“ المذيعة تشاي، استعدّي من فضلك.”
اقتربت سيورين من خلفية الشاشة الخضراء لتقديم آخر فقرة متبقية من النشرة الجوية.
ومع انطلاق إشارة البث، بدأت تشير إلى المواقع التي ستُضاف عليها الرسوم الجرافيكية المُعدة سلفاً، وتشرح التفاصيل.
عندها تحديداً…
كلما تحركت يد سيورين، كان هناك شيء يلمع على الشاشة باستمرار.
“هاه؟ لقد لمع مجددًا؟”
قال أحد أفراد طاقم العمل، وهو يحدق في شاشة بث الأخبار، بنبرة مستغربة.
“ما هذا؟ أهو خاتم أيضًا؟”
“نعم، يبدو كذلك السيدة المذيعة تشاي ترتدي خاتمًا أيضًا.”
اقترب المخرج الذي كان يستمع لكلام الطاقم، وتفحّص الصورة التي أثارت الجدل.
“الاكسسوارات الأخرى لا بأس بها، لكن اليوم الأمر غريب المذيعة يون حصل معها الأمر ذاته، وها هو يتكرر مرة أخرى.”
تذكّر مخرج التصوير الخاتم اللامع الذي ظهر بشكل ملفت على الشاشة أثناء تقديم يون للأخبار.
ويون لم تكن ترتدي في السابق أي اكسسوارات قد تشتت انتباه المشاهد، ولهذا اقترب منها حينها بهدوء واقترح عليها ألا ترتديه مجددًا.
لكنه لم يكن يتوقع أن تأتي المذيعة تشاي سيورين هي الأخرى مرتدية ذلك الخاتم المثير للجدل، مما جعله يشعر بالارتباك.
“ما العمل يا أستاذ؟”
“لا يمكننا التوقف الآن، لا خيار لدينا الفقرة قصيرة، لذا لنتجاوز الأمر فحسب.”
“لكن، ألا تظن أن ذلك الخاتم يشبه خاتم السيدة المذيعة يون؟”
سأل أحد أفراد الطاقم وهو يحدق في الخاتم اللامع في إصبع البنصر لدى سيورين.
“ممم… قد يكون شبيهًا، لا أكثر على أية حال، من المؤكد أن منشورات ستُكتب على منتدى المشاهدين آمل فقط ألا تُصنّف على أنها ‘حادثة بث’.”
“صحيح…”
.
.
.
“شكرًا على مجهودكم اليوم.”
“وأنتِ أيضًا، أيتها المذيعة.”
انتهى بث النشرة الإخبارية مع نهاية النشرة الجوية.
وحين عادت إلى مكتب قسم البرمجة وأمسكت بحقيبتها، أضاء هاتفها الموضوع على المكتب.
[ستغادرين الآن، صحيح؟ أنا أمام مبنى محطة البث. – جايها]
عند رؤية الرسالة التي تؤكد أنه بانتظارها، نهضت بسرعة من مقعدها.
الساعة المعلقة على الحائط أشارت إلى الحادية عشرة ليلًا.
لم تكن تتوقع أن يكون جايها بانتظارها، لذا أسرعت بالخروج من المكتب، لكن—
في تلك اللحظة، دخلت إحدى زميلاتها، وهي مذيعة مقربة من “سيورين”، إلى المكتب برفقة “سيورين” نفسها.
قالت الزميلة:
“ ألم تغادري بعد؟”
ردّت “يوجين” بابتسامة سريعة:
“لا، لديّ برنامج صيفي جديد أعمل عليه فقط سأمرّ على الحمام ثم أرحل اذهبي أنتِ أولًا.”
قالت الزميلة:
“حقًا؟ لدي موعد، سأسبقك إذًا أراكِ غدًا.”
جمعت “سيورين” حقيبتها واتجهت إلى الباب حيث كانت “يوجين” واقفة، ثم نظرت إليها بابتسامة خفيفة مائلة للسخرية، وغادرت.
