لماذا لا تخطئ التوقعات السيئة أبدًا؟
حين فُتح الباب ودخلت سيورين، توقفت في مكاني فورًا.
“الشيف، انتهت الحصة، صحيح؟”
“نعم، تفضلي بالدخول.”
كانت سيورين تتحدث إلى الشيف بلطف، ثم عبست قليلًا وكأنها رأتني فجأة وأنا على مسافة منها.
لم تدم دهشتها طويلًا، فبينما كانت تقترب أكثر فأكثر، علت شفتيها ابتسامة متصنعة.
“لم أتوقع أن أراكِ في مكان كهذا، أختي!”
قالت سيورين بصوت مفعم بالود المصطنع وهي تبتسم بتكلف وتتظاهر بالألفة.
“…هاه.”
“الشيف، يبدو أنني نسيت شيئًا هنا.”
تفحصتني بعينيها بنظرة ساخرة، ثم أدارت رأسها نحو الشيف.
وبدا الشيف بدوره سعيدًا برؤية سيورين، وكأن بينهما ألفة ما.
“كنت أعلم، شعرت أن شيئًا ما نسيته سيورين الخاتم هنا.”
وأشار إلى الصينية على الطاولة وهو ينظر إلى سيورين القادمة نحوه.
“الحمد لله! كان هنا إذن.”
هل كان الخاتم بالفعل خاصًا بسيورين؟ لقد بدت مبتهجة أكثر من اللازم.
عندما مدت يدها وأمسكت بالخاتم، لمع تحت الضوء أكثر فأكثر.
“إنه الخاتم الوحيد من نوعه في العالم.”
صوت جيهان وهو يخبرني أن هذا الخاتم من تصميم مصمم شهير، وأنه لا يوجد في العالم سوى زوج واحد منه، لا يزال واضحًا في أذني.
ذلك الرجل الذي أهداني الخاتم بنفسه، وهو يدفعه في إصبعي الخنصر قائلًا إنه سيصبح عائلتي… أهدى الخاتم ذاته لسيورين أيضًا.
“ما هذا… هل جننت؟”
أفقت من الصدمة على صوت سيورين المتغنج مجددًا.
“حقًا، أنني سعيدة ظننت أنني أضعت الخاتم الذي أهداني إياه أوبا.”
تنهدت سيورين بارتياح، ثم التقطت الخاتم من على الصينية وأدخلته في إصبعها الخنصر.
وكان الخاتم يلائم إصبعها تمامًا، وكأنه صُنع خصيصًا لها.
كيف خطر له أن يهدي خاتم الزواج ذاته لامرأتين؟
شعرت بألم في رأسي ووضعت يدي على جبيني.
صورتها وهي تفرح بالخاتم انطبقت فوق ملامحي في حياتي السابقة، تلك التي كنت أحب فيها دون أن أعرف شيئًا.
“الخاتم جميل جدًا شكرًا لك، جيهان.”
“ربما لست زوجًا حنونًا، لكنني الآن عائلتك اعتمدي علي.”
هكذا قال لي، ثم أهدى الخاتم ذاته لسيورين… خاتم زواجنا.
كان ذلك احتقارًا صريحًا لي.
“وأين هو العريس الذي كان معكِ؟”
“في السيارة اكتشفنا اختفاء الخاتم في موقف السيارات.”
كلمات سيورين أعادت لي اتزاني تدريجيًا.
جيهان الذي أعرفه ليس من النوع الذي يشارك في مثل هذه الحصص، كان الأمر مريبًا.
“قال إننا يمكن أن نصنع خاتمًا جديدًا، لكنه سيكون عبئًا نفسيًا عليّ.”
“أجل من الجيد أنكم وجدتموه.”
كانت تتحدث مع الشيف، ثم وجهت إليّ نظرة مفعمة بالزهو، وكأنها انتصرت.
لم تتجنب نظري، بل واجهتني مباشرة بنظرة تحمل الكثير من الدلالات.
“فعلتِ هذا عمدًا، أليس كذلك؟”
لا أعلم كيف عرفت أنني أحضر هذه الحصة، لكن يبدو أنها تركت الخاتم هنا عن قصد.
وفي تلك اللحظة بالضبط، عاد جايها، الذي كان قد غادر الغرفة مؤقتًا.
ويبدو أنه لاحظ التوتر الذي يسود الأجواء بيني وبين سيورين.
“شيف، سنغادر الآن.”
