استدرت انعكاسيًا فرأيت وجه جيهان الغاضب للغاية.
“ما الأمر؟ في هذه الساعة.”
شعرت وكأنني سأؤكل حيّة من نظرات جيهان الحادة الموجهة إليّ ومن رؤيتي لسيارته المركونة غير بعيد، بدا وكأنه كان ينتظرني نقلت نظري إليه مرة أخرى.
ذلك الذي ظل صامتًا كأنه يحتج بداخله، فتح شفتيه أخيرًا.
“ماذا كنت تفعلين مع أخي حتى هذه الساعة؟”
شدّ معصمي بقوة حازمة وعلى الرغم من أنني تجهمت من الألم الذي شعرت وكأن معصمي سينقطع بسببه، إلا أنه لم يبدِ أدنى اهتمام.
“أجيبي.”
هل ما حدث في الفندق اليوم هو ما أغضبه إلى هذا الحد؟
كان جيهان يحدق بي بنظرات هائجة.
(الغضب أنا من يجب أن أشعر به، لماذا تتصرف هكذا؟)
لم أصدق ما يحدث.
أنت من كنت تتصرف بشكل غير لائق في الفندق، ومع ذلك، لماذا تصب غضبك عليّ؟
سئمت من وقاحته ، التي انقلبت وكأن الأحوال قد انعكست تمامًا.
“ليس هناك شيء يستحق الإجابة عليه.”
“ماذا؟”
انتزعت معصمي من قبضته، فظهر عليه احمرار وتورم واضح.
يا لها من خطيب لا يهتم لحالتي أصلًا.
جيهان، بدلاً من أن يظهر أي اهتمام، بدا أنه ازداد انزعاجًا من ردّة فعلي الحادة.
“ذهبت إلى غرفة جايها بسبب النبيذ الذي سكبه سورين.”
“…….”
“وبعد أن استلمت ملابسي من خدمة التنظيف الجاف، عدت الآن فقط هل يكفي هذا؟”
حتى بعدما قلت له الحقيقة كما هي، ظل على حاله.
نظرت إليه بنظرة باردة بينما كان لا يزال يحدق بي بعينيه المشعتين بالغضب.
“أنا من تجب أن تسأل ، كيف استطعت أن تتركني على تلك الحالة المزرية دون أن تتحرك ساكنًا؟”
“……ذلك!”
“بغض النظر عن أن المناسبة كانت من تنظيمك، كان عليك أن تهتم بي، لا بسورين.”
عند توبيخي الحاد، عبس جيهان وهو يحدق بي، وكأنه لم يتوقع أن أكون أنا من يلومه.
لو كانت يون يو جين السابقة، لما كانت لتعاتبه حتى لو لاحظت شيئًا غريبًا.
“من يراك سيظن أنك خطيب سورين، لا خطيبي.”
“أي هراء هذا… إنه لأمر يثير السخرية.”
حين حدقت به دون أن أنطق بكلمة، أطلق جيهان ضحكة ساخرة.
“لا بد أنك لا تعتقدين هذا حقًا، أليس كذلك؟”
“لا أستطيع أن أنكر ذلك.”
“أعتقد أنني قد شرحت لك أن ذلك كان مجرد سوء فهم لا، على أي حال، دعينا ندخل ونتحدث.”
ورغم أن المجمع السكني كان خاليًا نسبيًا من الناس، إلا أن جيهان بدا منزعجًا من احتمال أن يرانا أحد، فتوجه بخطوات واسعة نحو الشقة.
شعرت أن الأمور ستصل إلى دخوله المنزل، فناديت عليه قائلة:
“إن كان لديك ما تريد قوله، فقله هنا.”
“…….”
“أنا متعبة جدًا لا أريد أن أتشاجر معك داخل المنزل أيضًا.”
لم أتحرك قيد أنملة، إذ لم أكن أنوي إدخاله إلى البيت.
وفي النهاية، عاد إليّ بعدما كان قد سبقني.
وكانت عيناه ترمقانني بإصرار، وكأنه يحاول أن يكشف عن نواياي الداخلية.
“لقد تغيّرتِ.”
كانت هذه جملة قالها لي من قبل أيضًا.
وعلى الرغم من أنني كنت أعرف ما الذي يعنيه، تظاهرت بعدم الفهم ونظرت إليه بهدوء وأجبت:
“لا أفهم ما الذي تتحدث عنه.”
“كيف يمكن لشخص أن يتغير بهذه السرعة؟ أنتِ، كما أعرفك، لم تكوني بهذه القسوة، ولا كنتِ تعرفين كيف ترفعين صوتك.”
“هاه…”
تنهدت رغماً عني.
