لا يزال جالسًا على المقعد، يحدق بي بعينيه الساكنتين وهو يسند ذقنه إلى يده.
هذا الرجل، ألم يُكمل عامه الثالث والثلاثين هذا العام؟
لقد عرفت عنه الكثير بعد أن عدت في الزمن، مما لم أكن أعرفه من قبل.
الواقع الذي تغير كثيرًا عن الماضي، أليس خبر حمل سيورين دليلًا عليه؟
“لو قلت لك… إنني أبلغ الرابعة والثلاثين، بل وإنني أعرف المستقبل، هل كنت لتصدقني؟”
جايها، الذي كان ينظر إليّ بوجه سعيد وأنا ثملى، عقد حاجبيه أخيرًا.
ثم ضحك بخفة، كأنما ظن أنني أقول ذلك فقط تحت تأثير الخمر.
“المستقبل؟ لم لا تقولين إنكِ لستِ يوجين، بل أختها السرية؟”
“أختها السرية؟ هذا أيضًا مثير للاهتمام… هاها.”
قصة عبثية، لكنها قابلة للتصديق أكثر من قصة أنني عدت إلى الحياة بعد أن متّ.
من سيصدق شيئًا كهذا؟ أنني قُتلت على يد زوجي، وعدت إلى الماضي.
وأن الحبيبين الخائنين، زوجي السابق والفتاة التي كانت زميلتي، قد أنجبا طفلًا مرة أخرى.
لا أعلم إن كان سبب الصداع هو تأثير الكحول، أم التفكير في هذين الاثنين.
وضعت يدي على رأسي، الذي بدأ ينبض بألم خافت.
“أنا حقًا… أكره أخاك أكرهها جدًا لا، بل أكرهها إلى حد أن كلمة ‘أكره’ لا تكفي للتعبير عن كل ما أشعر به من حقد.”
كنت أكره جيهان، الذي دفعني إلى حافة الهاوية بهذه الوحشية.
لقد دفعني إلى أقصى درجات الانهيار، دون أن يترك لي أي مفر.
وهكذا، أصبحت حياتي كلها ممتلئة فقط بفكرة الانتقام.
“أكثر مما يمكنك تخيله…”
نظراته التي كانت تحدق بي، كأنها تمزقني، بعد أن دمرت حياتي الهادئة التي كنت أعيشها.
تلك النظرات المرعبة، كنت أستيقظ من نومي عشرات المرات يوميًا وأنا أتذكرها.
هل كانت مشاعري مبالغًا فيها لأنني كنت ثملة؟
ربما رأى في وجهي الحقد العميق واليأس الذي اختلطا فيه، فاقترب مني.
هبّت نسمة باردة من نهر الهان.
امتزجت رائحة جسده مع تلك الريح، فداعبت أنفي.
“أعرف أنكِ كنتِ تمرين بوقت عصيب.”
اقترب بهدوء واحتواني بين ذراعيه.
“وأعرف أيضًا أنكِ لا تزالين تعانين كثيرًا أعلم أن شقيقي فعل بكِ أشياء لا تُغتفر.”
كان يربّت بلطف على مؤخرة رأسي.
كأنها الطريقة الوحيدة التي يعرفها جايها، الذي لا يُجيد المواساة، للتعبير عن تعاطفه.
“عندما توفيت والدتي، واستعدت وعيي، لم يكن بجانبي أحد.”
“……”
“لذا لم أتلقّ يومًا أي عزاء، ولم أُقدمه لأحد من قبل.”
كلمات لم أسمعها منه من قبل.
كنت قد دفنت رأسي في صدره، فلم أستطع رؤية تعابير وجهه وهو يواصل الحديث.
لكن صوته، الذي بدا أكثر هدوءًا من ذي قبل، أوصل إليّ كل ما شعرت به.
بالنظر إلى أن حياته كانت قائمة على إثبات الأمور بالأفعال لا بالكلام، تابع جايها حديثه بنبرة منخفضة دفئت صدري شيئًا فشيئًا:
“لأكون صادقًا، لا أعرف حقًا كيف أتصرف في مثل هذه المواقف.”
