دفع جايها ، جيهان بعيدًا عندما حاول إغلاق باب السيارة مرة أخرى.
وقع نظر “جايها” البارد والهادئ على “جيهان”.
نظرتُ إلى “جايها” وهو يومئ لي لأركب السيارة، ثم إلى “جيهان” الذي كان يرمقه بنظرة حادة.
“هذان الاثنان… لا يبعثان علي الاطمئنان.”
“اركبي.”
ولأن الحديث مع “جيهان” لم يكن مجديًا، اكتفيت بالنظر إليهما ثم جلست في المقعد الأمامي.
وما إن جلست داخل السيارة حتى خرج زفير ثقيل من صدري.
وقف “جايها” في وجه “جيهان” الذي بدا وكأنه سينقضّ عليه في أي لحظة.
“ذلك الشخص خطيبتي أخي، ما الذي تفعله الآن؟”
اقترب “جايها” من “جيهان” حتى كاد أن يلامسه، ونظر إليه مباشرة بعينين حادتين.
“بل أنت، لا تكن عدائيًّا ثم لماذا تدّعي أن ذاك الشخص خطيبتك؟”
رد “جايها” المستفز جعل “جيهان” يمرر يده في شعره بعصبية، وقد بدا وكأنه على وشك فقدان أعصابه.
“ألا يكفي؟ حتى أنا لي حدود في الصبر.”
“ألم تسمعه بنفسك؟ قالت في الاجتماع العام إنها ستفسخ الخطوبة.”
“قال ذلك وهو غاضب! يون يوجين، ألا تنزلين؟”
نظر إليّ بحدة، ثم طرق نافذة المقعد الأمامي الذي كنت أجلس فيه.
لكن “جايها” دفع “جيهان” بعيدًا بإصرار.
“قالت إنها لن تنزل لا تفرض الأمور قسرًا، وإذا كان لديك شيء لتقوله، فلتقله عبر محاميك.”
قال ذلك بنبرة منخفضة محذّرة، ثم عاد وجلس في مقعد السائق.
بدأت السيارة بالتحرك تدريجيًّا.
ومن خلال المرآة الجانبية، رأيت “جيهان” وهو يركل الأرض بانفعال شديد، ثم بدأ بالاتصال بشخص ما.
“هاه…”
وما إن اختفى “جيهان” تمامًا من مجال الرؤية حتى خرج النفس الذي كنت أكتمه.
“هل أنتِ بخير؟”
سألني “جايها” وهو يقود السيارة ناظرًا إليّ بطرف عينه.
هل أنا بخير فعلًا؟ لا أعلم.
“لا… بل التفكير بهذه الطريقة ترفٌ لا أملكه.”
ولأني لم أرد أن أبدو ضعيفة أمام “جايها” لمجرد هذا الموقف، ابتسمت له ابتسامة باهتة.
“مجرد ذكريات قديمة… أنا بخير.”
“أغمضي عينيكِ واستريحي قليلًا سأوقظكِ عند الوصول إلى المنزل.”
وامتدت إلى عيني رجفة خفيفة من ذكريات الماضي التي اجتاحتني فجأة بدا لي أنني بحاجة فعلًا إلى قليل من الراحة، كما قال.
“شكرًا لك، سآخذ قسطًا بسيطًا من الراحة، إذن.”
***
لا أعلم كم من الوقت مر.
لكنني فتحت عينيّ على شعور خفيف بهزّ كتفي.
“لقد وصلنا.”
ومن خلال النافذة، رأيت المجمع السكني المألوف، فيبدو أننا قد وصلنا بالفعل.
وما إن أنهى “جايها” ركن السيارة حتى فك حزام الأمان ونزل.
“إلى أين تذهب؟”
(لكن هذا منزلي!)
لم أفهم لماذا نزل من السيارة، فسألته لكنه نظر إليّ بلا مبالاة وتقدّم نحو المصعد وضغط الزر.
“سأصعد.”
“عفوًا؟ لماذا؟”
وما إن فُتح باب المصعد، حتى دخل “جايها” أولًا.
نظرت إليه بعينين لا تفهمان شيئًا، فأمال رأسه مشيرًا لي أن أدخلي.
“ألا تذكرين أنكِ وافقتِ على الحديث معي؟”
“… آه.”
صحيح. قبل مغادرتنا مبنى شركة دبيلو ، قال إنه سيعود معي إلى المنزل لنكمل الحديث.
لكن بسبب تدخل “جيهان”، لم نجد وقتًا للكلام في السيارة.
“أسرعي. الباب سيُغلق.”
