أضاءت السماء المظلمة شيئًا فشيئًا.
رفعت جفنيّ بسبب أشعة الشمس الصباحية اللاسعة التي تسللت من نافذة السيارة.
ربما كان لظهور “جيهان” المفاجئ، ومعه وثيقة تسجيل الزواج، أثرٌ كبير.
قضيت الليلة مرة أخرى بلا نوم تقريبًا.
كان الهاتف بجانب الوسادة يشع بضوء ساطع كانت هناك رسالة من “جايها”.
[سوف أذهب في الوقت المحدد أتمنى لك التوفيق اليوم. – جايها]
كان من المقرر أن يأتي إلى مبنى مجموعة “دبليو” بالتزامن مع موعد الجمعية العمومية.
بعد أن أنهيت الاستحمام وجلست أمام طاولة الزينة، ظهرت رسالة أخرى على شاشة الهاتف ما إن بدأت بوضع المكياج.
[حدث أمر طارئ، لذا يصعب عليّ المجيء لأخذك نلتقي في الجمعية. – جيهان]
“كنت أعلم أنك لن تأتي على أية حال.”
تمتمت بهذه الكلمات وأنا أنظر إلى الرسالة.
فقد توجه “جيهان” مباشرة إلى “سورين” الليلة الماضية، لذا لم أصدق قط أنه سيأتي لأخذي.
لا تزال صورتي وأنا أزيح بيدي مكانه الفارغ الذي لم يعد إليه في حياتي السابقة، حاضرة في ذهني حتى الآن.
(أجل… حتى في يوم الطلاق، لم تأتِ.)
لم تختلف هذه الجوانب كثيرًا عن الماضي.
وحين تداخلت الذكريات السابقة فجأة، انتشر على شفتيّ ابتسامة مُرة.
لم يكن زواجًا تم عن حب لدرجة الموت.
لم تكن العلاقة قد بدأت من حب، لكن في حياتي السابقة كنت أظن أنه بمرور الوقت سننجب طفلًا ونعيش سويًّا بمودة، مثل باقي الأزواج.
(كان تفكيرًا ساذجًا وأحمق…)
“اليوم سيكون النهاية.”
كانت تلك العلاقة المقيتة ستنتهي اليوم، بالتزامن مع الجمعية العمومية.
وضعت أحمر الشفاه من يدي.
قبل الخروج، عندما التفتُ، بدا المنزل خاليًا تمامًا.
رغم أنه كان مليئًا بالأثاث الكبير، شعرت بثقل الفراغ.
كان هذا المكان هو الملاذ الوحيد لي بعد أن فقدت عائلتي وأصبحت وحيدة.
كان منزل الزفاف هدية زواج من جدي.
(سأعود لاحقًا.)
أُغلِق الباب الأمامي.
وبخلاف العالم المضيء في الخارج، ابتعد الظلام الذي خيّم على المنزل خلف الباب، تمامًا كما ستتباعد علاقتي به التي ستنتهي قريبًا.
***
عندما وصلت إلى مبنى “دبليو”، مررت بلافتة كتب عليها “الجمعية العمومية الطارئة لمجموعة دبليو”، وسرت في الممر الطويل.
رغم أنني سلكت هذا الطريق للمرة الثانية، كانت مشاعري مختلفة، وكان ذهني مشوشًا.
اقترب الوقت من الموعد المحدد.
رأيت رجلاً مألوفًا واقفًا أمام باب قاعة المؤتمرات المغلق بإحكام.
“عمي.”
التفت “العم هيونيك” عندما ناديت عليه.
“يوجين، هل ستكونين بخير؟”
في حياتي السابقة، وقبيل الجمعية العمومية، سألني العم بنفس الطريقة إن كنت سأكون بخير.
كانت نظرته القلقة هي العزاء الوحيد لي في هذا المكان القاسي.
كان الشخص الوحيد الذي وقف إلى جانبي وساندني.
عندما أمسكت بيده المجعدة، شعرت بدفء حنانه.
“شكرًا لك، عمي أنا بخير.”
بدا وكأنه يريد قول شيء وهو يتردد بعد سماع كلماتي.
“لكن ذلك الرجل… هل يمكنك الوثوق به حقًا؟”
ثم سألني بصوت خافت عن “جايها”.
كان يعلم خطتي مسبقًا، لذا بدا وجهه ممتقعًا من القلق.
فـ”جايها” هو الابن الأكبر لمجموعة “هوجين”، وقد وُلد بوراثة شرعية واضحة من المجموعة.
كنت أتفهم تمامًا قلق العم منه.
“نعم ستمضي الجمعية اليوم على خير ما يرام.”
ابتسمت ابتسامة خفيفة تجاهه عندما أومأ برأسه بعدما سمع ردي الواثق.
“ثم، لا تثق به… بل ثق بي أنا.”
استدرت نحوه واقتربت من المدخل.
