“تقول إن تلك المرأة كشفت عن حملها؟”
“نعم.”
“لم أكن أعلم أن أمرًا كهذا قد حصل.”
كانت تحكي له عن الحادثة التي جرت في المكتب مؤخرًا، بينما كانت تسير في ممر الاستوديو برفقة جايها.
حين سردت له ما حدث، من استفزاز سيورين وما تلا ذلك من أحداث، ضحك جايها بخفة.
“السيدة يوجين أيضًا تؤمن بمبدأ الرد بالمثل على ما يبدو.”
“لقد تعلمت هذا الأسلوب منك، السيد جايها.”
“مني؟ وهل يُعد هذا تعلُّمًا؟”
عند سماعه أنها تعلمت منه، هز جايها رأسه وكأنه يقول “حقًا لا يصُدق ”، ثم فتح باب قاعة المحاضرة.
“وصلتما؟”
عندما دخلت إلى المطبخ حيث ستُقام المحاضرة، استقبلهما الشيف “لي جونغ إيل” بحرارة.
“مر وقت طويل، شيف إذًا هذا هو شكل الاستوديو الأصلي؟”
“نعم، كنا نستخدم استوديو مؤقتًا سابقًا بسبب التجديدات.”
“الأجواء هنا رائعة.”
كان الجو بينه وبين الشيف يبدو أكثر ودًّا مما توقعت رؤيتها لهذا الشيف الذي لا يعرف من تكون الآن، أعاد إلى ذهنها ذكريات من حياتها السابقة.
مر وقت طويل، منذ أن رأيتك، شيف.
“على كل حال، أن تكون زوجتك المستقبلية هي الآنسة المذيعة “يون”، أمر مفاجئ.”
توجّه الشيف، الذي كان يتحدث مع جايها، إليّ بنظرة ودودة.
“تشرفت بلقائك، أنا لي جونغ إيل.”
مدّ يده نحوي بسعادة، وكأنه رحّب بزيارتي غير المتوقعة.
لحظة رؤيته بهيئته التي لم تتغير، اجتاحتني مشاعر جارفة.
“تشرفت، أنا يون يوجين.”
“لم يخبرني السيد سو بأنك شخصية مشهورة إلى هذه الدرجة إنه لشرف لي أن ألتقي بك شخصيًا.”
“الشرف لي أن أتعلم من شيف نجم مثلك.”
ابتسم لي برقة عند كلامي ذاك.
اقترب جايها، الذي كان يتأمل المكان من حوله، وسأل عن درس اليوم.
“ما قائمة اليوم؟”
“اليوم سنقوم بتحضير طبق كوجولبان مع ضلوع البقر الحارة المطهية هل يناسبكما؟”
“ممتاز.”
ثم نظر إلي وكأنه ينتظر مني إجابة.
“أنا أيضًا يعجبني كثيرًا.”
لأن الطبقين من أطباقي المفضلة، شعرت بالحماس فور رؤيتي لمكونات الطعام الموضوعة على الطاولة.
***
بعد انتهاء الشيف من العرض التوضيحي، حان وقت إعداد تتبيلة ضلوع البقر.
دخل الشيف إلى المكتب المتصل بالمطبخ بسبب رنين هاتفه.
وفي المطبخ، كان صوت جايها وهو يقطع الخضار التي ستُستخدم في طبق الكوجولبان، يملأ المكان.
“هل انتهيتِ من تحضير التتبيلة؟”
“تقريبًا.”
توقف جايها عن التقطيع، ثم اقترب وهو يحمل صحنًا فيه خضار مقطعة بعناية.
“هل أنهيتَ تقطيع الخضار كلها؟”
“بعضها فقط أريد أن أتذوق التتبيلة أيضًا.”
“هل تحضر ملعقة؟ كما ترى، لا أستطيع استخدام يدي الآن.”
رفعت يدي لأريه إذ كنت ما زلت أُعد التتبيلة، وكان من غير المريح أن أخلع القفازات، لذلك لم أستطع فعل شيء.
“آه، الحبل انحل.”
عندما حاولت إنزال يدي التي رفعتها له، انحل الحبل المشدود حول مريولي.
ياللسوء الحظ، لم أستطع خلع القفازات، ولو فعلت، لتلطخت ملابسي بالتتبيلة الحمراء.
“يبدو أنك بحاجة إلى مساعدتي، أليس كذلك؟”
“أستطيع فعلها وحدي.”
رأيته يبتسم بخبث، كأنه يستمتع بموقفي المحرج.
وعندما رأيت ابتسامته، اختفى تمامًا الشعور الذي كان يدفعني لطلب المساعدة.
غريب حقًا.
حاولت أن أرفع الحبل لأربطه، لكن المريول بالكاد كان معلقًا وقد ينزلق في أي لحظة.
“هاه لمَ لا تطلبين المساعدة فحسب؟ عنادك لا يُطاق.”
اقترب مني خطوة، بينما كنت مترددة عاجزة عن التصرّف.
تنهدت لا إراديًا.
“…هل… تساعدني؟”
“لم أسمعك.”
كاذب كان يسمعني جيدًا.
