بعد انتهاء وقت الغداء، خرجت من محطة البث بعدما تلقيت رسالة تفيد بوصوله.
دخلت المقهى الموجود في الطابق الأول من المبنى المجاور، فرأيت من ليس ببعيد هيئة ظهر مألوفة جالسة هناك.
“لقد قطعتَ مسافة طويلة، يا عمِّي.”
“لا، ليس كذلك فالمكان ليس بعيداً جداً عن مبنى الشركة.”
كان العم هيونيك جالساً إلى جوار النافذة، رافعاً فنجان الشاي، لكنه ما إن رآني حتى أعاده إلى مكانه.
السبب الذي أتى به إلى هنا هو طلبي الذي طلبته منه في الماضي.
“بشأن ما طلبته منك في ذلك الوقت؟”
أخرج العم شيئاً من الظرف الموجود بجانبه وناوله لي.
“لقد جمعتُ ما تم التحقيق فيه هنا.”
الشيء الذي استلمته منه كان بطاقة USB.
“أن تطلبي فجأة تحقيقاً عن شركة تُدعى إنتك…”
حتى وهو يناولني الـUSB، كان العم ينظر إليَّ بعينين قلقَتين.
كنت قد طلبت منه أن يحقق بشأن المشروع الذي يتولاه جيهان في مجموعة هوچين.
وحيث إنه لم يكن يعرف بعد الحقيقة الكاملة، فقد كنت أتفهم قلقه تماماً.
غير أن شرح كل شيء في هذا المكان كان أمراً صعباً.
“ماذا تنوين أن تفعلي بعدما اطلعتِ على هذه الأمور؟ علاوة على ذلك، تبدو هذه الشركة على اتصال بمجموعة هوچين.”
“نعم، صحيح إنها الشركة التي يطمع بها السيد جيهان.”
ولهذا السبب أيضاً اخترتُها كطُعم.
حين أمسكتُ بالـUSB الذي ناوله لي، التقت عيناي بعيني سيورين الجالسة في طاولة غير بعيدة.
(ما زالت كعادتها، تأتي إلى هذا المقهى خلال وقت الغداء، لم يتغير شيء.)
يبدو أنها كانت تستمتع بوقت الشاي مع زميلتها المذيعة قبل اجتماع ما بعد الظهيرة كالمعتاد.
وحين التقت عينانا على نحو مفاجئ، أدارت رأسها باندهاش.
(همم.)
من المؤكد أن سيورين الآن لا تعرف هوية الرجل الجالس أمامي.
ناهيك عن أنها فقدت منصبها كمذيعة رئيسية، فلا بد أنها في حالة من التوتر تدفعها للتمسك بأي شيء.
لذلك، وبينما كنت أراقب نظراتها المتسللة نحو الرجل الجالس أمامي…
“يوجين، هل تنوين فعلاً فسخ الخطوبة؟ لا، الأجدر أن أسأل أولاً إن كنت تنوين اعتبار مجموعة هوچين عدواً.”
سمعت من جديد صوته المليء بالقلق، فالتفت نحوه.
“مهما كان السبب، فإن هوچين ودبليو تربطهما علاقة تعاونية وطيدة تعود لسنين طويلة، تتجاوز علاقة الصداقة بين رئيسيهما.”
“هذا صحيح.”
“ولذلك، لا أجد سبباً مقنعاً في أن تعتبري هوچين عدواً.”
ابتسمت ابتسامة خفيفة نحوه، ثم تناولت هاتفه وسلمته له.
“تحقّق من البريد الوارد.”
“البريد؟”
ظهرت رسالة إلكترونية على شاشة هاتفه.
وما إن بدأ يقرأها حتى بدأت عيناه تهتزّان بلا وجهة.
“هـ… هل هذا حقيقي؟”
“نعم لقد كان يخطط لذلك بدقة ينوي الزواج بي ليستولي على مجموعة دبليو.”
