بوجهٍ محمرٍّ كما لو أنه سينفجر في أي لحظة، فتح جيهان باب مكتب الإدارة بعد أن أنهى اجتماعه مع رئيس مجلس الإدارة.
ونتيجةً لفتح الباب بشكل مفاجئ، نهضت السكرتيرة التي كانت جالسة على مكتبها على عجل.
“ال-رئيس التنفيذي…….”
“أين المديرة كيم؟”
“غادرت مكتبها للحظات سأبلغها فورًا بالقدوم.”
عندما رمقها جيهان بنظرة حادة أكثر من المعتاد، ارتبكت السكرتيرة وارتجفت.
“اتصلي بها فورًا وقولي لها أن تدخل فور وصولها.”
دخل جيهان إلى المكتب وألقى بملف المستندات الذي كان بيده فوق المكتب.
حتى بعد أن فك ربطة عنقه التي كانت تخنقه بشدة، ظل صدره مكتومًا وأنفاسه متقطعة.
“تبًّا!”
ضرب سطح المكتب أمامه وهو جالس على الكرسي.
رغم تكرار ضرب الطاولة حتى دوّى صدى الصوت في أرجاء المكتب، لم يهدأ غضبه.
كان في منتصف عرض تقديمي عن مشروع إطلاق شقق “الحُلم” الجديدة أمام موجين ومين غوك.
المشروع الذي يحمل اسمه باعتباره المدير التنفيذي، كان في مراحله الأخيرة.
لكن فجأة بدأ هاتفه يرن، ثم ورد إليه تقرير عاجل أثناء العرض.
وما زاد الطين بلة أن التقرير العاجل كان يتعلق بانفصاله عن خطيبته.
“فسخ خطوبة مصحوب بفضيحة… أحسنت حقًّا وتجلس هناك وتُدعى بالوريث أيضًا.”
لم يستطع نسيان نظرة موجين الباردة حين أنزل جهازه اللوحي.
وفي هذا التوقيت بالذات، حين يطلق مشروع شقق بشعار الأسرة والزواج، تنفجر فضيحة فسخ الخطوبة!
من المستحيل أن يكون هذا التوقيت محض صدفة.
(يون يوجين… كيف تجرؤين؟)
امرأة تُقدّر مظهرها الخارجي لدرجة تمسّكها بعملها كمذيعة، تفكر في فضح نفسها هكذا؟
أصبح الملف الموضوع أمامه ممزقًا تمامًا داخل يديه.
ثم سُمِع صوت طرقٍ خفيف على الباب، ودخلت المديرة كيم.
“رئيس التنفيذي.”
“مديرة كيم، ما موقف قسم العلاقات العامة؟ لا، لا يهم قولي لهم أن يمنعوا النشر فورًا احذفي كل المقالات.”
هذا الخبر يجب إيقافه بأي وسيلة كانت.
“لقد تم اتخاذ الإجراءات اللازمة بالفعل عبر قسم العلاقات العامة أما البيان الرسمي فهو…”
“سأتولى أنا إعداد البيان الرسمي.”
مع استجابة المديرة كيم السريعة، بدأ ذهن جيهان المشتت يستعيد ترتيب أفكاره.
عليه التفكير التفكير في طريقة للخروج من هذه الأزمة.
حينها وقعت عيناه على أوراق فعالية العمل الخيري الملقاة والمجعدة فوق المكتب.
عمل خيري…
إن لم تخنه الذاكرة، فهناك قريبًا فعالية تبرعات لمساعدة الأمهات العازبات والعائلات المتعثرة.
“مديرة كيم، فعالية العمل الخيري التي تحدثنا عنها… متى موعدها؟”
“بعد أسبوع.”
حينها فقط لمعت عينا جيهان كما لو أنه وجد طوق النجاة.
“عجّلي بتنظيمها، قدّمي الموعد.”
***
كان مكتب قسم البرمجة يعج بالمذيعين الذين وصلوا للتو.
وباستثناء من دخلوا اجتماع الصباح، جلست سيورين مع عدد من المذيعين المقربين منها في ركن الاستراحة.
“سيورين، رأيت صورتك التي نشرتها على مواقع التواصل أمس.”
“أنا أيضًا رأيتها هل تلك الخاتم من تصميم ذلك المصمم الشهير؟”
“نعم، على ما يبدو؟ هذا ما قيل لي.”
كانت زميلتها تشير إلى الصورة التي نشرتها سيورين في الليلة السابقة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ورغم أنها لم تذكر صراحة أنه عرض زواج، إلا أن المنشور حمل تلك النبرة.
تذكرت سيورين يوجين، التي التقتها في صف الشيف “لي”، فارتجفت شفتاها بسخرية.
استحضرت كلماتها التي كانت مليئة بالاستهزاء، حين سألتها إن كانت تحب الأمور “النصفية”.
كانت تظن أن رؤية خاتم الزواج سيُصيب يوجين بالصدمة، لكن محاولتها للنيل منها باءت بالفشل الذريع.
