“جايها، ما الذي أتى بك إلى هنا؟”
نظر إليه نائب الرئيس بدهشة، بينما كان جايها واقفًا أمام الباب مبتسمًا بهدوء.
“لا أدري كيف علمت بمكاننا، لكن… هذا لقاء خاص مع خطيبتي فتراجع.”
لم تدم عيناه المتوسعتان من الدهشة طويلًا.
فقد أزال نائب الرئيس ملامح الدهشة سريعًا، وأشار لجيها بيده وكأنه يقول له: “اخرج الآن.”
ساد صمت لبرهة وجيزة،
ثم اقترب جيها نحوي وهو ينظر إلى نائب الرئيس بعينين حازمتين.
“لديّ ما أودّ قوله أيضًا.”
رمقه نائب الرئيس بنظرة مذهولة، وهو يراه يجلس بجانبي رغمًا عنه.
نظرت نحوه بطرف عيني،
كنت متوترة إلى حد التجمد، على عكس جيها الذي جلس منتصبًا وبهدوء، وكأن الموقف يعجبه.
“افعل ذلك لاحقًا! لاحقًا.”
قال نائب الرئيس بنبرة منزعجة، مندهشًا من مدى إصرار جيها.
فما كان يهمه الآن ليس ما جاء جيها من أجله،
بل أنا، الوريثة الوحيدة لمجموعة “دبليو”، وخطيبته المستقبلية.
نظر إلى جيها بنفاد صبر وكأنه عقبة ظهرت فجأة في موقف بالغ الأهمية يتعلق بمستقبل ابنه “هوجين”.
بالنسبة له، كان جيها دائمًا ابنًا ذكيًا سريع البديهة.
ولعله لم يفهم سبب تصرفاته اليوم، لذا عقد ذراعيه وحدق فيه باستغراب.
“يا له من أمر! ما هو؟ ما الذي جعلك تأتي إلى هنا؟”
استسلم أخيرًا لنظرات جيها الملحة.
سأل جيها، بينما ألقى نظرة جانبية عليّ مليئة بالريبة.
(لا بد أنه يتساءل… لماذا أحضرتُ جيها إلى هنا؟)
بما أنه نائب الرئيس، فلا شك أنه أدرك أنني من أعطى جيها عنوان اللقاء.
وضعت الكوب الذي كنت أحمله على الطاولة، فتلاطمت المياه بداخله.
نظرة خاطفة من جيها لي وأنا جالسة بهدوء، ثم تحدث إلى نائب الرئيس بصوت منخفض:
“سأتزوج.”
ذهب نائب الرئيس يحدق بجيها دون أن يرمش.
لبرهة، اهتزت عيناه قليلاً، وكأن وقع الخبر كان صادمًا.
(لا بد أن هذا الوضع أربكه.)
فجيها كان دائمًا مشككًا في الزواج إلى حد جعله مستعدًا للتخلي عن منصب الوريث.
جلس نائب الرئيس منتصبًا بعدما كان مائلًا، وهو ينظر إلى جيها بريبة.
“ممن؟ من أي عائلة؟”
نظر إليه بعينين ضيقتين وهو يقطب جبينه.
وسرعان ما ارتسمت ملامح الفضول في عينيه، وكأنه يتساءل عن هوية العروس.
ثم ألقى نظرة خاطفة نحوي، حيث كنت جالسة بجانب جيها.
“لا، يبدو أن المكان ليس مناسبًا… لنتحدث على انفراد.”
ربما تذكّر أنه كان يناقش مسألة فسخ خطبتي من جيهان،
ومن الواضح أنه لم يتخيل قط أن من يقصدها جيها… هي أنا.
لكن جيها قال بنبرة هادئة:
“إنها فتاة كاملة من حيث العائلة، والتعليم، وكل شيء بل وحتى شخصيتها تعجبني.”
كان جيها رجلًا لم يهتم يومًا بالنساء إلى حد أنه تنازل عن منصب الوريث، لذا بدت دهشة نائب الرئيس واضحة أمام هذا التغير.
وارتسم الفضول الشديد في عينيه وهو يسعل سعالًا خفيفًا، ثم سأل:
“همم… كح، كح… من هي هذه الفتاة يا ترى؟ ما الذي جعلك متيمًا بها إلى هذا الحد؟ خذها إلى بيتنا في بيونغتشانغ لتناول الطعام سويًا.”
“آه.”
أخيرًا، وقع في الفخ الذي نصبه له جيها.
ابتسم جيها برضا، وهز رأسه ببطء:
“لا داعي لأن تراها في وقت آخر، إنها هنا بالفعل.”
تجمد نائب الرئيس في مكانه فور سماعه لتلك الجملة.
“إنها هذه الشخص أريد أن أتزوج من الآنسة يون يوجين.”
أطلق تلك القنبلة دون أي تردد، ثم أمسك بيدي اليسرى الموضوعة على ركبتيه.
