توقف جيهان أمام باب مكتب نائب رئيس مجموعة “هوجين”، والذي كُتب عليه: “مكتب نائب الرئيس”. ثم تنفّس بعمق.
ومع صوت طرقٍ خفيف، فُتح باب مكتب مينغوك.
كان نائب الرئيس “سو مينغوك” يوقع على مستندات الموافقة وهو جالس خلف المكتب، ثم وضع القلم جانبًا.
“اجلس.”
وجه “مينغوك” نظراته الحادة نحو “جيهان”، الذي دخل المكتب بتحية رسمية.
“سأنتهي من التوقيع على المستندات العاجلة فحسب، ثم أذهب.”
“لا تتعجل، سأتناول كوب قهوة في الأثناء.”
وُضع أمام “جيهان”، الجالس على الأريكة، كوب من القهوة الأمريكية الدافئة.
وبإيماءة خفيفة من “جيهان”، انسحب سكرتير “مينغوك” بعد أن ألقى تحية قصيرة.
ثم توقفت أصوات تقليب مستندات الموافقة التي استمرّت لفترة.
إذ جلس “مينغوك”، الذي أنهى عمله، على المقعد المقابل لـ”جيهان”.
“سمعت أنك التقيت بنائب الرئيس كيم يونغ مين؟”
“نعم كما رفعت لكم سابقًا في التقرير الكتابي، تم الاتفاق على عقدٍ يمتد لثلاث سنوات، وبعدها سندخل في إجراءات الاندماج والاستحواذ.”
أومأ “مينغوك” برأسه وهو يُصغي إلى تقرير “جيهان” المباشر والواضح.
تذكّر عقد الاندماج والاستحواذ بين مجموعة “دبليو” ومجموعة “هوجين”، والذي كان قد راجعه مسبقًا، ثم وضع الكوب الذي كان يمسكه.
“ألن يكون من الأفضل أن ننفذ الاندماج فورًا؟ لماذا علينا الانتظار ثلاث سنوات؟”
كان سؤالًا حادًا.
نظر “مينغوك” بعينيه الضيقتين إلى “جيهان” بنظرة ثاقبة.
لكن “جيهان” أجابه وهو يواجهه بوجه خالٍ من أي تردد.
“لا يمكننا تنفيذ الاندماج الآن هناك مساهمون في جانب رئيس مجلس إدارة “يون” يعارضون الأمر.”
“هممم…”
“وفوق ذلك، ومن أجل إضفاء الشرعية، فإن جانب نائب الرئيس كيم يونغ مين بحاجة إلى مهلة الثلاث سنوات لكننا اتفقنا على تلقي استثمار مسبق كرأس مال.”
في الأساس، كان قرار الاندماج بهدف التوسّع في قطاع البناء.
أخذ “مينغوك” يتحسس ذقنه بنظرة غير مفهومة وهو يتأمل “جيهان”.
“زوجتي ليست هاربة إلى مكان ما سأحصل على أسهم “يُوجين” بمجرد إتمام الزواج.”
“…”
“أفكر في استثمار رأسمال مجموعة “دبليو” في شركة “إنتيك”.”
كان “جيهان” قد تَولّى مشروع الاستثمار في شركة معدات البناء “إنتيك” من أجل توسيع أعمال البناء التابعة لـ”هوجين”.
ارتسمت ابتسامة خفيفة لأول مرة على شفتي “مينغوك” الذي لم يُظهر أي مشاعر حتى تلك اللحظة.
“الآن فقط أصبحت تستحق أن يُنظر إليك.”
“… شكرًا لك.”
“سأتولى أنا مهمة رفع التقرير إلى رئيس مجلس الإدارة.”
لم يتمكّن “جيهان” من كتمان مشاعره المتأثرة، فوقف وانحنى محييًا “مينغوك”.
ثم عاد “مينغوك” إلى مكتبه وضبط نظارته وسأله:
“بعد ما حدث في الزفاف، لم أرَ زوجة ابني مرةً واحدة ما الذي قررتَ فعله؟”
“نُخطط لإقامة الزفاف من جديد العام القادم وبعد انتهاء اجتماع المساهمين، سنقوم أولًا بتسجيل الزواج رسميًا.”
“ربما سيكون الأمر مرهقًا، لذا يبدو هذا الخيار الأفضل.”
أومأ “مينغوك” برأسه مُبدِيًا رضاه عن إجابة “جيهان”.
ثم، وقبل أن يغادر “جيهان”، طرح “مينغوك” سؤالًا آخر بهدوء:
“ومتى سيُعقد اجتماع المساهمين؟”
***
كنتُ جالسة في الاستوديو استعدادًا لبثّ البرنامج الإذاعي الذي سيبدأ في التاسعة صباحًا.
قلّبتُ نصّ الأخبار الموضوع أمامي، ثم وضعته على الطاولة.
“يجب أن أراجع التعليق، لكن لا أستطيع التركيز.”
أفكار الليلة الماضية كانت تدور في رأسي بلا توقف، مما أفقدني التركيز.
