بمجرد انتهاء البث، توجهت مباشرة إلى بيونغتشانغ-دونغ.
«ها أنا أعود إلى هذا المكان مجددًا.»
سرت على طول طريق الحديقة، فرأيت جدارًا مألوفًا من كثرة ما ذهبت وجئت إلى هنا.
حي بيونغتشانغ-دونغ، حيث تصطف المنازل الكبيرة وفي أقصى الحي يقع منزل رئيس مجلس الإدارة، السيد سيو موجين، وهو منزل عائلة جيهان.
ما إن وقعت عيناي على تنسيق الحديقة المعتنى به بعناية، حتى خطر ببالي رئيس مجلس الإدارة، الذي كنت سأواجهه قريبًا.
لم يكن لدي فقط أمر فسخ الخطوبة مع جيهان لأطرحه، بل أمور أخرى يجب كشفها، فقبضت على قبضتي المتعرقة بإحكام.
– هاااه.
تنهدت دون أن أشعر.
رئيس مجلس الإدارة، الذي سأقابله اليوم، يبدو ودودًا في الظاهر، لكنه صارم جدًا حين يتعلق الأمر بتجاوز الحدود.
– وصلتِ أخيرًا؟
بينما كنت أسير ناظرة إلى الطريق، أفزعني صوت مألوف.
كان جايها جالسًا على الجدار الحجري المنخفض أمام المدخل، يراقبني وأنا أصعد.
لقاؤنا بعد عطلة نهاية الأسبوع بدا وكأننا التقينا بالأمس فقط.
لكن، ما إن خطرت ببالي الحادثة السابقة، حتى كتمت احمرار وجهي وسألته:
– تأخرت قليلًا بسبب التصوير ما الذي تفعله هنا؟
– ظننت أنك ستأتين سريعًا، فانتظرتك لكنك أتيتِ متأخرة أكثر مما توقعت.
كان الجو الليلي باردًا نوعًا ما، ويبدو أنه انتظرني مرتديًا قميصًا رقيقًا فقط.
– لماذا لم تتصل؟
لم يخطر ببالي أنه سينتظرني، ففوجئت.
عندها ابتسم جايها لي وهو يغمض عينيه بلطف:
– الجو داخل المنزل كان خانقًا.
كان واضحًا السبب فهناك رئيس مجلس الإدارة، ونائب الرئيس، وجيهان.
– هل تشعر بالحر؟ وجهك محمر.
– أ… أحقًا؟ لماذا أشعر بالحر؟
حين نظرت إليه، لاحت لي شفتا جايها بارزتين بوضوح حتى وسط الظلام.
«لماذا أشعر هكذا؟»
اجتاحتني رغبة عطِشة لماذا أشعر بهذا الجفاف في حلقي؟
ظل جايها يراقبني وأنا ألوح بيدي كأنني أهوّي بها، وسألني مستغربًا، ثم تغيرت ملامحه بشكل غريب:
– مع أن الجو الليلي بارد هكذا؟
– ربما لأنني أملك حرارة جسم عالية.
نظر إليّ جايها بصمت، ثم اقترب مني مباشرة.
أمسك بيدي التي كنت ألوّح بها في الهواء، وقطب جبينه حين شعر ببرودتها:
– يداكِ باردتان أيضًا… غريب.
كنت أنظر إلى يده وهي تقترب من وجهي، فتراجعت إلى الخلف.
– تـ… تأخرنا.
تجاوزته وأنا أتجنّب نظراته الغريبة التي لم أستطع فهمها، ثم صعدت الطريق الحجري.
وتجاهلت نظراته التي كانت لا تزال تلاحقني، ودفعت خطواتي قسرًا إلى الأمام.
***
عند دخولي المنزل، استقبلتني سيدة المنزل في بيونغتشانغ بحفاوة، وقادتني إلى غرفة الطعام.
وما إن وطئت قدمي غرفة الطعام، حتى شعرت بنظرات ثلاث أشخاص تلتصق بي وبجايها بحدة.
– ما هذا؟ أتيتما سويًا؟
كسر رئيس مجلس الإدارة الصمت المهيمن على الأجواء، ووجّه حديثه إلينا.
