّ سؤالاً غير متوقع.
“عفوا؟”
في جنازة اليوم، لم يسألني أحد هذا السؤال العادي.
الجميع كانوا منشغلين فقط بالقلق على مجموعة “دبليو”، لا عليّ.
“هل أنتِ بخير؟ تبدين متعبة للغاية.”
“… ن… نعم.”
كلمة بسيطة لا تساوي شيئًا كادت أن تفجر دموعي.
اضطررت إلى عض شفتي من الداخل كي لا تنهمر الدموع التي شعرت بها تحرق عينيّ.
نظر إليّ بصمت، ثم أومأ برأسه كمن فهم، ثم استدار.
“حسنًا، سأأخذ الجواز لأنني بحاجة إليه.”
استدار وكأنه سيرحل، وكانت نسمات الهواء تعبث بشعره الأسود القاتم.
“آه، بالمناسبة.”
وقبل أن أتمكن من اللحاق به، استدار “جيها” فجأة.
“…؟”
“سو جيهان.”
نطق اسمه الثلاثي بصوت منخفض.
اقترب “جيها” خطوة، ونظر إليّ بعينين أعمق من ذي قبل.
“لا تثقي به كثيرًا.”
“ماذا؟”
(لا أثق به؟ ماذا يعني؟)
تسللت كلماته إلى رأسي وأثارت الفوضى في داخلي.
وفي اللحظة التي حاولت فيها قراءة الجواب في عينيه، اهتز الهاتف في جيبي باهتزاز خفيف.
[اتصال عاجل، يبدو أن هناك تحركات غير طبيعية من جانب المساهمين. -العم هيونيك]
ظهرت رسالة نصية قصيرة على شاشة الهاتف.
[نائب الرئيس كيم يونغ مين بدأ بالتحرك. -العم هيونيك]
عندما وصلت عيناي إلى اسم “كيم يونغ مين”، توقفت هناك.
حقيقة أن المساهمين بدأوا في التحرك تعني أن “جيهان” تحرّك.
رفعت رأسي، والتقت عيناي بعيني “جيها” الذي كان يحدّق بي بهدوء.
لكن نظرته الهادئة تغيّرت للحظة بشكل غامض.
(يجب أن أُوقف اجتماع المساهمين.)
في حياتي السابقة، من تولّى منصب الرئيس بدلاً مني في اجتماع المساهمين كان زوجي “جيهان”.
“جيهان” استلم حق الإدارة، ثم سارع باتخاذ قرار دمج مجموعة “هو جين”.
وبقيادة “يونغ مين” و”جيهان”، تم تمرير الاقتراح بالإجماع.
“هل يجدر بي من الآن أن أناديكِ بزوجة ابن عمي؟ سأرحل إذًا. كان من الجيد رؤيتك بعد كل هذا الوقت.”
قالها وهو يبتسم بخفةٍ مرسومة على شفتيه وبدأت يدي التي تمسك بالهاتف ترتجف قليلاً.
كيف لي أن أجعل هذا الرجل في صفي؟
“خسارة العائلة أمر مؤلم للغاية… لكن الزمن كفيل بتضميد الجراح.”
هل كانت كلمات نابعة من تجربة؟
رغم أنها لحظة قصيرة، إلا أن عيني “جيها” أظلمتا بعمق.
لم يكن هناك خصم أفضل من “جيها” لإسقاط مجموعة “هو جين” والضغط على “سو جيهان”.
نعم، ربما لقائي بـ “جيها” في هذا الزمن، بخلاف ما حدث في الحياة السابقة، هو فرصة من السماء.
فرصة لتغيير هذا القدر المقيت…
“السيد سو جيها.”
ناديت “جيها” بصوت خافت بعدما استدار ليغادر.
“أرجو أن تخصّص لي بعض الوقت في مكان هادئ، نحن فقط.”
هبت من جديد نسمة باردة تمايلت بيني وبينه.
بدا وكأنه فوجئ بطلبي للقائه، أنا بالذات اتسعت عيناه قليلاً ثم عادت إلى حالتها الطبيعية.
ارتسمت على وجه “جيها” ابتسامة خفيفة ماكرة وهو يرد بمكر:
“نحن فقط؟ هل هناك ما يجب علينا الحديث عنه معًا؟”
“ليس بصفتِي زوجة في عائلة (هو جين)، بل كحفيدة مجموعة (دبليو)، (يون يوجين).”
“…”
لأول مرة منذ لقائنا، ظهرت نظرة اهتمام حقيقية في عيني “جيها”.
