آه، هذا يجعلني أشعر بالحزن الشديد.
حين رأيت جايها يضحك بمكر، لم أتمالك نفسي وخرجت شفتاي بشكل عفوي إلى الأمام في دلالة على الاستياء.
“هل أنتِ مستاءة؟”
كان جايها منهمكًا في ممازحتي، لكنه أدرك أخيرًا شعوري.
(لو أنه فقط يتوقف عندما يعرف أنني متضايقة).
“لا أعلم ، سأنام.”
استدرت مبتعدة عنه بعنف، وكنت على وشك مغادرة الشرفة.
لكن في تلك اللحظة، ودون أي إنذار، أحاطتني ذراعا جايها من الخلف، تضمّان خصري.
كان يحتضنني بقوة، مانعًا إيّاي من الحراك.
“يوجين…”
ناداني بصوت رقيق لا يمكن وصفه، كان عذبًا يلفّ أذني، وقد أذاب نصف حزني في لحظة.
لكنني تعمّدت أن أبدو أكثر برودًا في ملامحي.
في الحقيقة، مجرد رؤيتي لهذا الوجه كانت كفيلة بإخماد نيران الغضب المتأججة في داخلي.
لم يتغيّر جايها كثيرًا عمّا كان عليه قبل ولادة هاجون بدا وكأن الزمن قد تجاهله وحده.
“لماذا؟”
أجبت بصوت خافت يحمل نبرة ضيق، متعمدة إظهار استيائي.
نظر إليّ مطوّلًا، ثم أطلق ضحكة خافتة.
“لا ينبغي أن تكوني لطيفة بهذا الشكل… يجعلني أرغب في الكلام أكثر.”
والخلاصة؟ لن يخبرني بالسر.
كنت أظن أنه سيتكلم إن تصرفت وكأنني منزعجة حقًا، لكنه بقي صامتًا.
يبدو أن هناك رابط قوي بينه وبين هاجون جعلهما يحتفظان بسرّهما بإحكام.
والحق أنني كنت أتظاهر بالزعل فقط، منذ أن لاحظت بريقًا مرحًا في عينيه.
رغم مشاعري المختلطة، لم يسعني إلا أن أشعر بالرضا حين أرى العلاقة الوثيقة بين الأب وابنه.
“حسنًا، حافظا على صداقتكما، يا رجال آل سو”
وحين فكرت في الأمر، لم أكن قد تظاهرت بالزعل أمام جايها من قبل.
لذلك تعمدت أن أكون ماكرة أكثر هذه المرة، فقط لأرى كيف سيتصرف حين أبدو مستاءة.
“السيدة يون ذاهبة للنوم الآن فلتنم الليلة في غرفة هاجون.”
يبدو أن فكرة الطرد من غرفة النوم قد راودته، إذ شدّ ذراعيه حولي بقوة أكبر.
“لا أريد ذلك أحب النوم بجانب السيدة يون أكثر.”
هل هو من النوع الذي يسبب الألم ثم يمنح الدواء؟
لكن حين رأيت ابتسامته الواسعة، عرفت أنه قد أدرك أنني أعبث أنا أيضًا.
“إن واصلت المزاح، سأرسلك فعلًا إلى غرفة هاجون.”
“بدلًا من ذلك… ما رأيك أن نصنع نحن أيضًا سرًا خاصًا بنا؟”
سرّ؟… يا له من رجل لا يتغير.
وفي النهاية، لم أتمالك نفسي وانفجرت بالضحك وأنا أنظر إليه.
***
منذ الصباح، اصطحب جايها هاجون الذي كان يرفض الذهاب إلى الروضة بإلحاح، وتوجها معًا إلى قاعة المعرض.
كانت رحلة تعلم ميدانية غير مخطط لها، عُثر عليها على عجل، وتبيّن أنها معرضٌ تفاعلي.