وفي النهاية، صرفتُ نظري عن نصّ أخبار الراديو الذي كنت أحدّق فيه.
الأحاديث التي دارت بيني وبين “جايها” طوال الليل، والتي أربكت أفكاري، عادت لتملأ ذهني من جديد.
“حالياً، هناك نقاش حول توسيع نشاط جديد داخل شركة “هوجين”.”
“إنه مشروع ضخم يشرف عليه “سوجيهان” بنفسه.”
حين علمتُ بأن المشروع مرتبط بشركة “إنتيك”، لم أتمكن من التوقف عن التفكير فيه حتى بعد عودتي إلى المنزل.
بدأت أُعيد ترتيب ذكرياتي الغامضة عن بعض الحوادث التي أذكرها بشكل غير واضح.
وأثناء مراجعة ما جمعته من معلومات، استمرت تلك الأفكار المقلقة تراودني حتى قبيل البثّ.
“هل يعقل أنهم ينفذون المشروع الآن…؟”
فتحت عيناي على اتساعهما.
“المشروع الذي يتولّاه “سوجيهان” شخصيًا…”
كل ما أعرفه عن الإدارة هو ما تعلّمته في الجامعة، أو ما شاهدته من خلال جدي الذي كان يدير شركة.
حتى وإن كنتُ مذيعة لم أتلقَ تدريبًا كوريثة، فإنني كنت واثقة من أمر واحد:
“شركة إنتيك هي المفتاح.”
لقد تزعزعت المجموعة سابقًا بسبب استثمار في الماضي…
فإذا استحوذ “جايها” على “إنتيك”، ستنهار مجموعة “هوجين” لا محالة.
بل وربما، اعتمادًا على ما سيحدث لاحقًا، قد يُسحب الزناد بأسرع مما توقعت.
“يبدو أنني أمسكتُ بطرف خيط الانتقام هذا…”
نقرتُ بطرف القلم المغلق على النصّ أمامي، ثم التقطت الهاتف الموضوع بجانبي.
وبعد لحظة قصيرة من التردد، ضغطت الرقم المألوف.
“أحتاج إلى طلب صغير منك.”
.
.
.
مرّت الفترة الصباحية بسرعة بفضل البرامج الإذاعية المتتالية.
وبعد إنهاء أخبار الراديو بعد الظهر، عدت إلى المكتب.
لكن ما إن دخلت حتى لاحظت أن أجواء المكتب لم تكن طبيعية، بل كانت صاخبة على غير العادة.
“إذاً، ما هو الجدول الزمني القادم؟”
“سيستقبلون الطلبات حتى نهاية هذا الأسبوع، وسيُجري اختبار الكاميرا خلال الأسبوع المقبل هل ستقدمين؟”
“أفكر بالأمر، فهو حلم يسعى إليه الجميع، أليس كذلك؟ لكن لا أثق بأنني سأجتاز الاختبار…”
“صحيح.”
شعرتُ للحظة أن الأنظار قد اتجهت نحوي عندما دخلت، لكنها ما لبثت أن عادت لتتفرّق وسط الأحاديث الصاخبة.
كان كل شخص منشغلاً بالتحدث عن أمرٍ ما في مجموعات صغيرة.
“ما الذي يتحدثون عنه؟”
لم أرَ المكتب بهذا القدر من الضجة من قبل.
وعندما جلست في مكاني، اقترب مني “يونغ جون” سنباي ووجّه إليّ الكلام وهو يلف كرسيه نحوي.
“يون، ستتقدّمين، صحيح؟ أقصد الإعلان الذي ظهر الآن على لوحة الإعلانات.”
“… أي إعلان؟”
ما هو نوع الإعلان الذي جعلهم جميعًا يتجمعون أمام الشاشات بهذه الطريقة؟
“ماذا؟ لا تعلمين؟”
بدا عليه الذهول من سؤالي، وأشار إلى شاشته.
“إنه إعلان عن اختبار لاختيار المذيع الرئيسي لنشرة التاسعة.”
وأراني الإعلان الذي نُشر في لوحة الإعلانات الداخلية.
لا عجب إذاً…
يبدو أن سبب هذه الضجة في قسم البرمجة، الذي كان عادةً هادئًا، هو التقييم لاختيار المذيع الرئيسي.
“الجميع متحمسون بسببه.”
“آه، أعلم بشأن إقامة الاختبار.”
رفعت رأسي عندما سمعتُ الحديث الدائر خلف القسم المقابل، حيث كان صوت الحديث يتسرّب بوضوح.
“سورين، ستتقدمين أيضًا، صحيح؟”
“نعم، سأجرّب إنها فرصة رائعة.”
يبدو أنها كانت متحمسة أكثر من المعتاد، ربما لأن الفرصة كانت ثمينة ونادرة.
لم يكن هناك أي متطلبات خاصة لهذا الاختبار الداخلي لاختيار المذيع كان بإمكان الجميع التقدّم.
وربما لأني كنت أعلم أن “جيهان” هو من غيّر القواعد لصالح “سورين”، شعرت بمرارة في فمي.