“ولن تندم على هذا اللقاء.”
توقفت الابتسامة الماكرة التي كانت على شفتي “جيها”.
***
منذ لقائي بـ “جيها” عند الفجر، قضيت الليل مستيقظة دون أن تغفو عيني للحظة.
اجتماع المساهمين الذي جرى في لمح البصر، وظهور “جيها” المفاجئ، جعلا رأسي يعجّ بالأفكار.
وبعد طول تفكير، أشرقت شمس الصباح.
كما في حياتي السابقة، لم يعد “جيهان” إلا بعد انتهاء مراسم دفن الجد.
“آسف، كان يجب أن أكون إلى جانبك.”
قالها بكل وقاحة، مرتدياً بذلة العزاء نفسها التي حضر بها إلى قاعة الجنازة.
وحين اقترب وضمني إليه، هاجمني عبير عطوره الكريهة، فدفعت “جيهان” مبتعدة بتلقائية.
ما إن أدركت أن هذا العطر هو ذاته الذي شممته ذات مرة من “سورين”، حتى شعرت بالغثيان.
خطيب مهووس بزميلتي المقربة لدرجة أنه يتأخر حتى عن جنازة جدّي.
(يا له من وغد.)
“كفى. دعني وشأني.”
لم أستطع هذه المرة أن أُخفي شعوري بالنفور تجاه “جيهان”، فأدرت وجهي بعيداً.
وفي تلك اللحظة، عاد العم “هيون إيك” بعدما خرج لإجراء مكالمة.
كان قد التقى بالمساهمين، وجاء في التوقيت الذي تنتهي فيه مراسم الجنازة.
“كلاكما في حالة حرجة؟”
“لا، لا يمكن أن يكون هذا صحيحاً الرئيس “يون” رحل، وإن حدث مكروه لـ “جييونغ” أيضاً، فمجموعة “دبليو” ستنهار…”
في وجه رئيس مجلس الإدارة “سو”، تجلّى الحزن بوضوح إثر تلقيه هذا الخبر القاسي.
فبعد أن فقد صديقه القديم – جدي – أصبح والداي أيضاً على شفا الموت، وكان وقع ذلك شديداً عليه.
أما نائب الرئيس، فظلّ صامتاً، يراقب الموقف بشفاه مطبقة.
“يوجين، أو بالأحرى آنسة، عليكِ اتخاذ قرار لا يمكن السماح بمرور الاجتماع كما يشاؤون.”
قالها العم بحزم، محدقاً بي بعينين صارمتين.
حين توفي الجد، لم يتحرك المساهمون ساكناً.
لكن، ما إن أصبحت حياة والديّ في خطر، حتى أعلنوا على عجالة نيتهم عقد اجتماع.
كان الأمر واضحاً.
اعتقدوا أن حفيدة تبلغ من العمر تسعاً وعشرين عاماً، أصبحت وحيدة، من السهل التلاعب بها.
“دعيني أذهب بدلاً منك.”
قال “جيهان” وهو يضع يده على كتفي، بعدما كان يراقب الموقف بصمت.
“هي ستكون زوجتي قريباً.”
قالها وهو ينظر إلى العم “هيون إيك” بنظرة حاسمة، وكأنه يؤكد أن زواجنا بات أمراً واقعاً.
“مجموعة دبليو هي عائلة هذه الفتاة، لذا فهذا شأن يخص هو جين أيضاً فنحن عائلة واحدة الآن.”
كان يبتسم بخفة، ولكن عينيه كانتا تتلألآن بالطموح والجشع.
كان عليّ أن أكتم ضحكة ساخرة أرادت الإفلات من شفتي.
من الذي قتلني؟ من الذي قتلني باسم العائلة؟
لقد كنتُ جزءاً من تلك العائلة، ومع ذلك… أنت من قتلني.
“كلا.”
أزحت ذراعه عن كتفي وأنا أبتسم بسخرية مرة.
“سأحضر الاجتماع بنفسي.”
“لكن، حتى لو ذهبتِ، فلن تفهمي شيئاً من تعقيدات الأمور داخل الشركة من الأفضل أن أذهب أنا…”
تلعثم “جيهان” وبدأ يُسهب، وكأنه يحاول إقناعي.
لكنني قاطعته.
“جيهان، أنا الوريثة.”
راقب جيداً.
سواء في مقعد الزوج أو في مجموعة دبليو، لن يكون لك مكان.
“ثم إننا، قانوناً، لا نزال أناساً غرباء، أليس كذلك؟”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 4"