قالها وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيه.
وعندما فتحت باب المنزل، كان الظلام يملأ المكان.
وما إن رأى “جايها” الصناديق الكبيرة الملقاة عند مدخل المنزل حتى اتسعت عيناه بذهول.
“ما كل هذا؟ هل تنوين الانتقال؟”
“تلك أمتعة السيد “سيو جيهان”.”
كان ذلك بالأمس فقط حيث جاء فجأة وترك هذه الأغراض بحجة أنه يريد أن نعيش معًا.
كانت أشياء خفيفة فلم أشأ أن أطلب أحدًا لحملها، فوضعتها بنفسي، ولهذا بدت الصناديق عشوائية وغير مرتبة.
“سيو جيهان هو من أحضرها؟”
“نعم، جاء فجأة أمس، وتركها دون إذن مني، قائلاً إنه يريد أن نعيش معًا.”
“آه، إذًا هذا سبب انقطاع الاتصال فجأة البارحة.”
لم يكن ليتخيل أن هذا ما حصل.
ويبدو أن “جايها” تذكّر اتصالي القصير به ليلة البارحة، فزمّ شفتيه بغيظ.
“ستتخلصين منها، أليس كذلك؟”
“بالطبع.”
سألني وهو ينظر إلى الصناديق، فأومأ برأسه وأخرج هاتفه من جيبه واتصل بشخص ما.
“أنت مع السكرتير “هان”، صحيح؟ اصعد قليلًا.”
لم أكن أعلم أن سكرتيره بانتظارنا لم أره حتى في الاجتماع العام.
“ما لم أطلب منه المغادرة أولًا، يبقى بانتظاري.”
وقبل أن أسأله، أجابني كأنه قرأ تساؤلي في عينيّ، ثم دخل إلى غرفة المعيشة وهو يبتسم بخفة.
ولم تمضِ سوى دقائق حتى جاء السكرتير “هان” إلى المنزل.
“مرحبًا، سيدتي هل طلبتني، سيدي؟”
“ترى الصناديق عند المدخل؟ خذها، وكل ما تقوله “يوجين” أيضًا، وأرسله إلى “سيو جيهان”.”
“نعم، هل هناك شيء آخر غير الصناديق؟”
أومأ برأسه متوجهًا نحوي.
“لا شيء سوى بعض صور الزفاف في المنزل، أرجو أخذها فهي ثقيلة بعض الشيء.”
“آه، الإطارات؟ وماذا عن تلك الصورة على الجدار؟ هل آخذها أيضًا؟”
وأشار إلى الصورة الكبيرة المعلقة في منتصف الممر.
كانت كبيرة لدرجة أنني لم أستطع نقلها وحدي.
فأومأت له بلا تردد.
“نعم، أرجو أخذها أيضًا.”
كانت صورة زفافنا التي كانت تملأ هذا البيت الكبير في غياب “جيهان” الدائم بحجة انشغاله.
“يمكنكِ التخلص من الصور كلها.”
كانت أشياء كان يجب أن أتخلص منها منذ وقت طويل.
فلم تعد تحمل حتى قيمة ذكرى.
وكان السكرتير “هان” أكثر كفاءة مما توقعت.
فقد بدا المنزل بعد إزالة صور الزفاف نظيفًا جدًا بل وفارغًا.
بدا جليًّا الفراغ الذي تركته تلك الأشياء التي كانت تملأ المكان سابقًا.
“أرسلها صباح الغد، وخذ إجازتك بعد ذلك سأقود إلى الفندق بنفسي.”
قال “جايها” ذلك وهو يلوّح بيده للسكرتير الذي كان يحمل الصناديق.
“لن تذهب معه؟”
“سأتحدث قليلًا قبل المغادرة.”
“حسنًا، أراكم غدًا إذًا.”
وبعد لحظات عاد “جايها” إلى غرفة المعيشة.
“أين ذهب السكرتير “هان”؟”
“انتهى دوامه قلت له أن يذهب مباشرة في طريقه للخروج.”
“حقًا؟ كيف تتركه يذهب هكذا؟ كنت أريد أن أقدم له شيئًا يشربه بعد تعبه.”
تذكرت كم كانت الصور ثقيلة، وجلست على الطاولة بشعور من الحرج.
“أنا أيضًا حملت تلك الأشياء.”
“لكن “جايها” ما زال هنا، بينما السكرتير غادر.
” أرجو أن توصِل له شكري.”
ابتسمت وأنا أنظر إليه يشرب كأسًا من الماء، ووجهه مائل.