نظرت “يوجين” إليها وهي تبتعد، ثم أرسلت ردًا على رسالة “جايها”:
[سأغسل يدي فقط و أخرج ]
بعدها توجهت مباشرة إلى الحمام
***
كانت السيارة السوداء المألوفة متوقفة أمام محطة البث.
جلست في المقعد الأمامي، وكان جايها مرتديًا قميصًا أبيض بسيطًا.
لاحظت مظهره المريح والمختلف قليلًا، ثم أشار إلى عصير موضوع أمامه.
“أحضرت عصير فواكه طازج، اشربيه.”
“عصير؟ ما المناسبة؟”
شربت عصير البرتقال الموضوع في حامل الأكواب.
كانت قطرات الندى تتكوّن على الكوب البلاستيكي وكأنه قد أُعدّ للتو.
“شعرت بالعطش أثناء انتظاري لك، فاشتريت واحدًا.”
“هل انتظرت طويلًا؟”
“ليس كثيرًا، فقط قليلاً.”
لو قال إنه ينتظر، لكنت خرجت أبكر.
بينما بدأ بقيادة السيارة، ألقت نظرة سريعة عليه ثم أنزلت عينيها إلى هاتفها.
كانت تتصفح التعليقات على خبر إطلاق مشروع “الحُلم” الذي أعدّه جيهان بكل حماس.
[الأرض منحوسة، أراهن أن كل الأزواج الجدد الذي سوف يسكنون هناك سوف ينفصلون. 14:02:42]
[تم حذف التعليق بواسطة الكاتب.]
[قسم التعليقات مولع 19:59:23]
معظم التعليقات كانت تسخر من تناقضه، إذ أطلق مشروعًا سكنيًا للأزواج في حين أنه نفسه ألغى زفافه.
وكان عدد التعليقات المحذوفة أكبر من تلك المتبقية، ما يشير إلى أن مجموعة “هوجين” كانت تعمل على تهدئة الوضع.
“ما الذي يشغلك هكذا؟”
“مقالة عن مجموعة هوجين أعتقد أن النتيجة جيدة.”
“لم أتوقع أن تكون الهدية على هذا الشكل في الحقيقة، تفاجأت.”
نظر إليها دون أي تعبير واضح على وجهه، ما جعلها تتساءل ما إذا كان متفاجئًا حقًا.
كان من المعتاد أن يبتسم بعينيه اللامعتين ويقول: “أحسنتِ”، لكن رد فعله اليوم بدا مختلفًا عن العادة.
“هل حدث شيء؟”
بدا عليه التعب أيضًا.
ثم طرأ في ذهنها سؤال مفاجئ، فسألته:
“صحيح كنت أريد سؤالك عن شيء.”
“ما هو؟”
“هل صحيح أن السيد سيو جيهان سيشارك بنفسه في فعالية التبرعات غدًا؟”
كانت قد سمعت من السيد هيونيك أن قسم العلاقات العامة في مجموعة هوجين دعا الصحفيين لحضور الحدث.
ومن المؤكد أن المجموعة تأثرت سلبيًا بعد نشر خبر فسخ الخطوبة.
“خاصة أن التوقيت جاء متزامنًا مع الإعلان عن المشروع الجديد.”
سيو جيهان كان يكره الظهور الإعلامي ما لم يكن هناك داعٍ رسمي.
فمشاركته شخصيًا تعني أن مشروع “الحُلم” متصل بشكل مباشر بعملية توريث مجموعة هوجين.
وهو شخص أناني لا يهتم إلا بنفسه.
“فعالية تبرعات للمطلقات والأسر المتعثرة، صحيح؟”
“نعم، بالضبط.”
“الأصل أن تكون بعد مدة، لكنهم قدّموها بسبب خبر الفسخ سمعت أنه سيشارك بنفسه.”
توقفت السيارة ببطء.
عندما نظرت من النافذة، رأت مجمع الشقق الذي تعرفه جيدًا.
