توجهتُ إلى غرفة انتظار العروس تاركةً أولئك الذين تجمدوا في أماكنهم خلفي.
وحين خرجتُ بعد أن جمعتُ ما أحتاج إليه، كان “جيهان” واقفاً أمام الغرفة، مدّ يده نحوي.
“أنتِ، ما الذي تقولينه؟”
شعرتُ بنبضات قلبي تتسارع تحت وقع نظرات الضيوف الحارقة من خلفه.
“يون يو جين.”
“كما قلتُ، لن أتزوج.”
رمش “جيهان” بعينيه ببطء وكأنه لا يزال غير قادر على استيعاب الموقف.
أدرتُ ظهري له، وهو ما زال متجمّد الملامح غير مصدق.
“ما الأمر؟ ما الذي يحدث؟”
“تبدو كأن العروس هاربة، أليس كذلك؟”
ما عدا همسات الصحفيين، تجمّد الجو من حولي حتى بدا الهواء نفسه وكأنه قد تجمد.
بدأ الصحفيون يضغطون على أزرار الكاميرات بلا توقف.
“صوِّروا! سبق صحفي!”
تراجعت للخلف بينما بدأ الصحفيون، الذين كانوا يهمسون ويتجولون في القاعة، يتدافعون نحوي كأسراب النحل.
هربتُ باتجاه المصعد، أركض مبتعدةً عنهم وهم يحاولون اعتراض طريقي.
“الحقوا بها!”
فيما كنت أركض بفستان العرس الأبيض المتطاير، كانت ملامح رئيس الشركة ونائبه –جد “جيهان” ووالده– تزداد قسوة.
دخلتُ المصعد، ورأيتُ الصحفيين يقتربون، فأسرعتُ في الضغط على زر الإغلاق.
“كيف يمكن لشيء كهذا أن يحدث؟”
أُغلِقَ باب المصعد تماماً، وانعزلتُ عن كل شيء، فسندتُ ظهري إلى الجدار كأنني سأسقط.
ولا زال قلبي يرتجف بقوة تحت تأثير الصدمة.
“هاه… ها…”
خرج نفسٌ ثقيل من شفتي.
وكانت يدي، التي أمسكت بمقبض المصعد، ترتجف بلا توقف.
منذ أن أدركتُ أنني عدتُ إلى يوم الزفاف، لم يتوقف قلبي عن القلق والاضطراب.
وفي اللحظة التي كنت أتفحص فيها المصعد ببطء، شاع في الجو شعورٌ غريب لا أعرف سببه.
ثم ظهر رقم غريب على شاشة هاتفي، ووسط الصمت، بدأ رنين غريب يتردد في المكان.
“ألو…؟”
– هل أنتِ الآنسة “يون يو جين”؟
“نعم… أنا هي.”
– نحن من مستشفى “داي جين”. السيد “يون تاي غوك” والسيدة “يون جي يونغ” تعرضا لحادث، ونتصل بكِ للتأكد من هوية العائلة.
سقط الهاتف من يدي إلى الأرض بمجرد سماع هذه الكلمات.
– ألو؟ الآنسة “يون يو جين”؟ هل تسمعينني؟
في اللحظة ذاتها التي وصل فيها المصعد إلى الطابق الأرضي، انفتح الباب.
ربما لأنني عدتُ فجأة للحياة… أو لأن عقلي كان مشوشاً تماماً.
كيف لي أن أنسى حادث عائلتي؟
“هاه… لمَ الآن بالتحديد؟”
الثامن والعشرون من مايو،
لم يكن فقط يوم زفافي، بل أيضاً اليوم الذي تعرض فيه جدي ووالداي للحادث.
تذكرتُ عائلتي التي فقدتها بسبب ذلك الحادث المفاجئ.
وخلال سيري باتجاه البوابة، ارتجفت ساقاي لدرجة أنني كدتُ أن أتهاوى أكثر من مرة.
وحين فتحتُ باب السيارة المتوقفة أمام مدخل الردهة، التفتُّ لا إرادياً إثر قوة قبضت على معصمي.
كان “جيهان” قد لحق بي دون أن أشعر، وكان يلهث بغضب وعيناه تشتعلان بنظرات حادة.
نادراً ما كانت تظهر مشاعره على ملامحه، لكنه الآن بدا كقنبلة على وشك الانفجار.
“ما الذي تفعلينه بحق الجحيم؟!”
“اتركني.”
“اصعدي فوراً.”
كلما حاولتُ أن أحرر ذراعي، كلما شدّ قبضته أكثر على معصمي.
مقاومتي وكأنها استفزّت صبره، فرأيتُ وجهه يتشنج غضباً.
نعم، من الطبيعي أن يغضب فقد تضررت سمعته التي عمل بجهد لبنائها.
“يون يو جين!”