ما استلمه كان بريداً إلكترونياً مرفقاً بصور تُظهر لقاءات متكررة بين جيهان ونائب الرئيس كيم يونغ مين.
وحين واصلت الحديث، لم يخفِ مشاعره المؤلمة.
“هاه… لا أصدق لا يكون الحادث الذي أصاب الرئيس أيضاً كان مدبّراً؟”
“ليس كذلك لقد كان حادثاً مفاجئاً، أصاب الثلاثة معاً.”
هززت رأسي بحزم لقطع الطريق على تخميناته.
حادث والديّ وجدي لم يكن مدبّراً لقد كان للأسف حادثاً مفاجئاً ومأساوياً.
“عمي، يصعب عليّ شرح كل شيء هنا لكن هوچين لن تصمد طويلاً من دون الاندماج مع دبليو.”
وراءه، تلاقت عيناي مجدداً مع سيورين، التي كانت تنهض على ما يبدو بعد انتهاء وقت الغداء.
نظراتها المشككة كانت تتفحّصني وتتأمل عمي قبل أن تستدير وتغادر.
على شاشة هاتفه، بينما كان يقرأ البريد، ظهرت صور تتعلق بفضيحة بين جيهان وسيورين، حصل عليها من شخص وظفه سابقاً.
“هذه هي أسباب فسخي للخطوبة.”
“كيف له أن يفعل بك هذا… لا، بل هل سيستسلم الرئيس سيو بسهولة؟”
ضغط عمي على صدغَيه وكأنه يعاني من صداع.
“هو لن يجرؤ على التسبب في فضيحة بسبب فسخ الخطوبة فهو يعلم تماماً أن موقعه كخليفة لا يزال هشاً، وأي اضطراب سيضر به أكثر من غيره.”
راقبتُ ظهر سيورين وهي تبتعد، ثم نهضت من مكاني.
تطلعت إلى عمي الذي بدا غير مصدق لما سمعه، وابتسمت له ابتسامة باهتة.
“عليّ العودة الآن. سأسبقك بالانصراف.”
“……”
“شكراً لقدومك، يا عمي عَود بحذر.”
***
كانت الكاميرا أمامي تنقل صورتي من على طاولة أخبار غرفة الأخبار.
ظهرت عناوين عاجلة تتحدث عن فضيحة لشخصية مرموقة في الأوساط السياسية والاقتصادية، يُرمز إليه بالحرف (A).
وحين رأيت مقال الفضيحة القذر ذاك، خطر في ذهني شخص ما على الفور.
نظرت إلى سيورين الواقفة خلف شاشة الأخبار حيث ظهرت النصوص على الـ”برومبتر”، تنتظر لتقديم نشرة الطقس التالية.
حين تلاقت أعيننا، مرت نظراتها الباردة عليّ.
لم تتحرك لها عين وهي تشاهد هذا النوع من الأخبار.
يا له من وجه وقح وجلد سميك.
حين تنكشف فضيحتها مع جيهان، سيكون وقعها أضعاف ما يُعرض الآن ألا تشعر بشيء؟
أعدت نظري إلى الأمام.
[نبدأ أولاً بخبر عاجل ورد قبل قليلرتم تسريب رسالة من النائب (A) الذي تورط سابقاً في فضيحة.]
نطقت كلمة “فضيحة” بوضوح وأنا أحدق في الكاميرا.
وبعد أن أنهيت الخبر العاجل، انتقل البث إلى المقابلة التي كانت مقررة في الأصل.
[كانت هذه نشرة الأخبار التاسعة.]
وهكذا، أنهيت آخر جملة لي وأتممت تقديم “اخبار 9”.
لم أنهض من مكاني إلا بعد أن تأكدت من بداية الفاصل الإعلاني.
“شكراً للجميع على مجهودكم.”
“أنتِ أيضاً، المذيعة يون، بذلتِ مجهوداً كبيراً في يومكِ الأول.”