كلماته جعلتني أشعر بالذهول، وكأنني دمية مصممة لتناسب القالب الذي وضعه لي.
“لا أعلم لماذا التقيتِ بأخي اليوم، لكن لا تلتقي به مجددًا.”
(اليوم؟)
كان في كلماته إيحاء بأنه يعرف أنني التقيت بجايها من قبل أيضًا.
حين التقت عيناي بنظرته الداكنة شعرت بقشعريرة تسري في جسدي.
“أنا أعلم أنكما التقيتما من قبل أيضًا.”
“هاه… هل أصبحت الآن تحقق ورائي؟”
يبدو أن كل هذا الحديث الطويل كان تمهيدًا لهذا.
كان يريد تحذيري ألا أقوم بأمور خلف ظهره دون علمه.
فكرتُ بمدى وقاحة جيهان وضحكت بسخرية.
“لا أريد تسميته تحقيقًا، بل اهتمامًا يجب أن أعرف ما الذي تفعله خطيبتي.”
عادةً ما يُسمى هذا بالشك…
تساءلتُ إلى متى سأظل مضطرة للاستماع إلى هذه الأباطيل، فنظرت إليه مجددًا.
“لا أعلم ماذا يملأ سو جايها رأسك به، لكن أخي ليس شخصًا يمكنك الاعتماد عليه.”
يبدو أنه كان يظن أن التغيّر الذي طرأ عليّ مؤخرًا سببه جايها.
حسنًا…
من الطبيعي ألا يتخيل أحد أن سبب تغير خطيبته هو أنها ماتت وعادت إلى الحياة.
(بل لعل هذا أكثر منطقية بالنسبة له.)
كنت ممتنة لسو جايها الذي جذب انتباهه بعيدًا عني، إذ لم يكن لجيهان أن يتخيل الوجه الحقيقي لي الآن، المملوء بالانتقام.
ثم مدّ إليّ جيهان ظرفًا بنيًا كان يحمله بيده.
“ما هذا؟”
أشار لي بعينيه أن أفتحه دون كلام.
وعندما فتحته، استقبلتني أوراق بيضاء كُتب على رأسها بخط واضح:
“طلب تسجيل زواج”
ارتجفت يدي التي كانت تمسك بالأوراق دون أن أدرك.
“أنتِ في التاسعة والعشرين من عمرك، ولم تعودي صغيرة لكي لا تدركي أنتِ الآن في وضع سيئ، يا يون يوجين.”
كان جيهان يتحدث عن الواقع البارد الذي أواجهه بوجه خالٍ من أي تعبير.
وكان يحدق بي بنظرة تحذيرية توحي بأنه ليس الوقت المناسب للعناد الطفولي.
“أنتِ الوريثة الوحيدة لمجموعة ليس لها وريث مؤكد.”
واقترب مني خطوة بعد خطوة.
“قد تكونين قد حصلتِ على نسبة لا بأس بها من الأسهم، لكن لا يوجد مساهم واحد سيلتفت إلى كلامك.”
“…….”
“ما يمكنك فعله الآن هو الزواج بي وتثبيت مكانك.”
كانت نظراته تقول بوضوح: “لذا وقعي على طلب تسجيل الزواج، ولا تفكري بسخافة.”
كلماته كانت أقرب إلى التهديد منها إلى النصيحة.
ومع ذلك، كان بعض ما قاله صحيحًا.
لو كنت أنا يون يوجين ما قبل العودة، لربما كنت قد استسلمت لهذه التهديدات وختمت الأوراق.
فقط لأني لم أتحمل الوحدة وكنت سأهرب إلى أحضان سو جيهان.
(لكنني الآن لستُ يون يوجين الساذجة بعد الآن.)
شعرت بحرارة الغضب تتصاعد من أعماق صدري، وبدأت أضغط الأوراق بين أصابعي حتى تجعدت أطرافها.
تنفست بعمق محاولة كبح الغضب الذي كان سينفجر، وشددت قبضتي حتى انغرست أظافري في راحة يدي.
كنت أرغب في تمزيق الأوراق شر تمزيق، لكنني أدركت أن الوقت لم يحن بعد.
“هل أنتَ… تهددني الآن؟”
“لو بدا لك الأمر تهديدًا، فهذا مؤسف.”
ابتسم لي ببرود، وهو لا يزال يواجهني بنظره الوقح.
ثم حرك رأسه ببطء وقال بصوت خفيض:
“أفضل أن أقول إنه قلق على خطيبتي.”
كذب.
ثم، وكأنه لم يكن غاضبًا قبل قليل، عاد إلى شخصيته الهادئة المعتادة.
