كان مدير القسم يُلقي عدة توجيهات في مقدمة الاجتماع.
كان الجميع يُصغي باهتمام لحديث المدير الجالس في المقدمة.
“بما أن لدينا العديد من الأخبار اليوم، فاستعدوا جيدًا للبث.”
اليوم تحديدًا، كانت هناك أخبار كثيرة مهمة، مما جعل حديث المدير يطول أكثر من المعتاد.
وحين نظرت إلى المسودة الممتلئة بتقارير التغطية الصحفية، بدا لي الأمر مفهومًا تمامًا.
“لننهِ الاجتماع الآن.”
وبهذه الكلمات أنهى المدير اجتماع مناقشة عناصر الأخبار.
وغادر غرفة الاجتماعات على الفور، وكأن لديه جدولًا مزدحمًا ينتظره.
“هاه، العمل مكدّس كالجبل.”
ولم يتمطَّ أحد إلا بعد أن غادر المدير غرفة الاجتماعات.
“شكرًا على جهودكم.”
“لقد بذلتم مجهودًا كبيرًا.”
حتى يونغ جون، زميلي الأقدم، الذي كان يتابع الناس وهم يغادرون، بدأ يجمع أغراضه ووقف من مقعده.
“أيها الزميل، استخدمت قلمك جيدًا.”
“إن احتجتِ إلى المزيد من الأقلام، فلا تترددي .”
“لا بأس، لدي الكثير من الأقلام في المكتب.”
عندها فقط أخذ القلم الذي كنت قد ناولته إياه، وغادر غرفة الاجتماعات.
“حسنًا، سأذهب إلى قسم التحرير، أراك لاحقًا.”
“حسنًا، إلى اللقاء.”
كان الأمر مريبًا.
فقد اعتادت دائمًا أن أضع قلمي الحبر في زاوية دفتر يوميات ، لكن مؤخرًا، أصبح ذلك المكان فارغًا.
“أين ذهب القلم؟”
كان قلمًا ثمينًا، ولا يمكنني الاستغناء عنه…
“وضعته على مكتبي، هل تراه أحدهم وتخلص منه؟”
شعرت بالقلق من احتمال أنني قد أضعته، فنهضت من مكاني.
وكان لا بد من التأكد.
وما إن دخلت قسم البرمجة، حتى ارتبكت من النظرات التي تسلطت عليّ دون أن أشعر.
كانت عيونهم لا تزال مليئة بالحيطة والحذر.
“لماذا المكتب شبه فارغ؟”
بدا أن الفراغ يلفّ المكان أكثر من المعتاد، وكان بعض الزملاء الجدد يلقون عليّ نظرات خاطفة.
وضعت الأغراض التي كنت أحملها مع محضر الاجتماع، ونظرت حولي.
أخرجت دفتر يومياتي من حقيبتي، وبدأت أبحث في الزوايا تحت الكرسي، متسائلة إن كان القلم قد سقط أثناء خروجه، لكن لم أجد شيئًا.
بدأ القلق يتسلل إليّ أكثر، متسائلة: “هل فقدته فعلًا؟”
في تلك اللحظة، فُتح باب المكتب، ودخلت مجموعة من الأشخاص، واتجهوا مباشرة نحو مكتبي.
وكان أحدهم يحمل كعكة كاملة.
“زميلتنا، نعلم أنه متأخر، لكن نبارك لكِ عودتك للعمل.”
“ونبارك لكِ تعيينك مذيعة رئيسية.”
“أ-آه… شكرًا لكم.”
اقتربوا مني، وقدّموا لي كعكة أشعلت عليها الشموع.
من الظاهر، كان الحدث يبدو كأنه مفاجأة حميمية، لكن في الحقيقة، بدا زملاء المكتب غير راضين وهم يراقبون ما يحدث.
“انفخي الشموع بسرعة، ستذوب كلها.”
أوه…
كتمت شعوري بالغثيان بصعوبة من رائحة المانجو الثقيلة المنبعثة من الكعكة الماثلة أمامي.
وجوه الزملاء الذين ناولوني الكعكة لم تكن لطيفة أبدًا.
كان من الواضح أن أحدًا أجبرهم على فعل ذلك، فقاموا به على مضض.
“من الذي خطط لهذا…؟”
ولم يكن ينقص سوى أن تكون الكعكة بنكهة المانجو.
المانجو فاكهة لا أستطيع أكلها أبدًا، إذ تسبب لي دوارًا وغثيانًا شديدًا.
“المدير هو من أصرّ على ذلك، فلا تشعري بالحرج، خذيها.”
لماذا فعل المدير هذا الأمر؟
في ظل أجواء التوتر من زملاء قسم البرمجة مؤخرًا، بدا واضحًا أن هذه الحادثة ستزيد من كراهيتهم لي.
وكدت أسمع بوضوح في نظراتهم المتسلطة مشاعر الحقد.
“قيل لنا إنك تحبين كعكة المانجو، فطلبناها خصيصًا.”