ملامحه كانت مليئة بالمرح، وكأنه يمثل أنه لم يسمع.
“هل يمكن أن تساعدني في ربط الحبل؟”
“بكل سرور.”
اقترب جايها ليربط المريول، لكنه لم يقترب من الخلف بل وقف أمامي مباشرة.
بذلك، أصبح موقفي وكأنني في حضنه تقريبًا.
لماذا يربط الحبل بهذه الطريقة؟
مدّ يديه خلف ظهري وجذب الحبل المتدلّي.
شعرت بقوة الحبل وهو يشد خصري، وسحبت أنفاسي من المفاجأة.
وبينما كان ينظر فوق كتفي ويربط الحبل، ابتعدت يداه أخيرًا.
“هل انتهيت؟”
سألته وأنا أحدّق في الشعار الموجود على مريوله، وقد شعرت بحركته تتوقف.
فجأة، التقت أعيننا حين رفعت رأسي عينيه كانتا مليئتين بالمرح، وكأنه تعمّد الوقوف أمامي لربط المريول.
“إن كنت ستسخر مني مجددًا، فدع الأمر.”
تراجعت خطوة إلى الوراء هربًا من نظرته التي كانت تحدق بي بثبات، حتى لامست أصابعي الطاولة خلفي.
“حسنًا هل تُخرجين ملعقة من الحامل خلفك؟”
أشار إلى حامل الملاعق فوق الطاولة خلفي.
“أريد تذوق التتبيلة.”
كان الحامل قريبًا ويمكنني الوصول إليه بسهولة.
لكن عندما رأيت جايها يضحك باستمتاع، خرجت الكلمات من فمي دون وعي.
“لا أريد.”
“…هاه؟”
دائمًا ما كان هو من يبدأ بالمزاح.
ربما لهذا السبب…
خرجت مني تلك الكلمة دون قصد، بطريقة لم أكن أنويها.
بدا جايها متفاجئًا، وفتح عينيه بدهشة رفعت يدي اليمنى.
“لا أريد إعطاءك ملعقة، هل تريد أن تتذوق هذا بدلًا منها؟”
لوّحت بالقفاز الذي كان مليئًا بالتتبيلة.
فمدّ يده، وهو يقترب، نحو حامل الملاعق خلفي.
“قاسية حقًا سأأخذ الملعقة بنفسي إذًا.”
وقبل أن يمسك بالملعقة، دفعت حامل الملاعق بيدي الأخرى إلى الداخل أكثر.
وعندما ابتعد الحامل ملاعق ، تقلّصت حاجباه باستغراب.
لم أكن أعلم أنه يبدو هكذا عندما يُمازَح، فقد اعتدت رؤيته في موقع المُتلقّي.
إذًا، هذه متعة المزاح؟
أطلق جايها ضحكة خافتة، وكأنه لم يصدق ما جرى.
وقلت في نفسي، الشيف سيخرج من المكتب قريبًا حان وقت إنهاء المزاح.
أنزلت يدي التي رفعتها.
“ألم أقل لك ألا تمازحني؟ قلت لك إنني أرد بالمثل.”
ضحك جايها، وكأنه يشعر بالظلم، فانفجرت أنا أيضًا بضحكة لطيفة دون أن أشعر.
ثم ظل ينظر إليّ بصمت.
كانت نظرته غريبة، طويلة بشكل غير معتاد ولما شعرت بالإحراج وهممت بالابتعاد، حدث ذلك.
“ما العمل؟ أنا أيضًا أؤمن بمبدأ ردّ الجميل.”
جذبني جايها من خصري بيده الكبيرة، مانعًا إياي من التراجع.
“لم أتخيل شيئًا كهذا من قبل.”
“سـ…سيد سو جايها؟ انتظر، سأعطيك الملعقة.”
“لم أعد بحاجة إليها الآن.”
ماذا يعني بذلك…؟
أمسك بيدي المرتبكة بلطف.
وفجأة، تغيّر الجو كليًا، وبدأ قلبي ينبض بقوة شديدة.
لا… لا يمكن…
“هذا يبدو ألذ.”
كلما حاولت سحب يدي، شدّ قبضته عليها أكثر.
وقبل أن أتمكن من سحبها، وصلت شفتاه إلى أطراف أصابعي.
“لذيذة فعلًا.”
مرت على اليد التي ترتدي القفاز شيئٌ دافئ وطري في لحظة خاطفة.
تلك اللحظة العابرة شعرت بها وكأن أحدهم قد مدّها عمدًا لتبدو طويلة وبطيئة.
نظرت في عينيه نصف المفتوحتين، وشعرت وكأنني على وشك أن أُسحب داخل سواد عينيه، اللتين بدتا اليوم أشدّ قتامة.
“ما الذي فعله هذا الرجل الآن؟”
تجمدت في مكاني، غير قادرة على إخفاء ارتباكي.
وحين وقعت عيناي على اليد التي لامستها شفتاه، اشتعل وجهي على الفور.
“هل جننت!؟ ماذا لو رآك الشيف؟”
دفعته مبتعدة بصدمة، فأشار بذقنه نحو المطبخ الخالي، وارتسمت على وجهه ابتسامة مشاكسة.
