“لن تكون هناك استثمارات، ولا حتى اندماج بين المجموعتين.”
ما إن أنهيت كلامي حتى وقعت عيناي على أعضاء جانب “هوجين” وقد بدوا مذهولين.
بسبب ظهور “جايها”، انقلبت الأوضاع في القاعة رأسًا على عقب، وما لبث الضجيج أن حلّ حتى عمّ الصمت.
قطعت الصمت، وكنت أول من فتح فاهه قائلة:
“مجموعة دبليو مستقرة، لكن لا تملك محفظة أعمال تتيح لها التكيف بمرونة مع تغيرات العصر وهذا أمر أعلمه حتى أنا، بوصفـي المُحور في هذه المؤسسة.”
“هممم…”
“أنتم تعلمون، جميعكم، أن من لا يواكب التغير، سيأتي عليه وقت يُقصى فيه.”
كانت كلماتي لاذعة، فتشنجت ملامح المساهمين من وقعها.
“أرجو أن تغتنم مجموعة دبليو هذه الأزمة كفرصة للتقدم خطوة إلى الأمام وأرى أنه لا يوجد شخص أكفأ من السيد ‘سو جايها’ لإعادة هيكلة الأمور.”
“مهما يكن… هل لديك ما يثبت كلامك؟ هل تعتقد حقًا أن السيد ‘سو جايها’ وحده قادر على إعادة هيكلة مؤسسة لم تتمكن مجموعة دبليو من تغييرها طوال هذه المدة؟”
شعر “جايها” أن دوره قد حان، فتقدّم ووقف عند المنصة.
“ماذا لو كانت إدارة مؤقتة؟”
“…”
“راقبونا لمدة عام واحد فقط سأُحدث تغييرات ملموسة خلال تلك الفترة.”
كانت كلماته قد تبدو متغطرسة بعض الشيء، مما جعل وجه “جيهان” يتقلّب من الغيظ.
أما المساهمون، فقد بدوا كمن انتهوا من حساباتهم، وبدأت ملامحهم تتغير.
“مثير للاهتمام أن يغير كل شيء في عام واحد؟ حقًا… هل هذه ثقة الشباب؟”
قال ذلك نائب الرئيس “كيم يونغ مين” وهو يرسم ابتسامة ساخرة، ثم أنزل القلم الذي كان يديره بيده.
وما دمتُ أنا، كأكبر مساهم بعد والديّ، قد دعمت القرار، كان لا بدّ من قبوله.
“أن تبدأ هكذا بلا مسؤولية… هذا ليس لعب أطفال.”
قالها نائب الرئيس وهو ينقر لسانه متضايقًا مني.
“إن فشلت، فسأتنازل عن 5% من أسهمي في الشركة القابضة.”
“…ماذا؟”
توسعت عيناه من الدهشة ولم يستطع إغلاق فمه.
حتى “جيهان”، الذي كان يتابع الموقف بصمت، بدا مذهولًا ووقف مكانه متجمّدًا.
تلك الـ 5% كانت كفيلة بتغيير موازين الوراثة بالكامل.
حتى “جايها”، الذي لم يكن يتوقع أن أضع أسهمي على المحك، رمقني بنظرة مندهشة.
أما “كيم” فبدت على وجهه ملامح مَن فهم اللعبة أخيرًا، ورفع ذقنه ناحيتي قائلاً:
“جربوا إذًا.”
“نائب الرئيس…!”
صرخة “جيهان” جاءت فجأة، إذ لم يتوقع أن يسمح “كيم يونغ مين” بذلك.
لكن “كيم” هز رأسه نافيًا، وكأنه يقول له: لا تتدخل.
“عليك إثبات ذلك بالأرقام، لا بالكلمات المزخرفة، يا مدير ‘سو جايها’.”
“نعم، سأضع ذلك في الحسبان.”
رد “جايها” بابتسامة عريضة، مما زاد من حدة توتر “جيهان”، الذي شدّ على القلم في يده حتى كاد يتحطم.
“موافق أُعلن تأييدي.”
“وأنا أيضًا كلنا نعلم أن ‘سو’ يدير الأمور باحتراف وسنعرف الحقيقة بعد عام من المتابعة.”
وما إن بدأ المساهمون بإبداء تأييدهم حتى ازدادت قتامة وجه “جيهان”.
“وأنا أؤيد كذلك.”
حتى المقربين من جدي الذين كانوا يراقبون موقف نائب الرئيس “كيم” بحذر، أبدوا موافقتهم.
بدت الكفة تميل لصالح “جايها”، وبدأت الحمرة تزول من وجه “جيهان” الجالس في الصف الأمامي.
كنت أتابع الموقف بصمت، ثم التفتّ إلى “جايها” الواقف بجانبي ونظرت إليه جانبًا.
(إنه رجل مخيف…)
في الحقيقة، فكرة منح مهلة لعام واحد كانت فكرته هو.
كان يعلم أن معارضة نائب الرئيس ستكون شرسة، لذا اقترح هذه الخطة، وكل ما فعلته أنا هو أنني أضفت أسهمي إلى المعادلة.