“طبيعي أنهم بحاجة إلى السيطرة على الوضع بسرعة، أليس كذلك؟”
بينما كانت تشعر بالرضا بعد الحصول على الإجابة، بدا أن عيني جايها تضيقان قليلًا.
“لكن، أعتقد أني لم أعد أرغب بسماع أخبار عن رجال آخرين.”
“……ماذا؟”
فوجئت بكلامه بينما كانت تفك حزام الأمان.
“منذ بداية الرحلة وأنتِ تتحدثين فقط عن سيو جيهان.”
“هل فعلت ذلك؟”
عند مراجعة حديثها، اكتشفت أنها بالفعل كانت تطرح الأسئلة حول جيهان طيلة الوقت.
هل تسببت في إزعاجه؟
نزل جايها من السيارة وتوجه نحو المجمع، لكنه فجأة توقف عن المشي.
هي كذلك توقفت، تنظر إليه وقد بدت عليه هالة غريبة ومختلفة عن المعتاد.
“مدّي يدك.”
تفاجأت من طلبه الغريب، لكنها مدّت يدها اليمنى نحوه.
“ليس اليد اليمنى، اليسرى.”
مدّت يدها اليسرى هذه المرة، وهي لا تزال لم تفهم ما يدور.
“أوه، لم ترتديه؟”
اقترب منها جايها وأدخل أصابعه بين أصابعها، ممسكًا بيدها بإحكام.
فوجئت بتصرفه المفاجئ، واكتفت بالرمش بعينيها في صمت.
“ماذا؟”
عندما تبعت نظره، رأت إصبع البنصر خاليًا.
هل يقصد خاتم الزواج من جيهان؟
“أنت تتحدث عن الخاتم؟”
تساءلت في نفسها كيف عرف أنها كانت ترتديه اليوم أثناء البث.
ومع ظهوره في الحوار، بدأت ملامحه تتغير ويغشاها الغضب.
“في البث بدا وكأنكِ كنتِ ترتدينه.”
“هل شاهدتَ النشرة اليوم؟”
“نعم، أنا أتابع الأخبار يوميًا تقريبًا.”
فوجئت من متابعته المنتظمة لنشرات الأخبار التي تقدمها.
“شاهدتها كما أفعل دائمًا، لكن اليوم تفاجأت… بسبب ذلك الخاتم.”
“……”
“ارتداء خاتم زواج من خطيب سابق؟ ما نوع التغيّر في المشاعر الذي يجعلك تفعلين ذلك؟”
شعرت بأن أفكارها المتشابكة توقفت فجأة.
هل هذا يعني أن ملامحه المتجهّمة طوال الوقت كانت بسبب الخاتم؟ مهلاً…
“هل هذا… غيرة؟”
رغم أنه كان يتحدث بوجه جاد، لم تستطع منع نفسها من الضحك حين راودها هذا الظن.
ضحكت لأنها لم تصدق ما تراه وتسمعه في هذه اللحظة.
“هاه؟ هل تضحكين الآن؟”
“كتمت ضحكتها، لكن لم تستطع منعها من الإفلات”
“…”
ما إن بدأت الضحكة، حتى لم أعد أستطيع التوقف عنها، وازدادت تجاعيد جبين “جايها” شيئًا فشيئًا.
لم أكن أرغب في الضحك، لكن لم يكن بوسعي التوقف.
“هاه، ليس وقتًا للضحك.”
رؤية “جايها” يتحدث بوجه جاد زاد الأمر صعوبة عليّ في كتم الضحكة.
“… آه، آسفة.”
“أن تضعي الخاتم بعد فسخ الخطوبة، هذا كفيل بأن يثير سوء الفهم بين الناس.”
كلما تحدث “جايها”، زادت ابتسامتي اتساعًا، ولم أتمكن من كبحها.
منذ أن بدأت أضحك، بدأت ملامح “جايها” المتجهمة تتغير تدريجيًّا.
“آهٍ، ما الذي قد يسيء الناس فهمه؟”
“بالكامل سيسيئون الفهم سيقولون: ‘المذيعة “يون” لا تزال تحمل مشاعر لخطيبها السابق، ربما يفكران في العودة لبعضهما’.”
