توجهت مباشرةً بعد انتهاء الدوام إلى مستشفى دايجين حيث يقيم والدَيّ.
“لا يوجد حل سوى الجراحة وحتى هذه، نسبة نجاحها ضئيلة للغاية…”
“إذًا، لا مفر من الجراحة، أليس كذلك…؟ رغم ذلك، أرجو أن تستمروا في البحث عن حلول أخرى.”
قال لي الدكتور كيم، وهو يقلّب في الملف الطبي، بوجهٍ يملؤه الأسى وكأنّه يشعر بالأسف.
لم تكن هذه المرة الأولى التي أُخبر فيها أن الأمر صعب ولا يوجد حل، ومع ذلك شعرت وكأنّ قلبي سقط فجأة.
كان الدكتور قد لمح لي من قبل بأن أجرب خيار الجراحة.
لكن نسبة النجاح الضئيلة جعلتني أتردد، فلا يمكنني المجازفة بحياة والديّ بهذه السهولة.
“بالطبع سنبذل قصارى جهدنا حتى النهاية.”
“أنا ممتنة لوجودك يا دكتور.”
أومأت له برأسي بينما هو يواسيني بوجهٍ مليء بالأسى.
فمرض والديّ لم يكن خطأ الدكتور، لذا لم يكن من العدل أن أحمّله المسؤولية.
“آه، صحيح…”
تذكرت شيئًا فجأة، فناديت عليه وهو يهمّ بالمغادرة.
استدار إليّ حين سمع صوتي.
“شكرًا لك على السماح لي بزيارة والديّ.”
في العادة، لا يُسمح بالزيارة في وقتٍ متأخر من الليل، لكن بفضل طلب خاص من الدكتور، سُمح لي بالبقاء حتى منتصف الليل.
كرّرت شكري له، فردّ عليّ بابتسامة لطيفة.
“لا داعي لذلك أنا أعلم بظروف الآنسة جيدًا، كما أن المحامي بارك أصرّ كثيرًا في طلبه.”
“حتى العم اتصل بك؟”
“نعم، اتصل بي وأخبرني بأنكِ تنتهين من عملك في محطة البث في وقت متأخر.”
يبدو أن العم هيونيك اتصل أيضًا.
“أزعجتك كثيرًا، أليس كذلك؟”
“أبدًا تفضّلي بالبقاء كما تشائين وجودكِ سيكون مريحًا حتى للمريضين.”
ثم ألقى الدكتور نظرة وداع خفيفة وخرج من غرفة المستشفى.
ما عدا أنفاس والديّ الخفيفة الصادرة من جهاز التنفس، كانت الغرفة هادئة بشكل مؤلم.
“أمي، أبي، ألا تنويان الاستيقاظ؟”
مسحتُ ظهر يد أبي المجعدة، ثم جلست بجوار سرير أمي.
لو كان هناك أمل، ولو ضئيل، لفعلت أي شيء لأُبقي على حياتهما.
(هل لا مفر من الجراحة حقًا؟)
ماذا لو فشلت العملية؟ ماذا لو فقدتهما معًا؟ هل سأتمكن من مواصلة انتقامي…؟
حين أفكر في أسوأ السيناريوهات، أشعر أنني لن أستطيع المواصلة.
“لن تذهبا هكذا، أليس كذلك؟ هاه؟”
مع كل يوم يمر، تتضاءل ملامح الأمل على وجه الدكتور، وكأنّ الأمل يبتعد عني أكثر فأكثر.
“عُقد اجتماع المساهمين يوم الجمعة الماضي كيم يونغ مين كان مستعدًا تمامًا.”
“…”
“تمكنت من صدّه بصعوبة، لكنني ما زلت قلقة هل سأتمكن من فعل ذلك؟ هل سأستطيع حماية المجموعة؟”
تمتمت بتلك الكلمات وأنا أضع ذراعي تحت رأسي، أغمضت عينيّ الثقيلة.
منذ عودتي، لم أنعم بنوم هادئ ولو مرة.
شعرت بالنعاس بسبب دفء يد أمي الدافئة بين كفيّ.
رأيت شخصًا ما في الحلم، لكن صورته كانت ضبابية.
ومع صوت امرأة غريبة بدا كأنها تهمس في أذني، شعرت أن أحدهم يهزني برفق، فأفقت من النوم.
“… آنسة، هل أنتِ الوصيّة؟”
كانت الممرضة المسؤولة عن جناح كبار الشخصيات.
ما إن فتحت عيني الثقيلة حتى ابتعدت يدها التي كانت تهزني.
“آنسة، لقد انتهى وقت الزيارة.”
“آه، يبدو أنني غفوت هل انتهى الوقت بالفعل؟”
“نعم.”
بدأت رؤيتي تتضح شيئًا فشيئًا.
وحين اعتدلت جالسة من فوق السرير، انزلق من على كتفيّ الغطاء بلطف.
(هل أنا من وضعت الغطاء فوقي؟)
لا أظن ذلك.
نظرت إلى الغطاء الغريب في يديّ وأنا أستغرب.