“أنا؟ من قال ذلك؟”
أن يُقال إنني أحب المانجو؟!
شعرت بانزعاج ظاهر، ثم التقت عيناي بعيني “سيورين” التي كانت تخرج من بين الزملاء.
اقتربت من الزميلة التي كانت تحمل الكعكة، وابتسمت لي ابتسامة مشرقة.
“أنتِ تعشقين المانجو يا أختي، لذا ذهبنا لشرائها من مكان بعيد.”
وعند كلامها، أومأ من حولها برؤوسهم.
ثم بدأت ابتسامتها تتلاشى تدريجيًا، لتتحول إلى نظرة باردة لا يراها سواي.
“ستأكلين معنا، أليس كذلك؟”
.
.
.
استغليت انشغال الجميع، وتسللت إلى الحمّام، وتقيّأت ما في جوفي.
كلما فكرت في الأمر، ازددت استغرابًا.
“سيورين” تعلم جيدًا أنني لا أطيق المانجو، ومع ذلك ناولتني الكعكة.
“ما أوقحها…”
مسحت شفتيّ بمنديل.
وفي تلك اللحظة، فُتح باب الحمّام بقوة، ودخلت “سيورين”.
“ألم تكن الكعكة لذيذة؟ أحضرناها من محل شهير!”
اقتربت من المغسلة، وبدأت تغسل يديها وهي تطلق ابتسامة ناعمة إلى انعكاسي في المرآة.
“أليس هذا تصرفًا طفوليًا؟ أنتِ تعلمين أنني أكره المانجو.”
“طفولي؟! هل تعلمين كم تعبت لأحصل على تلك الكعكة؟!”
على ما يبدو، انزعجت من وصفي لتصرفها بالطفولي، فاستدارت واقتربت مني بخطى صارمة.
رفعت طرفي شفتيها بابتسامة مصطنعة.
“هل فكرتِ يومًا أنني أنا من اختارت ما ستأكلينه؟”
كل شيء أصبح واضحًا بما أنها مشهورة بأنها قريبة مني، فلا شك أنها فكرت بصورتها أمام الآخرين.
ضحكت رغمًا عني من غرابة الموقف.
“ما المضحك؟”
عبست ملامح سيورين فورًا عند سماع ضحكتي المفاجئة.
“فقط، شعرت بأنكِ مسكينة… تلبين طلب جيهان وتهدينني هدية، وحتى تحتفلين بي بالكعكة… لا عجب أن تكوني بهذا الانزعاج.”
ما إن نطقت اسم “جيهان”، حتى احمر وجهها غضبًا.
اقتربت منها أكثر، وابتسامة مندهشة على وجهي.
“آه، وتعرفين هذا، أليس كذلك؟ أنه قد قدم لي طلب تسجيل زواج.”
بمجرد أن ذكرت عبارة “طلب تسجيل زواج”، ازدادت التجاعيد بين حاجبيها، التي كانت بالفعل بارزة.
إنها تبالغ في رد الفعل كلما سمعت اسم “سوجيهان”.
“وماذا في ذلك؟ لقد انفصلتما على كل حال.”
كان وجهها متشنجًا تمامًا، وقد بدت متأثرة بكلامي.
“صحيح، انفصلنا لكن ارتباط العائلتين لا ينفصل بسهولة لن يكون من السهل على جيهان التخلي عني.”
كانت “سيورين” أول من فرح عند سماع نبأ فسخ خطوبتنا.
والآن، من المؤكد أنها تحسب في رأسها بسرعة: كيف تستولي على مكاني؟
“حتى لو لم يتزوجني أنا، فسوف يتزوج امرأة تشبهني كثيرًا.”
كان في كلامي تلميح واضح بأنها لن تكون هي تلك المرأة.
فتغير لون وجهها تمامًا، من الأحمر إلى الأبيض ثم الرمادي.
لا بد أنها كانت تظن أن مكانها مضمون بعد رحيلي.
واصلت الحديث إليها، مخاطبة وهمها:
“أتفهمين ما أعنيه؟”
“……”
“ربما ينال حبّه لك، لكنكِ لن تملكيه أبدًا بالكامل.”
وتعمدت قول هذا الكلام، لأثير في قلبها الألم.
“وما أدراكِ؟ هو قال بنفسه إنه يريد أن يكون معي!”
يبدو أنها صدقت كلمات جيهان المعسولة.
صرخت بصوت حاد، وقد اختلفت تمامًا عن هدوئها السابق.
لكن شكلها وهي تعض على شفتيها كان يستحق المشاهدة.
“بريئة كما عهدتك لو كان صادقًا، لكنتِ أنتِ المذيعة الآن، لا أنا.”
“…هاه؟ ماذا تعنين بذلك؟”
“جيهان هو وريث مجموعة “هوجين” ولو أراد بصدق، لكان جعل منك المذيعة، لا أنا.”
كنت أرجو أن تتمسكي به أكثر.
لذا، إن كان لديكِ ما تترددين بشأنه، فلا تترددي.
“هو لن يتركني أبدًا.”