اهتزت يدي الموضوعة على المقبض بسبب أصوات المساهمين التي كانت تتسرب من خلف باب القاعة.
كان هذا اليوم الذي انتظرته بشدة بعد عودتي.
اللحظة التي لم أرها إلا في الأحلام.
“هيا لندخل.”
سأبدأ من هنا من جديد.
لن أسامح “جيهان” الذي خانني وقادني إلى الموت، ولا “سورين”.
وبنَفَس عميق، فتحت الباب المغلق على مصراعيه.
.
.
.
ما إن فُتح الباب حتى ظهرت قاعة ممتلئة بالمساهمين.
كانت المرة الثانية التي أواجههم فيها، لكن التوتر الذي اجتاحني لم يكن بوسعي كبحه.
“أُحييكم للمرة الأولى أنا يون يوجين.”
هدأ الاضطراب الذي كان يعم القاعة بشكل غريب لحظة دخولي، وكأن الماء سُكب على نار.
رأيت على الطاولة في المنتصف لوحة اسم كُتب عليها “يون يوجين”، والرجل الجالس بجانبها دخل في مجال رؤيتي.
كان يُلوّح لي بيده الصغيرة، وكأنه يجلس في مقعده الطبيعي بجواري.
ذلك الرجل الذي سيصبح اليوم غريبًا عني – “جيهان”.
“أظن أن لديكم الكثير من التساؤلات والشكوك تجاهي.”
أتذكر بوضوح أولئك الذين تحدثوا عني من خلفي.
نظراتهم العنيدة وهي تراقبني، وكأنني فتاة ساذجة.
قالوا إنني لا أفقه شيئًا في الإدارة، وإنني مجرد مذيعة، وإنني امرأة… وكان لكلٍ أسبابه في القول إنني لا أصلح كوريثة.
في حياتي السابقة، لم أستطع الرد أما الآن، فالأمر مختلف.
“لا بد أنكم تتساءلون ما الذي أملكه، أليس كذلك؟”
تجولت بعينيّ على وجوه المساهمين الذين كانوا يحاولون استيعاب الوضع.
كلما التقت عيناي بأحدهم، كان يشيح بنظره أو يسعل لتغطية توتره.
ما الذي جئت من أجله إلى هذا المكان؟
لقد أتيت بعزم ألا أركع أمام من استولى عليه الجشع.
ثم وقعت عيناي على رجل كان يراقبني بصمت من بين الحضور.
(نائب الرئيس كيم يونغ مين.)
في حياتي الماضية، كان هو من وقف خلف تولّي “جيهان” للسلطة وتحقيق الاندماج مع مجموعة “هوجين”.
لا أنسى ملامحه الساخرة عندما سمعني أطرح جدول الأعمال.
“كفى… أنتِ تقولين هذا لأنك لا تفهمين الأمر، آنسة.”
لا أنسى أيضًا النظرة الحادة التي أرعبتني آنذاك.
“ما من فرصة أفضل من اندماج دبليو مع هوجين.”
اليوم، كان هادئًا وهو يراقبني ويراقب الموقف.
“نعم، كما فكرتم، أنا في الوقت الحالي أكبر مساهم في مجموعة دبليو.”
انطلقت أصوات الدهشة من هنا وهناك.
حتى نائب الرئيس كيم الذي لم يُبدِ أي تعبير، عبس عند سماع كلماتي الواثقة.
لابد أن منظر امرأة لم تبلغ الثلاثين بعد، ترفع رأسها بكل هذا الكبرياء، لم يَرُق له.
لكن “دبليو” الآن في يدي.
حتى “جيهان” نفسه لم يستطع التخلي عني طوال السنوات الخمس الماضية، لأنه كان يعلم هذه الحقيقة.
“قد أكون غير مؤهلة، ومع ذلك أصبحت أكبر مساهمة.”
“……”
“لكن رغم ذلك، عليكم الاستماع لكلمتي لأن كلمتي لها وزنها.”
وبعدها، نظرت إلى “جيهان” الجالس على مقربة.
عندما رأيت في عينيه تلك الرغبة العارمة، شعرت بالغثيان.
(أردتَ أن تمتلكها بل ربما كنت تظن أنك تمتلك مجموعة دبليو بالفعل، أليس كذلك؟)
تفاجأ “جيهان” للحظة عندما نظر إليّ ورأى سلوكي المختلف عن ذاكرتي التي يعرفها.
لكنه سرعان ما ضحك بسخرية.
لابد أنه ظن أنني سأُعينه ليتولى إدارة دبليو وينفذ اندماجها مع هوجين.
وبعد تبادل النظرات مع نائب الرئيس كيم، كانت عيناه تنطقان بالاطمئنان، وكأنه واثق من النصر.
(هل ستظل بهذه الثقة بعد أن أنهي كلمتي؟)
“لذا، أسمح لنفسي بالتصريح التالي.”