ورغم أنه لا يعتبره مواساة، إلا أنني بدأت أشعر بالسكينة تتسلل إلى قلبي بين أحضانه التي شعرت فيها بدفئه بوضوح.
“لذا، سأواسيك بطريقتي الخاصة… ماذا لو أربكنا سوجي هان وأفسدنا عليه هدوءه قليلًا؟
“……؟”
رفعت رأسي لا إراديًا من بين أحضانه حين سمعت كلماته.
عندها التقت عيناي بعينيه مباشرة دون أدنى تردد أو اضطراب.
“لقد طلبتِ الزواج، أليس كذلك؟”
سمعت صوته يتسلل إلى أذنيّ، أكثر رقة من أي وقت مضى.
“فلنتزوج .”
“لكن إن كان سوجيها الذي أعرفه ، فلا شك أنك تكره الزواج.”
كان هذا ما قلته له ذات يوم، وقد بدا أنه لم ينسَ ذلك، فتابع كلامه مسترسلًا:
“فلمَ لا نُقدم على هذا الزواج؟”
شعرت وكأن عشرات الألعاب النارية انفجرت داخل رأسي في لحظة.
ما الذي سمعته للتو؟ لا بد أنه ليس حلمًا…
“لا أظن أنّ هناك انتقامًا أفضل من هذا.”
نظراته السوداء العميقة، التي لا يمكن سبر غورها، ارتسمت على محياه وهو يبتسم بخفة.
جفّ حلقي فور رؤيته يبتسم بهذه الطريقة.
(آه… ما الذي أنوي فعله؟)
كنت قد قررت أن أُسكر نفسي حتى لا أتذكر شيئًا مما حدث الليلة عند استيقاظي غدًا،
ولكن، لماذا أصبحت أكثر وعيًا كلما ازدادت نظراته تعلقًا بي؟
“لا يجب أن يكون الأمر كذلك…”
قبضت بيدي لا إراديًا على كمّ قميصه بقوة.
“ما الذي يحدث لي؟… يبدو أنني بدأت أفيق من السكر هاه…”
وعندما أفلتّ كمّه، بدأ قلبي ينبض بعنف.
نظرت إليه، خشية أن يتظاهر غدًا وكأن شيئًا لم يحدث، ثم وضعت يدي على وجهي.
قدماي بدأتا تترنحان من تلقاء نفسي، وكأن جسدي لا يقوى على تحمل يقظتي التامة.
“سترتمين أرضًا إن واصلتِ هكذا.”
شعرت بذراعيه تطوقان خصري فجأة لتمنعاني من السقوط،
أنفاسه المألوفة التي شعرت بها دون أن أحتاج للنظر إليه.
شعرت أنه لو فتحت عينيّ الآن، لن أتمكن من التراجع بعد هذه اللحظة أبدًا.
“سو جيها… عندما أُسْكَر تمامًا، لا أتذكر شيئًا عادة.”
رغم أنني كنت ثمِلة تمامًا، إلا أن كل آثار الخمر تلاشت فجأة.
لا، ربما أصبحت أوضح ذهنيًا حتى من قبل أن أشرب.
“لكني أعتقد أنني سأتذكر كل شيء الليلة.”
رفعت يدي عن وجهي شيئًا فشيئًا،
وعندما فعلت، رأيت جايها واقفًا أمامي، على بُعد مسافة لا تكاد تفصل أنفينا.
“هل كنتَ جادًا في كلامك؟”
ولم يمضِ وقت طويل، حتى سمعتُ إجابته… في مكان آخر.
***
بأنفاس قصيرة، فتحتُ الباب المغلق بإحكام.
“أتيتِ؟”
في ظهيرة أحد أيام عطلة نهاية الأسبوع،
فتحت باب غرفة الاستقبال الراقية، فرأيت نائب رئيس مجلس الإدارة “سو مينغوك” جالسًا بانتظاري.