رفعتُ معصمي الآخر وأدارته في الاتجاه المعاكس كي أحرر يدي من قبضته.
“دعني قلت لك، يجب أن أذهب إلى المستشفى.”
حين نطقتُ بكلمة “المستشفى”، بدا عليه الذهول كما لو أنه لم يكن يتوقعها أبداً.
وأخيراً، خفّت قبضته عن معصمي.
“وقع حادث والداي وجدي في حالة حرجة الآن.”
“… ماذا؟”
“لذا دعني. فوراً.”
أدرتُ ظهري له، أمسك بمعصمي المتحرر وأدخلته في يدي الأخرى، ثم ركضت إلى مقعد السائق وأدرتُ المحرك.
من خلال المرآة الجانبية، رأيتُ “جيهان” يتحدث في الهاتف.
ويبدو أنه للتو فقط سمع بخبر حادث عائلتي، فقد تلألأت عيناه بحدة.
ذلك اللعين…
ورغم أنني كنت أبتعد شيئاً فشيئاً عن قاعة الزفاف، لم أستطع أن أزيح عيني عنه.
كنت أعلم جيداً ماذا تعني تلك النظرة في عينيه، فارتجفت يداي على المقود.
“أرجوكم… كونوا بخير.”
لم أكن أرغب في اختبار ألم فقدان عائلتي للمرة الثانية.
وبينما كانت الدموع توشك على السقوط، عضضتُ على شفتي كي أمنعها.
***
أوقفتُ السيارة في ساحة انتظار خالية ضمن أرض المستشفى، ثم اندفعتُ راكضة.
كانت نظرات الناس القاسية تلاحقني بينما أركض على عجل، لكن لم يكن لدي وقت لأكترث لذلك.
اجتزتُ الردهة المكتظة بالناس، وصعدتُ إلى الطابق الخاص بكبار الزوار، حيث توقف المصعد.
على عكس الردهة الصاخبة، ركضتُ إلى أقصى الممر الهادئ في جناح كبار الزوار.
وبين الحراس المتجمعين في مكان غير بعيد، وقعت عيناي على رجل مألوف في منتصف العمر.
كان المحامي “بارك هيونيك”، المستشار القانوني لمجموعة W، الذي خدم جدي طويلاً.
كان جالساً على كرسي أمام غرفة المرضى، فرفع رأسه حين سمع صوت كعبي العاليين يقترب مسرعاً.
“عمي!”
“يـ، يوجين… لماذا تأخرتِ هكذا…؟”
تأخرتُ؟… لا، لا يمكن…
تسلل القلق إلى قلبي مع كلمات عمي تلك.
كان يرتدي بدلة رسمية، ويبدو أنه كان في طريقه إلى حفل الزفاف، ثم غيّر وجهته على عجل بعد سماع الخبر المفجع.
“… ما حالة الثلاثة الآن؟”
ركض نحوي بسرعة وأمسك يدي المرتجفتين بكفيه المجعدتين.
وكانت عيناه المرتبكتان تتنقلان بلا وجهة، حتى توقفت عند فستاني الأبيض.
ومن خلال دموعه التي تلمع، قرأتُ الشفقة… واليأس العميق.
“هاه… الـ، الرئيس توفي.”
انفجر صراخي رغماً عني من بين شفتي المذهولتين.
وفاة جدي… كانت تشبه كثيراً ما جرى في حياتي السابقة.
تركتُه خلفي، أترنح وأنا أدخل الغرفة.
وما إن أُغلِق الباب المنزلق تماماً، حتى خيّم صمت ثقيل ووحشة خانقة في أرجاء الغرفة.
حين رأيتُ والديّ مستلقيين على السرير، لم أعد أستطع حبس بكائي.
أن يحدث هذا مجدداً… لم أتصور قط أن يتكرر الأمر.
ظننتُ أنني أستطيع منعه، لكن كان ذلك مجرد وهم وغرور.
“كنتُ أعتقد… أن هناك وقتاً كافياً…”
كان جدي ووالداي من الأشخاص الدقيقين في مواعيدهم.
ولأنهم تأخروا عن حضور الزفاف، تأجل الحفل لوقت طويل.
ثم جاءنا خبر الحادث.
كان حادثاً مفاجئاً، وبعد أن رحل جدي، توفي والدَي أيضاً في النهاية.
اقتربتُ من السرير، وحين رأيتُ والديّ مستلقيين، سالت الدموع التي كنتُ أحبسها.
“لماذا… لماذا لا يمكن إنقاذهم؟”
في حياتي السابقة أيضاً، تلقيتُ خبر الحادث قبيل دخول الزفاف، فهربت من القاعة.
مجموعة W، إحدى أكبر خمس شركات في البلاد، كانت إمبراطورية بناها جدي.
حادث العائلة انتشر في وسائل الإعلام بشكل واسع.
