هل هو أثر جانبي للحادث الذي توفيت فيه في حياتي السابقة؟
حتى بالنسبة لي، كانت تلك أول مرة أعاني فيها من نوبة كهذه.
انحنى جايها على ركبتيه وكأنه استعاد وعيه، ليقابل نظري بعينيه.
“هاه، هاه…”
“اهدئي.”
احتوى كتفي المرتجفين بذراعيه.
حتى وأنا أنظر مباشرة إلى عيني جايها العميقتين، بقي تنفسي مضطربًا.
وكأنه لم يعد يتحمل، نزع سترته التي كان يرتديها ووضعها على رأسي.
“كل شيء على ما يرام.”
انبعث من سترته عطر مألوف.
ثم بدأت أشعر بيد جايها وهي تربّت على كتفي برفق، لمسة حانية وغريبة في آن.
“هاه…”
تاه بصري في الفراغ، لا يعرف أين يركز.
“كل شيء على ما يرام انظري إلي إلى عيني.”
وعندما رفعت رأسي متأثرة بصوته، التقت عيناي بنظرته الهادئة.
للحظة، بدأ تنفسي المتهدج يهدأ.
لكن خلال تلك اللحظة، جفّ فمي بالكامل.
اقترب جايها مني أكثر دون أن أشعر، وأحاط وجهي بكلتي يديه بلطف.
“أغمضي عينيك.”
لبثت لحظة في تردد، نظري يهتز ولا يستقر.
فسبقني ومد يده يمسح بها عيني بلطف.
“لا بأس، فقط أغمضي عينيك.”
غطت يده عينيّ، فحلّ الظلام الدامس.
بدأ قلبي ينبض بعنف، كأن صوته أصبح مسموعًا لمن يلامسني بهذا القرب.
“وركزي فقط على صوتي خذي شهيقًا عميقًا.”
“اهـهه….ا”
صوته المنخفض والثقيل تسلل إلى أذنيّ.
شعرت براحة غريبة، ووجدت نفسي دون وعي أتبعه.
“ازفري ببطء.”
“هاه…”
هل كانت نبرته الهادئة؟ أم رائحة الحمضيات التي تفوح منه منذ قليل؟
بدأ تنفسي المتقطع يهدأ تدريجيًا.
“أحسنتِ سكرتير هان سيأتي قريبًا، تحمّلي قليلاً فقط.”
وبينما بدأت رعشتي تهدأ، راودتني أفكار شتى.
لا بد أنني أبدو في حالة يُرثى لها، تُرى ما هو تعبير وجهه الآن؟
رغم أن النوبة توقفت، لماذا لا يزال قلبي يخفق كأنه سينفجر؟
تسربت إليّ فكرة سخيفة: هل يشعر هو أيضًا بهذا الشكل؟
ابتسمت ساخرًا من هذه الفكرة الغريبة، وبدأت أتحسس يده التي كانت تغطي عينيّ.
شعر هو بيدي وهي تصعد نحو معصمه القوي فتوقف فجأة.
“توقفي.”
سمعت صوت جايها المنخفض والحازم.
“لا لا تفعلي ذلك الآن…”
“أنا بخير الآن فعلًا.”
شعرت أنه طالما كان هو إلى جانبي، فسيكون كل شيء على ما يرام.
بشيء من القوة، أبعدت يده التي كانت تغطي عيني، فانكشفت الرؤية أمامي.
وكان جايها واقفًا أمامي، أقرب مما تخيلت، يطلق زفيرًا عميقًا.
ظننت أنني الوحيدة التي بدت في حالة مزرية، لكن يبدو أن مظهره ليس بأفضل.
كان بيننا مسافة قصيرة، لو تحرك أحدنا قليلًا لاصطدمت شفاهنا، فتحركت شفتاه وقال:
“قلت لكِ إن ذلك غير ممكن.”
كان الضوء المنبعث من خلفه لا يزال قويًا، لكن كل ما كنت أراه هو جايها.
