قادني جايها إلى الطابق الثاني، قائلاً إنه يريد أن يُريني شيئًا.
“جايها.”
ناديتُه بصوت مفاجئ وأنا أتوقف عند باب الغرفة.
فالغرفة أمامنا لم تكن سوى تلك التي كانت والدته تستخدمها، أليس من المفترض أنه لا يمكن لأحد الدخول إليها بسبب آثار والدته؟
“افتحي، إنها مفتوحة.”
ابتسم جايها عند رؤيتي متفاجئة وأشار إلى مقبض الباب.
عندما أدرّت المقبض ببطء، انبعث صوت صدأ قديم وفتحت الباب.
وكانت أشعة الشمس تتدفق عبر نافذة كبيرة، فيما تتراقص الستائر الرقيقة مع نسيم الجبال الخارج من الخارج.
“هل يمكنني الدخول؟ هنا….”
“هذه مساحة عمل والدتي لا بأس فتحتها لأني أردت أن أريك شيئًا.”
في المرة السابقة التي جئت فيها، لم يُرني هذا المكان أيضًا.
ما الذي أراد جايها أن يُريني حتى غيّر عزمه الذي دام طويلًا؟
كان هناك حاملان للرسوم، وجدار واحد مغطى بالكامل بلوحات كبيرة.
ويبدو أنها ما تزال على حالها كما كانت عندما كانت والدته تستخدمها.
“هل انتهيتِ من التجول؟”
اقترب مني جايها وهو يضمّني من الخلف بينما كنت أتفقد المكان.
وأومأت له برأسي تجاهه.
“ما الذي تريد أن تُريني إياه؟”
قادني إلى الرفوف أمامه.
وعندما حولت بصري نحو الرفوف التي أشار إليها، وقعت عيناي على الأطر.
“واو، إنه أشبه بمكتبة صغيرة للطفولة.”
كانت الأطر مصطفة بشكل مرتب، وتحتوي على صور تظهر نمو جايها تدريجيًا منذ خطواته الأولى وحتى شبابه.
“الصور هنا وضعتها والدتي، لذلك توقفت عند مرحلة طفولتي.”
“…….”
“بعد وفاة والدتي، لم أستطع أن أضيف أي صور جديدة لي هنا، لأنني كنت قد أغلقت هذه الغرفة تمامًا لم أكن أملك الشجاعة لمواجهة آثار والدتي في ذلك الوقت.”
في الأطر، بدا جايها في عمر الثالثة عشرة تقريبًا، طفلاً صغيرًا على نحو واضح.
ولكن الآن، لم تعد تلك الصورة الأخيرة تمثل كل شيء؛ فقد بدأ الزمن في هذه الغرفة يتحرك مجددًا
“أظن أن الوقت هنا بدأ يتدفق من جديد.”
على عكس الأطر الباهتة، كانت صورتنا في يوم زفافنا على الجانب الأيمن تتلألأ وتضيء، كأنها وضعت للتو.
ابتسم وهو ينظر إلى والدته في الصورة بابتسامة خفيفة.
“في العام المقبل سأضيف صورة أخرى، صورة عائلتنا.”
“…….”
“سيولد لنا طفل جميل مبارك لكِ، أمي لقد أصبحتِ جدة.”
غمرني شعور دافئ حين سمعت كلمة صورة عائلية ، فلم أتخيل يومًا، عندما اقترحنا التقاط صورة عائلية في سونغبوك-دونغ، أننا سنصبح ثلاثة أفراد فقط.
“أليس كذلك؟”
سألني جايها وهو يبتسم ابتسامة هادئة، تحمل في ملامحه شعورًا بالراحة والطمأنينة.
لقد أصبح الآن شخصًا أكثر قوة وثباتًا مما كان عليه في السابق.
.
.
.
بسبب السهر طوال الليل، يبدو أنني غفوت دون أن أشعر.
وحين فتحت عيني، كان جايها جالسًا على الأريكة بجانب السرير، يحدّق بي بهدوء.
“متى نمتِ؟ هل نمتِ طويلًا؟”
“ليس لوقت طويل… لكن يبدو أنني كنتُ مرهقة.”
“لماذا لم توقظني؟ لا يوجد ما يمكن فعله هنا على أي حال.”
ردّ بدلًا من الكلام بتلويح كتاب بيده.
ومن الواضح أنه قضى وقتًا طويلًا على هذا الحال، إذ إنه قرأ أكثر من نصفه.
“آه…”
كنتُ على وشك أن أعتدل جالسة ببطء، وفجأة، شعرتُ بحرقة في معدتي، تلتها موجة من الغثيان.
أدركت حينها أنني لم آكل شيئًا منذ الصباح، حين غادرنا إلى الفيلا مباشرة بعد الاستيقاظ.
اقترب جايها مني فور أن رآني أضع يدي على فمي.
“ما بكِ فجأة؟ هل تشعرين بألم؟”
“أوه…”
تجهم وجهي من شدة الغثيان وفعلاً، هذا هو الوقت الذي من المفترض أن تبدأ فيه أعراض الوحام.