أومأ الشيف برأسه وابتسم بلطف.
“أجل، شكرًا على مجهودكم اليوم وأنتِ أيضًا، آنسة يون.”
“شكرًا لك أيضًا، شيف.”
بادلت الشيف تحية سريعة وأنا أجمع أغراضي.
“شيف، أظن أن الوقت قد حان لانصرافي أيضًا.”
نظرت سيورين نحوي بطرف عينها، وكأنها تحاول التأكد من أنني سأغادر برفقة جايها.
ثم ألقت تحية إلى الشيف وكأنها أنهت كل شؤونها في الاستوديو.
“حسنًا، عودي بحذر، آنسة سيورين.”
“أراك في الحصة النظامية.”
وهكذا، مرّت بجانبنا وهي تبتسم بسخرية.
راقبتها وهي تمشي مبتعدة، ثم ناديتها بصوت منخفض:
“سيورين.”
توقفت والتفتت نحوي.
“…؟”
اقتربت منها حتى وقفت أمامها مباشرة.
وبدون أن أقول شيئًا، أمسكت بيدها فجأة، فانمحت نظرة الغرور عن وجهها.
“مـ-ماذا تفعلين؟”
“الخاتم… أردت فقط التأكد أنه ليس مزيّفًا.”
لم أكن أعتقد أنه مزيّف، لكني نظرت إليه وهو يلتف بإحكام على إصبعها الأبيض النحيل.
انزعجت سيورين من كلمة “مزيّف”، وظهر ذلك في تجعيدة حاجبيها.
“هاه لقد أهداني إياه أخيرلا يمكن أن يكون مزيّفًا…”
“هل تعلمين أن هذا الخاتم تحديدًا هو خاتم زواجي من جيهان؟”
لم أُرِ أحدًا ذلك الخاتم من قبل.
سيورين، التي أظهرت الخاتم أمامي بوقاحة، صمتت لوهلة، ثم ضحكت.
“تضحكين؟”
“هل تظنين أنني لا أعلم؟”
نظرت إليّ مباشرة وابتسمت ابتسامة هادئة.
كنت أظن أنها أخذت الخاتم عن جهل، لكنها تبتسم الآن وكأنها تعرف كل شيء، بل وتخفي شيئًا عني.
تجعدت ملامحي دون قصد، وأنا أحاول أن أقرأ ما وراء تلك الابتسامة.
ثم أخيرًا، تحركت شفتيها ببطء.
“طبعًا أعلم أنه نفس خاتم الزواج الذي حصلتِ عليه.”
نظرت إليها بدهشة وهي تتابع كلامها بثقة.
“لأنني أنا من اخترته.”
“أنتِ من اخترتِ خاتم زفافي؟”
شعرت برأسي يفرغ تمامًا من أي فكر.
“لا، ما حصلتِ عليه هو النسخة الإضافية من الخاتم الوحيد في العالم.”
قالتها دون أي ذرة خجل، بل بنظرة تنضح بالاحتقار وهي تحدق بي.
وفي لحظتها، مرت في ذهني كل لحظاتنا معًا.
عندما أصبحت أصغر مذيعة رئيسية للنشرة الإخبارية المسائية، كان هناك الكثير من الرفض تجاهي.
كنت أشعر بنظرات الناس أينما ذهبت.
وفي الليالي المتأخرة، بعد انتهاء البث، كانت سيورين دائمًا من تقترب مني أولًا.
“آنسة المذيعة، هل تأكلين الساندويتش معي؟”
“لا تهتمي للناس في البداية يكون الأمر هكذا، لكنهم سيفتحون قلوبهم فريق الأخبار، حين يقترب من أحد، يكون وفيًّا جدًا.”
“أنتِ تؤدين عملك بشكل ممتاز وتجتهدين أكثر من أي أحد أظن أن صدقكِ سيصل إليهم لذا، حاولي أكثر!”
لم أكن أعلم أنها موظفة بعقد مؤقت.
أنا كنت أعمل بجد لتطوير نفسي، أما هي… لماذا كانت تبقى حتى وقت متأخر؟
كنت أفتح قلبي تدريجيًا، متأثرة باعتنائها بي وسط انشغالاتها.
“سيورين، ما رأيك في هذا الفستان؟”
“رائع، أختي! أريد أن أتزوج أنا أيضًا.”
