بعد أن أنهيتُ بثّ الأخبار الإذاعية المتأخرة في الليل، توجّهتُ مباشرة إلى المنزل.
وضعتُ كوب القهوة المملوء بالثلج على طاولة غرفة المعيشة، وأنا أقاوم النعاس الذي بدأ يتسلّل إليّ.
هل قمتِ بتحميل الملف؟
“نعم، فتحتُ الملف الآن.”
سمعتُ صوت جايها عبر الهاتف.
كنتُ جالسة على الأريكة أتصفّح بيانات إعادة هيكلة أعمال مجموعة “هوچين” واستثماراتها التي أرسلها لي جايها.
سأشرح لكِ بطريقة يسهل فهمها، يا يوجين سبب رغبة سوجيهان في الاستثمار في “إنتك” هو…
وبينما كنتُ أستمع إليه وأحاول تمرير عجلة الفأرة، دوّى جرس الباب في المنزل.
“لحظة واحدة، يبدو أن أحدًا جاء.”
عندما نظرتُ إلى جهاز الإنترفون، كان هناك شخص مألوف يقف أمام الباب.
“هاه…”
تنهدت
من هناك؟
“إنه سو جيهان يبدو أن عليّ الخروج سأتصل بك لاحقًا.”
أغلقتُ الحاسوب المحمول وأنهيتُ المكالمة مع جايها.
حتى وأنا متوجهة إلى الباب، كان يضغط الجرس دون انقطاع، وكأنه متأكد أنني في الداخل.
“ما الذي تفعله هنا في هذا الوقت المتأخر من الليل، وبدون أي إشعار مسبق؟”
كان سو جيهان واقفًا أمام الباب في ساعة متأخرة تجاوزت العاشرة مساء.
وخلفه، كان الحراس مصطفّين.
“جئتُ لنقل أمتعتي فكّرتُ أنه من الأفضل أن نبدأ العيش معًا من الآن.”
“وهل تخبرني بذلك بهذه الطريقة؟ لحظة واحدة من فضلك.”
لم نكن قد تحدّثنا في أي شيء بعد، ومع ذلك جاء حاملاً أمتعته دون سابق إنذار.
طباعه المتسلّطة لم تتغيّر أبدًا، سواء في الماضي أو الحاضر.
“مرحبًا، سيدتي أرجو المعذرة قليلاً.”
ألقى السيد كيم، الذي كان واقفًا خلفه، تحية مهذبة ثم فتح باب المدخل الذي كنتُ أُمسكه.
“لن يستغرق الأمر طويلًا أحضرتُ فقط ما أحتاجه.”
“توقف عن هذا.”
لكن الحراس دخلوا المنزل بأمتعتهم متجاهلين كلماتي كليًا.
ولم تمضِ خمس دقائق حتى خرجوا برفقة السيد كيم من داخل المنزل.
“سيدي، تم كل شيء ، أعتذر إن كنتُ قد أخفتكِ في هذا الوقت المتأخر.”
“لا بأس بإمكانكم الانصراف.”
لوّح سوجيهان للحراس بيده وكأنه يأمرهم بالانسحاب.
وما إن اختفوا حتى خيّم الصمت على الممر.
“آه… غادر أنت أيضًا الآن.”
شخص عنيد حتى النهاية.
سوجيهان لا يتراجع إلا إذا نفّذ ما عقد العزم عليه.
فكرتُ أن لا طائل من مجادلته، فقط سأشعر بالصداع، فأردتُ أن أدير ظهري.
لكنه اقترب خطوة وأمسك بمعصمي وأنا على وشك الاستدارة.
“…سوجيهان !”
“ألا يمكنكِ أن تهدئي من ملامح وجهكِ قليلًا؟”
“ماذا قلت؟”
…هل شرب الكحول؟
لم ألاحظ عندما كان بعيدًا، لكن الآن وقد اقترب، انتشر من جسده رائحة كحول قوية.
ورغم أنّه قال كلماتٍ ناقمة، لم يكن في نظراته أي انزعاج.
بل كانت تبدو عليه علامات السرور، كما لو أن كل شيء يسير كما أراد.
“أنتِ لستِ من النوع الغاضب هكذا عادة، أليس كذلك؟”
“ها…؟”
“سواء أحببنا الأمر أم لا، نحن على وشك أن نصبح زوجين فلنحاول أن نكون على وفاق.”
أن نكون على وفاق؟ لا بد أنه قد جُنّ هل يتكلم تحت تأثير الكحول؟
بدا أنه أصبح أكثر صراحة بعدما لاحظ تغيّري في الفترة الأخيرة.
كان لا يزال يبتسم، كأن شيئًا ممتعًا يحدث.
“ما الذي يجعلك سعيدًا هكذا؟”
“آه… لأن اليوم يومٌ مهم.”