نظرت إلى الساعة الرقمية على الطاولة، فكانت تشير إلى العاشرة مساءً.
“لقد تجاوزنا وقت العشاء.”
“لقد تأخر وقت الطعام هل أعد لك شيئًا؟”
وقفت أسأله، فنظر حوله وهو يسند ذقنه.
رغم أن المكان كان ممتلئًا بالأثاث الكبير، إلا أن البيت بدا فارغًا بشكل غير عادي.
“هل يوجد شيء أصلًا؟”
“إنه منزل يسكنه بشر، في النهاية.”
تبادلنا النظر، فأحسست بوخزة في قلبي.
فتحت الثلاجة آملة أن أجد شيئًا، لكنها كانت مليئة بالمياه المعدنية والبيرة فقط.
(لا شيء… هل كانت فارغة هكذا دائمًا؟)
“فارغة تمامًا.”
“يا إلهي!”
اقترب “جايها” فجأة من خلفي ووضع يده على باب الثلاجة.
نظر إلى داخلها ثم وجّه نظره إليّ بتعبير غير راضٍ.
أغلقت الثلاجة بسرعة وبحرج.
“ليست فارغة تمامًا.”
قلت ذلك مرتبكة وأخرجت علبة من الرامن.
“هذا ما وجدته.”
وفي النهاية، جلس كل منا أمام وعاء من الرامن.
لم أكن ممن يحبون الرامن عادة، لكن اليوم بدا البخار المتصاعد منه ورائحته جذابة للغاية.
“ألا يأتي من يساعدكِ؟ لماذا لا يوجد في البيت إلا مثل هذه الأشياء؟”
سألني “جايها” بينما كان يراقبني وأنا آكل.
كان البيت صامتًا جدًا بحيث لا يُشبه بيتًا حديثين الزواج، ولم يكن فيه دفء بشري.
ويبدو أنه لاحظ ذلك أيضًا.
“تأتي عمتي من وقت لآخر لكن طعام الآخرين لا يناسبني، والعيش وحدي يجعل الطبخ صعبًا.”
“لكن هذا لا يعني أن تأكلي الأطعمة الفورية فقط، أليس كذلك؟”
في الماضي، كنت أذهب للتسوق بنفسي.
وكان الوقت الوحيد الذي أشعر فيه بالدفء في هذا المنزل هو وقت العشاء.
ولهذا، كان إعداد العشاء له ومشاركته معي هو سعادتي البسيطة.
(… قبل أن أعلم بكل شيء.)
قضيت خمس سنوات في زواج جاف كهذا، حتى شعرت أن الماضي كله كان بلا جدوى.
لم أعد أرغب في فعل أي شيء.
فلم أعد زوجته، ولم يعد هناك داعٍ للتمسك بزواج “جيهان” أو هذا المنزل الكبير.
وهكذا، غمرني شعور بالعجز.
ويبدو أن “جايها” لاحظ تغير ملامحي، فغيّر الموضوع فجأة.
“على كل حال، لقد أدهشتني.”
توقفت عن تحريك عيدانيّ داخل الوعاء.
أدهشته؟ بماذا يا تُرى؟
“لم أتوقع أن “يوجين” ستتنازل عن حصتها.”
“حسنًا، شعرت أن هناك العديد من المساهمين الذين قد يعارضون ذلك.”
ما زلت أتذكّر وجوههم المصعوقة.
“هل تثقين بي فعلًا؟ ماذا لو فشلتُ؟”
“لا يتعلق الأمر بالثقة من عدمها بالنسبة لي، لا خيار لدي سوى الاعتماد على “سو جايها”.”
وضعت عيداني الطعام على الطاولة، ووضع هو أيضًا كوب الماء الذي كان يحمله.
نظرت إليه بعينين ثابتتين وقلت:
“هذه الانتقام هو كل ما أملكه الآن.”
وما إن قلت ذلك، حتى خمدت النظرة الساخرة في عينيه.
“أنا جادة وفعلتُ كل ما بوسعي اليوم.”
“…”
“سأنجح في هذا الانتقام لذا، أثبت لي أنت أيضًا… خلال سنة واحدة.”
لم أندفع دون خطة.
ما ينقصني هو خبرة هذا الرجل في العمل وذكاؤه، وما ينقصه هو تجربتي في الماضي.
(إن أصبحتُ أنا عونه، فسننجح معًا.)
وسينجح هذا الانتقام حتمًا.
وإذا لزم الأمر، سأجمع كل المعلومات من الماضي وأسجّلها، لأتأكد من نجاح هذا الرجل.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 18"