كان داخل قاعة المؤتمرات، التي كُتب عند مدخلها اجتماع طارئ لمجلس الإدارة، يعجّ بالضوضاء.
وكان بعض الأعضاء الذين حضروا ذكرى التأسيس منشغلين بالحديث عمّا حدث في ذلك اليوم.
— “ماذا؟ إذًا، هل سقوط الرئيس كان حادثًا مدبّرًا عمدًا؟”
— “يبدو أن الأمر كذلك يا له من أمر…! بل وقيل أيضًا إن المدير سو جيهان ليس الحفيد البيولوجي للرئيس، هل هذا صحيح؟”
— “نعم، نعم هذا ما يُقال.”
— “يا إلهي…”
تنهدوا بعمق أمام أمر لا يُرى إلا في دراما الصباح.
— “أن تُنكر المعروف الذي قُدّم لك… تسك.”
بينما كان يستمع إلى همسات أعضاء المجلس، أدار جايها رأسه نحو الجدار فرأى أن الساعة تجاوزت الثامنة.
كان مستاءً من امتداد اجتماع مجلس الإدارة بشكل غير ضروري.
فمن الذي سيجرؤ على التصويت ضد قرار إقالة سو جيهان”؟
كان من الواضح كوضوح الشمس أن الاقتراح سيُقر.
وفوق ذلك، وصله من المحامي بارك خبر بأن يوجين ذهبت إلى منزلها الزوجي السابق، ذلك الذي كانت قد عاشت فيه مع جيهان.
ربما بسبب سماعه لهذا الخبر، لم يكن يشتهي سوى إنهاء هذا الجدل العقيم والعودة سريعًا إلى المنزل.
فُتح باب قاعة المؤتمرات التي كانت تضج بالكلمات الحماسية المتبادلة.
وصعد الرئيس الجالس إلى المنصة، ربما لأن فرز الأصوات قد انتهى.
— “شكرًا لصبركم الطويل.”
— “……”
— “نُبلغكم بأنه قد تم إقرار اقتراح إقالة المدير سو جيهان نشكر جهود الحاضرين…”
وبمجرد إقرار الاقتراح كما كان متوقعًا، نهض جايها من مقعده بعنف.
— “جهودكم…”
ظلّ الرئيس يكرّر الجملة ذاتها كما لو كان آلة معطلة.
ولم يكن ذلك وحده، فقد برز عرق صغير في جبهة موچين م بينما انحنى جايها بوجه هادئ كعادته.
— “يبدو أن الأمر قد انتهى، سأنصرف أولًا لدي أمر عاجل.”
— “إلى أين تذهب؟”
تبع صوت موجين خطوات جايها وهو يحاول مغادرة قاعة المؤتمرات.
قالها وهو مستعد لتلقي التوبيخ لاحقًا، غير أن ابتسامة غريبة ارتسمت على شفتي موجين
— “هل هناك مكان مستعجل يمكن الذهاب إليه في مثل هذا الوقت من الليل؟”
كان موجين يسأله بمكر وهو يعلم تمامًا إلى أين ينوي الذهاب.
— “بالطبع، يجب أن أعود إلى المنزل.”
رفع جايها طرف شفتيه مبتسمًا وهو يرد عليه.
— “ما زلت في شهر العسل، كما تعلم.”
وغادر جايها تاركًا خلفه أعضاء المجلس وقد ارتسمت الدهشة على وجوههم.
***
ما إن اجتزتُ المدخل حتى لامس الهواء البارد بشرتي.
كان منزل الزوجية مع جيهان أكثر كآبة من ذي قبل، ربما لأن لا أحد يعيش فيه الآن.
كانت هذه أول مرة أعود فيها منذ أن دخلت إلى منزل جايها وكأنني أهرب منه.
على عكس ما كنت قد عقدت العزم عليه من بيع هذا المنزل في الحال، كان من الصعب عليّ أن أطرح في السوق المنزل الذي أهداني إياه جدي.