معرض يُقام في ظلام دامس لمدة مئة دقيقة، يُطلب من الزوّار خلاله استخدام حواسهم الأخرى باستثناء البصر.
رغم أن الوقت تجاوز الساعة، فإن هاجون فاجأ والده بانضباطه ومشاركته الجيدة.
حتى أن جايها فكّر أن مثل هذه الأنشطة قد تكون خيارًا جيدًا بين الحين والآخر.
عند نهاية التجربة، اجتمع الحضور للجلوس معًا وتبادل الحديث.
وفي تلك اللحظة، توجّه المنسّق بسؤال إلى هاجون
“هاجون، في مثل هذا الوقت، ينبغي أن يكون الأطفال في الروضة، أليس كذلك؟ ما الذي جاء بك إلى المعرض؟”
تردد هاجون في الإجابة.
لم يستطع أن يقول: “تشاجرت مع صديقي.”
فاكتفى بقول “مجرد… هكذا.”
وأسقط نهاية جملته ليتجاوز السؤال، لكن جايها الذي كان يعلم السبب، كتم ضحكة خفيفة.
(إن كان سيشعر بالحرج هكذا، فلماذا تشاجر مع جيو من الأساس؟)
خرج الاثنان من قاعة المعرض، وسارا معًا بمحاذاة سور حجري قديم.
بدا أن أثر المعرض لا يزال قويًا في نفس هاجون، إذ سار صامتًا وهو يمسك بيد والده.
نظر إليه جايها وسأله بصوت خافت
“بني، هل ستذهب إلى الروضة غدًا؟”
تحرّكت شفتا هاجون بتردد، قبل أن يجيب أخيرًا
“…نعم.”
جاء صوته خافتًا كهمسة نملة تمشي.
“اذهب واعتذر لـجيو عندما تقول له إنك آسف، سيُقدّر ذلك ويفهمك.”
لكن ما إن طلب منه والده أن يبادر بالصلح حتى توقّف هاجون فجأة في منتصف الطريق.
“لا أريد الاعتذار جيو هو من بدأ.”
“…”
“قال إن بيتنا ممل إن بيوت باقي الأصدقاء فيها أشياء ممتعة، أما نحن فلا نملك كلبًا، ولا قطة، ولا حتى ألعابًا مسلية.”
وبمجرد أن بدأ هاجون الحديث، لم يتوقف.
رغم أنه حدّث يوجين وكأنه يعرف سرًا خطيرًا، فإن جايها لم يكن يعرف السبب الحقيقي أيضًا.
وكل ما وصله من معلمة الروضة أن هاجون دفع جيو أثناء اللعب، ما تسبب في خدش بسيط في ركبته.
“لكن كونك دفعت جيو يبقى خطأ، ويجب أن تعتذر عنه.”
أجاب هاجون بعد تردد طويل
“لكنه سخر مني… قال إن وجود أبي في المنزل شيء غريب.”
ارتسم خط رفيع في جبين جايها من القلق.
لم يتوقّع أن يكون هو السبب في شجار ابنه مع صديقه المقرّب.
“حقًا؟ قال إن وجود أبيك في البيت غريب؟”
“…”
“هل أخبرتهم أنني في إجازة أبوة؟”
كان قد أخبر يوجين ذات مرة أنه يرغب في أخذ إجازة لرعاية الطفل.
لكنه لم يتمكن من ذلك في حينه بسبب ظروف دمج الشركة أما الآن، فقد أصبحت الأمور أكثر استقرارًا.
ومع أن من الصعب أخذ إجازة طويلة، إلا أن جايها أصبح يعمل من المنزل لعدة أيام في الأسبوع.
ولهذا السبب، أصبح هو من يتولى توصيل هاجون وإحضاره من الروضة.
“الأطفال لا يفهمون هذه الأشياء.”
هزّ هاجون رأسه بيأس، فربّت جايها على رأسه بحنان.
وأخيرًا، فهم سبب تصرفات ابنه العنيدة مؤخراً.