ولأنني كنت الوريثة الوحيدة لتلك الشركة الضخمة، تحولت قصتي إلى مجرد مادة للثرثرة الصحفية.
[هل ستنتقل مجموعة W إلى حفيدتها الوحيدة؟ ما مستقبل الوراثة؟]
[ظنوا أنه حفل زفاف… لكنه تحول إلى مأتم. ماذا سيحدث لأكبر تحالف بين العائلات الثرية؟]
حين شعرت أنني أصبحت وحيدة في هذا العالم، الشخص الذي مدّ لي يده كان زوجي “سو جيهان ”.
كان هو العائلة الوحيدة المتبقية لي…
كنتُ أصدقه حقاً…
قال لي أن أرتاح فقط، وأنه سيتولى شؤون الشركة بدلاً عني.
وفي خضم نزاعات الوراثة والإدارة التي اجتاحتني كالعاصفة، قام “جيهان” بدمج مجموعة W مع مجموعة هجين تحت ذريعة حمايتي.
مررتُ يدي على يدي والديّ المستلقيين والمربوطين بأنابيب الأكسجين.
لابد أنه اعتبرني فتاة صغيرة ساذجة لا تعرف شيئاً.
أنا لستُ بعد الآن “يون يوجين” الضعيفة ذات التسعة والعشرين عاماً.
لن أسمح بسرقة مجموعة W، التي بناها جدي وكرّس لها والديّ حياتهما.
لن أدع الأمور تسير كما تريد…
قد أسامح الجميع، لكنك أنت… لن أسامحك.
إذا أردتَ W فسآخذها، وإن رغبتَ في هجين فسأجعلها لي.
لن تحصل على أي شيء تريده في هذه الحياة.
درررغ.
انفتح الباب الذي كان مغلقاً بإحكام، وسمعتُ خطوات تقترب من خلفي.
اقترب عمي ووضع يده على كتفي بينما كنتُ ممسكة بيديّ والديّ.
شعرتُ بحرارة يده الثقيلة، واهتزّ قلبي تأثراً.
كان هو الشخص الوحيد الذي وقف إلى جانبي في حياتي السابقة.
“يوجين، تم تجهيز غرفة العزاء الخاصة بالرئيس.”
“…”
“وقد أُبلغ المساهمون بوفاة الرئيس، لكن لم يظهر أي تحرك ملحوظ بعد.”
المساهمون…
لا تزال أصوات أولئك الذين كانوا يتهامسون بأني صغيرة، امرأة، ولم أتلقَّ تدريب الوريثة، تتردد في ذهني.
في حياتي السابقة، تم إقرار الاندماج في اجتماع المساهمين تحت قيادة “جيهان”.
“عمي.”
ما إن نطقتُ باسمه بصوت منخفض حتى ارتجفت يده قليلاً على كتفي.
“استمر في مراقبة تحركات المساهمين. قريباً سيُعقد اجتماع طارئ.”
رغم أنهم لم يتحركوا عند سماع خبر وفاة جدي، إلا أن حالة والديّ الحرجة ستدفعهم إلى التصرف.
وإن لم يتغير شيء، فستنتقل الإدارة إلى “كيم يونغ مين” نائب الرئيس، وهو ما يعني فعلياً أن “سو جيهان” سيمسك بزمام السلطة.
“وأمر آخر أريدك أن تحقق خلف المدير التنفيذي سو جيهان”
“المدير سو جيهان ؟ لكنه زوجك الآن، أليس كذلك؟”
كان عمي قد علم بزواجي فيما يبدو، وسألني بعينين مليئتين بالقلق.
“لا تنويين التراجع عن الزواج الآن، أليس كذلك؟”
كان قد رآني منذ صغري، فتاة هادئة ومطيعة لم ترفع صوتها قط.
بدت عليه الدهشة بسبب تصرفي المخالف لطبيعتي، فقد اهتزّت عيناه بشكل واضح.
وخصوصاً أن رفض زواجٍ من مجموعة هجين القوية يبدو الآن ضرباً من الجنون.
“الوضع ليس جيداً. في مثل هذه الأوقات، من الأفضل تقوية الأساس عبر الزواج.”
“…”
“المدير سو جيهان ، حتى وإن كان ابنًا غير شرعي، فهو وريث جهين.”
“لا. لن أتزوج ذلك الرجل.”
فأساس هشّ كهذا، لا حاجة لي به بعد الآن.
“سأُفسخ الخطوبة.”
حين نطقتُ بكلمة “فسخ الخطوبة”، انفتح فم عمي دهشة ولم يغلقه.
قد لا أستطيع تغيير الماضي، لكن المستقبل… سيكون مختلفاً.
لن يصبح “سو جيهان” وريث مجموعة هجين سأمنعه من ذلك.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 2"