“يبدو أنه لا يزال في المكتب.”
“حتى لو كان كذلك…”
بدت ردّة فعلي مسلّية بالنسبة له، فقد ابتسم ابتسامة عريضة أطرافها مرفوعة بمرح.
“حسنًا، لن أمازحك بعد الآن.”
وفي تلك اللحظة، خرج الشيف من المكتب بعد أن أنهى مكالمته.
“يبدو أن المكالمة طالت، هل حصل شيء بينكما؟”
سأل الشيف بدهشة وهو يلاحظ المسافة القريبة بيننا.
***
من لحظة استئناف العرض وحتى نهاية الطهي، مرّت الحصة بسرعة البرق.
وبعد التزيين الجميل والانتهاء من التذوق، انتهت الحصة اليومية.
وقبل أن تنتهي الحصة بلحظات، خرج جايها ليرد على مكالمة.
“الطَعم مضبوط تمامًا، أنتما الاثنان تجيدان الطبخ.”
“أحقًا؟ هذا بفضل شرحك الممتاز، شيف.”
اقترب الشيف مني وأنا أرتب المكان، وواصل الحديث.
“يبدو أن الآنسة يون بارعة منذ البداية، لكن ما فاجأني حقًا هو أن السيد سيو جايها ليتعلم.”
جلس أمامي وكأنّه يوشك على كشف سرّ.
“في الحقيقة، حجوزات صفي كانت ممتلئة تمامًا لكنه جاء إلى المكتب بنفسه، وقال إنه لا يهتم كم سيكلف الأمر.”
تذكرت أن جايها قال ذات مرة إن هذه أول مرة لا يُحل فيها شيء بالمال.
وكان معروفًا أن حجز دروس هذا الشيف يُغلق فور افتتاحه.
فراودتني ابتسامة حين تذكرت كم مرّ بي من إخفاقات سابقة في محاولة الحجز.
“من المعروف أن حجز صفوفك صعب جدًا.”
“هاها لهذا ظننت أنه مجرد مساعد شخصي في البداية لكن تبيّن أن المدير نفسه جاء إلى مكتبي.”
“مهلًا، هذه أول مرة أسمع بهذا الأمر.”
جلست على الكرسي المقابل، منجذبة إلى الحديث الذي ازداد إثارة.
“قال إنه يريد بشدّة أن يأخذ هذه الحصة ولهذا اضطُررت إلى فتح موعد إضافي.”
“أول مرة أسمع بهذا لم أعلم أن جايها كان شغوفًا إلى هذا الحد بالطبخ.”
بصراحة، تفاجأت.
لم أتوقع أن يكون جادًا في الطبخ إلى هذا الحد.
“في البداية، لم يكن يعرف حتى كيف يُمسك بالسكين أما الآن، فيستطيع تقطيع المكونات وعيناه مغمضتان.”
تذكرت مهارته أثناء تحضيره لحساء الدنغجانغ باللحم، فأومأت برأسي.
كان ذلك طبيعيًا جدًا لدرجة يصعب تصديق أنه بدأ مؤخرًا.
“ولم أفهم سبب هذا الحماس، حتى قال إنه سيتزوج من مذيعة جميلة مثلك.”
“هذا الزواج ليس رومانسيًا كما يظنه الشيف…”
“أ-أحقًا؟ لم أكن أعلم.”
كان من المحرج أن أنفي ذلك، فاكتفيت بابتسامة خفيفة وأنا أنهض من مكاني.
مررت بجوار مكتب الشيف “لي جونغ إيل” لأبدأ الترتيب، فلفت انتباهي صينية خشبية موضوعة عليه.
كان هناك خاتم مألوف لي على تلك الصينية.
وما إن وقعت عيناي عليه، حتى بدأ قلبي يخفق بعنف.
“شيف، لمن هذا الخاتم؟”
“آه، ذاك؟ تركه أحد الطلاب في الحصة السابقة.”
كان لديّ شك، لكن ما إن اقتربت وحملت الخاتم حتى أدركت الحقيقة.
كان نسخة مطابقة تمامًا لخاتم زواجي.
“لا… بل هو نفسه تمامًا.”
ارتعشت يدي وهي تمسك بالخاتم المرصّع بالألماس والمقطوع بدقة لا يمكن تقليدها.
وفوق هذا كله، هذا الخاتم تحديدًا لا يمكن أن يكون مقلّدًا.
“يشبه خاتمي تمامًا ليس تصميمًا شائعًا.”
“حقًا؟ لقد قالت نفس الشيء.”
“……”
“كانت سعيدة جدًا، قالت إنها ستصبح عروسًا قريبًا وعادةً ما تأخذ دروسي بمفردها، لكن اليوم جاءت مع خطيبها.”
تصلّبت لا إراديًا.
كلمة “عروس” جعلتني أفكر تلقائيًا في امرأة معيّنة.
كادت ضحكة ساخرة تفلت من شفتي، لكن كلمات الشيف الهادئة جعلتني ألتفت ببطء.
“لقد وصلت الآن.”
وانفتح الباب الذي كان مغلقًا حتى تلك اللحظة.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 36"