عند سماعي لكلمة “عودة”، تذكّرت الماضي المروع كيف لرجل يعرف تمامًا ما عانيته أن يقول مثل هذا الكلام؟
نظرت إليه بوجه مذهول، أراقب خياله الذي انطلق بعيدًا.
“أنت تعرف أكثر من أي أحد آخر أن ذلك غير صحيح، يا “سو جايها”. ثم إنني لا أمانع سوء الفهم من قبل الناس.”
بل سيكون أفضل إن اهتم الناس بقصة فسخ الخطوبة وحفروا فيها بعمق.
وإن كشفوا تلك العلاقة غير اللائقة بينهما بكل شراسة، فسأكون أكثر امتنانًا.
“أعطني.”
“أعطيك ماذا؟”
مدّ إليّ يده الأخرى التي لم يكن ممسكًا بها يدي، على نحو مفاجئ.
“الخاتم.”
“أمـ… تريد الخاتم؟”
دون شرح إضافي، أشار إلى يده الممدودة بذقنه بنظرة ملحة.
وكأنّه لن يسحب يده إلا إذا سلّمته الخاتم، كان “جايها” حازمًا.
“الخاتم ليس معي الآن.”
فركت مؤخرة رأسي مرتبكة من الموقف غير المتوقع، ثم تلعثمت تحت وقع نظراته الثابتة.
“لكنكِ كنت ترتدينه حتى وقت البث.”
لم يكن الخاتم معي فعلًا، وهذا ما جعلني في موقف حرج.
ابتسمت له ابتسامة خجولة، وأنا أواجه نظراته المتحسّرة.
“نعم الآن ليس معي ولكن، ماذا ستفعل به إن حصلت عليه؟”
“ماذا سأفعل به؟ سأرميه طبعًا.”
ردّ بوجه متجهم وكأنّه يعني ما يقول.
هل حقًا ينوي رميه؟!
“أنت غريب اليوم، يا “جايها”. ما الذي جرى لك؟”
رغم أن “جايها” كان دائمًا يمزح بطريقته المزعجة، إلا أن الجوّ اليوم مختلف، وهذا ما أربكني.
كنت أظن أنه فهم سبب ارتدائي لذلك الخاتم اللافت أثناء البث، فهو “جايها” بعد كل شيء.
تنهدت بصوت منخفض.
“ارتديت الخاتم اليوم لأن…”
“أعرف ارتديته عمدًا حتى يظهر على الشاشة، أليس كذلك؟”
قطبت جبيني عند سماعي منه أنه كان يعرف كل شيء.
“المشاهدون أيضًا بدأوا يلاحظون لكن، “يوجين”، أنت أبطأ مما ظننت.”
شدني فجأة إلى قربه، ليصبح جسدانا ملتصقين، وأنا ما زلت أبتسم بتوتر.
“لم أتوقع أن أقدّمه لك في مكان مفتوح كهذا.”
عاد “جايها” إلى طبيعته المعتادة، كما لو أن شيئًا لم يكن.
ثم نظر إليّ بعينين أعمق من أي وقت مضى، وأخرج شيئًا من جيب بنطاله الخلفي.
“كنت قد طلبته مسبقًا، لكنه تأخر أكثر مما توقعت.”
‘هل يُعقل…’
“هذا رمز على أننا سنصبح زوجين.”
ما إن نطق بكلماته الرقيقة، حتى بدأ قلبي يخفق بشدة.
رأيت الخاتم وهو يُدرج برفق في إصبعي الخالي من أي زينة.
“فلنتزوج.”
في شارع بارد وقاسٍ، تحت ضوء مصباح الشارع، كان ذلك الخاتم يلمع بشكل متناقض ومؤلم في جماله.
وشعرت بأن قلبي امتلأ بمشاعر غامرة.
“تخلّي عن ذاك الذي أهداه لك “سو جيهان”.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 39"