ثم رفعت رأسي حين سمعت صوت الممرضة الناعم مجددًا.
“لقد انتهى وقت الزيارة سنعتني بالمريضين جيدًا.”
“شكرًا لك.”
نظرت إلى الساعة، وإذا بها تجاوزت منتصف الليل.
أظهرت الممرضة ابتسامة لطيفة وطلبت مني الاستعداد للمغادرة، ثم أغلقت الباب بهدوء.
“متى غفوتُ؟”
لقد نمت من دون أن أتناول الأدوية المعتادة، وهذا ما أدهشني.
نظرت إلى الغطاء في يدي، ثم طويته بعناية ووضعته على الكرسي.
ثم نظرت مطولًا إلى والديّ اللذين لا يزالان مغمضَي الأعين، قبل أن أستدير مغادرة.
***
إذاعة KBC FM للأخبار.
[كان هذا ختام نشرتنا الإخبارية.]
مع نهاية الجملة الختامية، انطفأ مصباح البث المباشر.
“شكرًا على جهودك.”
“وأنتِ أيضًا، أحسنتِ العمل.”
ربما بسبب السهر في المستشفى ليلًا، شعرت بثقل في جسدي حين جئت للعمل صباحًا.
“مذيعة يون، ستتولين تقديم برنامجنا كاملًا اليوم، أليس كذلك؟”
“نعم، سأُقدّم البرنامج حتى البث المسائي.”
أومأت برأسي لأحد العاملين الذي سألني بينما كنت أجمع الأوراق المبعثرة.
كان اليوم من الأيام التي أكون فيها مسؤولة عن البث حتى آخر موعد في الراديو.
“لا بد أن الأمر مرهق هل ستذهبين لتناول الغداء الآن؟”
“آه، لا سأتجاوزه لم أنم، لذا سأتوجه إلى غرفة الراحة.”
“ألن تشعري بالجوع؟”
ابتسمت برفق حين سمعت سؤاله القلق.
“سأتناول وجبة خفيفة استمتعوا بغدائكم.”
رغم أنني نمت قليلًا في المستشفى، إلا أن التعب المتراكم لا يزال يُثقل كاهلي.
وبعد انتهاء البث وانخفاض حدة التوتر، شعرت بالنعاس يهاجمني مجددًا.
“حسنًا، نراكِ في بث الظهيرة.”
بعد تبادل التحية، جمعت أغراضي وغادرت استوديو الراديو.
وبما أنّه وقت الغداء، لم يكن هناك أحد في المكتب.
استلقيت على السرير، وما إن وضعت هاتفي جانبًا حتى أضاءت شاشته.
[إذا لم تراجعي، ستنسين. – جايها]
ضحكت بسخرية من رسالته القصيرة.
(أنا أراجع باستمرار لأني أخاف أن أنسى.)
كنت على وشك الرد عليه، وفجأة…
“ألا ترين أن تشا سيرين ستكون المرشحة الأوفر حظًا في الاختبار العلني؟”
وصلتني أصوات أشخاص من خلف الباب الموصد جزئيًا لغرفة الراحة.
رفعت رأسي لا شعوريًا بينما كنت أكتب الرد.
“نعم، أظن ذلك أيضًا لدي شعور بأنها ستكون الفائزة.”
توالت أصوات عدد من النساء.
سمعت بوضوح اسم “تشا سيرين”، فجلست من فوري.
“لكن، هل لديها شيء يدعمها؟ يبدو أن لها نفوذًا كبيرًا أخي قال إنّ هناك تدخلًا قويًا من فوق.”
“يبدو الأمر كذلك على أي حال، مجرد أن الاختيار تحوّل فجأة إلى اختبار علني يقول الكثير.”
أصوات الهمسات أصبحت واضحة مع اقتراب خطواتهن.
“سيرين نفسها مقتنعة أنها ستفوز.”
“لكن، ماذا عن المذيعة يون يوجين؟ ما قصتها؟”
مددت يدي نحو مقبض الباب في اللحظة التي سمعت فيها اسمي.
(يتحدثون عني؟)
جاء ردّ مذيعة بصوت حاد نوعًا ما ردًا على سؤال زميلتها:
“سمعت أنها قاسية جدًا الآن… آه، سأكمل لاحقًا.”
“نعم، لنتحدث في الخارج.”
ترددت المذيعة التي بدأت الحديث، ثم بلعت كلماتها.
لكن الكلمات التي سمعتها قبل قليل بقيت تدور في أذني.
(قالت عني إنني قاسية…)
– طق.
قبضت على مقبض الباب بقوة، وقد ضايقتني نبرة الكلمة “قاسية” بما تحمله من سلبية.
نظرت إلى الخلف لأرى زميلاتي يخرجن من قسم البرمجة، وقد كن يتحدثن عني منذ قليل.
(ما هذه الإشاعات التي تنتشر عني؟)
.
.
.
أكملت البث الإذاعي بعد الظهر، ولم يتبقّ لي سوى النشرة المسائية.
أنهيت تسجيل فقرة الأخبار في الاستوديو، وبدأت الاستعداد للعودة إلى قسم البرمجة.