كنت مصدومة تمامًا، أما هو، فابتسم بهدوء ورفع يدي وهو يمسك بها.
“… ماذا؟”
كان يشرب الماء حين سعل فجأة، وكأنه أصيب بالشرقة ثم نظر إلى يدينا المشبوكتين ذهابًا وإيابًا، وجمد في مكانه.
بعينين ملؤهما الصدمة، بل والخيانة، حدق فينا وقال:
“أ-أنتما الاثنان…!”
قبل أن يتمكن نائب الرئيس من إغلاق فمه المندهش، وضع كوب الماء الذي كان يمسكه بعنف على الطاولة.
“هل تظن أن بإمكانك العبث مع والدك الآن؟! كيف لك أن تتزوج من يوجين؟! تلك الفتاة ستكون كنّتي، وليس زوجتك…”
“يمكنها أن تكون كنّتك الأولى فقط.”
بدت كلمات جايها صادمة، فصبّ نائب الرئيس الخمر في كأسه الفارغ، لكنه بالكاد ملأ نصفه، فألقى الزجاجة على الطاولة بعصبية.
“أتسمي هذا كلاماً؟!”
ثم صرخ بغضب وهو يمسك جبينه وكأنه يعاني من صداع شديد.
لكن جايها أجابه بابتسامة واثقة، تخفي نواياه الحقيقية:
“ألم يكن ذلك العرض موجَّهًا لي منذ البداية؟”
كانت قصة قديمة مغطاة بالغبار ورغم ذلك، تحدث جايها بابتسامة هادئة، فبدأت يد نائب الرئيس ترتجف.
“لقد رفضتَ الأمر حينها بكل وضوح!”
ورغم الرد الجاف والحاد، لم يتراجع جايها:
“لذا، أود الإقدام عليه الآن سنتزوج.”
“هاه… لقد جُننت فعلاً، أليس كذلك؟”
“نعم، لقد جُننت بها سواء كان خطوبة أو زواجاً، أريد أن يتم الأمر في أقرب وقت ممكن.”
تنهد نائب الرئيس وكأنه لا يصدق ما يسمعه وجهه، الذي كان يحدق بنا، بدأ يتلون شيئاً فشيئاً.
ثم، وكأنه أدرك أن الحديث مع جايها لن يجدي نفعاً، حول نظره إليّ:
“كنّتي العزيزة… أنتِ ، أجيبي بنفسك.”
“…”
“هل أنتِ جادة؟ هل تفكرين فعلاً بالزواج من ذلك الصعلوك، جايها؟”
كانت نظراته النارية مرعبة بما يكفي لتجعل ظهري يقشعر في حياتي السابقة، ربما كنت سأتجمد خوفاً وأتخلى عن الرد.
“نعم.”
بكلمة موجزة، ولكن في منتهى الحزم، أجبت فتجعدت جبيناه بشدة.
“…”
لم أهرب من نظراته الحادة.
حين دخلت هذا المكان لأول مرة وواجهته، شعرت أن ضغطه الطاغي يكاد يسحقني.
ولكن منذ لحظة ظهور جايها، لا أعلم لماذا، بدأت أشعر بالراحة بل و راودني إحساس بأني قادرة على أن أكون أكثر جرأة.
وكأن الغصة التي خنقتني طوال حديثنا قد زالت.
مررت أصابعي خلال خصلات شعري المبعثرة، وابتسمت ابتسامة خفيفة ممزوجة بسخرية.
“أنا من عرض الزواج أولاً على جايها.”
“…”
“أفلا يحق لي، على الأقل، أن أقرر من سيكون زوجي؟”
لم تكن كلماتي خاطئة بالكامل، إذ كنت أنا من تحدث عن الزواج أولاً جايها بدا غير مرتاح لكلامي
إذ قطب حاجبيه كما لو لم يعجبه ما قلته.
“…كيف لك أن تتخذي مثل هذا القرار من دون استشارة كبار العائلة؟!”
تجاعيد جبينه وحدّته في النطق عبّرت تماماً عن صدمته.
لقد هاله هذا التصرف الذي لا يشبه طبيعتي الهادئة المعتادة.
في تلك اللحظة، ربت جايها على ظهر يدي بلطف، مرسلاً إليّ إشارة:
“عندما تتهيأ الظروف، غادري المكان للحظة.”
“أغادر؟”
“نعم، فوالدي لن يُظهر نواياه الحقيقية وأنتِ حاضرة.”
شعرت أن هذه اللحظة التي تحدّث عنها قد حانت وتلقيت الإشارة منه برحابة صدر.
“إنه اتصال هاتفي.”
وكأنها كانت فرصة مناسبة، نهضت من مقعدي فوراً مع سماعي اهتزاز الهاتف.
ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة وأنا أنظر إليهما، واستدرت وخرجت من الغرفة.