“أنا بخير حقًا الآن… انظر، لا بأس.”
ارتسم العبوس على وجه جايها عندما شعر بأنفاسي تلامسه.
ثم تثبّتت عيناه عليّ تدريجيًا بنظرة غامقة.
“هاه…”
تنفس جايها الذي كان يحبس أنفاسه خرج دفعة واحدة.
أمسك بيدي بينما كنت أحدق فيه، فتألمت ملامحي دون وعي.
كان مكان الجرح الذي أصبت به قبل قليل لا يزال يؤلمني.
ويبدو أنه شعر بذلك، فقلب راحة يدي لينظر إليها، وعبس وجهه.
“تقولين إنكِ بخير؟ يدك تنزف.”
“لا بأس…”
“لا، ليس الأمر بخير! قبل قليل كنتِ توشكين على الاختناق… هاه.”
قاطعني وهو يزفر بعمق أكثر من ذي قبل.
قبل أن أتمكن من الرد، اقترب فجأة وسحبني بلطف من مؤخرة عنقي إلى حضنه.
“عنادك لا يكون في مثل هذه الأمور.”
في اللحظة التي احتواني فيها، عاد قلبي للنبض بقوة من جديد.
ربما بسبب تصرفه المفاجئ، أو ربما لأن قلقه الذي شعرت به بوضوح هزّ قلبي.
“ابقَي هكذا، لا تتحركي.”
مرّت أصابعه بين خصلات شعري وهو يمررها بلطف على رأسي.
ومع لمسته التي دغدغت أذني، شعرت بمشاعر غريبة وأغمضت عيني.
دوّى صوت فتح الباب فجأة، وأضيئت الأضواء في المكان.
وفي اللحظة نفسها، انفتح باب موقع التصوير المغلق بعنف.
“رئيس الشركة!”
استفقت على صوت مألوف ينادي جايها بقلق.
وسرعان ما أبعد جايها يده التي كانت تعانق عنقي.
“السيدة الصغيرة ، ماذا تفعلين هنا؟ كيف علقتم أنتما الاثنان في الداخل؟”
سأل السكرتير هان، وهو يقترب ويراني جالسة على الأرض.
“لكن كيف دخلتم إلى موقع التصوير؟ ألم نغلقه بعد انتهاء التصوير؟”
حتى موظف الأمن الذي تبعه بدا مذهولًا حين أدرك أن هناك من كان داخل الموقع.
“الباب كان مفتوحًا منذ البداية.”
قال جايها بصوت منخفض موجّهًا حديثه لموظف الأمن.
نظر إلى ساعته في معصمه، ثم وجّه حديثه إلى السكرتير هان الذي اقترب منه:
“من الذي أغلق الباب؟ ألم يبدأ اختبار المذيعين بعد؟”
“نعم؟ ن- نعم، لم يبدأ بعد.”
ألقى السكرتير نظرة خاطفة نحوي، وما زلت جالسة على الأرض.
“اتصل بالمدير فورًا قل له إنني سأحضر لمراقبة الاستوديو بنفسي.”
“حاضر.”
عاد جايها إلى حالته المعتادة بسرعة.
أعطى التعليمات للسكرتير دون تردد، ثم استدار ناحيتي.
“هل يمكنك الوقوف؟”
“نعم؟ ن- نعم…”
أمسك جايها بمعصمي وساعدني على الوقوف.
وبمجرد أن التقت أعيننا، تذكرت ما حدث قبل قليل فاحمرّ وجهي بشدة.
وشعرت بحرارة أنفاسه التي كانت تلامس أذني قبل قليل، فأخذت ألوّح بيدي لأبرد وجهي.
“هل أنتِ بخير؟ السيدة الصغيرة ، لماذا تتعرقين بهذا الشكل؟”
اقترب السكرتير هان بعد أن أنهى المكالمة، ونظر إليّ بدهشة.
كما قال، كان شعري ملتصقًا بجبهتي بسبب العرق.