“كما أود أن ننهي كل سوء الفهم الذي حدث بيننا اليوم.”
في حياتي السابقة، لم أرفع صوتي يومًا في وجهه.
لذلك بدت لي هذه الازدواجية بين الغضب الشديد والهدوء التام مرعبة.
“حين نتزوج، ستُحل كل مشاكلك مشكلة الوراثة، والمساهمين المزعجين كذلك.”
كانت نظراته توحي بثقة مفرطة بأنني سأقبل هذا الزواج.
حسنًا، بما أنه يتوهم، فلنجعله يتوهم أكثر.
“صحيح الزواج هو أنسب طريقة.”
بلعت الكلمات التي كنت سأقولها بأنني لن أتزوجه، وابتسمت له ابتسامة مصطنعة.
“وأنا أيضًا أود أن يتولى زوجي قيادة المجموعة.”
لكن زوجي لن يكون أنت.
عند سماع كلماتي، أطلق جيهان أخيرًا ابتسامة راضية.
“قرار صائب ارتاحي الآن.”
قال ذلك، ثم غادر.
ظللت واقفة في مكاني فترة طويلة بعد رحيله، ثم استدرت ودخلت إلى المنزل.
دخلت إلى البيت المظلم وأضأت الأنوار.
وضعت كيس التسوق الذي كنت أحمله وألقيت بجسدي المنهك على الأريكة.
وفي الكيس الموضوع على الطاولة كان الظرف البني لا يزال ظاهرًا.
(طلب تسجيل زواج، هاه…)
ابتسمت بسخرية وأنا أتذكر وجه جيهان الوقح حين تحدث عن الزواج.
عندما أخرجت الأوراق من الظرف، وصلني في نفس اللحظة صورة من الشخص الذي كنت قد طلبت منه مراقبة جيهان.
كانت الصورة تُظهر سورين وهي تهبط من السيارة إلى أحضان جيهان، تبدو عليها ملامح المفاجأة.
بدا أن جيهان قد عاد مجددًا، بينما كان يفترض أنه قد ذهب.
“يمكنهما الزواج معًا إذًا.”
كنت أتطلع بشماتة إلى مستقبل هذين الاثنين المفلسين.
لن يكون هناك زواج بيني وبينك في هذه الحياة أبدًا.
قبضت بيدي على طلب الزواج حتى تمزق بشكل مشوه.
“اضحكي قدر ما تشائين الآن.”
نظرت إلى سورين وهي تبتسم في الصورة، ثم مزقت الأوراق إلى أشلاء متناثرة في الهواء.
“فقريبًا ستتوقف تلك الابتسامة أيضًا.”
***
منذ الصباح الباكر، وردني اتصال هاتفي.
“المذيعة يون، ابدئي بالدوام اعتبارًا من يوم الإثنين المقبل.”
بعد تلقي اتصال المدير الذي يأمرني بالعودة إلى العمل، توقفت في مكاني لبرهة.
لقد كنت مذهولة من خبر العودة الذي أُبلغت به فجأة.
“ما الذي حدث؟ ألم تقل إن الأمر غير ممكن؟”
“الأمر هو… من الصعب أن تعودي إلى منصب المذيعة الرئيسية.
لكن، في الوقت نفسه، ليس الأمر مستحيلاً تمامًا.”
لم اعرف إن كان يقصد أن الأمر ممكن أم لا.
تساءلت بحيرة أمام نبرة صوته الغامضة.
“هناك خبر سيسرّك، أعتقد.”
“خبر يسرني؟”
“سأشرح لك عندما تأتي إلى العمل، فلنتحدث بالتفصيل عند لقائنا.” حين سألت عن حقيقة ما حدث، ترك المدير إجابة مبهمة، ثم أنهى الاتصال.
لا تزال صورته مائلة أمامي عندما التقيت به في مكتبه، وهو يصرّ على أن عودتي إلى منصب المذيعة الرئيسية أمر مستحيل.
(قرار عودتي إلى العمل بهذه الطريقة يعني أن هناك متغيرًا طرأ على قرار تعيين تشاي سورين مذيعة رئيسية.)
رغم أنه قال إن عودتي إلى منصب المذيعة الرئيسية صعب، إلا أن تردده في نهاية حديثه أوحى بوجود احتمال قائم.
بدا أنه يمكن للأمور أن تتغير تبعًا لطريقة تدخلي.
لم أكن أعرف التفاصيل بعد، لكن النتيجة كانت مرضية أكثر مما توقعت، وشعرت بارتياح نسبي.
بعد إنهاء المكالمة مع المدير، جلست على الشرفة أفكر بما هو قادم، مرسومة على وجهي ابتسامة خفيفة.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 11"