(أن نرمي بورقة ضعيفة لتخديرهم، ثم نحاصر هوجين بهدوء…)
إنه شخص لا أريده عدوًا بأي حال.
عدت بنظري نحو “جيهان”، الذي لم تتغير ملامحه رغم حماس الأجواء من حوله.
كان ممتعضًا بشدة من مجريات الأمور التي لم تسر وفق رغبته، فلم يفعل شيئًا سوى شرب المياه الموضوعة على الطاولة.
وحان وقت إعلان النتيجة.
تقدّمت بخطى ثابتة نحو المساهمين الذين بدوا راضين ومبتسمين، ثم وقفت أمامهم وقلت بهدوء:
“إذًا، لنصوت الآن، ما رأيكم؟”
…
مضى نحو ثلاثين دقيقة، ثم عاد رئيس الجلسة بعد انتهاء عملية الفرز.
ساد الهدوء فجأة في قاعة الاجتماع التي كانت تضج بالهمسات.
“شكرًا لانتظاركم سأعلن الآن نتيجة التصويت على تولي السيد ‘سو جايها’ إدارة مجموعة دبليو بشكل مؤقت خلال اجتماع المساهمين الطارئ.”
ما إن أمسك الميكروفون حتى ساد التوتر في القاعة بأكملها.
حتى نائب الرئيس “كيم يونغ مين” بدا متوتراً، ورفع زجاجة الماء ليروي بها عطشه.
“من أصل 99,883,605 سهمًا من الأسهم العادية لمجموعة دبليو، حضر 79,463,222 سهمًا، بما في ذلك التوكيلات.”
ظهرت نتيجة التصويت على الشاشة في مقدمة القاعة.
“من بين المشاركين في التصويت، باستثناء الممتنعين، كان هناك 5,538,490 صوتًا معارضًا.”
كلما تابع رئيس الجلسة الحديث، ازداد التوتر ثقلًا على القاعة.
“وبموافقة ثلثي الحاضرين، تقرر إسناد الإدارة المؤقتة للسيد ‘سو جايها’.”
لقد تم التصويت بالموافقة.
حتى من دون الاستماع إلى الأرقام، كان شريط التصويت الأزرق يتقدّم بشكل ساحق، مما جعل النتيجة واضحة للعيان.
نظرت إلى “جيهان”، الذي شحب وجهه كمن تلقى صدمة قاسية.
ذلك الوجه الذي لطخته الهزيمة جعل قشعريرة تسري في بدني.
“نُعلمكم بأن موضوع الإدارة المؤقتة للسيد ‘سو جايها’ قد تم إقراره خلال الاجتماع الطارئ للمساهمين.”
وأخيرًا… ابتسمت ابتسامة النصر.
***
استمر الاجتماع من الصباح حتى وقت متأخر من بعد الظهر، ولم أغادر قاعة الاجتماعات إلا بعد انتهائه.
بعد وداع طويل للمساهمين، خرجت من مبنى مجموعة دبليو.
“ستذهبين إلى المنزل؟”
“نعم، أنوي ذلك.”
“هل تريدين أن أوصلك؟ هناك أمور علينا الحديث عنها أيضًا…”
كنت على وشك ركوب سيارة “جايها” حينها.
“ما الأمر؟”
“أريد التحدث معك.”
“جيهان”، الذي ظننت أنه سيتجه مباشرة إلى “كيم يونغ مين”، أمسك بمعصمي وسحبني.
وعندما أغلق باب السيارة الذي كنت قد فتحته جزئيًا، وقف “جايها” أمامه مانعًا إياه.
“ما الذي تفعله؟”
“هذه مسألة تخصني أنا وهي، لا شأن لك بها.”
رغبت بإنهاء الأمور مع “جيهان” وجهًا لوجه، لذا أشرت لـ”جايها” ألا يتدخل.
فقلت له، وأنا أبادله نظرات القلق:
“لا بأس، اركب أولاً.”
نظر إليّ “جايها” وإلى “جيهان” بتعبير غير راضٍ، ثم صعد إلى مقعد القيادة على مضض.
“السيد ‘سو جيهان’، إن كان لديك ما تقوله، فقلها الآن.”
“هنا؟”
نظر إلى موقف السيارات الواسع من حوله وردّ ساخرًا.
“نعم، هنا.”
ربما أثارت نظرتي الهادئة أعصابه، إذ قبض على يده التي كانت تستند إلى باب السيارة.
يبدو أنه لم يهدأ بعد من نتيجة الاجتماع، فمسح فمه بعصبية.
“يون يوجين، هل تدركين ما الذي فعلته؟ ‘سو جايها’؟ حقًا؟”
اقترب مني حتى أصبحت أنفاسه على مقربة من وجهي، ثم أشار نحو “جايها” الجالس في السيارة.
كان يحمل في عينيه غضبًا ومرارة وخيانة، وأمسك بكتفي بقوة.
كان ذلك من شعوره بالدونية تجاه “جايها”، الذي وُلد وهو يملك كل شيء.
“هاه… ‘سو جايها’؟ من بين كل الناس، اخترتِه؟!”