استغلت حملها كذريعة لإقناع جيهان بصعوبة لحضور ذلك الصف.
(هل أشعر بالخزي؟ ولماذا أشعر؟)
فالخاتم صُنع خصيصًا لها، فكيف يكون مدعاة للخزي؟
لهذا السبب، نشرت سيورين صورة الخاتم في نهاية الأسبوع، مرفقة بكلمات منمقة ومقنعة.
“ياه، أليس ذلك الإصدار المحدود؟ سمعت أن تلك العلامة تصنع خاتم زفاف واحد فقط في كل إصدار.”
“أعرف، تلك العلامة شهيرة جدًا كل قطعة تُصمم بتصميم شخصي.”
(خاتم واحد فقط؟ تتحدثون وكأنكم تعرفون كل شيء ما دام معك المال، يمكنك الحصول على أي شيء.)
رغم أن سيورين رأت في زميلتها تلك سذاجة مستفزة، لكنها أظهرت تعبيرًا بريئًا على وجهها.
شعرت بتغير نظرات المذيعات المحيطات بها في لحظة.
(أتحسدنني؟ أجل، وهل يمكنكم لمس شيء كهذا طوال حياتكم ؟)
ارتجف جسد سيورين نشوةً وهي تستشعر مكانتها وسط تلك النظرات المُعجبة.
لطالما اضطرت لإطراء الآخرين كي تحافظ على مكانتها.
لكن الآن، بدت وكأن كل ما عانته قد كُوفئ ، وكانت تعيش أسعد لحظات حياتها مؤخرًا.
ورغم ذلك، حافظت على ملامح خجل زائف أمام زميلاتها المذيعات.
“حقًّا؟ في الحقيقة لم أكن أعرف العلامة قبل أن أُقدّم لي الخاتم، لذا لا أعرف عنها الكثير…….”
كان وجه سيورين يزداد احمرارًا وهي تتحدث بنظرة بريئة.
حدّقت زميلاتها فيها بنظرات أكثر إعجابًا.
“هل يمكننا رؤية الخاتم؟”
“طبعًا، بالتأكيد، تفضّلي.”
نزعت سيورين الخاتم من إصبعها البنصر ومدّته إليهن.
فتجمّعن بسرعة حوله وتوالت عبارات الانبهار.
“لم أرَه من قبل إنه دقيق وجميل جدًا أظن أنهم حجزوا الطلبات لمدة سنة تقريبًا؟”
“إن كانا قد صمّما الخاتم مسبقًا، فلابد أنهما خططا للزواج منذ وقت طويل.”
“يا لحظك أتمنى أن أتلقى عرض زواج بخاتم كهذا.”
عندما وضعت سيورين كلتا يديها على فمها بعد تلك الكلمات، ضحكت زميلاتها برقة.
ثم أعادت الخاتم إلى إصبعها البنصر.
لكن عندما بدأ الحديث يدور حول الزواج، أنزلت سيورين عينيها إلى هاتفها.
فقد كانت مشغولة مؤخرًا بالبحث عن متجر فساتين الزفاف بمفردها.
لأن زواجها من جيهان على ما يبدو سيتم تقديمه عن الموعد المتوقع.
ومع الـUSB الذي سلّمته له سابقًا، أصبحت مشاعر جيهان العدائية تجاه يوجين أقوى من ذي قبل.
(بل على العكس، أشعر أن “أوبا” بدأ يقدّرني أكثر بفضل ذلك الشيء.)
فقد كان جيهان لا يحدّثها من قبل عن شؤون حياته، لكنه بدأ مؤخرًا يشاركها أمور الشركة.
بل وبدأ يطرح عليها أسئلة عن الجنين أيضًا.
(كلما ازداد كرهه لهما، أصبحنا نحن أقرب.)
كانت سيورين تبتسم وهي تتخيل مستقبلها القريب بشغف وسعادة.
“هل رأيتِ الخبر العاجل على الإنترنت؟ تحققي من نتائج البحث.”
“هذا جنون أليس هذا عن تلك الزميلة؟”
“يبدو أنه عن الزميلة يوجين فعلًا.”
خبر على الإنترنت؟
ارتجفت أذناها عندما سمعت اسمًا مزعجًا يتردد، فرفعت رأسها.
“سيورين، هل هذا صحيح؟”
“هاه؟”
نادتها إحدى زميلاتها الجالسات بجانبها، فتوجّهت الأنظار نحوها.
وبينما كانت سيورين تتظاهر بملامح جاهلة، ناولتها إحدى الزميلات هاتفها.
[تحالف عائلة “هوجين” و”W” ينتهي بانفجار هل كان سبب فسخ الخطوبة علاقة غير شرعية من طرف المدير سيو؟]
“يبدو أن الأخت الكبرى يوجين قد انفصلت بعد مغادرتها حفل الزفاف.”
