رغم أنّ الأخبار قد تمّ التحضير لها على عجل، إلا أنّ الاختبار انتهى دون أية حوادث تُذكر.
جايها، الذي بدا وكأنه تلقى مكالمة أثناء البث، خرج دون أن يعود.
كنت أنظر أحيانًا خلف الكاميرا، على أمل أن يظهر، لكنّ مكانه ظل خاليًا حتى النهاية.
[إلى هنا ننهي النشرة.]
بمجرد انطفاء ضوء الكاميرا، أطلقت النفس الذي كنت أحتبسه.
شعرت وكأن التوتر الذي كان يلف الأستوديو قد انقطع فجأة.
وبعد أن ارتخت أعصابي، بدأت أستشعر عددًا لا يُحصى من النظرات التي كانت موجهة إليّ.
“المذيعة يون بارعة فعلًا.”
تمتم أحد أفراد الطاقم، الذي كان يحدق بي من بعيد.
استدارت سيورين بسرعة نحو مصدر الصوت.
“أجل، فهي معتادة على قراءة الأخبار، الأمر يختلف تمامًا.”
“أتساءل من سيصبح المذيع الرئيسي.”
“حقًا، الحماس يزداد.”
انبثقت عبارات الإعجاب من هنا وهناك.
تبادلت النظرات مع سيورين، التي كانت تنظر إليّ بغضب، فابتسمت لها ابتسامة خفيفة.
فخرجت من غرفة الأخبار ووجهها ممتلئ بالغيظ من ابتسامتي.
“شكرًا على مجهودكم.”
حيّيت الطاقم ونهضت من مكاني.
ظهرت مكالمة فائتة واحدة على شاشة هاتفي المحمول.
.
.
.
- مرحبًا، معك مستشفى دايجين حالة المريض قد تدهورت فجأة.
المكالمة الفائتة كانت من المستشفى كلمات الممرضة ترددت في رأسي بعنف.
كانت أنباء عن تدهور مفاجئ في حالة والديّ خلال الليلة الماضية.
أصبحت خطواتي نحو قسم البرمجة في غاية التسرّع.
وعندما وضعت يدي على باب المكتب، توقفت فجأة عند سماعي صوت من الداخل.
“يا لها من قسوة هل ترغبين في العودة كمذيعة لدرجة تفعلين هذا؟”
“هل من الجيد أن تكسبي فضل والديك، ثم تعيشي بهذه الطريقة؟”
هكذا إذًا يكون التنمر في بيئة العمل.
لم تكن هذه المرة الأولى التي أسمع فيها شيئًا كهذا، لكن كلماتهما جعلت عينيّ ترتجفان.
“ماذا تفعلين؟ لماذا لا تدخلين؟”
استدرت لأجد أمامي يونغجون سينباي ينظر إليّ باستغراب.
“لا شيء… كنت سأدخل.”
فتح الباب ودخل، وعيناه الضيقتان تتفحصاني.
توجهت الأنظار التي كانت تراقبه نحوي فور دخولي خلفه.
ابتلعت تنهيدة خرجت مني لا إراديًا من النظرات اللاذعة المختلفة عن تلك التي كانت موجهة إليه.
“صحيح، سمعت عن اختبار الكاميرا ماذا حصل؟”
“من أين سمعت بذلك؟”
تساءلت إن كان قد سمع بأمر احتجازي، فبادرت بالسؤال.
هزّ كتفيه وكأن الأمر لا يستحق الدهشة.
“أعتقد أن الخبر قد انتشر بالفعل؟ قيل إن المدير سيو جايها حضر بنفسه.”
“آه، ظننت… كنت أظن أنك تتحدث عن أمر آخر هذا فقط… كان مصادفة على ما أعتقد.”
كنت أظنه يقصد حادثة احتجازي في موقع التصوير تحت الأرض لم أتوقع أنه كان يقصد اختبار المذيع الذي حضره جايها.
“ماذا؟ هل حصل شيء آخر أيضًا؟”
“نعم، حصل حادث مذهل بالفعل.”
أجبت بينما أنظره، وقد بدا عليه الفضول.
(‘كيف يمكنه أن يكون بهذا الجحود بعد ما فعله؟’)
وبينما أجيبه، رمقت سيورين التي كانت جالسة، فاستدارت بحدة.
نظرت إلى جدول نشرات الأخبار المثبّت على أحد جدران المكتب، وتأكدت من انتهاء جدولي لليوم.
“إلى أين تذهبين؟”
سألني يونغجون سينباي، الذي كان قد جلس، وهو يراقبني وأنا أرتب أشيائي.