بدأ بالضحك، كأنه لا يصدق ما يحدث، ثم أطلق نظرة حارقة نحوي وتابع:
“إذًا… فسختِ خطوبتنا لتكوني معه؟ فجأة فسخ خطوبة، ثم تسليم إدارة! ما الذي تفعلينه بحق السماء؟”
نظرت إليه دون أن أجيب، فازداد ضغطه على كتفي.
“أجيبيني! لماذا تفعلين هذا؟”
اكتفيت بالنظر إليه، ثم تنهدت ساخرة.
“ظننت أنني لن أعرف؟”
“…ماذا؟”
تغيرت نظرة “جيهان” التي كانت تهاجمني.
“ظننت أنني لا أعلم بأنك تلهو مع ‘تشاي سورين’؟”
“م-ماذا تقولين؟”
أبعدت يديه عن كتفي بعنف، ثم أخرجت مغلفًا من حقيبتي وألقيته عليه.
انتثر عدد من الصور على الأرض فور ارتطام المغلف بها.
“كنت تعيش معها منذ ما قبل الزفاف وحتى الآن، أليس كذلك، سيد ‘جيهان’؟”
“ماذا؟”
انحنى والتقط إحدى الصور التي يظهر فيها وجهه بوضوح.
ملامحه التي تجمدت من الذهول بدأت تتبدل شيئًا فشيئًا.
“أنتِ… حتى تحرّين خلفي الآن؟”
“ليست تحريات، بل اهتمام مني بخطيب يفترض أن يكون زوجي.”
كانت تلك الجملة ردًا على كلامه السابق حين سألته إن كان قد تجسس عليّ.
ويبدو أنه تذكّر ذلك أيضًا، فانكمش وجهه وصرخ بي:
“مجرد فضول!”
“…فضول؟”
“أحيانًا يرتكب الرجل خطأ قبل الزواج، هذا لا يعني أنني كنت أنوي شيئًا مع ‘سيورين’! مجرد لقاءات بسيطة لا أكثر!”
ولكن ألم يطلب في حياتي السابقة الطلاق مني من أجل أن يتزوج هذه “البسيطة”؟
ارتجف جسدي من الذكرى.
كم هو مثير للاشمئزاز هذا التبرير الوقح.
“وأنتِ… من دوني، ماذا ستفعلين؟ تعودين للعمل في الإعلام؟ أو… تنامين مع أخي؟”
(أيها الحقير…)
ضحكت، من شدة الذهول من وقاحته.
نظر إليّ بنظرة مشوهة من كراهيته.
“أتعلم، يبدو أنك تعتقد شيئًا خاطئًا.”
تكلمت بعد أن تلاشت ضحكتي الساخرة.
“هل تظن أن كل ما تملك، هو حقٌ خالصٌ لك؟”
بدأت يده التي كانت تمسك الصورة ترتجف.
(من دون مجموعة دبليو، هل كنت ستبقى وريثًا أصلاً؟)
“قد تكون في نظرك مجرد فتاة، لكنني بالنسبة لك شيء لا يمكن استبداله.”
“يون يوجين…!”
“أنا أستطيع أن أجد من يحل محلك، لكنك… لا يمكنك أن تجد من يحل محلي، أليس كذلك؟”
سقطت الصورة التي كانت عالقة بأطراف أصابعه على الأرض.
“يوجين… لا، أرجوكِ، فقط استمعي إليّ.”
بدا مهتزًا للمرة الأولى، بعينين ضائعتين، كما لو أنه أدرك وضعه أخيرًا.
“ما حدث مع ‘سورين’ كان خطأ، مجرد خطأ لا يمكنني أن أنهي كل شيء بيننا بسبب خطأ واحد ألم تنسي؟ نحن الدليل الحي على ارتباط العائلتين.”
أغمضت عيني المرتجفتين.
“فقط امنحيني فرصة… سامحيني هذه المرة.”
(أي وقاحة تجعلك تطلب الغفران؟)
تذكرت حين سلمني أوراق الطلاق ببرود.
“حتى إن لم يكن عندك حياء، أنا لا أريد أن يولد طفلي كابن غير شرعي.”
“…ماذا؟”
وقتها، لم أصدق أذني، فأعدت سؤاله بوجه مصدوم.
“أنا آسف لكِ، لكن يجب أن أحمي طفلي القادم لذا، عليكِ أن تتنازلي.”
أنت الذي سلبتني كل شيء، حتى حياتي.
شعرت بشفتيّ ترتعشان من الخيانة.
لو كان بوسعي، لكنت كشفت له كل ما فعله بي على مدى السنوات الخمس الماضية.
لقد خنتني، ودمرتني، وزوجنا هذا… أنت من أنهى كل شيء.
“خطأ؟ وهل الخطأ يغفر كل شيء؟ أنا متُّ بسبب الحجر الذي رميته أنت.”
“ما الذي تعنينه؟”
“أعني أنني لن أسامحك أبدًا.”
حين مد يده ليمسك بي، أبعدتها بلا تردد.
وفي اللحظة التي كنت فيها على وشك إغلاق باب الراكب، دفعه شيء ما بقوة.
“كفى، هذا يكفي الآن.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 17"