ربما كنتُ مشدودة الأعصاب طوال طريقنا إلى الفيلا، لذلك تأخر الشعور به حتى الآن.
“لا يمكننا الاستمرار هكذا سنذهب إلى المستشفى حالًا سأتصل بالدكتور كيم ونحن في الطريق.”
أخذ جايها معطفي بسرعة، وبدت عليه العجلة وكأنه سيتصل بالدكتور فورًا وهو يخرج هاتفه بدا جادًا تمامًا.
كنت على وشك إخباره بأن الأمر مجرد وحام، لكنني ناديت عليه أولًا.
“جايها…”
“هل تستطيعين الوقوف؟ لا، سأحملك أنا.”
ربما لأنها المرة الأولى التي أرى فيها جايها بهذا الارتباك، لم أتمالك نفسي من الابتسام.
سحبت هاتفه من يده قبل أن يتصل.
“لا أريد الذهاب إلى المستشفى… هل لديك شيء آكله؟ شيء حلو مثلًا؟”
***
بعد قليل، كان جايها يحدّق بي بدهشة بينما كنت أتناول فطائر السوفليه المغطاة بالفراولة بشهية كبيرة.
كان يراقبني بصمت طويل، يلاحق بعينيه كل قطعة من الفطيرة تختفي في فمي، وحين أنهيتُ كل ما في الطبق دون أن أترك شيئًا، وقف من مكانه وقال
“هيا بنا اتفقنا أننا سنذهب إلى المستشفى بعد أن تأكلي.”
كان مصممًا على العودة إلى سيول فور انتهائي من تناول السوفليه.
حتى حين أخبرته بأنها مجرد أعراض وحام، لم يبدِ أي نية للتراجع.
وفي النهاية، وبسبب إصراره الشديد، عدنا إلى سيول كما أراد.
لكني تمكنت من ثنيه بصعوبة عن التوجه فورًا إلى مستشفى داجين
فما الجدوى من زيارة الدكتور كيم، طالما أنني سأضطر للذهاب إلى قسم النساء والولادة في النهاية؟
لا حاجة لمثل هذه التعقيدات، وأنا أراجع بالفعل مستشفى خاص بي.
بل أنا الأدرى بحالة جسدي في هذه اللحظة.
لم أكن بحاجة إلى أي فحص طبي.
“أريد أن أذهب إلى مكان آخر، لا إلى المستشفى.”
حين سمع أنني أرغب بالذهاب إلى مكان آخر، تقلص حاجباه بتوتر.
عينيه المتصلبتين قالتا بوضوح: لا يمكن ذلك.
“أليس من المفترض أن يُحاكم سورجيـهان قريبًا؟”
كنت قد سمعت بأن موعد محاكمة جيهان والسيدة أوه قد تحدد.
لم أكن أنوي حضور المحاكمة، لكن شعورًا بالثقل لازم قلبي طوال طريق العودة من الرحلة.
لن تكون هناك فرصة لأقابله مجددًا في المستقبل.
ولهذا، فكرت أنه ربما يجب أن أراه مرة واحدة على الأقل.
هناك أشياء أريد أن أقولها له…
جايها استدار نحوي فجأة وهو يقود السيارة، وقد تصلّب وجهه عند سماعه الاسم الذي نطقت به.
“أأنتِ ذاهبة الآن لمقابلة سوجيـهان؟”
وحين أجبته بإيماءة صامتة، لم يكن منه إلا أن أطلق ضحكة خافتة ممزوجة بالخيبة.
***
استسلم جايها في النهاية أمام إصراري، رافعًا يديه علامة الاستسلام.
وأخيرًا، وصلنا إلى مركز الاحتجاز الذي يُحتجز فيه جيهان
يبدو أنه كان قلقًا عليّ، فقد قرر أن يدخل معي إلى المركز، قائلاً إنه سينتظرني خارج غرفة الزيارة.
لكن وجهه بدا عابسًا، وكأنه ما زال غير راضٍ عن قدومي إلى هذا المكان.
“قالوا إن الجد جاء قبل فترة قريبة أيضًا.”
“حقًا؟ رئيس المجلس زاره بنفسه؟”
كانت تلك أول مرة أسمع فيها بهذا الخبر.
أومأ إليّ برأسه على مضض.
“نعم بالرغم من أنه كان يستطيع إبلاغه بقرار العزل عبر المحامي (المحامي جو)، إلا أنه اختار أن يأتي بنفسه.”
“آه…”
كنت قد سمعت مؤخرًا أن نائب الرئيس قد رفع دعوى لإنكار نسب جيهان
وكان وقع خبر زيارة الرئيس للمكان يحمل بين طياته مشاعر معقدة وصلت إليّ أيضًا.
“أظن أن الرئيس كان يعلم منذ وقت طويل أن سو جيهان ليس حفيده الحقيقي.”
“حقًا؟”
توقفت فجأة عن السير باتجاه غرفة الزيارة من شدة الصدمة.
وعندما توقفت فجأة، التفت جايها ناحيتي.
“نعم لم يخبرني بوقت محدد، لكنه أعطاني إيحاءً بذلك.”