“يا إلهي… سورين، ألا تعرفين شيئًا؟ لقد حضرتِ الحفل، أليس كذلك؟”
استمرت تساؤلات الزميلات من حولها، لكن سورين لم تستطع إلا أن ترتجف يدها التي تمسك الهاتف.
عاجزة عن الكلام، حتى شفتيها المرتجفتين لم تستطع ضمّهما.
‹يون يوجين… هذا…›
لم تكن تتوقع أن تقوم يوجين فجأة بنشر الخبر على هذا النحو.
هي التي كانت تتظاهر دائمًا بالكبرياء وتضع صورتها العامة في المرتبة الأولى،
كيف أمكنها أن تقوم بشيء كهذا…
‹لا يكون أنها استغلت ما حدث في الكلاس لتفعل هذا؟›
“عشيقة وتعمل كمذيعة طقس؟ لا يكون من محطتنا، أليس كذلك؟”
عند سماع هذا التعبير المقيت، تجهم وجه سورين على الفور.
رغم أن الشخص الذي يُحبّه هو انها هي، لم تستطع قول كلمة واحدة في هذا الوضع المجحف.
“هما لم يكونا مناسبين لبعضهما منذ البداية.”
“…هاه؟”
تمتمت سورين بصوت بارد متجمد،
ثم بدا أنها شعرت بالأنظار الموجهة إليها، فاضطرت إلى كبح غضبها المتصاعد.
يجب أن تحافظ على رباطة جأشها.
لا يمكنها أن تدمر ما بنته بصعوبة طوال هذه الفترة لأجل أمر كهذا.
“كنت أتوقع شيئًا كهذا معظم الزيجات بين الأسر الثرية الخالية من الحب تنتهي على هذا النحو.”
عندما دخلت إلى الاستوديو مع اقتراب وقت بدء النشرة، انقطع الحديث فجأة.
وكأنهم كانوا يتحدثون عنها، استمرّ الصمت حتى جلست على منصة الأخبار.
‹هذا أمر كان لا بد أن أواجهه يومًا ما لا بأس.›
أصبح من الصعب تحمّل نظرات الناس الملتصقة بي في كل ركن من أركان المحطة.
حتى نظرات الشفقة كانت كالسكاكين تخترقني.
لكنّ تلك النظرات المشفقة ما لبثت أن تحولت إلى نظرات صادمة بعد فترة قصيرة.
“خرج خبر انفصالها ومع ذلك تتصرف وكأن شيئًا لم يكن المذيعة يون… قاسية فعلًا.”
كانت تلك النظرات الموجهة إليّ تبدو كنوع من اللوم الصامت.
دخلت سورين إلى الاستوديو.
ظننت أنها ستدخل غاضبة بعد أن رأت الخبر، لكنها كانت أكثر هدوءًا مما توقعت.
وقفت إلى جانب الكاميرا تنظر إليّ بذراعيها المتشابكتين،
بعينيها اللتين تقولان: جربي إن استطعتِ.
قبل دخول الاستوديو، كنت قد سمعت من العم هيونيك أن قسم العلاقات العامة في مجموعة هوجين بدأ بالتحرك.
ومن تعبير وجه سورين المتعجرف، يبدو أنها علمت بذلك أيضًا.
“استعدوا للبث المذيعتان، استعدو من فضلكم.”
“نعم.”
وضعت النص الذي كنت أمسك به مجددًا على الطاولة مع صدور إشارة الاستعداد.
ثم جلس كبير المذيعين، الزميل يونغ جون، إلى جانبي.
“يوجين، هل ستكونين بخير أثناء البث اليوم؟”
“سأكون بخير.”
ابتسمت ابتسامة صغيرة في وجه زميلي القلق، فهز رأسه على مضض.
“…هاه؟ يدكِ…”
ثم فجأة، اتسعت عيناه وهو ينظر إليّ كمن اكتشف شيئًا.
وجهت بصري إلى المكان الذي كان ينظر إليه ببطء.
“آه، هذا؟”
كان ينظر إليّ مذهولًا لا يستطيع إخفاء دهشته.
وقد تفهمت سبب دهشته، ربما لأنه يراها لأول مرة.
“شعرت أنه يجب عليّ أن أرتديها مرة واحدة على الأقل.”
ابتسمت ابتسامة مريرة.
وفعلاً، لم يسبق لي أن ارتديتها أثناء البث من قبل.
مررت يدي على الشعور البارد والغريب في بنصري الأيسر.
حينها التقت عيناي بعيني سورين الواقفة بجانب الكاميرا.
‹من المؤسف أن أكون الوحيدة التي تعرف كل هذه الحقائق.›
مع صدور صوت “كيو” إيذانًا ببدء البث، سحبت يدي بهدوء.
[أعزائي المشاهدين، معكم نشرة الأخبار التاسعة.]
وكان خاتم الزواج الذي في بنصري يلمع بوضوح على الشاشة.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 38"