– التقينا عند المدخل جدي، هل كانت رحلتك إلى أمريكا موفقة؟ عليك أن تراعي سنك، قلت لك ألا تسافر بنفسك.
– كانت جيدة لا زلت بصحة جيدة.
اقترب جايها من رئيس مجلس الإدارة، الذي كان يجلس في منتصف الطاولة، وأمسك بيده وتحدث إليه بود.
وبينما كان جايها يظهر هذا الجانب الودود منه، تجمدت ملامح جيهان على الفور.
– ألم تقولي إن التصوير سيتأخر؟ فلماذا أتيتما سويًا؟
نظر جيهان إليّ وإلى جايها بالتناوب، ووجه كلامه الحاد إلينا.
– التقينا في الحديقة.
لم أرغب في تبرير الأمر، فاكتفيت بجملة قصيرة ونظرت حولي بحثًا عن مكان أجلس فيه.
كان هناك مقعد فارغ بجانب جيهان، يبدو وكأنه مخصص لي، لكنني لم أرغب في الجلوس هناك.
لم يعد هناك سبب يجعلني أجلس بجواره.
لاحظ جيهان أنني جلست في المقعد المقابل له، لا بجانبه، وظل يحدّق بي.
– جدي، هل كانت رحلتك موفقة؟
– نعم، كانت جيدة تبدين أفضل مما كنتِ عليه آخر مرة رأيتك فيها سمعت أنك عدتِ إلى العمل، ويبدو أن أمورك تسير بشكل جيد.
حين سألت رئيس مجلس الإدارة عن حاله، رد بسؤال مماثل.
وما إن جلس جايها في المقعد الفارغ بجانبي، حتى بدت ملامح جيهان مشوشة ومليئة بالاستياء.
– نعم، لقد عدت مؤخرًا إلى عملي كمذيعة.
أومأت برأسي نحوه بخفة.
– الآن، أريد أن أعيش حياتي وأفعل ما أرغب به.
كنت أوجه كلامي لرئيس مجلس الإدارة، لكن الحقيقة أنني كنت أوجهه إلى جيهان.
– كان يجب أن أزوركم أولًا وأحدثكم، فاعذروني.
قبل أن تبدأ المحادثة الرسمية، كان جيهان يرمقني بنظرات مليئة بالتحفظ، وكأنه يتوقع ما سأقوله.
ربما استشعر نبرة مختلفة عن تلك التي سمعها حين اتصل بي في موقع التصوير.
– ربما سمعتم جميعًا، لكنني سأفسخ خطبتي من السيد جيهان.
اسودّ وجه رئيس مجلس الإدارة من كلامي لا بد أنه تلقى تقريرًا بذلك أثناء تواجده في أمريكا.
ثم تناول كوب الماء أمامه وشرِب منه دفعة واحدة وكأنه يشعر بالغصة.
– عزيزتي، لا، يوجين، ألا يمكنك أن تتحملي الأمر مرة أخرى وتسامحيه؟ أنتِ تعرفين أن خطوبتكما كانت وعدًا قديمًا بين العائلتين.
– …
– جيهان نادم جدًا ألا يمكنك مسامحته ؟
مدّ يده المجعدة وأمسك بيدي وسألني.
على ما يبدو، فإن جيهان، الذي وصل قبلي، حاول إقناعهم بكلام يسرّ آذانهم.
لكن، عكس رئيس مجلس الإدارة، كان نائب الرئيس الجالس بجواره يراقب بصمت بدا مهتمًا بمعرفة كيف سأخرج من هذا الموقف.
– ألم يذكركم عن الطفل؟
– …طفل؟
– طفل؟ لحظة، ماذا تقصدين؟
حين بدأت الحديث بابتسامة باردة موجّهة نحو جيهان، انتفض واقفًا من مقعده بارتباك.
رأيت حدقة عينيه تتسع عند ذكر الطفل، كما لو أنه صُدم حقًا.
حتى الكبار الذين كانوا يراقبون بصمت، بدت على وجوههم علامات الذهول الشديد.
– تلك المرأة حامل والسيد جيهان أصبح والدًا بيولوجيًا لذلك الطفل.