“حتى الفضيحة العاجلة التي وصلت فجأة، قدمتها بسلاسة.”
“أجل ربما لأنها كانت من المقالات التي اهتمت بقراءتها؟”
وما إن وقفت من مكاني، حتى التقت عيناي مجدداً بعيني سيورين الواقفة أمام الشاشة الخضراء، تنظر إليّ.
بدا أن ملامحها قد تغيّرت بعد أن سمعت حديثي للتو.
كانت تمسك النص بإحكام وهي تحدّق بي بحدة.
“تقولين إنكِ مهتمة بمثل تلك المقالات؟”
“هذا غريب حقاً.”
كنت أتبادل الضحك والحديث مع طاقم العمل المتجمع حولي.
ربما لأنها لم تعد تحتمل رؤيتي في غرفة الأخبار.
وعندما نظرتُ مجدداً نحو المدخل، كانت سيورين قد اختفت من أمام ناظري.
حين عدتُ إلى قسم البرمجة بعد إنهاء الترتيبات، كانت الغرفة فارغة.
وبسبب تأخر وقت نهاية النشرة، كان الجميع قد انصرف.
(هناك شيء مختلف.)
شعرت بإحساس غريب بينما جلست في مكاني ونظرت حولي.
ورأيت سيورين جالسة في مقعدها رغم أن وقت الدوام كان قد انتهى.
عدت برأسي نحوها بشيء من الفضول، فوجدتها مشغولة بالطباعة.
لم تكن تشعر حتى بدخول أحد من الباب، كانت في غاية التركيز.
كنت على وشك مغادرة المكتب، ثم استدرت واتجهت نحوها.
حتى وأنا أقترب منها، ظلت منشغلة في عملها.
“لم تنصرفي بعد؟”
“كيييع!”
قفزت سيورين من مكانها مذعورة بصوتي، وسرعان ما أغلقت النافذة المفتوحة على شاشتها.
وحين رأتني، تلبدت ملامحها بالدهشة.
“لماذا أنتِ خائفة هكذا؟”
“لا، لا شيء لم أكن اعلم أن الوقت قد تأخر هكذا.”
أسرعت سيورين إلى جمع أغراضها، وابتسمت لي ابتسامة متكلفة.
“أختي، سأذهب الآن.”
وفي تلك اللحظة، بينما كنت أتابعها بنظري، فُتح باب المكتب، وسمعت صوتاً مألوفاً يناديني فرفعت رأسي.
“المذيعة يون.”
تلاقت عيناي مع أحد أفراد فريق التصوير الذي أطلّ من الباب المفتوح جزئياً.
حتى سيورين التي كانت على وشك المغادرة، التفتت نحو مصدر الصوت.
“رئيس القسم لي يطلبكِ.”
“أنا؟ الآن؟”
“نعم قال إن كان وقتكِ يسمح، فمرِّي عليه قبل الانصراف.”
لم أكن أعلم ما الذي يجعل الرئيس يطلبني في مثل هذا الوقت المتأخر.
مررت بجانب سيورين الواقفة بدهشة، متجهة إلى مكتب الرئيس.
سيورين كذلك بدت مستغربة، فظلت تنظر نحوي بريبة حتى خرجت من المكتب.
(لماذا يطلبني؟)
كنت أُسرع الخطى باتجاه مكتب الرئيس، فيما كان رأسي يعجّ بعلامات الاستفهام.
وحتى مجرد معرفتي بأن الرئيس لم يغادر بعد كانت مفاجأة.
.
.
.
طرقت الباب طرقاً خفيفاً، ثم دخلت مكتب الرئيس، فرأيت الرئيس جالساً على الأريكة.
“أوه، وصلتِ؟”
“قالوا إنك طلبتني.”
نظرت نحو الرئيس الذي رحب بي بابتسامة، ثم إلى الشخص الجالس أمامه.
(من يكون في هذا الوقت؟ مظهره مألوف.)