(لا يمكنني التوقف عن التفكير…)
رغم أنني لا أرغب بالاهتمام، إلا أن تلك الإشاعة الغريبة التي سمعتها وقت الغداء ظلت عالقة في رأسي حتى وأنا أسجل الفقرة.
فتحت الباب للخروج، فالتقيت بسيرين التي كانت تستعد للدخول.
أومأت برأسها تحية لي، ثم أخذت تنظر في الاستوديو الذي تركت بابه مفتوحًا.
“يبدو أنكِ جئتِ لتسجيل المقطع التمهيدي، صحيح؟”
قالت ذلك وهي تزيح جسدها عن طريقي.
“لا يوجد أحد في الداخل، أليس كذلك؟”
“كما ترين سأذهب الآن.”
تساءلت لماذا تسأل رغم أنها ترى الاستوديو فارغًا.
لا بد أنها علمت من جيهان أنني أعلم بعلاقتها به، ومع ذلك فهي تتصرف بوجه بريء كأن شيئًا لم يكن.
(هل يعرف أحد عن وجه سيرين الحقيقي خلف قناعها الملائكي؟)
… لا أظن ذلك.
كانت أقرب إليّ من زملائي الآخرين، لذلك عندما اكتشفت أن كل شيء عنها كان خداعًا، شعرت بخيانة لا توصف.
(أجل، إن لم تكن تملك ضميرًا، فليس من الغريب أن تخونني مع زوجي.)
ومع تذكري للماضي الذي يبعث على الاشمئزاز، رمقتها بنظرة باردة واستدرت لأغادر نحو قسم البرمجة.
فإذا بصوت مألوف يناديني من الخلف:
“أوني يوجين سمعتُ بما حدث في اجتماع المساهمين.”
“بماذا؟”
“قيل إنكِ فسختِ خطوبتكِ من أخي.”
(أخي؟)
انقبضت ملامحي لا إراديًا حين سمعتها تنادي خطيبي السابق بذلك اللقب الحميمي.
اقتربت مني خطوة، ثم نظرت إليّ مباشرة وابتسمت.
“أوني، ألا تظنين أن من الأفضل أن تنسحبي قبل أن تصلي إلى الحضيض؟”
(الحضيض؟)
لقد وصلت إليه بالفعل.
فكرت ساخرًة: هل هناك حضيض أسوأ مما مررت به؟
في الماضي، كانت سيرين تخاف أن ينكشف أمرها معي، أما الآن، فهي تقف شامخة وتواجهني مباشرة.
“ما الذي يضحكك؟”
“لا شيء، تذكرت الماضي فقط لقد تغيّرتِ كثيرًا، سيرين.”
تجهمت وهي تنظر إليّ حين قلت ذلك بابتسامة ساخرة.
لقد اختبرت الجحيم وأنا أموت أمام المحكمة، فهل هناك ما هو أسوأ؟
بصراحة، لم أعد أشعر بأي شيء تجاه استفزازاتها.
“ألا تشعرين بالخجل من العمل في الراديو بعد أن كنتِ المذيعة الرئيسية للنشرة الختامية؟”
“… آه.”
“آه، ماذا؟ هذا يعني أنكِ نُحّيتِ عن منصبكِ.”
صحيح أنني أصبحت مذيعة إذاعية بعد أن كنت المذيعة الرئيسية، وربما يكون كلامها فيه بعض الحقيقة.
أتذكّر كيف نظر إليّ الزملاء بشفقة عندما عدت للعمل لأول مرة.
“صحيح، قد يكون الأمر كذلك.”
“لذا، لا تُحرجي نفسكِ بتقديم الاختبار انسحبي فقط.”
هذا هو لبّ الموضوع.
هي تنزعج لمجرد أنني سأشاركها اختبار المذيعة الرئيسية.
وحين تلاشت ابتسامتي، نظرت إليّ سيرين وهي تطوي ذراعيها.
“أنا أقول هذا لأنني أشعر بالشفقة عليكِ.”
“…”
“أوني، أنتِ لستِ بحاجة إلى العمل أصلًا لقد ورثتِ ثروة ضخمة، لم لا تبقين في المنزل؟”
بينما استمرت في الكلام بتلك الوقاحة، نظرت إليها بصمت وتفكير.
كل ما يحدث من إشاعات وهمسات في قسم البرمجة، ومن زميلاتي في الغداء… كله كان من تدبيرك، أليس كذلك، يا سيرين؟
وبما أنكِ واثقة من فوزك، فلا بد أن جيهان وعدك بالمنصب.
“لهذا السبب بدأتِ بنشر الإشاعات عني؟ حتى أغادر براحة؟”
فجأة، تصلبت ملامحها عند سماع كلماتي.
فكت ذراعيها المضمومتين، واقتربت مني خطوة.
“أي إشاعات؟”
قالت ذلك وهي تحدق فيّ بنظرة لم أرها منها من قبل، نظرة حادة مليئة بالعدوانية.
“لا تملكين أي دليل.”
ثم دفعت كتفي بخفة، ودخلت إلى الاستوديو.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 20"