– مـ… ماذا؟ هل تقولين إن سيورين حامل؟
بدت دهشة جيهان حقيقية، وكأنه يسمع خبر حمل سيورين لأول مرة.
وقف في مكانه كالمتخشب، وحدقتاه تتأرجحان بلا اتجاه، مما جعل المنظر مشوقًا للعين.
– المرأة التي خانني معها… كانت أقرب زميلاتي في محطة البث.
كان يؤلمني أن أنطق بهذه الكلمات بنفسي.
لكن، لو كنت أنوي التستر على الأمر، لما حضرت إلى هذا المجلس المزعج أصلًا.
كان الأربعة ينظرون إليّ بصمت وأنا أبتسم بتشوه:
– كيف أسامح رجلًا خانني مع أعز صديقاتي، وجعلها حاملًا؟
– ما كل هذا؟ تقولين إن هناك طفلًا؟ جيهان، ألم تكن تعرف شيئًا عن هذا؟
رئيس مجلس الإدارة الذي كان يرتجف طوال الوقت، انفجر غاضبًا ووجّه نظره الغاضب إلى جيهان.
كان يسأله كيف يمكن أن يحدث مثل هذا الأمر، ولم يستطع جيهان أن ينبس ببنت شفة.
لا بد أنه كان مرتبكًا للغاية.
فحمل سيورين لم يكن جزءًا من خطته.
– لماذا لا ترد؟!
– أنا آسف… لم أكن أعلم بالأمر.
أجاب بصوت خافت وانكمش جسده تجمدًا.
– كل هذا بسببي الأب هكذا، والحفيد أيضًا النساء دائمًا هنّ المشكلة…
– …
– يوجين.
تنهد رئيس مجلس الإدارة تنهيدة عميقة، ثم نظر إلي وسط صمت ثقيل لم يجرؤ فيه أحد على الكلام.
– إذن، ما الذي تريدينه؟ إذا كان فسخ الخطوبة، فليكن.
– ما أريده؟
ما أريده هو أن أنتزع من سوجيهان، كل ما يملك.
– نعم، أريد فسخ الخطوبة.
وافق رئيس مجلس الإدارة على قراري، وأومأ برأسه أخيرًا، وعلى وجهه تعبير مليئ بالحزن.
جيهان، الذي كان جامدًا في مكانه بدهشة، لمع بريق مفاجئ في عينيه حين سمع كلمة “فسخ الخطوبة”.
– لا يمكننا فسخ الخطوبة! كيف تتركينني؟ لقد أقمنا حفل زفافنا!
جيهان، الذي ظل صامتًا طوال الوقت، انفجر غاضبًا موجهًا كلامه نحوي.
حفل زفاف؟ أي زفاف، ذلك الذي انتهى قبل أن يبدأ أصلًا؟
– اخرس! جيهان، لم يعد لك حق بالكلام!
ارتفع صوت رئيس مجلس الإدارة غاضبًا، وهو يوبّخ جيهان.
فهو أيضًا أصبح يرى في هذه اللحظة مستقبل ابنه الوحيد، هو جايها، بوضوح.
فإذا لم يكن هناك تمويل من مجموعة “دبليو” للمشروع الاستثماري الضخم المقبل، فالمشروع برمته سينهار.
وقد كان الوريث، هو نفسه، من دمّر فرصة المجموعة في القفز للأمام.
حتى لو طُلب منه التنحي عن منصب الوريث، فلن يكون لديه ما يدافع به عن نفسه.
ليس هذا فحسب، بل إنّك ستكون السبب في كل ما سيحدث لاحقًا.
انتشرت ابتسامة رضا على وجهي وأنا أتصور بوضوح مستقبل جيهان.
حقّ الإدارة الذي كنتَ تتوق لامتلاكه، بل مجموعة هوجين بأكملها، ستؤول إلى السيد جايها.
سوف تقضي أيامك وأنت تتألم، تمزقك المعاناة يومًا بعد يوم.
الألم الذي شعرتُ به… عليك أن تختبره بنفسك.
هذا هو الشعور الحقيقي بالخيانة.
”وهناك أمرٌ آخر أيضًا.”
اتجهت أنظار الثلاثة إليّ وكأنهم يتساءلون عمّا تبقى بعد.
“سأتزوّج.”