“إذًا، لهذا السبب طلبت بالأمس أن نربي كلبًا؟”
بعد شجار الأمس، كان هاجون حزينًا طوال الطريق إلى المنزل، ثم فجأة سأله إن كان بإمكانهم تربية حيوان أليف.
وبما أنه التحق بالروضة متأخرًا، لم يكن لديه الكثير من الأصدقاء و جيو كان صديقه الوحيد المقرّب.
أن يقول له جيو إن بيته ممل، لا بد أنه ترك أثرًا عميقًا في نفسه.
فأراد أن يملك شيئًا يحبه جيو، مثل حيوان أليف لطيف.
“لكن كما قلت لك البارحة، لا يمكننا تربية حيوان إلا إذا كنت مستعدًا أن تحبه وتعتني به تمامًا.”
“…”
“أن تحبه شيء، وأن تتحمّل مسؤوليته شيء آخر.”
هزّ هاجون رأسه إشارة إلى فهمه لكلام والده.
رؤية الحزن على وجه ابنه لم تكن سهلة على جايها
هو ويوجين فعلا ما بوسعهما، ومع ذلك يبدو أن شعور هاجون بالوحدة كطفل وحيد لا يزال قائمًا.
“إذًا،…؟”
“ماذا؟ لم أسمعك.”
تمتم هاجون بشيء لم يصل إلى جايها بسبب فارق الطول، فانخفض الأخير على ركبتيه لينظر في عينيه مباشرة.
“ماذا عن أخ؟”
“أخ؟”
رمش جايها بعينيه، متفاجئًا من الكلمة التي خرجت من فم ابنه.
“هل تود أن يكون لك أخ أو أخت؟”
“نعم!”
أجاب هاجون بحماسة، خلافًا لما كان عليه من قبل، فابتسم جايها تلقائيًا.
رغبة كهذه تستدعي تجاوز عقبات ليست سهلة…
“هممم، هكذا إذن؟”
ضاقت عينا جايها بتسلية وهو ينظر إلى ابنه.
كان هاجون يحدّق إليه بعينين لامعتين، كأنه ينتظر الإذن منه.
“بني، لكي يكون لك أخ أو أخت، نحتاج إلى تعاونك.”
لا مزيد من العناد عند الذهاب إلى الروضة.
ولا أن تستيقظ ليلاً وتقتحم غرفة النوم الخاصة بالوالدين.
ومع استمرار تعليمات جايها بدأ وجه هاجون يضيء شيئًا فشيئًا.
“هل تستطيع ذلك؟”
“نعم!”
جاءت الإجابة قوية، وكأنها كانت تنتظر لحظة الإعلان.
“حقًا؟ إذًا، لنبدأ بخطة (أ)!”
“خطة؟ ما هذه؟”
وهكذا، وُلد أول سر بين هذين الرجلين الصغير والكبير.
***
في اللحظة التي كنتُ أنهي فيها نشرة الأخبار وأجمع الأوراق المتناثرة من حولي، اقترب مني أحد أفراد فريق الأخبار وتحدث إليّ
“سيدتي المذيعة، هناك من جاء لزيارتك.”
“زيارة؟”
هل يوجد من يأتي لزيارتي أثناء تقديم نشرة الأخبار المسائية؟
بينما كنت أبحث في الردهة عمّن ينتظرني، لمحت شخصين يتحدثان معًا على مقربة.
“أوه، إنه أنتما.”
كانا جايها وهاجون
في الحقيقة، من غير هذين الشخصين، من عساه يأتي إلى محطة البث في هذا الوقت من أجلي؟
كان الاثنان مندمجين في حديثهما، حتى إنهما لم يلحظا اقترابي.
لكن هاجون لاحظني أولاً قبل جايها وركض نحوي
“أمي!”
“هاجون، أتيت لأنك اشتقت لي؟”
“نعم.”
لم يتردد لحظة في جوابه، وكأن الشوق كان واضحًا على محياه.