كنت أؤجل القرار متذرعةً بإنهاء الأمور العاجلة التي كانت أمامي.
وهكذا مرّ الوقت حتى وصلت إلى هذا اليوم.
كان المنزل يبدو أكثر فراغًا لأنني أخذت أمتعتي حين دخلت إلى بيت جايها
وبينما كنت أُلقي نظرة سريعة على المكان، توجّهتُ بالكلام إلى العم هيونوك الذي اقترب مني.
— “لم يتغير شيء منذ أخرجنا الأمتعة.”
— “بالطبع، فقد طلبتُ منهم الحفاظ على حالة المنزل كما هي قدر الإمكان.”
— “أحسنت صنعًا.”
ربما لأنه كان يدرك ترددي، قام باتخاذ ذلك الإجراء.
ومهما كان هذا المنزل هدية من جدي، فلا يمكنني ترك منزل عشتُ فيه مع جيهان على حاله هكذا.
كان من الصواب أن أُرتب الأمور أعلم ذلك جيدًا، لكن قلبي كان مثقلًا.
— “هل تنوين حقًا بيع المنزل؟ مع أنك كنتِ تكنين له بعض المودة.”
— “نعم أظن أنه من الأفضل أن أنهي الأمر الآن رغم أنني أود الاحتفاظ به من أجل جدي، إلا أنني سأظل منشغلة به دائمًا.”
بالنسبة للآخرين، ربما لا يعدو كونه منزلًا زوجيًا تم اقتناؤه قبل الزواج.
لكن كلما أتيت إلى هنا، ظلت الحياة الزوجية الماضية مع جيهان تلاحقني وتؤرقني.
ذكريات أشبه بالكابوس والأسوأ من ذلك أن جايها بات يعرف ما يعنيه هذا المنزل أيضًا.
لأنه يعرف أنني قضيت فيه وقتًا مع جيهان، فلابد أن الأمر سيشغله أيضًا.
— “حسنًا ما دمتِ ترغبين بذلك، فسأتولى أمر البيع فورًا.”
قال ذلك ثم اختفى بعدما أخبرني أنه سيلقي نظرة سريعة على المنزل.
أما أنا، فجلست على الطاولة في غرفة المعيشة شاردةً في أفكاري.
رغم أن عدة أيام مضت منذ يوم ذكرى التأسيس، لم أجد وقتًا كافيًا لأقابل جايها وجهًا لوجه.
كنت أظن أن كل شيء سينتهي بعد القبض على الاثنين، لكن تبيّن أن أمامنا الكثير من العقبات لنكمل الطريق معًا.
— “لم يسبق لي أن شعرت بهذا التردد عند الرحيل.”
خطر ببالي جايها الذي اضطر للذهاب إلى بيت عائلته لإنهاء أمور تتعلق بالرئيس وهوجين
كان واقفًا أمام باب المنزل لفترة، كما لو أن قدميه تأبيان الرحيل.
— “هل أمتنع عن الذهاب فحسب؟”
قال إنه مضطر للبقاء حتى انتهاء اجتماع مجلس الإدارة.
ورغم أنها كانت أول مرة نلتقي فيها منذ زمن، كان علينا أن نفترق من جديد وهو أمر أزعجني أيضًا.
لكننا نملك الكثير من الوقت لنقضيه سويًا في المستقبل.
لذا قررت أن أتنازل هذه المرة.
— “اذهب، وأنهِ الأمور جيدًا وعد سريعًا سأنتظرك.”
رغم أنني قلتها ببرود، إلا أنني كنت أفتقده أنا أيضًا.
“هل قال إن اجتماع مجلس الإدارة اليوم؟”
كان هذا هو اليوم الذي يُحسم فيه أمر إقالة جيهان واليوم ذاته الذي يعود فيه جايها
لكن، لِمَ لا أشعر بأن الأمر حقيقي؟
رغم أن ستار الانتقام قد أُسدل، إلا أن الأمر بدا وكأنه حلم.