“لدي أمر طارئ اليوم، سأغادر مبكرًا.”
استدرت مبتعدة عن نظراته المتسائلة.
***
ما إن نزلت من السيارة، حتى أسرعت بالدخول إلى مستشفى دايجين.
رغم أن الدكتور كيم أرسل رسالة تفيد بأن حالة والديّ أصبحت مستقرة، إلا أن قلبي ظل ينبض بعنف.
ذاكرة فراق والديّ المؤلم في حياتي السابقة عادت لتطغى، وجعلت رأسي يمتلئ بأفكار لا تُحصى.
وعندما ضغطت على زر المصعد للصعود إلى جناح كبار الشخصيات…
“المذيعة يون يوجين؟”
ناداني أحدهم من الخلف.
استدرت إلى الصوت، لأجد وجهًا مألوفًا يقترب بعلامات السرور.
“كنت أعرف أنها أنتِ فعلًا.”
“آه… لقد مر وقت طويل.”
“رأيتك أكثر من مرة، لكن لم أجد الفرصة للكلام.”
كان أحد أفراد طاقم الأخبار الذين عملت معهم قبل استقالتي.
لاحظت ملابس المستشفى التي كان يرتديها، فسألته:
“لماذا لم تُلقِ التحية؟ لكن، هل أنت منوّم هنا؟”
“نعم، أجريت عملية بسيطة سأخرج غدًا.”
فُتح باب المصعد فجأة.
وكان يبدو وكأنه كان متجهًا للصعود أيضًا، فدخل معي ضغط على زر الطابق العاشر.
“سمعت بثك الإذاعي لقد عدتِ للعمل، أليس كذلك؟”
“نعم، لم يمض وقت طويل.”
ابتسمت ابتسامة خفيفة وأنا أضغط زر الإغلاق.
بدا عليه الاستغراب عندما لاحظ أنني ضغطت على زر الطابق الثامن.
ربما لأنه جناح لكبار الشخصيات ويُعالج فيه المرضى ذوو الحالات الخطيرة.
“لكن، ما سبب مجيئكِ إلى المستشفى؟ تبدين وكأنك تأتين كثيرًا.”
“آه… في الحقيقة…”
ترددت في الإجابة بصدق، لكن تذكرت قوله إنه سيخرج غدًا.
وبما أن إشاعات كثيرة قد انتشرت في محطة البث، اضطررت لإضافة تفسير:
“تعرض والديّ لحادث، وحالتهم ليست جيدة.”
“أوه… هذا مؤسف.”
أطلقت ابتسامة باهتة أمام نظراته المليئة بالأسى.
“لهذا السبب، أزورهم كل يوم بعد انتهاء عملي.”
“سيتعافون قريبًا، كوني قوية!”
“شكرًا لك سأذهب الآن.”
عندما وصلت المصعد إلى الطابق الثامن، نزلت.
وتركت خلفي نظراته الحزينة، وتوجهت إلى غرفة المرضى.
كان الدكتور كيم في الداخل، ربما وصله خبر قدومي.
“هل وصلتِ؟”
“كيف حالهما؟ قالوا توقف قلبيهما؟”
اقتربت سريعًا من الدكتور الواقف إلى جانب السرير.
بدت عليه ملامح الحرج، وكأن حالة والديّ ليست جيدة.
“السيدة في وضع أكثر خطورة هناك نزيف في الدماغ أيضًا.”
“هاه…”
تحطّم قلبي عند سماع أنّ والدتي كانت في العناية المركزة بعد إصابتها بتوقف مفاجئ في القلب.
“آنسة… على ما يبدو…”
“لا بأس، لا داعي لأن تقول شيئًا أفهم ما تقصده.”
هززت رأسي موافقة، فقد كنت أعرف ما كان على وشك قوله.
ثم تذكرت فجأة ما حدث في وقت سابق من اليوم، فناديت على الدكتور قبل أن يغادر.
“دكتور.”
استدار عند سماع صوتي.
“مؤخرًا، لا أنام جيدًا، وأعاني من مضاعفات بعد الحادث…”
“مضاعفات؟”
منذ عودتي للحياة، أصبحت أعاني من أرق حاد، بل وحتى ضيق تنفس عند التعرض لضوء ساطع، دون أن أُدرك خطورة ذلك.
ترددت في الحديث، ثم أغلقت فمي مجددًا.
فما كنت لأتمكن من شرح مضاعفات حادث لم يحدث في الواقع.
“لا، لا شيء.”
“إذا احتجتِ لفحص، لا تترددي في طلبه.”
عندما استدرتُ نحو سرير والديّ، شعرت بثقل هائل في قلبي.