رغم أن وجهها بدا شاحبًا كأنها تحتضر، إلا أن عينيها كانتا ممتلئتين بالإصرار.
وكأنها تعتمد على شيء ما.
“حسنًا، إن كان هذا يريحكِ، ففكري كما تشائين.”
كانت يداها المرتجفتان تمسك بحافة فستانها بقوة.
ألقيت عليها نظرة جانبية، وأتممت قولي:
“لا تجهدي نفسكِ كثيرًا استمتعي بالأمر ثم أنهِه.”
وبهذه الكلمات، استدرت وغادرت.
***
لم تعد سُورين إلى المكتب حتى موعد بدء البث بعد ذلك.
تخيلتها وهي تغلي من الغيظ في مكانٍ ما، فتسلل إلى قلبي قدرٌ لا بأس به من المتعة، حتى أنني نسيت أمر كعكة المانجو تمامًا.
وهكذا، وبينما كنت أستعد لبدء النشرة الإخبارية، راجعت آخر مخطط لحركتي وجلست في مكاني.
اقترب أحد أفراد الطاقم لفحص الميكروفون المثبّت على صدري.
وبينما كنت أتفحص جدول البث استعدادًا للنشرة التي ستبدأ قريبًا، أضاءت شاشة الهاتف الموضوع على المقعد المجاور ظهرت على الشاشة رسالة واحدة.
[هناك شيء غريب في بيتي. – جايها]
«شيء غريب؟ ولمَ يخبرني بذلك؟»
أملت برأسي بتعجّب لعدم فهمي مقصده، وما هي إلا لحظة حتى وصلت رسالة أخرى.
[أليس هناك شيء نسيتهِ ؟ – جايها]
[لا أعتقد ذلك.]
لم يخطر ببالي أي شيء نسيته رغم محاولتي تذكّر أي أمر، فأرسلت إليه ردًا مختصرًا في الحال.
فضلًا عن أنني لست الوحيدة التي زارت بيته الكبير.
[أليس في بيتك من يأتون ويذهبون غيري؟]
ظننت أنه يخطئ في الظن، وبينما كنت على وشك وضع الهاتف جانبًا، وصلني منه صورة.
“آه!”
نهضت من مكاني دون وعي مني.
“آه، لا بأس أكملوا عملكم.”
شعرت بأن أنظار الطاقم قد اتجهت إليّ، فألوحت بيدي على نحوٍ مرتبك وجلست مجددًا.
في الصورة، ظهر قلم حبر مألوف بيد جايها.
“إنه قلمي!”
أول ما لفت نظري كان نقش الاسم “Yoon” المحفور عليه.
كان ذلك القلم هدية من جدي الراحل حين نجحت في اختبار القبول لوظيفة المذيعة للمرة الأولى.
كاد جدول البث أن يسقط من يدي دون أن أشعر.
«لماذا قلمي هناك؟!»
[المصادفة أن “يون” الوحيدة التي تأتي بيتي هي أنتِ. – جايها]
لماذا كان قلمي المفقود منذ أيام في بيته؟
اتصلت به فورًا دون تردد.
– كما توقعت إنه لكِ، أليس كذلك؟
كان صوته يحمل نبرةً مازحة وهو يتحدث من الطرف الآخر.
“لماذا هو عندك؟ كنت أبحث عنه طوال الوقت.”
– يبدو أنكِ نسيته في ذلك اليوم وجدته اليوم في زاوية الأريكة.
يبدو أنه كان يقصد تلك الليلة التي دعاني فيها للعشاء في بيته.
وفجأة تذكرت أنني وضعت حقيبتي على الأريكة.
ربما سقط القلم من المذكرة حينها.
ومهما يكن ما حدث، فقد شعرت بالارتياح لأنه لم يُفقد.
“آه… إنه ثمين جدًا بالنسبة لي.”
فقد كان اختفاء ذلك القلم يؤرقني طوال اليوم ويمنعني من التركيز على عملي.
لأنه قلمٌ لا يُقدّر بثمن، ولا يمكن شراؤه مجددًا، ولا يوجد له مثيل في العالم.
“على أي حال، أنني سعيدة أنه لم يُفقد هل عدتَ إلى المنزل؟ سأذهب لأخذه بعد انتهاء النشرة.”
– أنا في البيت متى ينتهي البث؟
نظرت إلى الساعة التي كانت تشير إلى العاشرة إلا عشر دقائق.
وحسب تقديري، سينتهي البث وسأتفرغ بعدها، لذا سيكون الوقت متأخرًا.
“بعد الحادية عشرة إذا كان الوقت متأخرًا جدًا، يمكنني الحضور إلى المكتب غدًا خلال النهار.”
– لا بأس عندما تنتهين من عملك، تعالي إلى موقف السيارات الخارجي للمحطة.
موقف السيارات؟ ألم يكن قد قال إنه عاد إلى منزله بالفعل؟
وقبل أن أتمكن من السؤال، بادر جايها بالقول:
– سأنتظرك.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 28"