رغم أنني رأيت جيهان وهو يُعتقل، إلا أنني لم أصدق، ربما لهذا السبب.
أردت فتح هاتفي لأرى ما إذا كانت هناك مقالة منشورة تعيد إليّ شعور الواقع.
لكن ما إن أمسكت به حتى أخذه مني العم هيونوك الذي كان قد اقترب دون أن أشعر.
— “من الأفضل ألا تتابعي الأخبار لا بد من أن فيها كثيرًا من الأحاديث السيئة.”
حتى لو لم أقرأ شيئًا، كنت قادرة على تخمين ما يُقال.
فقد حصلت ضجة أمام ذلك العدد الكبير من الضيوف والصحفيين.
“لابد أنها قضية شائكة.”
من الواضح أن المقالات المليئة بالتكهنات والإشاعات ستنتشر كالنار في الهشيم.
نظرت إليه وأنا أوافقه وسألته:
— “سأفعل ذلك هل أنهيت جولتك؟”
— “نعم، ألقيت نظرة ولم أجد شيئًا يستحق أن نحمله معنا سنرسل من يرتّب المكان.”
فكل الأشياء المهمة كانت قد نُقلت مع جايها بالفعل.
أومأت برأسي لكلامه ونهضت من مكاني.
— “هل نعود؟”
وما إن وصلت إلى الباب حتى أطفأ العم الأنوار.
بدا المنزل الغارق في الظلام وكأنه انعكاسٌ لعلاقتي مع جيهان
فها هي العلاقة الطويلة المليئة بالسوء قد انتهت أخيرًا.
.
.
.
“ادخلي.”
راقبتُ سيارة العمّ جو هيونيك وهي تبتعد بعد أن أنزلني، ثم استدرتُ.
ما إن دخلتُ إلى مجمّع الشقق السكنية المألوف حتى شعرتُ بالطمأنينة.
بات منزل جايها، أكثر دفئًا من بيت الزوجية الذي عشتُ فيه خمس سنوات.
ألم تكن راحة المنزل بهذا القدر الكبير من التأثير؟
رغم أننا لم نمضِ معًا سوى فصلين من الزمن، إلا أنني لم أعد أستطيع تخيّل الحياة من دونه.
سرتُ على طول ممر التنزّه الذي خيّم عليه الظلام دون أن أدري.
هل يا ترى عاد جايها؟
لا أظن لا يزال أمامه الكثير ليعود.
غالبًا ما زالوا يناقشون اقتراح إقالة جيهان.
ضحكتُ بخفة وأنا أفكر بأنه قد لا يتمكن من العودة اليوم.
لقد مضت عدّة أيام ونحن بعيدين عن بعض، فما الضرر إن انتظرتُ أكثر قليلًا؟
لكن، لا أدري لماذا، كان في قلبي شيء من المرارة ربما لأني عدت للتو من منزل الزوجية القديم مع جيهان.
كنت على وشك الضغط على زر إغلاق المصعد حين سمعت صوت خطوات مسرعة تقترب، لتُفتح أبواب المصعد التي كانت توشك على الإغلاق ببطء.
“أه…؟”
اتسعت عيناي دهشةً لرؤية ذلك الشكل المألوف من خلال الفجوة بين الأبواب.
كان من المفترض أن يكون جايها في اجتماع مجلس الإدارة، لكنه كان واقفًا هناك.
دخل إلى المصعد بخطوات واسعة حتى قبل أن تنفتح أبوابه كليًّا.
“متى أتيت إلى هنا…؟”
لم أتوقع أبدًا أن يعود بهذه السرعة.
لكن، قبل أن أُكمل حديثي، لفّ ذراعيه حول خصري واحتضنني.
كانت نظرات جايها المتقدة نحوي مشبعة بالشوق.
لقد اشتاق إليّ، تمامًا كما اشتقتُ إليه.