“أليس عليكِ التوجّه لاختبار الكاميرا الآن؟”
كلمة “اختبار الكاميرا” أعادت لي وعيي فجأة.
فعادت إليّ قدرتي على التفكير بعد كل ما حدث.
“س- سكرتير هان، كم الساعة الآن؟”
“إنها الثالثة تمامًا هيا بنا.”
ألقى السكرتير نظرة على هاتفه ليؤكد أن الساعة قد تجاوزت الثالثة بقليل.
“آه… الثالثة! لا أظن أنني سأتمكن من حفظ مقطع الاختبار…”
كانت اللحظة التي يبدأ فيها اختبار الكاميرا للمتقدّم قبلي مباشرة.
***
كان جايها قد أوفى بوعده في منحها عشر دقائق كاملة بدقة متناهية.
وبينما كان يتحدث مع المدير، استطاعت أن ترتب نص المونولوج الخاص بها.
[ مونولوج : هو حديث طويل سواءً في فلم او مسرحية او رواية يعبّر فيه عن أفكاره أو مشاعره أو وجهة نظره بصوت عالٍ، دون أن يُقاطعه أحد.]
وبفضل التدريبات المتكررة، استطاعت إنهاء استعداداتها بسرعة.
وأثناء توجهها إلى طاولة الأخبار متجاوزةً مدخل الاستوديو الذي عمّت فيه الهمهمة، التصقت بها أنظار الحاضرين.
”قال فريق التصوير إنهم تلقوا الرسالة عبر تطبيق المراسلة، أليس كذلك؟”
الشخص الوحيد القادر على فعل شيء سخيف كهذا لم يكن سوى تشاي سيورين.
”بالطبع، لا دليل مادي لدي، لكن.”
كانت هي من راقبتها عن كثب بينما كانت تذهب لتلقي المكياج، رغم انشغالها بتحضير النص.
وأثناء سيرها، التقت عيناها بعيني جايها الذي كان واقفاً في الوسط يحدّق بها.
رفع طرفي شفتيه بهدوء، ثم شجّعها بحركة شفاهه قائلاً: “أحسنتِ.”
”ما بالكم تحدقون هكذا! ألا تجهزون؟”
صرخ المدير، فبدأ كل من كان متجمداً بالتحرك بسرعة.
”ها أنتِ، تشاي سيورين.”
وبينما تمر بجانب الكاميرا، رمقتها بنظرة جانبية.
كانت تنظر إليها بذهول ووجه لا يصدق ما يراه.
”نستعد للبث.”
جلست في مكانها كانت الكاميرا التي واجهتها عشرات المرات في الماضي تقف أمامها الآن.
تشاي سيورين، التي لم تكن بعيدة، تقدمت ووقفت بجانب الكاميرا.
كان قبضها على الهاتف قوياً حتى احمرّت يدها من شدة الغضب.
تظاهرت بالتماسك وهي تعقد ذراعيها وتنظر إليها من الأعلى، لكن عينيها كانتا تنضحان بالسمّ.
نظرتها كانت تقول: “هيا، أرِني ما لديكِ.”
من الطبيعي أن تتساءل إن كانت قادرة على الأداء الجيد بعد أقل من عشر دقائق فقط.
كانت تنوي الاستمتاع بمشاهدة فشلها.
ابتسمت لها، فجمُدت ملامح وجه سيورين.
”راقبي جيداً، وانظري ما الفرق بيني وبينك.”
لطالما خاضت تغطية أخبار مليئة بالفضائح والحوادث.
وكانت معتادة على تغيّر محتوى النشرات حتى قبيل لحظات من البث.
في اللحظة التي رأت فيها وجه سيورين، سكن قلبها الذي كان يخفق بعنف.
ومع ظهور الضوء الأخضر الذي يشير إلى بدء البث، بدأ الاختبار.
[أهلاً بكم مشاهدينا الكرام، هذا هو خبر التاسعة.]
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 22"