“هل هناك أحد؟ وهذا الفستان، ألا تشعرين أنه ضيق بعض الشيء؟”
“لا يوجد أحد، هيهي لكن الفستان يليق بكِ كثيرًا له طابع أنيق مثلك تمامًا.”
سيورين كانت أول شخص أتقرب منه في محطة البث.
كنا نعرف أسرار بعضنا البعض.
أن تكون تلك المرأة نفسها عشيقة زوجي… كان أمرًا يصعب تحمّله.
استيقظت من تلك الذكريات المليئة بالكوابيس.
الآن، سيورين الواقفة أمامي، كانت مخمورة بنشوة الانتصار.
في البداية غضبت حين عرفت أنها هي من اختارت خاتم الزواج،
لكن سرعان ما أدركت أنها بلغت من التوتر حد أنها لجأت لترك الخاتم عمدًا في مطبخ الشيف لاستفزازي.
“أتشعرين بالقلق من سيو جيهان؟”
ما إن شعرت بالشفقة حتى انطفأ الغضب فجأة.
نظرت إليها مبتسمة بهدوء.
“هكذا… له كل هذا المعنى بالنسبة لكِ؟”
عندها، عبست سيورين، وكأن ردة فعلي لم تكن ما توقعت.
“لو كنت مكانك، لاشمئززت لا يمكن ارتداء خاتم كهذا علنًا، مخجل للغاية.”
“أنا لا أشعر بالخجل في الأصل، صاحبة هذا الخاتم لستِ أنتِ، بل أنا.”
أجابت بوجه هادئ كأن الأمر لا يعنيها، لكنني رأيت بوضوح كيف أنها قبضت على يدها التي ترتدي الخاتم بإحكام.
“حقًا؟ على حسب شخصيتك، ظننت أنك ستكونين أكثر صخبًا بعد حصولك على شيء بهذا الثمن.”
رمقتها بنظرة ضيقة وابتسامة ساخرة وفي تلك اللحظة، اقترب جايها وأمسك بيدي وكأنما يقول بعينيه “هيا بنا نغادر”.
“لذا ظننتُ أنكِ تشعرين بالخزي لأنكِ تشاركينني نفس الخاتم.”
“…مـ، مـاذا؟”
تابعت كلامي وأنا أوجهه نحو سِـورين، التي كانت تعضّ شفتيها غيظًا بعدما لم تسر الأمور كما أرادت.
المُحطّمة لم أكن أنا… بل أنتِ.
“آه، صحيح. لقد نسيت أنتِ دومًا تفضلين النصف، أليس كذلك؟”
“…ما الذي…”
“ألم تحاولي حتى أن تتقاسمي خطيبي معي؟”
***
في السيارة في طريق العودة إلى المنزل بعد مغادرتنا من الاستوديو.
كان جايها يركّز على القيادة، لكنه بين حين وآخر كان يرمقني بنظرات خاطفة.
“وقحة جدًا، هذان الشخصان هل أنتِ بخير؟”
هززت رأسي ببطء.
رغم أنني واجهت سورين بابتسامة هادئة، إلا أن قلبي كان يحترق من الداخل.
“نعم، لا يمكن أن تكونِ بخير فعلاً كان سؤالي في غير محله.”
وافقني جايها، وكأنّه أدرك أنه سأل سؤالًا بديهيًا جدًا.
“حادثة احتجازك في استوديو البث السفلي، لم تُحل بعد، أليس كذلك؟”
“نعم حسبما قال لي السكرتير هان، لم تُسجلها كاميرات المراقبة.”
“واضح، إذًا يبدو أن تلك المرأة تعرف كيف تدبّر الأمور الملتوية.”
سواء كان الأمر مخططًا مسبقًا أم لا، فقد أعدّت سورين نفسها جيدًا ومحت كل الأدلة.
“ما الذي تنوين فعله؟”
في صوت جايها الخافت سؤال حملني إلى عمق تفكيري.
ما زلت محتارة في كيفية التعامل مع تلك الحادثة في الاستوديو، التي لا أملك بشأنها سوى الشكوك.
لم أكن أنوي إثارة الموضوع…
لكن رؤية سورين وهي تجرحني بوجهها الوقح جعلتني أحسم أمري.
انتهت الحيرة التي كانت تثقل صدري، اليوم.
وخصوصًا أن فكرة جيدة خطرت لي.
“أليس من المفترض أن تُطلق شركة ‘هوجين للإنشاءات’ علامة تجارية جديدة للشقق غدًا؟”
“هوجين للإنشاءات؟ آه، تقصدين ” الحُلم ” إنه مشروع ضخم يقوده سوجيهان شخصيًا باسمه.”