“……”
لم يكن ثمة حاجة للكلمات.
فقط من خلال نظراتنا المتشابكة، كنا نفهم ما يريده كلٌّ منّا.
ضغط جايها على زر الإغلاق في المصعد بيده العجولة.
وما إن انغلقت الأبواب تمامًا، حتى انطبعت شفتاه على شفتيّ.
“همم، ها…”
رغم أن تصرفه كان مندفعًا، إلا أن أنفاسه امتزجت بي برفق أغمضتُ عينيّ من أثر الإحساس الحلو الذي اجتاحني.
لم يكن هناك وقت للقلق إن كان أحدهم يرانا.
كان المصعد يصعد نحو الطابق العلوي، لكنه بدا أطول من المعتاد هذه الليلة.
أسرِع…
ربما شعر بتلهفي، فما إن ضمّني أكثر حتى انفتحت أبواب المصعد.
أمسك جايها بمعصمي وسحبني بسرعة نحو الخارج.
وما إن فتح باب المنزل، حتى بدا الداخل غارقًا في السواد.
حين دخلنا أخيرًا إلى ذلك الفضاء الذي لا يسكنه سوانا، بدأ قلبي يخفق بقوة أكبر.
كانت نظراته وحدها كفيلة بإشعالي.
لم يكد ضوء الحساس في المدخل يضيء لثانية حتى انطفأ من جديد.
“كان من الصعب عليّ أن أتحمّل، لأنني كنت أفتقدك كثيرًا.”
همس صوته العميق في أذني.
وفي ظلمة المنزل الحالكة، تلاقت نظراتنا مجددًا.
“وأنا أيضًا.”
ربما كان جوابي الصادق هذا هو ما حرّضه.
رغم أن عينيه كانتا مخفيّتين في الظلام، إلا أنهما لمعَتا كوحش جائع.
ودون أن يبادر أحدنا، التقينا من جديد في قبلة.
ثم، حملني جايها بين ذراعيه وتوجّه بي نحو غرفة النوم.
ووضعني بلطف على السرير.
رغم رقة حركاته، إلا أن قبلاته الملحّة جعلتني أتنفس بصعوبة.
“ها…”
مددتُ يدي وفككتُ عقدة ربطة عنقه.
ثم بدأت بفك أزرار قميصه واحدًا تلو الآخر، لكنها لم تكن سهلة بسبب ضعف الرؤية.
كانت يداي تنزلقان من التوتر المتعجّل.
“تمهّلي… لا، لا يمكنني التحمل أكثر.”
ربما لم يحتمل لمساتي المترددة فوق قميصه، فسحب يدي بعيدًا.
اقترب مني، ونصف أزرار قميصه ما تزال مفتوحة، وهمّ بتقبيلي من جديد.
– زييييينغ.
اهتز شيءٌ ما فجأة.
على الأرجح كان هاتفي المحمول الموضوع داخل الحقيبة.
التقت عيناي بعيني جايها الذي ابتعد عني قليلًا بسبب صوت الاهتزاز، وكانت في عينيه لمحة من الانزعاج والتوتر، كمن أُزعج في وقتٍ لا يُزعَج فيه.
“أعتقد أنه هاتفي.”
قلت وكأنني أبرر.
مددت يدي لأتناول حقيبتي الملقاة على الأرض.
“دعيني أرى من المتصل فقط…”
لكن، قبل أن تلامس يدي الحقيبة، كان جايها قد خطف الهاتف بسرعة.
ثم، ومن دون تردد، أطفأ الهاتف الذي ظلّ يرن بإلحاح.
“لا، لا تهتمي له.”
قالها بصرامة.
ثم رمى الهاتف على السرير في مكانٍ ما، وأوقعني برفق مجددًا على الفراش.
اقترب من أذني وهمس بصوتٍ خافت:
“لا أريد أن يقاطعنا أحد هذه الليلة.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 112"