كنت أنا من منعه ذات مرة من إبلاغ الرئيس بحقيقة نسب جيهان، خوفًا من أن يتسبب له الخبر بصدمة تؤثر على صحته.
“لكن… إن كان يعرف بالأمر منذ البداية…”
لقد كان خبرًا صادمًا.
هل كان الرئيس يتغاضى عن حقيقة نسب جيهان طوال هذا الوقت وهو يعلم الحقيقة؟
هذا أمر لا يمكن تصديقه، فطباع الرئيس لا تسمح بمثل هذا التساهل مطلقًا.
وبينما كنت غارقة في التفكير، أشار جايها بعينيه نحو غرفة الزيارة التي وصلنا إليها وقال
“ادخلي.”
.
.
.
كانت غرفة الزيارة تمامًا كما أتذكرها.
ولأنها المرة الثانية التي أزورها فيها، لم تبدُ لي غريبة كما في المرة الأولى.
حينها، جلستُ بمواجهة سورين خلف الزجاج… أما الآن، فسيكون هو من يجلس في ذلك المقعد.
لمجرد التفكير في أنني سأرى جيهان بعد قليل، انقبض قلبي.
لكنني حين وصلت وأصبحت في وضع الانتظار، بدأت أتساءل إن كنت قد أخطأت بالمجيء.
فكرة رؤيته محطمًا ومكسورًا كانت تثير في نفسي اضطرابًا شديدًا.
اضطراب؟ … من كان يتخيّل أنني سأشعر بهذا يومًا، وأنا التي استفقت يوم الزفاف لا أرى إلا الانتقام.
حينها، كنتُ غارقة في جنون الانتقام، لم يكن هناك ما يمنعني من فعل أي شيء لرؤية نهاية جيهان
كنتُ أظن أن مشاعر الكراهية له لن تزول حتى مماتي، لكن، ما إن فكّرت أن طفلنا قد يسمع هذه الكراهية، حتى لم أعد أحتمل تلك الأفكار القاتمة.
وهكذا، عقدتُ العزم على أن أضع حدًا لهذه الكراهية المتجذّرة في قلبي.
فطفلي العزيز، الذي لا يكفيه أن أمنحه الأفكار الجميلة، لا يستحق أن يُعلَّم الكراهية أولًا.
كم تغيّرتُ كثيرًا… أن يكون هناك ما هو أهم عندي من الانتقام… لقد أصبحتُ شخصًا لا أعرفه تمامًا، وفجأة، فُتح باب غرفة الزيارة.
خلف الزجاج، كانت عينا جيهان ترتجفان بشدة حين رآني.
يبدو أنه لم يكن يتوقع أبدًا أنني قد آتي إلى هنا.
“تبدو وكأنك تفاجأت من مجيئي.”
لكنه لم يقل كلمة واحدة، وكأنه قرر التزام الصمت الكامل كان يحدّق بي فقط بصمت.
وفي عينيه البنيتين الداكنتين، كانت آلاف المشاعر تتصارع شرارة غضب كانت تشتعل وتنطفئ مرارًا، وكأنها تعكس اضطرابه الشديد.
“هذه ستكون المرة الأخيرة التي نلتقي فيها لن أحضر جلسة المحاكمة.”
لم أعد مهتمة بمعرفة كم سنة سيُحكم عليه بها.
ولم يكن في رؤية السيدة أوه مدمَّرة ما يدعو للراحة أيضًا.
لقد حان وقت إنهاء هذا الحبل المسموم الذي يربطني بهذين الشخصين.
لكن يبدو أن حديثي عن :الأخيرة” استفزه، إذ تغيّرت ملامحه فجأة وأظلم وجهه بشكل واضح.
“…الأخيرة، إذًا.”
كانت تلك أول كلمة ينطق بها جيهان منذ أن دخل غرفة الزيارة.
ورأيتُ كيف أن يده التي أمسكت بالميكروفون كانت ترتجف بشدة.
“…فهل شعرتِ بالراحة حين رأيتني بهذا الحال؟”
“بالراحة؟”
أعدتُ سؤاله وأنا أحدّق فيه من خلف الزجاج لا أعلم…
لا أعرف إن كان ما أشعر به ارتياحًا… أم خواء.
“أجل لقد حصلتِ على كل ما أردتِ أرسلتِ تشاي سورين إلى السجن، وأخرجتِني من شركة هوجين، أما أمي… فقد أصبحتْ أشهر ساحرة شريرة، وأنا… أصبحت وحشًا لا يعرف معنى الرحمة، منبوذًا من الجميع!”
كان صوته مفعمًا بالغضب المكتوم، يفرغ ما راكمه من مشاعر طوال الفترة الماضية.
لقد سقط جيهان من أعلى نقطة كان فيها، إلى مستنقع من الخراب.
ولو لم يكن بيننا هذا الحاجز الزجاجي، لربما اندفع نحوي بجنون.
كانت نظراته نحوي تفيض بالحنق والأسى في آنٍ معًا.
“ولذلك…!”
كان على وشك أن يصرخ بشيء آخر، لكنني قاطعته:
“أحقًا تود أن تعرف؟ لماذا اضطررتُ لفعل كل هذا؟”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 120"