كنتُ قد علمتُ من السيد هيونيك أن سوجيهان التقى بنائب الرئيس كيم يونغ مين.
يومٌ مهم، هاه…
أجل، اليوم هو اليوم الذي أصبح فيه موقعك كخليفة لمجموعة هوچين راسخًا.
“بالمناسبة، أود أن ندخل المنزل هناك أمور أرغب في الحديث عنها.”
كانت نبرة وجهه وهو يقول إن علينا الدخول إلى المنزل هادئة ومبتسمة.
وكأن دفعه لي إلى حافة الهاوية أمر يبعث على الابتهاج.
إلى أي حدٍّ تنوي إذلالي أكثر…
عندما فُتح باب شقة الجيران، ترك معصمي.
يا لها من مصادفة غريبة التوقيت.
“ادخل.”
لم يكن لدي خيار سوى السماح له بالدخول.
استدار ينظر إليّ من المدخل، ثم تبعني إلى الداخل.
رأيته وهو يراقبني وأنا أدخل المطبخ وأشرب الماء من الكوب بلا توقف.
ثم حوّل نظره عني وأخذ يتفحّص أرجاء المنزل، قبل أن يوجّه إليّ سؤالًا.
“هل المنزل مريح لكِ في العيش؟”
“…”
“كنتُ قد استلمت تقريرًا بعد انتهاء أعمال التشطيب، لكن هذه أول مرة أراه بعيني.”
يا لبروده وقلة اهتمامه.
لقد مضى وقت طويل على الانتهاء من تجهيز بيت الزوجية، لكنه لم يزر هذا المكان ولو لمرة واحدة.
“كنتَ منشغلًا ببناء حياة مع تشاي سورين بدلًا من زيارة هذا المكان، أليس كذلك؟”
ضحكتُ بسخرية رغمًا عني.
بدت نظراته وكأنها استلذت بجولة تفقدية في المنزل.
“ما أسرع سؤالك عن ذلك.”
“كنتُ مشغولًا… بعد نهاية اجتماع الجمعية العمومية الأسبوع القادم، لنبدأ العيش معًا.”
هل ينوي حقًا أن ينتقل للعيش هنا؟ لقد نقل أمتعته بالفعل.
ما العمل مع هذا الرجل الذي يؤمن تمامًا بأننا سنصبح زوجين؟
بعدما أنهى تفقد المنزل، جلس أمامي ونظر مباشرة في عينيّ.
وبعد فترة صمت، تحدّث.
“هل قابلتِ أخي مجددًا؟ سمعتُ أنك خرجتِ معه.”
ارتجفت يدي التي كانت تمسك بالكوب لا إراديًا عند سؤاله عن لقائي بجايها.
وضعتُ الكوب على الطاولة وأنا أحدق فيه.
“ماذا تعني؟”
“يُقال إنكِ عُدتِ إلى العمل، كمذيعة أخبار في فريق الراديو، أليس كذلك؟”
أخذ الكوب المقلوب بجانبي وصبّ فيه الماء.
“لم أظنّ أنك ترغبين في العمل إلى هذا الحد. حسنًا، سأغضّ الطرف عن عودتك.”
“…”
“لكن أرجو ألا تُخفي عني شيئًا بعد الآن.”
يبدو أنه علم بأمر عودتي إلى العمل.
ونظرًا لأجوائه الباردة، من المؤكد أنه علم بلقائي بجايها أيضًا.
أسرار، هاه؟ من هو الذي عليه أن يتحدث عن الأسرار هنا…
“هناك عيون تراقبكِ أكثر مما تظنين.”
“…هاه.”
من أخبره، كان عليه أن يبلّغه بالتفاصيل الصحيحة على الأقل.
نظرتُ إليه مباشرة، متحديةً نظرته الباردة.
“ألم يخبرك الشخص نفسه؟ أننا التقينا في محطة البثّ بمحض الصدفة.”
“…”
“ولِمَ عليّ أن أبرر لك لقائي بجايها؟”
عند ردّي الحاد، تغيّرت نظرة سوجيهان فجأة إلى نظرة حادة.
لا، لا تشكّ بي بعد، سوجيهان .
عليك أن تثق بي حتى الجمعية العمومية، كي يكون وقع الخيانة أقسى عليك.
تنهدتُ تنهدًا عميقًا، ومررتُ يدي على شفتي لأخفي اشمئزازي منه.
“وضع والديّ ليس على ما يرام.”
“ماذا؟”
“رغم أنهما في غيبوبة، فقد تدهورت حالتهما أكثر بين ليلة وضحاها.”
كنتُ قد تلقيتُ اتصالًا من الدكتور كيم منذ قليل بهذا الشأن.
وبعدها، اتصل بي رئيس المجلس بنفسه.