”ماذا؟”
تحوّل وجه رئيس المجلس إلى ملامح الصدمة فور سماعه عن الزواج.
كان جيهان يحدّق بي، عاجزًا عن إغلاق فمه الذي فُتح دهشةً بكلامي.
”زواج؟ مِمّن؟ كيف تطرحين هذا الموضوع بهذه المفاجأة؟”
ثم سألني جيهان بصوت مرتجف، وكأنّه لا يستطيع التصديق.
وفي ظلّ جوٍّ مشحون بالتوتر، لم يُبدِ سوى نائب الرئيس وجايها أي ردة فعل، وقد اكتفيا بمتابعة الموقف بهدوء من خلال نظرات صامتة.
انتقلت نظراتي ببطء نحو جايها.
وفي نهايتها، كان هو واقفًا يبتسم برفع زاوية فمه.
“أنا.”
”……؟”
“أنا من سيتزوج الآنسة يوجين، يا جدّي.”
أسقط رئيس المجلس الكأس من يده أخيرًا.
وارتطم الكأس بالأرض مُحدثًا صوتًا حادًّا.
وكانت يد جيهان على الطاولة ترتجف من شدة الغضب.
عضّ شفتيه بقوة، وكانت عضلات فكه ترتجف.
لو لم يكن كبار العائلة حاضرين، لكان قد صبّ جام غضبه عليّ بالكلام الجارح دون أدنى شك.
“في الأصل، كان الزواج المقرر لي.”
“وأفكر الآن في استعادته.”
قالها جايها وهو يبتسم بمكر، ناظرًا إلى جيهان الذي احمرّ عنقه من شدة الغضب، وقد تحولت صدمته إلى غضبٍ عارم.
“سو جايها!”
وكأن ابتسامته كانت الفتيل الذي أشعل انفجار جيهان، فصرخ بأعلى صوته غير قادر على كبحه.
“أين نحن لتعلو صوتك بهذا الشكل؟!”
وعندها، ومع صرخة رئيس المجلس، جلس جيهان على مقعده مجددًا.
وفوق مائدة الطعام المتجمدة بالصمت، لم يلمس أحد الطعام، بل اكتفوا بالنظر إليه.
مر وقت طويل، وبعده فقط بدأ العشاء.
ظلّ جيهان يرمقني بنظرات حاقدة قبل أن ينهض من مقعده ويغادر المكان.
لم يسأل رئيس المجلس عن تفاصيل الزواج أو الخطوبة أو حتى الفسخ.
كل ما فعله هو إكمال العشاء داخل مطبخ يخنقه الصمت.
وفجأة، وضع جايها الملعقة على الطاولة أولًا.
“سأعود في وقت لاحق.”
”…….”
“فلنذهب.”
تمامًا حينما وصلت بي الحال إلى ذروة المعاناة، أمسك جايها بيدي ووقف.
حتى بعدما خرجنا من باب المنزل، ظلّ يُمسك بيدي ويسير معي.
“ستعودين إلى المنزل، أليس كذلك؟”
سألني جايها بينما كنا ننزل من نفس الممر الحجري الذي صعدنا منه قبل قليل.
ويبدو أنه شعر بالارتجاف الخفيف في يدي.
“نعم.”
“فلنذهب معًا في سيارتي أما سيارتك، فسوف يُحضرها السكرتير هان.”
وحين أومأت برأسي، توقف فجأة عن السير.
ظهر لنا ظلّ مألوف واقف أمام باب المرآب.
وفي الظلام، كانت السيجارة في يد جيهان تطلق دخانًا متصاعدًا.
تجعدت ملامحي لا إراديًّا بسبب الرائحة النفّاذة للسجائر.
وقعت عيناه على أيدينا المتشابكة.
ثم، وبنظرة باردة جامدة، أسقط سيجارته على الأرض وسحقها بقدمه.
“لحظة، أريد التحدث قليلًا.”
“ليس لدي ما أقوله لك، جيهان.”
مررتُ به دون أن تتغير نبرة صوتي أو نظراتي.
ومع جايها، عبرت باب المرآب دون تردد، حين تسللت إليّ مجددًا تلك النبرة المألوفة.
“يكفي أن تعودي فقط.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 33"