أولًا، نزيف دماغي، ثم بعد ذلك…
كل الأمور المروّعة التي عشتها في حياتي السابقة عادت إلى ذهني كأنها تحدث الآن.
“أرجوكما، لا ترحلا بهذه السرعة…”
نظرتُ إلى والديّ، اللذين كانا موصولين بجهاز تنفس، وتدفقت مشاعر غامرة بداخلي.
كنت أحاول ألا أبكي…
لكن الدموع امتلأت في عيني من تلقاء نفسها.
مسحتها على عجل بخوف من أن تنهار عزيمتي.
“خضت اليوم اختبارًا لوظيفة المذيع الرئيسي.”
بدأت أروي ما حدث اليوم بنبرة هادئة.
كنت أتمتم بالكلام بينما أحدّق بوالديّ، اللذين لم يتغيرا عن الأمس.
“قبل التصوير، حُبستُ في موقع التصوير تحت الأرض بسبب شخص لئيم أمر لا يُصدق، أليس كذلك؟”
عادت اللحظات العصيبة إلى ذهني بوضوح.
لو لم يكن جايها موجودًا، لما حضرت الاختبار، بل ولما استطعت رؤية والديّ مجددًا.
“لولا جايها، لبقيت محبوسة هناك حتى الآن.”
لقد تمكنت من الهرب بفضله واستطعت أيضًا خوض الاختبار بسلام.
“إنه شخص غريب لماذا يحاول مساعدتي باستمرار؟”
فقد نزل معي إلى الموقع، وساعدني في اجتياز الاختبار.
ولم تكن تلك أمورًا ضرورية لانتقامه.
جايها، الذي بإمكانه تجاهل ما يحدث لي، اختار مساعدتي، فتألم قلبي لذلك.
“إنه غريب… حقًا.”
أغمضت عيني، وقد خفّ التوتر وثقلت جفوني.
.
.
.
“سيدتي.”
استيقظت على إحساسٍ بيد تهزّ كتفي التقت عيناي بعيني الممرضة المنحنية نحوي.
“لقد حان الوقت.”
“يبدو أنني غفوت مرة أخرى.”
رفعت جسدي ببطء عن السرير وأجبت بصوت خافت.
“من الطبيعي أن يحصل هذا إن كنت متعبة.”
كانت تغيّر قنينة المغذي الفارغة، ثم ابتسمت لي وقالت:
ثم اقتربت نحوي وهي تحمل علبة دواء، لا نحو والديّ.
“هل تسمحين أن أرى يديكِ؟”
“يدي؟”
رفعت حاجبيّ باستغراب.
أخرجت الملقط وسحبت قطعة شاش معقّمة من العلبة، ثم قالت:
“قيل لي إنكِ مصابة.”
“آه… هنا.”
“لقد تضررت بشدة سيؤلم قليلًا.”
عندما رأت باطن يديّ، قامت بتطهيرها بلطف، ثم ألصقت عليها شريطًا معالجًا.
تساءلت في صمت: كيف علمت أنني مصابة؟
“كيف عرفتِ أنني مصابة؟”
سألتها وأنا أراقبها تعيد علبة الدواء إلى الصينية.
“تلقينا اتصالًا من رجل قال إنكِ تعرضتِ لحادث، وإنكِ لم تتلقي العلاج بعد.”
“…”
“لا بد أنّها كانت تؤلمك طوال اليوم احرصي على تعقيمها كي لا تترك أثرًا.”
وقفت متجمده في مكاني حتى غادرت الغرفة.
بحدسي، عرفت أن الرجل الذي قصدته الممرضة هو جايها.
كيف علم أنني جئت إلى مستشفى دايجين؟
والأغرب من ذلك، أنه اهتم بجروحي التي أنا نفسي قد نسيتها.
بدأ رأسي يمتلئ بالأسئلة.
ما حدث في النهار، أقنعت نفسي بأنه مجرد حادث عابر.
أردت تصديق أن جايها، الذي كان باردًا في حياتي السابقة، هو في الحقيقة شخص عطوف.
لكن هذا التفكير بدأ يتزعزع.
“ما هذا… هذا ليس طبيعيًا.”
شعرت بشيء غريب.
كنت أعتقد أن علاقتنا قائمة على المساعدة في الانتقام فقط.
لكن ما يفعله يتجاوز مجرد المساعدة.
“لماذا هو لطيف إلى هذه الدرجة؟”
لطيف إلى حد يجعلني أختنق من البكاء.
كان هناك شعور غامض ودافئ يتولد في أعماق قلبي.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 23"