“لكن، لماذا تغيّرت القواعد؟ قالوا في البداية إنه سيكون تقييمًا داخليًا غير معلن، ثم فجأة قرروا إجراء اختبار… يبدو الأمر غريبًا.”
تلاقَت نظراتنا، أنا و”سورين”، وهي جالسة تتحدث مع أصدقائها عن التقييم العلني.
ثم سمعتُ مجددًا صوت “يونغ جون” المتحمّس، فحوّلت نظري عنه.
“ستتقدّمين، أليس كذلك؟ هيا، افعليها.”
كان يحدّق بي بنظرة مُلحّة.
رغم أنه هو من يقدّم أخبار التاسعة حاليًا، لا أعلم لماذا كان متحمّسًا إلى هذه الدرجة.
كنت أُشغّل الحاسوب وأضع النص المُذاع جانبًا، حين واصل سؤاله بإصرار.
“جرّبي التقديم، على الأقل.”
“يبدو أنك المتحمّس أكثر منّي، سنباي.”
لم أعرف السبب، لكن وجهه كان يفيض بالبهجة.
“هل تحب أن نعمل معًا؟”
“طبعًا كنت أشعر بالراحة حين أعمل معك لا أريد العمل تحت إشراف أحد الكبار.”
لم أستغرب ابتسمتُ ابتسامة صغيرة لتلك الكلمات الصادقة والمباشرة منه.
فذكريات تقديمنا للأخبار معًا لسنوات طويلة قبل أن أستقيل من عمل المذيعة لا تزال حيّة في ذهني.
“نعم، حتى أنا كنتُ أفضّل العمل معه.”
كان شريكًا جيدًا، يهتم بالانسجام أكثر من إبرازه لنفسه.
ابتسمتُ له بهدوء وأجبته:
“قدّمتُ الطلب بالفعل.”
“حقًا؟! أحسنتِ.”
بمجرد قولي ذلك، خيّم الصمت على المكتب، كأنما صُبّ عليه ماء بارد.
ويبدو أن “سورين” سمعت حديثنا، إذ وقفت فجأة من مكانها.
“أوني… هل تنوين التقدّم للاختبار؟”
حتى الأجواء المبهجة التي كانت تحيط بها من زملائنا الأصغر سنًا تلاشت فجأة، وحلّ مكانها برود حاد.
كانت النظرات التي توجّهت إليّ حادّة، وكأن شيئًا خطيرًا قد حدث.
“هل كانت تتحدث عني؟”
رسمتُ في ذهني ذلك المشهد المتوقّع، والذي لم يعد مفاجئًا بالنسبة لي.
فشخص مثلها، خانت صديقتها المقربة مع زوجها، لن يصعب عليه فبركة شائعات عني والترويج لها.
نظرتُ إلى “سورين”، التي ما زالت تنتظر إجابتي، وأجبتها ببرود:
“نعم.”
“لكن، لم يمرّ وقت طويل منذ عودتكِ إلى الراديو هل يُسمح لكِ بالمشاركة؟”
بدت وكأنها مصدومة من الخبر، حتى عضّت على شفتيها بقوة.
“قالوا إنه لا بأس ثم إن الإعلان واضح: يمكن للجميع التقديم.”
“حسنًا… تهانينا.”
قالتها وهي تبتسم ابتسامة مصطنعة، وكأنها لا تجد شيئًا آخر تقوله.
استطعت أن أتخيّل بسهولة ما ستقوله عني لاحقًا، فـ”سورين” كانت غارقة في عقدها الداخلية.
“أليس كذلك؟ سيكون من الرائع أن نقدم الأخبار معًا من جديد.”
“…”
كلمة “كما في السابق”، التي شدّدتُ عليها، جعلت وجه “سورين” يزداد كآبة.
نظرتُ إليها مطولًا، ثم أدرتُ جسدي وتقدّمت نحو جدول توزيع الأخبار المعلّق قرب الباب.
كانت نظراتها الحادّة تلاحقني مع كل خطوة أخطوها، لكنني لم أُعرها اهتمامًا.
مسحتُ اسمي من جدول برامج إذاعة الأخبار ليوم “الجمعة”.
“آه؟ يوجينا، هل ستأخذين إجازة غدًا؟”
سألني “يونغ جون” السنباي بعدما كان على وشك مغادرة غرفة المذيعين، لكنه توقف حين لاحظ تغيّر الجدول.
“نعم.”
“ما الأمر؟ من النادر أن تأخذي إجازة إذا كان لديك بث، ما الذي حصل يا يون ؟”
كما قال، لم أكن معتادة على أخذ إجازة حين يكون لديّ بث.
حتى “سورين” كانت تحدّق بي بوجهٍ عابس، متفاجئة من إجازتي المفاجئة.
لكن سرعان ما تغيّر تعبير وجهها تدريجيًا، وكأنها بدأت تدرك مغزى هذه الإجازة.
“أجل، لديّ أمر شخصي.”
وكان أمرًا شخصيًا سيغيّر مجرى حياتي بأكملها.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 14"