نهض جايها من مكانه بسرعة، بخلاف قلقي أنا، وأمسك بيدي المترددة وساعدني على الوقوف.
“هل من المقبول حقًا أن نغادر؟”
همست له بصوت منخفض لا يسمعه سوانا.
كنت قلقة من أن نُثقل على الجدّين.
“لا تقلقي، الأمر بخير.”
كان واثقًا، لا يظهر عليه أي تردد.
ثم لوّح بيده وهو ممسك بيدي، موجّهًا حديثه إلى الجدّين
“بفضلكما، سأقضي وقتًا هادئًا مع يوجين شكرًا لكما، جدي، أبي.”
“لا شكر على واجب.”
ثم نادى على هاجون الذي كان يركض في الخارج.
“يا بني! والدتك وأباك سيذهبان الآن.”
“حسنًا! إلى اللقاء!”
“قبلة للأب.”
حين سمع كلمة قبلة عاد هاجون راكضًا وترك قبلة صغيرة على خد جايها
ثم أشار جايها نحوي وقال
“ولا تنسَ أمك.”
اقترب هاجون مني وأهداني قبلة أيضًا.
“أمي، أبي، أراكما يوم الأحد!”
ولوّح لنا مودعًا.
متى كبر هذا الصغير ليقضي ليلة وحده من دون والدَيه؟
ربما سيبدأ قريبًا في قضاء المزيد من الوقت بنفسه، بعيدًا عن أحضاننا.
هذا هو المسار الطبيعي، لكن رغم ذلك، شعرت بمزيج من الفخر والحزن الخفيف.
“عليّ أن أفكر بإيجابية.”
خرجنا من القصر، وركبنا السيارة كان قد مر وقت طويل منذ أن حظينا بوقت خاص بنا كزوجين.
جلستُ أحدق في الخارج شاردة، وكأن لا وجهة لنا، ثم سألت
“إلى أين سنذهب الآن؟”
“بما أن هذه فرصة نادرة لنا، كنت أفكر في أن نذهب إلى ذاك المكان، ما رأيكِ؟”
حقًا، مر وقت طويل منذ أن زرناه آخر مرة…
“همم… فكرة جميلة.”
ابتسم جايها وظهرت في عينيه تلك الانحناءة الجميلة، وكأنه يرد على ابتسامتي بابتسامة أجمل.
***
الفيلا التي زرناها بعد طول غياب… دخل جايها ليستحم، وفور دخوله عادت السكينة إلى غرفة النوم.
فتحتُ النافذة الكبيرة، فداعب أنفي عبير منعش، وكأن الشتاء بدأ يطرق الأبواب بخفة.
نهاية فصل الخريف، وها هو الفصل الثالث من السنة يوشك أن يطوي صفحته.
وقفت أحدق في السماء الليلية الممتدة خارج الفيلا، غارقة في التفكير.
“لماذا يمضي الوقت بهذه السرعة؟”
منذ أن صدمتني السيارة أمام محكمة الأسرة، ثم استيقظت في قاعة الزفاف… منذ تلك اللحظة، توقف زمني عند يوم طلاقي من جيهان
حتى انتهت رحلة الانتقام، لم أشعر بمرور الأيام.
كان الزمن يبدو بطيئًا وثقيلاً، لكنه تسارع فجأة بعد أن وضعت نهاية لانتقامي، وجاء هاجون إلى حياتي.
وكأن الوقت الذي توقف قد عاد ومعه فوائد التأخير… أخذ يجري بوتيرة متسارعة أكثر من المعتاد.
ومضت ست سنوات على ذلك النحو.
“أمي، هل تعتقدين أن مانغتو سيكبر ويصبح مثل النمر؟ ماذا لو أصبح أكبر مني ولم يعد يريد اللعب معي؟”
ظل هذا السؤال الذي طرحه هاجون في النهار يدور في ذهني.
كنتُ قد فكّرت بالفعل أن مانغتو الذي يكبر بسرعة يشبه هاجون كثيرًا.
وحين سمعت كلماته، شعرت بمشاعر متداخلة يصعب وصفها.
عندما بدأ هاجون بالذهاب إلى الحضانة، عدتُ أنا إلى عملي كمقدمة أخبار.
ومع انشغالي بالعمل، كنتُ ألحظ كم يكبر هاجون في كل مرة أراه.
ربما، كما هو مهم أن أعيش حياتي، من المهم أيضًا أن أشهد مراحل نمو طفلي.
“هاه…”
أشعر أن هناك صراعًا مستمرًا بداخلي بين يون يوجين الأم، و يون يوجين المذيعة.
كلما تعمّقت في التفكير، لم أجد إجابة واضحة، ولم يزدني إلا تنهيدًا.
“ما هذا التنهيد؟ هل هناك ما يشغلك؟”
لم ألحظ متى اقترب جايها، لكنه أحاطني بذراعيه فجأة.
كانت رائحته عبقة بصابون استحمامٍ حلوٍ، يبدو أنه للتو خرج من الحمّام.