كان ظهره مألوفاً بطريقة غريبة، وجعل قلبي يبدأ بالخفقان سريعاً.
(لا يعقل…)
اقتربت بخطى بطيئة نحو الأريكة في منتصف المكتب.
ومع صوت خطواتي المتقاربة، التفت الرجل الجالس نحوي.
“شاهدتُ البث، كان رائعاً.”
كما توقعت، كان جايها.
“ما الذي تفعله هنا؟”
كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة ليلاً، ووجود جايها في مكتب الرئيس أربكني بشدة.
نظر إليَّ بابتسامة خفيفة عند زاوية شفتيه.
“ما السبب؟ جئتُ للعمل، طبعاً.”
عمل؟ في مثل هذا الوقت من الليل…؟
بينما كنتُ غارقة في الارتباك، بدا هو مسترخياً تماماً.
اقتربت منه أكثر، فقال بصوت منخفض لا يسمعه سواي:
“قلتُ إنني سأهنئكِ، أليس كذلك؟”
“ما الذي تعنيه؟”
وفجأة، تذكرت المكالمة التي جرت بيننا في طريق العودة من المستشفى.
ربما لاحظ تغير ملامحي، فغمز لي بإحدى عينيه.
(لكن أي تهنئة هذه التي تستدعي المجيء إلى مكتب الرئيس؟)
نظرت نحوهما بحيرة، فأشار الرئيس إلى شاشة التلفاز وهو يبتسم.
“جاء بسبب أمر يتعلق بالاستثمار وبهذه المناسبة، راقبنا معاً أول بث لكِ.”
قال ذلك وكأن الأمر لا يستحق الذكر، فهززت رأسي بذهول.
رغم كل شيء، لم أصدق أنهما كانا يراقبان النشرة حتى هذا الوقت.
“وقال إن لكما موعداً بعد ذلك، أليس كذلك؟”
“موعد؟”
(هل هناك موعد لا أعلمه؟)
التفت بسرعة نحو جايها بعينين متسعتين، فالتقت عينانا مجدداً.
قال بصوت خافت لا يسمعه غيري:
“عشاء.”
“ماذا؟”
“قلتُ لنذهب لتناول العشاء.”
وما إن قال ذلك حتى ابتعد عني.
هل يعقل أن رئيس القسم يعلم بهذا الموعد بينما أنا لا أعلم شيئاً؟
ضحكت بذهول من شدة الارتباك.
“اجلسي أولاً فالرئيس لديه ما يريد قوله.”
“صحيح المذيعة يون، لماذا لا تجلسين أولاً؟”
أشار جايها إلى المقعد المجاور له، وتدخل الرئيس أيضاً قائلاً كلمته.
متى اصبح الاثنان متناغمَين بهذا الشكل؟
كنت أحدق بهما وأنا لا أفهم شيئاً، حتى تابع الرئيس كلامه بابتسامة:
“قلتِ إنك كنتِ فضولية بخصوص اختبار المذيعين، أليس كذلك؟”
في يومي الأول، كنت قد سألت مراراً عن الاختبار، لكن الرئيس قال إنني سأعرف لاحقاً.
(لا يعقل…)
طريقة اختيار المذيع الرئيسي لنشرة الأخبار تغيّرت فجأة من تقييم غير رسمي إلى اختبار علني.
شخص يستطيع الصمود في وجه ضغط وريث الشركة، سيو جيهان، ويفرض رأيه بقوة.
حين فهمت ما كان يجري، اتسعت عيناي دهشة.
(لا يعقل…)
“نعم إنه المدير التنفيذي، السيد سيو جايها.”
ومع كلمات الرئيس، لم أعد قادرة على إغلاق فمي من الدهشة.
“لقد ساعد في تحويل اختبار المذيع الرئيسي إلى اختبار علني هذه المرة.”
وعلى وجه جايها، ارتسمت ابتسامة خفيفة بينما كان ينظر إليّ.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 26"