…
…
بعد خروج يوجين، خيّم الصمت في الغرفة، وبقي الرجلان يحدّقان في بعضهما.
لكن النظرات المرتبكة على وجه مينغوك لم تدم طويلاً.
فقد أخذ يُفكر بسرعة في ما يمكن كسبه أو خسارته من هذا الوضع.
“تكلم الآن، ما الذي تنوي فعله بالضبط؟”
قال مينغوك ذلك وهو يحدق طويلاً في جايها.
“أتنوي حقاً الزواج؟! من خطيبة أخيك؟”
“نعم لست أقولها بدافع التحدي، بل إنها رغبتي الحقيقية سأتم ذلك الزواج.”
“هاه… رأسي سينفجر بسببيكما، لن أموت ميتة طبيعية.”
أمسك مينغوك جبينه المتألم من فرط الصداع.
لقد بدأت ترتعد أوصاله لمجرد التفكير كيف سيشرح هذه العلاقة الملتبسة بين الأخوين والمرأة نفسها لموجين.
فموجين كان حساساً جداً فيما يخص قضايا النساء.
“أنت تدرك ماذا تعني يوجين له، أليس كذلك؟”
كانت بمثابة الخطوة التي ستمكن هوجين من الانطلاق نحو شركة عالمية.
جايها، الذي كان يحدق في مينغوك، أومأ وكأنه يدرك الأمر تماماً.
“أدرك ذلك لكنني أيضاً أعلم أن هناك العديد من المساهمين المعارضين للاندماج من طرفهم.”
“…”
“وأنا أعلم لماذا هوجين بحاجة إلى المال أيضاً.”
من المؤكد أن الأمر يتعلق بتوسيع نشاطهم في مجال معدات البناء.
مينغوك، الذي كان يمسّد لحيته غير الحليقة، تغيرت نظراته عندما سمع اسم هوجين.
“ومع ذلك، تجعل الأمور تتعقد هكذا وأنت تعلم كل هذا؟”
رفع صوته أخيراً، غاضباً من جايها.
“ألا توجد طريقة للحصول على المال غير الاعتماد على W؟! نحن نتحدث عن مجموعة هوجين، مجموعة مرموقة.”
“…”
“وإذا كان الوريث المستقبلي لا يستطيع التفكير في خطة بديلة، فعليه التنازل عن منصبه فوراً.”
كلمات جايها كانت كأنها خرجت من فم رجل أعمال محترف، ذكية حد الإزعاج.
ثم ابتسم ابتسامة عفوية، وهو ينظر إلى مينغوك الذي بدا غير مصدق:
“وإذا كان لا بد لي من الزواج، فأليس من الأفضل أن أكون صهر مجموعة W؟ بدلاً من اتحاد بين مجموعتين قد ينهار في أي لحظة؟”
لأول مرة، لمعت عينا مينغوك بوضوح.
“لو كان لا بد لي من الزواج من أحد، فأنا أرى أن هذه المرأة تستحق وكما تعلم يا أبي، أنا لا أطمع في منصب الرئيس التنفيذي.”
“وماذا عن نظرات الناس؟ كيف ستواجه ذلك؟”
“لو كنت أخشى نظرات الناس، لما تخليت عن منصب الوريث أصلاً.”
في مواجهة كلمات جايها الهادئة، ضغط مينغوك على صدغيه بإحباط شديد.
“يوجين لا تنوي الزواج من سيو جيهان لن تستطيع ربطهما معاً عن طريق الزواج.”
“…هاه.”
“وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فقد نفقد W إلى الأبد.”
أخذ مينغوك، الذي تذكر تصرفات جيهان الأخيرة، يضرب الطاولة بكأسه غاضباً.
“كل هذا بسبب سيو جيهان، ذلك الأحمق!”
تخيل كيف سيكون رد فعل موجين حين يعلم، وارتجف من مجرد الفكرة.
جايها، الذي كان يحدّق في عينَي مينغوك، قرأ الاستسلام المتسرب منه.
“لقد كان مغروراً، لأنه ظن أنه يملك كل شيء.”
ثم شرب كأسه وهو يسترجع غرور جيهان قبل اجتماع المساهمين.
وتخيل وجه أخيه حين يعرف أنه سيتزوج من يوجين، شيئاً لم يكن ليخطر له على بال وابتسم بسخرية.
وليس سوجيـهان وحده.
بل حتى تلك المرأة التي لا بد أنها ترتجف غضبًا في الغرفة الخلفية، ظنًّا منها أنه سُلب حق ابنها.
«الأم وابنها سيكونان مشهدًا يستحق المشاهدة.»
“أن تُبقوا شخصًا لا يستطيع التمييز بين الصواب والخطأ بسبب امرأة واحدة فقط في منصب الوريث، أمرٌ يجدر بكم التفكير فيه.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 31"