كان نائب رئيس مجموعة “هوجين”، ووالد سوجيهان.
تواصل معي بعد اجتماع المساهمين وطلب أن نلتقي على انفراد.
كانت مكالمته المفاجئة غريبة من شخص مثله لم يكن يُبدي أدنى اهتمام بي من قبل.
“نعم، سيدي مضى وقت طويل منذ آخر لقاء لنا على انفراد.”
خمس سنوات كاملة قضيتها أناديه بـ”أبي”.
لكني لا أذكر أننا التقينا وحدنا قط يبدو أن هذه المرة الأولى فعلًا.
“سمعت بأمر فسخ الخطوبة.”
عاد إليّ تركيزي إثر صوته الخافت المألوف.
“هل حقًا تنوين الانفصال عن جيهان؟”
سؤاله بدا وكأنه عن الخطوبة، لكن ما كان يهمه حقًا هو الاندماج مع مجموعة “W”.
رطّبتُ شفتيّ ببعض الشراب الذي ناولني إياه، ثم أجبت:
“إذا كنتَ تقصد السيد جيهان، فقد انتهى الأمر قررنا فسخ الخطوبة.”
“هاه، فسخ الخطوبة أصبح سهلًا هكذا؟ على ما يبدو، جيهان لا يفكر بالطريقة ذاتها.”
ما يقلقه ليس فسخ الخطوبة، بل فشل اندماج المجموعتين بلا شك.
تناول كوب الماء بدلًا من الكأس الفارغة، وانعكس على وجهه بعض الضيق.
بدا عليه الامتعاض، ربما لأنني بادرت بإعلان فسخ الخطوبة من طرفي.
“الرجل قد يخطئ مرة، ينظر إلى أخرى، وخصوصًا قبل الزواج.”
“……”
“ما عدا ذلك، أظن أن المدير سو ليس فيه ما يُعيبه.”
كان يقصد، هل ستُنهين زواجًا رُتّب بين عائلتين بسبب مجرد نزوة؟
هزّ رأسه وهو ينظر إليّ بعينين فيهما شيء من الاستنكار.
“أما كان يمكنكِ أن تتغاضي عن الأمر؟ سيزول كل شيء مع الوقت يا عروسي، إن سامحتِ، قد يولد مستقبل جديد.”
ها هو ذا يناديني بـ”عروسي” مجددًا.
كم تظاهَر بأنه يضعني في الحسبان، بينما في الحقيقة لم يكن يكترث إلا لمصالحه.
كأن كل ما يهمه الآن هو اندماج المجموعتين لا غير.
غصّ حلقي واشمأززت من تصنّعه، فشربت الماء لأهدأ.
“لقد قررت فسخ الخطوبة ومجموعة W سيتولاها السيد جايها كما هو مقرر.”
“يا يوجين! أن يتولى زوجك المجموعة شيء، وأن نديرها عبر مدير تنفيذي شيء آخر تمامًا! أنا أقول هذا لمصلحتك!”
رفع صوته فجأة، بعد أن رأى صلابتي.
“صحيح كما قلتَ، لا يوجد شيء أصدق من الروابط العائلية.”
“بالضبط! إذًا…”
توردت على وجهه ابتسامة خفيفة، وقد ظن أنني بدأت أقتنع بكلامه.
لكنني قابلته بابتسامة ملتوية وقلت:
“إذًا، عليه أن يصبح زوجي المدير الذي سيتولى مسؤولية W.”
“ماذا؟!”
اهتزّت يده التي كانت تمسك بالكأس، وانعكست الدهشة على وجهه.
ثم فجأة، سُمع صوت طرق على الباب،
فاستدار برأسه نحو مصدر الصوت.
ومن بين شقوق الباب الذي بدأ يُفتح، ظهر جايها مرتديًا بذلة رسمية.
“جايها… ما الذي أتى بك إلى هنا؟”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 30"