هز جايها رأسه كأنه تذكّر فجأة، وأكمل كلامه.
على ما يبدو، مشروع ” الحُلم ” الجديد الذي عمل عليه سوجيهان بكل طاقته سيتم إطلاقه بالفعل.
“أفكر في إرسال هدية لهذين الشخصين.”
استدار إليّ جايها فجأة كمن فوجئ بكلامي.
“هدية؟”
“نعم قالا إنهما سيتزوجان، لذا من المناسب أن أرسل لهما هدية تليق بذلك.”
بدا أن الفكرة أثارته، إذ لمعت عيناه بنظرة لامعة وهو ينظر إليّ من طرف عينيه.
“أشعر بالحماسة ما نوع الهدية؟”
“بإمكانك الترقب.”
أغمضت عينيّ، وإذا بخاتم سورين الذي كان في بنصرها يتراءى لي بوضوح، وكأنه يلمع أمام ناظريّ.
***
صباح يوم الاثنين.
كان الاجتماع التحريري ما يزال جاريًا داخل قاعة الاجتماعات.
ومع مرور الوقت، بدأ بعض الحضور يرمقون الساعة المعلّقة على الجدار بنفاد صبر.
“هل نأخذ استراحة قصيرة؟”
“فكرة جيدة يا يُون.”
مع كلمة “استراحة”، بدأ الموظفون يضعون أوراقهم جانبًا.
أخرجت هاتفي، وظهر لي على الشاشة رسالة من جايها:
[لن تخبريني ما هي الهدية؟ – جايها]
[آمل ألا تكوني تخاطرين. – جايها]
“أوه، يبدو أن ‘هوجين للإنشاءات’ أطلقت علامة تجارية جديدة لشققها، صحيح؟”
“نعم الأخبار عنها تملأ المواقع الإلكترونية منذ الصباح.”
أوقفت المراسلة مع جايها وفتحت موقع البوابة الإلكترونية، فظهر الخبر فورًا على الشاشة:
– [علامة سكنية جديدة تنقل “الحلم” إلى الأسر، إطلاق مشروع الحُلم من هوجين للإنشاءات.]
جملة “شقق مخصصة للأزواج الجدد” أعادت إلى ذهني خيانة سوجيهان، فابتسمت بسخرية.
كنت أعرف جيدًا أنه عمل بجدّ في حياته السابقة من أجل إطلاق هذا المشروع.
حتى أنه نظّم بنفسه أنشطة تطوعية عامة… كم كنتَ يائسًا، أليس كذلك؟
طبعًا، كان هدفه هو تثبيت موقعه كوريث رئيسي.
وما إن رفعت كوب القهوة عن الطاولة حتى بدأ هاتفي يمتلئ بعشرات الرسائل دفعة واحدة.
“ما هذه الرسائل الجماعية؟ هل نُشر خبر حصري أو شيء من هذا القبيل؟”
فريق الأخبار بأكمله، الجالس في الصف الأمامي، بدأ يتفقد هواتفه بذهول.
وفي لحظة واحدة، التفتت جميع الأنظار نحوي.
نُشِر الخبر إذًا توقيت ممتاز.
على الأرجح، العم هيونيك هو من نشر المقال في هذه اللحظة المناسبة.
وقبل أن أستوعب نظرات الصدمة التي تملأ الغرفة، سمعت صوت الزميل يونغ جون يرتجف:
“ما هذا؟ لحظة، يوجين، هل رأيتِ هذا؟”
اقترب مني بوجه مذهول وهو يمدّ إليّ هاتفه.
نظرت إلى الشاشة، وابتسمت بسخرية:
– [تحالف عائلة هوجين وعائلة W ينتهي بكارثة سبب فسخ الخطوبة؟ علاقة خارجية من طرف رئيس شركة W؟]
– [ارتباط القرن ينتهي بفشل، التحالف بين عائلتي هوجين وW ينكسر بسبب فضيحة خيانة؟]
تخيلت بوضوح وجه سوجيهان وهو يرتعد داخل قاعة اجتماع المدراء التنفيذيين في هذه اللحظة.
يا للأسف لولا هذا المقال، لكان يومك مثالياً اليوم.
لقد أفسدتُ عليك خطتك، أليس كذلك؟
هذه الضربة لن تكون عادية على الإطلاق.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 37"