وبينما كنتُ أنظر إليه بعين مملوءة بالحب، توجهت بسؤالي إلى جايها الذي كان قد اقترب
“سمعت أنك ذهبت اليوم إلى المعرض ألم يكن مرهقًا؟”
كان هاجون قد رفض الذهاب إلى الروضة صباحًا ورفض النوم أيضًا.
ويبدو أنه في النهاية حصل على ما يريد وذهب مع جايها إلى رحلة تعليمية بدلًا من الروضة.
“نعم، كان محتوى المعرض رائعًا يقول إنه يريد أن يذهب معكِ المرة القادمة.”
“حقًا؟ إذًا، لنذهب جميعًا في المرة القادمة.”
كان معرضًا لتجربة شيء جديد، وقد كنتُ بالفعل أتساءل عنه بعدما أرسل لي جايها بعض الصور.
بفضل قدومهما لاستقبالي، أصبح طريق العودة من العمل، الذي كان سيكون كئيبًا لولا ذلك، مليئًا بالبهجة.
“أبي بدأ يشك بالأمر في منتصف الطريق أما أنا، فلم أكتشف شيئًا حتى النهاية.”
“شش، هاجون، لا تخبرها بكل شيء، المفاجأة تكون أجمل إن بقيت سرًا.”
يبدو أنهما استمتعا كثيرًا.
جايها ابتسم وهو يمنع هاجون من الكشف عن كل شيء.
“صحيح! هيهي، لا بد أن تبقى مفاجأة لأمي!”
يبدو أنهما أصبحا مقربين جدًا، وأنا أنظر إليهما يتبادلان الحديث بسعادة.
وفي السيارة، لم يتوقف الحديث بيننا، والجو مليء بالدفء والضحكات.
وبينما كنت أستمتع بهذا المشهد، سمعت صوت جايها يسألني
“صحيح، يوجين، هاجون يريد قضاء عطلة نهاية الأسبوع في منزل بيونغتشانغ “
عطلة نهاية الأسبوع؟ أي غدًا؟
“وماذا عن مدينة الألعاب؟ كنتُ أنوي اصطحاب هاجون إليها.”
كنا قد خططنا كعائلة لزيارة مدينة الألعاب في عطلة نهاية الأسبوع، تحقيقًا لحلم هاجون الذي طالما أراد رؤية السفاري.
“مـ… مدينة الألعاب؟”
هل تحدثا عن شيء من دون علمي؟
هاجون نظر إلى جايها وكأنه يسأله عما حدث.
ويبدو أن جايها نسي حديثنا تمامًا، فتنهد قليلًا وقال
“آه، صحيح كنت قد نسيت تمامًا.”
من الواضح أن جايها كان مشغولًا مؤخرًا، يوازن بين العمل ورعاية هاجون.
“أخبرته مسبقًا ؟”
“نعم، أخبرته بأننا سنذهب وحتى إن السيدة هناك بدأت بتحضير وليمة كبيرة.”
رأيت ملامح الارتباك على وجهه وهو يقود السيارة.
ما دام الأمر تم الترتيب له بالفعل، فلا بأس يمكننا الذهاب إلى مدينة الألعاب الأسبوع المقبل.
“هاجون، ماذا تريد أن تفعل؟ إذا ذهبنا إلى مدينة الألعاب غدًا، قد يحزن الجد والجد الأكبر.”
“أمممم.”
جلس هاجون في المقعد الخلفي يفكر قليلاً، ثم فجأة أطل برأسه إلى الأمام.
“أريد أن أذهب إلى مدينة الألعاب بشدة…”
“……”
“لكن غدًا، سأذهب لرؤية جدي وجدي الأكبر!”
من يشبه هذا الطفل الذكي والحاسم؟
رؤية ابتسامته الواسعة جعلتني أبتسم تلقائيًا أيضًا.
“حسنًا، سنذهب إلى بيت الجد غدًا.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 126"