حتى جدّك يشعر بالقلق عليّ…
والآن، ما تقوله لي وأنتَ خطيبي، هو مجرد تهديد؟
“علاوة على ذلك، كان أمس أول يوم لي بعد عودتي إلى العمل كنتُ أنوي زيارة والديّ في المستشفى، لكن لم يكن لدي طاقة للقيادة.”
عندها فقط، خفّت نظراته الباردة قليلًا.
“لذا، جايها أوصلني إلى المستشفى.”
على الأرجح، كان هو أيضًا قد سمع بتقرير الطبيب بشأن والديّ.
“تقول إنك ستكون زوجي… والآن تأتي إلى هنا فقط لتهددني؟”
عندما رأى وجهي وقد احمرّت عيناي، هزّ رأسه بسرعة.
رأيتُ أن نبرته بدأت تلين، ما يعني أن تبريري أقنعه.
“لقد أخطأتُ لم أفكر في تلك الناحية لم آتِ لأوبّخك.”
رفع الكوب وشرب الماء دفعة واحدة.
“هل كتبتِ عقد الزواج الذي أعطيتك إياه حينها؟”
سألني بينما يضع الكوب الفارغ على الطاولة.
عقد الزواج… لا يمكن أنني كتبته.
ربما لاحظ تغير ملامحي للحظة، فتنهّد تنهدًا خفيفًا.
“كنتُ أظن أنك لم تكتبيه بعد.”
نهض واقترب مني وأنا واقفة مستندة إلى الطاولة.
“ربما ليس الوقت المناسب لهذا الحديث، لكن لا يمكننا البقاء في حالة خطوبة إلى الأبد فهناك نظرة المجتمع، وأنتِ بحاجة إلى الاستقرار أيضًا.”
أمسك بيدي المرتجفة مدّعيًا أنه يقول ذلك لمصلحتي.
كلما لمسني بأطراف أصابعه الباردة، كنتُ أرتجف لا إراديًا وكأن جسدي يرفضه.
“لذا، دعينا نقيم الزفاف غير المكتمل في العام القادم بحضور الأقارب فقط املئي العقد وسأقوم بتقديمه.”
كان الغضب يتفجّر في داخلي.
سوجيهان الذي لا يزال يكلّمني بوقاحة كهذه، كاد يجنّني.
“لا أظن أن والديك سيُصيبهم مكروه، لكن لا يمكن التنبؤ بأي شيء.”
“…”
“سأكون عائلتك أنتِ لستِ وحدك.”
ليست كلمات سكران، بل كانت نظراته ثابتة دون ارتباك.
يريد أن يصبح زوجي وحاميّ، ويتولى إدارة شركة “دبليو”.
هل في كلامه أي ذرة صدق؟
قوله إنه سيكون عائلتي، وسندًا لي، كلها أكاذيب.
‘في النهاية، ستتسبّب في موتي…’
أنا صُدمت بسيارة يقودها رجل استأجره هو.
لا تزال صورة نظرته حين وقع الحادث أمام المحكمة عالقة في ذهني.
لذا، وجوده أمامي الآن بهذه النظرة الدافئة، كان مرعبًا.
‘هاه…’
كان الوضع كريهًا، أن أسمع هذا الكلام السخيف وأضطر إلى التظاهر بالابتسام.
لكن الوقت لم يحن بعد، لذا ابتلعتُ غضبي.
رغم الألم في قلبي، حاولتُ بكل جهدي.
“أعلم أنك ستكون مشغولًا غدًا، لذا سأكتبه بعد انتهاء الجمعية العمومية.”
قال ذلك وهو ينهض ويلتقط حقيبته الموضوعة على المقعد المجاور.
“أرسليه مع السكرتير أو، الأفضل أن تسلميني إياه بنفسك.”
“…سأفعل.”
يبدو أنه راضٍ عن جوابي، إذ أومأ برأسه.
“سوجيهان.”
ناديتُه قبل أن يغادر وحين استدار إليّ، اقتربتُ منه وألقيتُ بنفسي في حضنه.
‘يكفي أن أغمض عيني مرة واحدة فقط.’
شعرتُ بارتباكه لأنه لم يكن يتوقع أن أرتمي في حضنه.
اختلطت رائحته برائحة الكحول، فأشعرتني بالغثيان.
لكن من أجل المستقبل، لم يكن أمرًا لا يُحتمل.
“شكرًا لك من الجيد أنك معي في الحقيقة، أنا خائفة من الغد.”
ساد الصمت لوهلة بعد كلماتي الخافتة.
“لا ترهقي نفسك…”
ربّت على كتفي بلطف لبرهة.
وحين رفعتُ رأسي من بين ذراعيه، تلاقت نظراتنا، وكان وجهه يحمل تعبيرًا غامضًا.
“سآتي لأخذكِ غدًا صباحًا لنذهب إلى الجمعية سويًا.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 15"