“ههه… هل استخدمتَ صابون هاجون؟”
كان ذلك الصابون قد تُرك هنا منذ زيارتنا الأخيرة للفيلا كعائلة.
“آه، كان له؟ كنت أظنه عطِرًا أكثر من اللازم… الآن فهمت السبب.”
ضحكت وأنا أراقبه يشم ذراعه بتعجب.
“يوجين، أخبريني… ما الذي يشغل بالك؟”
ظننت أن الأجواء اللطيفة أنسته تنهيدتي، لكنه أحاط خصري بذراعيه وجذبني إليه أكثر أصبحت أجسادنا متلاصقة دون أي فراغ.
“لن تتركني حتى أقول، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
“حسنًا، الأمر هو…”
كنتُ أتردد، لا أعرف كيف أبدأ.
“أشعر أحيانًا أنني أمّ أنانية هل يشعر هاجون بالوحدة بسببي؟ عملي كمذيعة يستوجب البقاء حتى وقت متأخر من الليل والأم التي يجب أن تكون بجانبه، دائمًا تكون محصورة في شاشة التلفاز.”
“……”
“حتى رغبته في تربية حيوان أليف… حين رأيته ينسجم مع مانغتو ، تساءلت إن كنت قد اتخذت قرارات خاطئة.”
نظر إليّ جايها مطولًا، ثم أومأ برأسه.
“هذا أمر معقد فعلًا.”
“……”
“صحيح أن دور الأم مهم، لكن لا أحد يتوقع منكِ أن تضحي بنفسك بلا حدود حتى هاجون لن يرغب في ذلك وأنا، سأدعم كل خيار تتخذينه.”
هذا القلق رافقني منذ عودتي للعمل، لكن حين شاركته مع جايها، شعرت أن ثقلًا قد أزيح عن صدري.
“لذا فكرت في خيارَين.”
“اثنان؟”
اتسعت عيناه دهشة حين سمع أنني أعددت خيارين.
“الأول، أن أطلب نقل برنامجي الإخباري ليُعرض في عطلة نهاية الأسبوع.”
“حقًا؟ ومتى؟”
“تحدثتُ إلى مدير القسم، لم يُحدد الموعد بعد، لكن…”
رغم أنه قبل لحظات قال إنه سيحترم قراري، إلا أن ملامحه أضاءت بالفرح دون أن يستطيع إخفاء ذلك.
كنت أفكر في هاجون حين فكرت بنقل البرنامج، لكنني كنتُ أراعي جايها أيضًا، الذي يتحمل الكثير وحده.
“تبدو سعيدًا جدًا، أليس كذلك؟”
“هل هذا ظاهر جدًا؟”
كان لا يستطيع التوقف عن الابتسام، وكأن فمه يأبى أن يغلق.
“جداً في الحقيقة، هاجون مجرّد حجة، أليس كذلك؟ يبدو أنك كنتَ تتمنى ذلك أكثر مني.”
“هه… صحيح كنت أريد زوجتي أن تعود لي، لا أن تبقى ملكًا للأخبار.”
حقًا، لا يمكن مقاومته.
بينما كان مستمتعًا بخياري الأول، سألني بحماس
“وما الخيار الثاني؟”
“أظن أنك ستحبه أكثر.”
“أنا؟ إذًا أنا متحمس جدًا الآن.”
رأيت في عينيه لمعة انتظار وفضول، كما لو أن طفلًا ينتظر مفاجأة.
هذا الخيار، كنتُ أفكر فيه منذ وقت أطول من الأول.
“ما رأيك أن ننجب طفلًا ثانيًا؟”
تجمّد جايها ، وبدت عليه الصدمة.
“أ… أنتِ جادّة؟”
ابتعد عني قليلًا وكأنه لا يصدق ما سمعه، وأعاد سؤاله وكأنه يطلب تأكيدًا.
هل فكرة إنجاب طفل ثانٍ مفاجئة إلى هذا الحد؟
ربما… فبعد ست سنوات من دون أي تخطيط لذلك، ومع صعوبة تربية هاجون، من الطبيعي أن يُفاجأ.
“هل لا ترغب بذلك؟ بإمكاني تعديل جدولي، وإذا نظمنا وقتنا جيدًا، يمكننا…”
“لا، لا، بالعكس! هذا هو الخيار الذي أحببته أكثر ليس الأمر أنني لا أريده.”
قبل أن أُكمل، سحبني برفق حتى سقطنا على السرير.
أحاطني بجسده، كأنه لا يريدني أن أهرب، ثم اقترب من وجهي وقال
“لا تتراجعي عن هذا القرار.”
“أنت أيضًا، لا تتراجع.”
في نظراتنا المتشابكة، لم يعد للكلمات مكان.
قبلة طويلة تلتها دفء تسلل إلى قلبي.
بعد حياةٍ أخرى مرّت، أدركت الآن… أن رغبتي بالكمال كانت تنهش قلبي دون أن أشعر.
لكن حتى إن لم أكن مثالية، فوجودك بجانبي يكفيني.
معك… ومع هاجون ، أنا حقًا… سعيدة.
النهاية
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 127"