رمقت المساهمين الذين بدت عليهم علامات التوتر، وكأنهم ينتظرون كلمتي التالية.
ثم رسمت ابتسامة بطيئة على شفتيّ.
“من الآن فصاعدًا، ستُدار مجموعة دبليو بواسطة مدير تنفيذي متخصص، ولن أشارك في الإدارة بأي شكل.”
بدأ الحاضرون في التحديق بي بذهول، وكأنهم يحاولون فهم ما سمعوه للتو.
وبدأت القاعة تهمس بصوت مرتفع.
“يا إلهي.”
“فعلًا، ماذا يمكن لمذيعة أن تفعله غير البث؟”
“إذا كان مديرًا متخصصًا، فهل هو ذلك الشخص؟”
عند تعليق أحد النواب، اتجهت أنظار الجميع إلى “جيهان”.
بما أنه كان جالسًا هنا، ظنوا أن المدير التنفيذي المقصود هو خطيبي.
لقد بدؤوا بالفعل يشكون في وجود ممثل عن مجموعة أخرى في القاعة.
منذ وفاة جدي، كانت الشائعات حول اندماج سري بين المجموعتين تتداول سرًا.
“جيهان” كان يرفع ذقنه بتعالٍ وينظر نحوي، كما لو كان هو بطل هذا المشهد.
تعبيره المتعجرف كان مقززًا.
“اسمحوا لي أن أقدم لكم المدير التنفيذي.”
“مرحبًا…”
وقف “جيهان” مبتسمًا وهو يهمّ بالتعريف بنفسه، لكنه تجمد في مكانه.
فقد دخل “جايها” قاعة المؤتمرات بخطوات واثقة وجذب أنظار الجميع.
اقترب مني مباشرة ووقف إلى جانبي.
“أقدم لكم السيد سيو جايها من مجموعة هوجين، والذي تعرفونه جميعًا جيدًا.”
قلت اسمه الكامل بوضوح للحاضرين الذين كانوا يتنقلون بأبصارهم بيني وبينه.
تجمدت ملامح المساهمين عند إدراكم أنني لم أقدم “جيهان”، بل “جايها”.
“تشرفت بلقائكم، أنا سيو جايها.”
ابتسم “جايها” موجّهًا نظره نحو “جيهان” الذي بدا عليه الذهول، وذهب يرمش بعينيه ببطء وهو ينظر إلينا.
رأيت جفنَيْ “جيهان” يرتجفان وهو يعض على شفتيه ويقبض قبضته بإحكام، موجّهًا إلى “جايها” نظرة تكاد تلتهمه.
حتى المساهمين بدوا مذهولين تمامًا من هذا التطور غير المتوقع.
(ألم أقل أبدًا أنك ستكون المدير؟)
كنتَ أنت من أساء الفهم وافترض أنه أنت.
“وبما أن الجميع مجتمعون هنا، فاسمحوا لي أن أقول شيئًا آخر.”
تفاجأ المساهمون مرة أخرى.
وكأنهم لم يصدقوا أن لديّ المزيد بعد هذه القنبلة التي فُجّرت لتوها.
“أنا، أُعلن فسخ خطبتي مع السيد سيو جيهان.”
نهض “جيهان” فجأة من مقعده وسط صمت مطبق.
كواااانغ!
صدر صوت ارتطام قوي عندما انقلب الكرسي للخلف.
لم يستطع الصراخ أمام الجميع، فبدأت يده تعتصر رزمة الأوراق التي كانت بين يديه.
كان وجهه يشتعل بالغضب والانفعال.
وقف باستقامة تامة وهز رأسه بشدة وكأنه يقول “كفى”، بينما كان يضغط على أسنانه بقوة.
أول مرة أراه في هذا الحال، يضطرب غضبًا وخيانة.
وأنا أنظر إليه، غمرني شعور بالنشوة.
(تبدو مثيرًا للشفقة، يا جيهان.)
كان عليّ التخلص منك منذ زمن بعيد.
“ما هذا؟ ما الذي تعنيه بهذا؟”
“فسخ خطوبة؟!”
انطلقت همسات من كل مكان في القاعة، بينما كان الجميع يحاولون تفسير كلامي.
نظرت إلى “جيهان” الذي يرمقني بنظرة باردة، وابتسمت له ابتسامة عذبة.
(الآن بدأ كل شيء سأدمّرك بيدي، أنت.)
“ومن الآن فصاعدًا، لن تتدخل مجموعة دبليو في أي من أعمال مجموعة هوجين أي أن…”
وكأن الجميع توقع ما سأقوله بعد ذلك.
رأيت وجوه الحضور من مجموعة هوجين، الذين كانوا يجلسون بجانب “جيهان”، تبهت شحوبًا.
“لن يكون هناك استثمار، ولا حتى اندماج بين المجموعتين.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 16"